الملف

الملف

منذ 0 ساعة

«جُمِعت في صفاتِك الأضدادُ»
إعداد: «شعائر»

خصالُ أمير المؤمنين، في حِوارِيّة ابنِ دأْب
«جُمِعت في صفاتِك الأضدادُ»
ــــ إعداد: «شعائر» ــــ

بين يدَي القارئ حواريّةٌ أنشأها مؤرِّخٌ أديب، من أبرز وجوه التاريخ والأدب في القرن الثاني الهجري.
تتركّز الحواريّة على خصال الدِّين والدُّنيا التي اجتمعت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والتي لم تجتمع لغيره،  فكان ذلك سبب حَسَدِهم له عليه السلام.
ما يلي مقتطفاتٌ -بتصرُّف- من هذه الحِواريّة المبسوطة جدّاً، والتي كانت «شعائر» قد اختارت ما ورد فيها حول موقف الإمام عليه السلام من المال، وتمّ نشرُه في عدد شهر رجب من السنة الماضية.
 



أضاف المحدّث القمّي: (قلت) ويظهر -من روايةٍ نقلَها صاحب (الإختصاص) عنه

عيسى بنُ دَأْب؟
قال المحدّث الشيخ عباس القمّي:
(إبنُ دأب): أبو الوليد، عيسى بنُ يزيد بنِ بكر بن دأْب، كفَلْس. كان من أهل الحجاز من كنانة، معاصراً لموسى الهادي العباسي، وكان من أكثر أهل عصره أدباً وعلماً ومعرفةً بأخبار النّاس وأيّامِهم، وكان موسى الهادي يدعو له متّكئاً [بمتّكأ]، ولم يكن غيرُه يطمع منه في ذلك، وكان يقول له: «يا عيسى ما استطلت بك يوماً ولا ليلة، ولا غبتَ عنّي إلّا ظننت أنّي [إلّا تمنّيتُ أن] لا أرى غيرك».
ذكر المسعودي في مروج الذهب بعضَ أخباره مع الهادي ثمّ قال: ولابن دَأْب مع الهادي أخبارٌ حِسان يطول ذكرُها، ويتّسعُ علينا شرحها، ولا يتأتّى لنا إيرادُ ذلك في هذا الكتاب لاشتراطنا فيه على أنفسنا الاختصار والإيجاز. انتهى.

في الخصال الشّريفة التي جُمعت في أمير المؤمنين عليه السلام، ولم تجتمع في أحدٍ غيره- تشيُّعُه،
 والرواية طويلة أوردها العلّامة المجلسي في البحار
 (التاسع: ص 450، يقصد الطبعة القديمة) لا يحتمل المقام ذكرها.
أضاف المحدّث القمّي أيضاً: قال ابنُ قتيبة: لابنِ دأْب عَقِبٌ بالبصرة، وأخوه يحيى بن يزيد، وكان أبوهما يزيد أيضاً عالماً بأخبار العرب وأشعارها، وكان شاعراً أيضاً، والأغلب على آل دأْب الأخبار. انتهى.
الشيخ عباس القمي، الكنى والألقاب، ج 1: ص 281

أورد العلّامة المجلسي في (بحار الأنوار، ج 40، ص 97 – 100، مؤسسة الوفاء) عن كتاب (الإختصاص) المنسوب إلى الشيخ المفيد مسنداً، إلى ابن دَأْب أنّه قال:
«لقيتُ النّاس يتحدّثون أنّ العرب كانت تقول: إنْ يبعثِ اللهُ فينا نبيّاً يكون في بعض أصحابِه سبعون خصلةً من مكارم الدّنيا والآخرة، فنظروا وفتّشوا هل يجتمع عشرُ خصالٍ في واحد، فضلاً عن سبعين، فلم يجدوا خصالاً مجتمعةً للدِّين والدّنيا، ووجدوا عشرَ خصالٍ مجتمعةً في الدّنيا وليس في الدِّين منها شيء، ووجدوا زهير بن حباب الكَلبي، ووجدوه شاعراً، طبيباً، فارساً، منجِّماً، شريفاً، أيّداً، كاهناً، قائفاً، عائفاً، زاجراً، وذكروا أنّه عاش ثلاثمائة سنة ".."
قال ابن دأب: ثمّ نظروا وفتّشوا في العرب -وكان الناظرُ في ذلك أهلُ النَّظر- فلم يجتمع في أحدٍ خصالٌ مجموعةٌ للدِّين والدنيا بالاضطرار على ما أحبّوا و كرهوا إلّا في عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فحسدوه عليها حسداً أنغلَ القلوب، وأحبطَ الأعمال، وكان أحقّ النّاس وأولاهم بذلك، إذ هدمَ اللهُ عزَّ وجلّ به بيوتَ المشركين، ونصر به الرّسول، واعتزّ به الدِّين في قتلِه مَن قتَل من المشركين في مغازي النبيّ صلّى الله عليه وآله.

