أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ 5 أيام

الإقنَاع في القرآنِ الكَريم


الإقنَاع في القرآنِ الكَريم
المَبادئ والأسَاليب
ـــــ د. أحمد حسن خشان* ـــــ


يقوم الإقناع في القرآن الكريم على جملة من المبادئ الأخلاقيّة التي تنسجم مع قواعد المنطق السّليم، وسُنن العقل القويم، ويعتمد -الإقناع- على عددٍ من الأساليب المدعّمة بالحقائق والأدلّة التي تُحاكي العقل السليم؛ وهو الفِطرة التي فطرَ الله تعالى خلْقَه عليها.
يقدّم هذا المقال للباحث العراقي الدكتور أحمد خشّان تعريفاً موجزاً بتلك المبادىء، وهذه الأساليب.

إنّ القرآن الكريم لم ينزل إلّا لمعرفة معانيه، وتبيان مراميه، واتّباع أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: ﴿..وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم ولعلّهم يتفكّرون﴾ النحل:44. فالآيات القرآنية هي الحقائق المطْلقة التي تُغني العقول، وتُطَمئِنُ القلوب، وتفضحُ الزَّيف والإفتراء، حتّى لا يبقى أمام المتمرّد إلّا أحدُ أمرَين: إمّا أن يؤمن عن بيّنة، وإمّا أن يكفر عن بيّنة.
ويُمكن تلخيص مبادئ الإقناع في القرآن الكريم على النحو الآتي:
1- تطابقُ منهجِ القرآن الكريم مع الفكرة الإنسانيّة:
إنّ الناس مفطورون على العلم وفق الموازين العقليّة التي لا ينازع فيها أحدٌ من عقلاء بني آدم، لأنّ مبنى العقل على صحّة الفطرة وسلامتِها، فكانت دعوة القرآن الكريم للقيام بالتّكاليف العباديّة اليَسيرة التي تحقّق للإنسان راحةَ الضمير، وسموّ الروح، ورضى النّفْس، وصحّة البدن. وتضمّنت هذه الدّعوة التشريعَ لنظامٍ متكامل في الدنيا، وضمان الفوز لِمن تبعه بالآخرة، قال عزّ وجلّ: ﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً، فِطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون﴾ الروم:30.

2- المساواة بين الناس:
إنّ خطاب القرآن الكريم في الإقناع ذو نزعة إنسانيّة مُطْلقة، قِوامُها المساواة بين الناس والمفاضلة بينهم على أساس العقيدة والمبدأ، وليس على أساس النّسَب أو العِرق أو اللّون أو الجنس، قال تعالى: ﴿يأيها الناس إنّا خلقنكم من ذكرِ وأنثى وجعلنكم شعوباً وقبآئل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، إنّ الله عليم خبير﴾ الحجرات:13.

3- الحريّة:
تأسيس مبدأ الحريّة للإنسان على قاعدة العبوديّة لله الواحد الأحد، تلك الحريّة التي تحقّق للإنسان كينونتَه الحقّة التي أكرمها الله تعالى له، وهي الطريق إلى الإيمان الذي يجعل قلب الإنسان معلّقاً بالله سبحانه. قال عزّ وجلّ: ﴿لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُّشد من الغىّ..﴾ البقرة:256.

4- المصداقيّة:
إن رسول الله صلّى الله عليه وآله هو الصّادق الأمين في قومه، وكفى بالله شهيداً -في كتابه الكريم- أنّه صاحب الخُلق العظيم، وهو رسولُ ربّ العالمين، نزل عليه القرآن الكريم بنفسه الطّاهرة، وهو يمثّل الثقة المطْلقة في تبليغ رسالته تعالى إلى البشر، فكان صلّى الله عليه وآله يحظى بالقبول والرضى والإستحسان عند قومه والناس أجمعين، وبالتالي بالإيمان بعد الإقتناع به صدقاً وعدلاً. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾ الأحزاب:21.

5- مراعاة أحوال المخاطَبين:
تتمثّل في دعوة الناس الى التعاون، وأن يُحسنوا كما أحسن الله إليهم، في صياغات بارعة تعزّز الأواصر، وتضمن التكافل الإجتماعي، قال تعالى: ﴿..وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..﴾ المائدة:2.

6- الإقناع بعرض الأفكار وليس التحكّم بالفكر:
إن الإقناع في القرآن الكريم طَوعيّ غير قسري، يجري على قاعدة احترام الإنسان وكرامته وإنسانيّته وأحواله وظروفه، بما يدعوه الى التفكّر والتدبّر في آيات القرآن الكريم بحيث يصدر إيمانُه عن قناعة ورضى، بعيداً كل البُعد عن الأساليب السلبيّة كالضّغط والغصْب، كما فعل سحرةُ فرعون الذين سَحروا أَعينَ الناس واسترهَبوهم.

7- مبدأ الثواب والعقاب:
نعني به دعوة الناس إلى تقوى الله تعالى، وتخويفهم من أهوال يوم القيامة، قال عزّ وجلّ: ﴿يأيها الناس اتّقوا ربّكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سُكارى وما هم بسُكارى ولكن عذاب الله شديد‏﴾ الحج:1-2.
فمن يهتدي باتّباع هَدْي القرآن، وطاعة الرسول صلّى الله عليه وآله فثوابُ اهتدائه له، ويُجزى الجزاء الأوفى، وهو الذي يقطف عاقبتَه الحميدة، ومن ضلَّ عن الحق وزاغ عن سبيل الرّشاد فإنّما يجني على نفسه بالعقاب والثّبور، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: «إنّ الله سبحانه وضع الثواب على طاعته والعقاب على معصيته ذيادةً [منعاً وصوناً] لعباده عن نقمته، وحياشةً [سوقاً] لهم إلى جنّته».

