الملف

الملف

20/07/2012

السّبط الأكبر .. الإمام الحسن (عليه السلام)

تأمُّلات في حبِّ الحَسَنَين عليهما السلام
«..أذهَلَني هذان الغُلامان..إنّ اللهَ أمرَني بِحبِّهما..»
ـــــ الشيخ حسين كوراني ـــــ

«عن عمران بن الحُصين قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله لي: يا عمران بن حُصَين، إنَّ لكلِّ شيءٍ موقعاً من القلب، وما وقعَ موقِعَ هذَين الغلامَين من قلبي شيءٌ قطّ. فقلت: كلُّ هذا يا رسولَ الله؟
قال: يا عمران، وما خفِيَ عليك أكثر. إنّ اللهَ أمرَني بِحُبِّهِما».
* ما يلي، تأمّلاتٌ في حبِّ اللهِ تعالى للحسنَين عليهما السلام، وأَمْره سبحانه سيّدَ النبيّين بحبِّهما وحبِّ مَن يُحِبُّهما، تقدِّمها «شعائر» كمدخلٍ إلى ملامح من سيرة السِّبطِ الأكبر عليه السلام.
 

في صميمِ حبِّ المسلِم لرسول الله، حبُّه صلّى الله عليه وآله وسلّم للحَسنَين عليهما السلام، وفي شِغاف القلب وسرِّ الفؤاد، بين الصّوَر التي يختزنُها المحمّديُّ، صوَرُه صلّى الله عليه وآله، وهو يحتضنُ الحَسنَين ويُوصي بحبِّهما، مؤكّداً على ذلك بمختلف الطُّرق والأساليب التي يُعتَبر كلٌّ منها حجَّةً شرعيّةً يتعبّدُ المسلمُ بها، فالنبيُّ الأعظمُ كلامُه وحيٌ، وفعلُه تطبيقُ الوَحي وتأكيدُه، فكيف إذا اقترنَ القولُ والفعلُ -مراراً وتكراراً بحيث يصعبُ الإحصاء- بما لا يُمكن إدراكُ جميع أبعادِه، أو يتعسّر، من قبيل: «إنّ اللهَ أمرَني بِحُبِّهِما»، أو من قبيل بكاء سيّد النبيّين و«نَشيجِه» لما يجري عليهما من بعده صلّى الله عليه وآله.
تمسُّ حاجةُ قلبِ كلِّ مسلمٍ إلى التدبُّر الدّائم في هذه الرّوايات والأحاديث الشّريفة المجمَع على مضمونها وأبرزِ دلالاتِها بين المسلمين جميعاً.
من هذه الرّوايات، ما ورد في كتاب (كامل الزيارات) للشيخ الأجلّ الأقدم ابن قُولويه، وأختارُ منه ما يلي:

الرّواية الأولى 

* «عن عليٍّ عليه السلام قال: سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: يا عليّ، لقد أذهَلَني هذان الغلامَان -يعني الحَسن والحسَين عليهما السّلام- أنْ أحبَّ بعدَهما أحداً، إنّ ربِّي أمرَني أنْ أحبَّهما وأحبَّ مَن يُحِبُّهما».
** بديهيٌّ أنّ «ذهول» الشّاهدِ على النبيِّين، الذي لم يُبعَث نبيٌّ إلّا بالإعتقاد به، هو بمعنى شدّة تعلُّقِه بحبِّ الحَسنَين عليهما السلام، إلى حدِّ عدمِ الإهتمامِ بحبِّ أحدٍ بعدَهما، وليس هذا «الذّهول» إلّا عينُ شدِّة التّعلُّق بأمرِ الله تعالى، وعظيم حضورِ القلب بين يدَيه سبحانه، بحيث يُعرِضُ عمّا سواه. عندما تشتدُّ حالةُ الحضور ويقوى الإعراض، يكونُ «الذُّهول».
يؤكِّد ما تقدّم أنّ تعليلَ «الذّهول» هو قولُه صلّى الله عليه وآله: «إنَّ اللهَ أمرَني بحبِّهما!!».
وهو تعليلٌ «مذهلٌ» لِمنَ كان له قلبٌ أو ألقى السَّمعَ وهو شَهيد.
أيُّ سرٍّ في الحسنَين عليهما السلام، بحيثُ إنّ الله تعالى، وَجَلَّتْ عظَمتُه وتقدَّسَتْ أسماؤه، «يأمُرُ» سيّدَ النبيّين والخلقِ أجمعين بحبِّهما؟!!
من تجلّيات هذا السرّ أنّ حُسنَ التأسّي برسول الله «الأُسوة الحَسنة»، يتوقّفُ على حبِّ الحسَنين، فلَولاهما لَما استمَرّت النّبوّةُ الخاتمة. لا صِدقَ في دعوى المحمّديّة من دون حبِّهما عليهما السلام. الحبُّ الصّادقُ التزامٌ واقتداء، وائتمام، وبه يَحسُنُ إسلامُ المسلِم، ويتحقّقُ إيمانُ المؤمِن.
الحبُّ في خطِّ العقل عينُ العقل. ليس الحبُّ بالمطلَق حركةَ قلبٍ نُصِرُّ على فصلِه عن العقل. القلبُ العاقلُ هو القلبُ المؤمن.
** ولا يجدرُ بالمسلم وهو يتأمّلُ هذا الحديث الشّريف أن يمرَّ مروراً عابراً بقوله صلّى الله عليه وآله: «أنْ أحبَّ بعدَهما أحداً!».
لم يقُل صلّى الله عليه وآله: «غيرَهما»، بل قال: «بعدَهما»، وعليٌّ والزّهراء عليهما صلوات الرّحمن -قبل الحسنَين- وهما غيرهما. يحفظُ تعبيرُ «أفصح مَن نطقَ بالضّاد» بلفظ «بعدَهما» حقَّ حبِّ الصِّدِّيقَين الأكبرَين عليّ وفاطمة عليهما السلام.
وقد ورد التّصريحُ بحبِّ الأمير والزّهراء عليهما السلام، مقروناً بحبِّ الحسنَين، بل مشروطاً كمالُ حبِّهما، بحبِّ أبيهما وأمِّهما عليهم جميعاً الصّلاة والسلام. «عن عليّ بنِ جعفر، عن أخيه موسى [الإمام الكاظم عليه السلام] قال: أخذَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بَيَدِ الحَسن والحسين فقال: مَن أحبَّ هذَين الغلامَين وأباهما وأمَّهما فهو معي في دَرجتي يومَ القيامة».
** كما لا يجدرُ بالمسلم أن يَنسى التأمّلَ في حبِّ التّسعةِ المعصومين من ذرّية الحسين، فهل هم «بعدَهما» فلا يشمَلهم حبُّ النبيّ صلّى الله عليه وآله؟
والجواب: ليس التّسعةُ المعصومون «بعد الحسَنين» لِيَصدُقَ عليهم «بعدَهما». إنّ نورَ التّسعةِ المعصومين في قلب نور الحسين عليه السلام -وكلُّهم نورٌ واحد- ولذلك نجدُ الحديث في الرّوايات عن الأنوار الخمسة، وخامسُها الحسين عليه السلام: «المُعَوَّض من قتلِه أنّ الأئمةَ من نَسْلِه».
إضافةً إلى ذلك نجدُ الأمر النبويّ الصّريح بحبِّ ذريَّةِ الحسنَين، كما في الرّواية التالية:
عن أبي ذر الغِفاريّ، قال: «رأيتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يُقبِّلُ الحسينَ بن عليّ وهو يقول: مَن أَحَبَّ الحسنَ والحسين وذرّيتَهما مُخلصاً، لم تلفَح النّارُ وجهَه، ولو كانت ذنوبُه بعددِ رمْلِ عالج [منطقة رمليّة في اليمن، وقِيل في الحجاز] إلّا أنْ يكون ذنباً يُخرِجُه من الإيمان».

***

الرّواية الثانية
* «عن عمرانَ بن الحُصَين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لي: يا عمران بن حصين، إنّ لكلِّ شيءٍ موقعاً من القلب، وما وقعَ موقعَ هذين الغلامَين من قلبي شيءٌ قطّ. فقلت: كلُّ هذا يا رسول الله؟ قال: يا عمران، وما خفِي عليكَ أكثر، إنّ الله أمرَني بِحُبِّهما».
** والرّواية بمعنى الأولى، مع وقفةٍ عند فارقَين:
الأول: أنّ الحديث هنا مع شخصٍ ليس من أهل البيت عليهم السلام، ويُضيءُ ذلك على أسلوب رسول الله صلّى الله عليه وآله، في اختيار أفرادٍ معيّنين من الصّحابة لإبلاغ الأجيال رسائلَ تتعلّقُ بأهل البيتِ عليه وعليهم السّلام.
من هذا النّوع ما رُوي عن أبي ذر الغِفَاريّ، قال: «أمرَني رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بحبِّ الحسنِ والحسين فأحبَبتُهما، وأنا أحبُّ مَن يحبُّهما لِحبِّ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله إيّاهما».
يلاحَظ في باب تجليّات الحكمة النبويّة في إيصال هذه الحقائق إلى الذين سيرعفُ بهم الزّمان، أنّ النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، يؤكّد على الحقيقة الواحدة -ومحلّ الكلام هنا حول أهل البيت- مراراً، وبصوَرٍ مختلفة: مع أهل البيت أنفسِهم، ومع أمّهات المؤمنين، ومع صحابيٍّ بعينِه، ومع جمعٍ من الصّحابة، وعلى المِنبر، وفي السّفَر، وغير ذلك من الفرَص المغتنَمة ممّن أحاط -بإذنِ الله تعالى- بالمستقبلِ كلِّه. ومنه الحداثة، وما بعدَها وما بعدَهما، بل وما بعد استقرار أهلِ الجنّةِ فيها، وأهلِ النّار في النّار.
الثاني: قولُه صلّى الله عليه وآله: «وما خَفِي عليك أكثر»، وهو يدلُّ على أنّ عظَمة الحسنَين عليهما السلام في القُربِ من الله تعالى فوقَ أن يدركَها صحابيٌّ خصَّه الرّسولُ الأكرم بالحديثِ عنهما، بالإضافة إلى أنّه كان ممَّن عاينوا عميقَ حبِّ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله للحسنَين عليهما السلام.
والدّرسُ العملي لقَلبي وقلبِك أن لا نرسمَ بقصورِ أفهامنا سقفاً لعظَمة المعصوم -ومحلُّ الكلام هنا الحَسنان عليهما السلام- ليبقى بابُ التدبُّر في آفاق المعرفة مفتوحاً مدى العمر كلِّه مع دوام التوسُّل: «أللّهمَّ عرِّفني نفسَك.. رسولَك.. حجّتك». ويظلَّ الفؤادُ مشدوداً إلى يقينِ العجز عن معرفتِهم «حقّ المعرفة»، فلا يكون الهدف إلّا أن تسيلَ أوديةٌ بقدَرها. إنّ الهدايا على مقدار مُهديها. إنْ أرادَ سبحانه أن نعرفَ وليَّه - لنعرفَه سبحانَه بالطّريق إليه- منحَنا الأُذُنَ الواعية والعقلَ المسدَّد، والقلبَ الحَرَم.
***

الرّواية الثالثة
«..عن عبد الله بن مسعود قال: سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول:
مَن كان يُحبُّني فَلْيُحِبَّ ابنَيَّ هذَين، فإنّ اللهَ أمرَني بِحُبِّهما
».
** والمحورُ الجديدُ في هذه الرّواية، المختلفُ عمّا تقدّم، هو الرّبطُ النّبويّ بين حبِّه صلّى الله عليه وآله، وحبّ الحسَنين عليهما السلام، في سياق توضيح السّببِ الذي هو الأمرُ الإلهيّ.
* يعني ذلك:
1- أنّ حبَّ الحسَنين عليهما السلام واجبٌ على الأمّة، بسببِ وجوبِه على رسول الله صلّى الله عليه وآله.
2- كما يعني أنّ حبَّهما عليهما السلام، لا ينفصلُ عن حبِّه صلّى الله عليه وآله.
3- وأنّ حبَّهما عليهما السلام دليلُ الصِّدقِ في حبِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
4- وهو كذلك دليلُ «حُسْن التّأَسِّي والإقتداء به صلّى الله عليه وآله.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

20/07/2012

دوريات

  كتب أجنبيّة

كتب أجنبيّة

نفحات