قال ابنُ دأْب: فقلنا لهم: وما هذه الخصال؟
قالوا: * المواساة للرّسول صلّى الله عليه وآله * وبذْلُ نفْسِه دونَه * والحَفيظة  * ودفعُ الضّيم عنه * والتصديقُ للرّسول بالوعد * والزُّهد * وترْكُ الأمل * والحياء * والكرَم * والبلاغة في الخُطب * والرِّئاسة * والحِلم * والعِلم * والقضاءُ بالفَصل * والشّجاعة * وترْكُ الفرح عند الظَّفَر* وتركُ إظهارِ المرَح  * وتركُ الخديعةِ والمكرِ والغَدر* وترْكُ المُثْلَة وهو يقدرُ عليها * والرّغبةُ الخالصةُ إلى الله تعالى * وإطعامُ الطّعام على حبِّه * وهَوَانُ ما ظفرَ به من الدّنيا، عليه * وترْكه أن يفضِّلَ نفْسَه ووُلدَه على أحدٍ من رعيّتِه * وطعمه (طعامه) أدنى ما تأكلُ الرّعيّة * ولباسُه أدنى ما يلبسُ أحدٌ من المسلمين * وقسمُه بالسّويّة * وعدلُه في الرعيّة * والصّرامة في حربِه وقد خذله النّاس، فكان في خَذْل النّاس وذهابهم عنه بمنزلةِ اجتماعهم عليه طاعةً لله وانتهاءً إلى أمره * والحِفْظ، وهو الذي تُسمّيه العربُ العقل حتّى سُمِّيَ أُذناً واعية * والسّماحة * وبثُّ الحِكمة  * واستخراجُ الكلمة * والإبلاغُ في المَوعظة * وحاجةُ النّاس إليه إذا حضر حتّى لا يؤخذ إلّا بقولِه * وانغلاقُ ما في الأرض على النّاس حتّى يستخرجَه * والدّفعُ عن المظلوم * وإغاثةُ الملهوف * والمُروءة * وعِفّةُ البطن والفرج * وإصلاحُ المال بيدِه ليستغني به عن مال غيرِه * وترْكُ الوهن والاستكانة * وتركُ الشّكاية في موضعِ ألمِ الجِراحة * وكتمانُ ما وُجِد في جسده من الجراحات من قرنِه إلى قدمِه؛ وكانت ألفَ جراحةٍ في سبيل الله * والأمرُ بالمعروف * والنّهيُ عن المنكر* وإقامةُ الحدود ولو على نفسِه * وتركُ الكتمان في ما لله فيه الرّضا {ولو} على ولدِه * وإقرارُ النّاس بما نزلَ به القرآن من فضائلِه * وما يحدِّثُ النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله من مناقبه * واجتماعُهم على أنّه لم يردّ على رسول الله صلى الله عليه وآله كلمةً قَطّ * ولم ترتعد فرائصُه في موضعٍ بعثَه فيه قَطّ * و شهادةُ الذين كانوا في أيّامه أنّه وفّرَ فَيئَهم، وظَلَف نفسَه عن دنياهم، ولم {يَرْتَشِ} في أحكامِهم * وزكاءُ القلب * وقوّةُ الصّدر عندما حكمتِ الخوارجُ عليه، و هرب كلّ مَن كان في المسجد وبقيَ على المنبر وحدَه * وما يحدِّثُ النّاسُ أنّ الطّيرَ بكتْ عليه *  وما رُوي عن ابن شهاب الزّهريّ أنّ حجارة أرضِ بيت المَقدس قُلِبت عند قتلِه فوُجد تحتَها دمٌ عبيط * والأمرُ العظيم حتّى تكلّمت به الرّهبانُ وقالوا فيه * ودعاؤه النّاس إلى أن يسألوه عن كلِّ فتنةٍ تُضلّ مائةً أو تهدي مائة *  وما روى الناس من عجائبِه في إخباره عن الخوارج وقتْلِهم* وتركُه مع هذا أن يظهر منه استطالةٌ أو صلَف * بل كان الغالبُ عليه إذا كان ذلك غلبةُ البكاء عليه والاستكانة لله، حتّى يقول له رسول الله صلّى الله عليه وآله ما هذا البكاءُ يا عليّ؟ فيقول: أبكي لرضا رسول الله صلّى الله عليه وآله عنّي، فيقول له رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ اللهَ و ملائكتَه ورسولَه عنك راضون * وذَهابُ البرد عنه في أيّام البرد * وذَهابُ الحرِّ عنه في أيّام الحرّ، فكان لا يجدُ حرّاً ولا برداً * والتأبيدُ بضرب السّيف في سبيل الله * والجمال ".." : أشرف يوماً على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: ما ظننتُ إلّا أنّه أشرفَ عليَّ القمرُ ليلةَ البدر * ومباينتُه للنّاس في إحكامِ خَلْقِه ".." بعيد ما بين المَنكبين، وإنّ ساعدَيه لا يستبينان من عَضُدَيه من إدماجِهما من إحكامِ الخلْق، لم يأخذ بيدِه أحداً إلّا حبسَ نَفَسَه، فإنْ زادَ قليلاً قَتَلَه .
***