أساليبُ الإقناع في القرآنِ الكريم

تنوّعت أساليب الإقناع والردّ على المعاندين والمعارضين في القرآن الكريم، وجميع هذه الأساليب لها سندٌ من البيان والبرهان، مدعّمة بالحقائق والأدلّة، وهي عاليةٌ بعلوِّ مصدرها، وتظهر من دراسة مجموعها -في المحاجّة والإقناع، والموازنة بينهما- حقيقةُ أنّ الله عزّ وجلّ يتقرّب بِلُطفِه ورحمته وهدايته إلى عباده، وفيهم المعاندون والمشركون وأهل الكتاب الذين يبتعدون بظلمهم وجحودهم عنه تعالى.
لقد ردّ القرآن الكريم بِطُرق وأساليب مقابلة لطبيعة ما جاء في المحاجّة من موضوع وأسلوب ومعنى، ومن ثمّ تفنيدها بالإحتجاج القرآني المتضمّن إقامةَ الحجّة على الناس وتذكيرهم بالرُّسل، والكُتب، والتبشير، والإنذار، والعقاب والثواب بحيث لا يدَع لهم ذريعةً ولا وسيلةً يتذرّعون بها، إلّا الإقرار بالحقّ والإيمان بالله العظيم ودينِه الحنيف، ذلك أنّ المحاجّة انطلقت بلا عِلمٍ ولا دليلٍ ولا كتابٍ منير، وهي واهنةٌ لا تصمد، ولا تلبث أن تسقط أمام حقائق الإقناع العلميّة بالأدلّة والبراهين.
وتراوحت طُرق الردّ في القرآن الكريم على معانديه ومعارضيه بين اللِّين، والحزم والأخذ بالشدّة التي يقتضيها موضوع المحاجّة وما يستحقّ من الردّ عليه. ومن هذه الطُّرق والأساليب: التحذير، والإنذار، والتعليق، والإعتذار، والتنزيه، والدّعاء، والتعجيز، والتكذيب، والوعيد.
وربما كان الردّ القرآنيّ مزجاً بين اثنتين أو أكثر من هذه الطُّرق، ومَن يطالع كُتب التفسير يجد هذه الأساليب بشكل واضح، وهي لا تخرج –في الغالب- عن واحدة ممّا يأتي، كلٌّ منها مرفقة بشاهدٍ قرأنيٍّ.
1- الإعتذار: ﴿ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربّه إنّما أنت منذرٌ ولكل قومٍ هادٍ﴾ الرعد:7.
2- التّنزيه: ﴿وقالوا اتّخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السموات والأرض كلٌّ له قانتون﴾ البقرة:116.
3- الدّعاء: ﴿وقالت اليهود يد الله مغلولة، غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا..﴾ المائدة:64.
4- التعجيز: ﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين﴾ البقرة:111.
5- التكذيب: ﴿وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنّهم لكاذبون﴾ العنكبوت:12.
6- الوعيد: ﴿وقالوا ما في بطون هذه النعام خالصة لذكورنا ومُحرّم على أزواجنا وإن يكن ميتةً فهم فيه شركآء، سيجزيهم وصفهم، إنه حكيم عليم﴾ الأنعام:139.
لقد عرض بعضُ الباحثين موضوع الردَّ على المعاندين في القرآن الكريم، ووصل إلى أسلوب الوعيد من دون ذكر أسلوبين آخرين من المفترض أن يتقدّما على أسلوب الوعيد؛ هما: أسلوب التحذير وأسلوب الإنذار بموجب تدرّج إتمام الحجّة القرآنية على هؤلاء المعاندين، وهو ممّا لا يُغفل في منهج الكتاب المجيد.
7- التحذير: ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإنْ تولّيتم فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين﴾ المائدة:92.
8- الإنذار: ﴿ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمةً، وهذا كتابٌ مُصدّق لساناً عربيّاً ليُنذر الذين ظلموا وبُشرى للمُحسنين﴾ الأحقاف:12.
وأيضاً من أساليب الرد في القرآن الكريم:
9- التعليق: ﴿وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضى الأمر ثم لا يُنظرون * ولو جعلناه مَلَكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ الأنعام:8-9.
10- الإجابة بسؤال: ﴿ذلك بأنهم قالوا لن تمسّنا النار إلا أياماً معدودات، وغرّهم في دينهم ما كانوا يفتَرون * فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لا ريب فيه ووُفّيت كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون﴾ آل عمران:24-25.
11- بالتّوكيد والسؤال: ﴿وقالوا لن تمسّنا النار إلا أيّاماً معدودة، قل أتّخَذتُم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهدَه، أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ البقرة:80-81.
12- الجواب: ﴿وأقسَموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، بلى وعداً عليه حقاً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون﴾ النحل:38.
13- الأمر بالجواب: ﴿وقالوا لولا نُزّل عليه آيةٌ من ربّه، قُلْ إنّ الله قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون﴾ الأنعام:37.
وليس لأحدٍ الإحاطة بأساليب وطُرق التعليم القرآني، لأنّ ذلك سرٌّ من أسرار إعجازه، ودرٌّ مكنون في حلّة امتيازه، قال تعالى: ﴿ولقد صرّفنا في هذا القرآن للناس من كلّ مَثل، وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً﴾ الكهف:54.

* باحث وأكاديمي من العراق

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

إعداد شعائر

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

منذ 4 أيام

إعداد شعائر

نفحات