فقلنا: فما التصديقُ بالوعد؟ قالوا: قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخبرَه بالثواب والذّخر، وجزيلِ المآب لمن جاهد محسناً بمالِه ونفسِه ونيّته، فلم يتعجّل شيئاً من ثواب الدّنيا عوضاً من ثواب الآخرة، لم يفضّل نفسه على أحدٍ للّذي كان منه، وتركَ ثوابَه ليأخذَه مجتمعاً كاملاً يوم القيامة، وعاهدَ الله أن لا ينال من الدّنيا إلا قدْر البُلْغَة، ولا يَفْضل له شيءٌ ممّا أتعبَ فيه بدنَه، ورشحَ فيه جبينُه إلّا قدّمه قبله، فأنزل الله {تعالى}: ﴿..وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله..﴾ البقرة:110.

* ".." ثمّ العلم. فكم من قولٍ قد قالَه عمر : لولا عليٌّ لَهلكَ عمر.
* وأمّا غِناه عن النّاس. فإنّه لم يوجَد على باب أحدٍ قَطّ يسألُه عن كلمةٍ، ولا يستفيدُ منه حرفاً. [أي: ولم يوجَد على باب أحدٍ يستفيد منه حرفاً]

* ثمّ المَشورة في كلّ أمرٍ جرى بينهم حتّى يجيئَهم بالمخرج.

* ثم القضاء. لم يتقدّم إليه أحدٌ قطّ فقال له: عُد غداً أو دفعَه، إنّما يفصلُ القضاءَ مكانَه، ثمّ لو جاءَه بعدُ لم يكن إلّا ما بدرَ منه أوّلاً.

* ثمّ الشجاعة. كان منها على أمرٍ لم يسبِقْهُ الأوّلون، ولم يُدرِكْهُ الآخرون من النّجدَة والبّأس ".." وذكروا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله حملَه على فرسٍ فقال: بأبي أنت وأمّي، أنا، ما لي وللخيل؟ أنا لا أتْبعُ أحداً، ولا أفرُّ من أحد، وإذا ارتديت سيفي لم أضعْهُ إلّا للّذي أرتدي له.

* ثمّ هوانُ ما ظفرَ به من الدّنيا عليه. إنّه جمعَ الأموال ثمّ دخل إليها فقال:
هذا جَناي وخيارُه فيه * وكلّ جانٍ يدُه إلى فيه.

ابيضّي واصفرّي، وغُرّي غيري؛ أهلَ الشام غداً إذا ظهروا عليكِ.
وقال: أنا يَعسوبُ المؤمنين، والمالُ يعسوبُ الظَّلَمَة.

* ثمّ تَرْكُ التفضيل لنفسِه وولدِه على أحدٍ من أهل الإسلام. دخلتْ عليه أختُه أمُّ هانئ بنتُ أبي طالب، فدفع إليها عشرين درهماً، فسألت أمُّ هانئ مولاتَها العجميّة فقالت: كم دفعَ إليك أميرُ المؤمنين؟ فقالت: عشرين درهماً، فانصرفتْ مسخطَة، فقال لها: انصرِفي رحمكِ الله، ما وجدَنا في كتابِ الله فضلاً لإسماعيل على إسحاق "..".
وقامَ خطيباً بالمدينة حين ولِيَ فقال: يا معشرَ المهاجرين والأنصار. يا معشرَ قريش. إعلموا -واللهِ- أنّي لا أَرزؤكم [لا أُنقِصُكم، أي لا آخذ لنفسي] من فيئِكم شيئاً ما قامَ لي عَذقٌ [نخلة] بيثرب، أفتروني مانعاً نفسي وولدي ومُعطيكم؟ ولَأُسوِّينَّ بين الأسود والأحمر.
فقام إليه عقيلُ بن أبي طالب فقال: لَتَجْعلني وأسودَ من سودان المدينة واحداً؟ فقال له: إجلس، رحمكَ اللهُ تعالى، أما كانَ هَهنا مَن يتكلّمُ غيرُك؟ وما فضلُك عليه إلّا بسابقةٍ أو تقوى "..". 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات