الملف

الملف

17/08/2012

الحقائقُ التّاريخيّة تكذّبُه

الحقائقُ التّاريخيّة تكذّبُه
زواجُ السيّدة خديجة قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله
ـــــ الشيخ أمين ترمس* ـــــ

من الأمور التي تستوقف القارئ والباحث في سيرة أمّ المؤمنين السيّدة خديجة بنت خويلد عليهاالسلام هو إصرارُ البعض على نسبة أمور إليها لا تتناسب ومنزلتها في الإسلام، ومقامها عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، أو لم يقم الدّليل على صحّتِها وثبوتها.

من هذه الامور التي نُسبت الى السيّدة خديجة عليهاالسلام: أنّها كانت متزوّجة من رجلَين قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله. وهذا الأمر وإنْ لم يكن فيه عيبٌ ولا مَنقصة لا لها ولا لرسول الله صلّى الله عليه وآله، إلّا أنّه محلُّ خلافٍ بين العلماء والمحقّقين من المذاهب كافّة، والحقُّ الحَقيق بالاتباع هو القول بأنّها لم تقترن بأحدٍ قبلَه صلّى الله عليه وآله، والدليل على ذلك أمور:
1- إنّ عمرها حين تزوجت برسول الله صلّى الله عليه وآله لم يكن أربعين سنة أو أكثر كما هو مشهور، بل هناك أكثر من رأي في هذه المسألة منها: ما ذكره البيهقي وصححَّه في (دلائل النبوّة): من أنّ عمرها كان خمسةً وعشرين سنة.
ومنها: ما رجَّحه العديد من العلماء وأهلُ التحقيق -نقلاً عن عبد الله بن عبّاس- من أنّ عمرها كان ثمانيةً وعشرين سنةً [أنظر: شذرات الذّهب؛ انساب الاشراف؛ سيَر أعلام النّبلاء؛ المستدرك على الصّحيحين..]، وهناك أقوال أخرى، لكنّ عرضَها ومناقشتها لا يناسب ما نحن فيه من اختصار.
وبناءً على أنّ عمرها خمسة وعشرين أو ثمانٍ وعشرين، فهي من عمر النّبي صلّى الله عليه وآله أو قريبة منه سنّاً، وهذا ما يتناسب مع ولادتها للسّيدة الزّهراء عليها السّلام، لأنّ المشهور بل المتّفق عليه عند أغلب العلماء أن السّيدة الزّهراء وُلِدت بعد البعثة بخمس سنين، وكانت بعثتُه صلّى الله عليه وآله بعد زواجه من السيّدة خديجة بخمسة عشرة سنة، فإذا كان عمرُها حين الزّواج ما ذكرت، فهي وضعت السيّدة الزّهراء عليها السلام في سنٍّ طبيعيٍّ لِحمل النّساء ووضعِهنّ.
وأمّا بناءً على أنّ عمرها حين الزواج كان أربعين أو أكثر، فهي عند ولادتها للسيّدة فاطمة عليها السلام كانت في السّتين أو يزيد، وعادةً لا تلد النّساء في هذا السّن، إلّا على نحو الأعجاز والكرامة من الله تعالى، وهذا الأمر وإن كان غير مستبعَد عن مثل السيّدة خديجة عليهاالسلام التي خصّها الله عزّ وجلّ بالعديد من الكرامات، إلّا أنه لو كان، لخصَّه العلماء والمؤرّخون بالذِّكر، و لما أهمَلوه البتّة.
2- صرّح عدد من العلماء بأن السيدة خديجة عليهاالسلام لم تتزوّج أحدًا قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله على الإطلاق. قال ابن شهراشوب في (المناقب) [مختصَر قوله]: «روى البلاذري في (الأنساب) وأبو القاسم الكوفي في (الاستغاثة)، والمرتضى في (الشّافي)، وأبو جعفر الشيخ الطّوسي في (التّلخيص) أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله تزوّج بها ولم تكن ثيّباً، ويؤكّد ذلك ما ذُكر في كتابَي (الأنوار) و(البدع) أنّ رقية وزينب [الآتي ذكرُهما] كانتا ابنتََي هالة؛ أخت خديجة».
قال في (الاستغاثة): «...إنّ خديجة لم تتزوّج بغير رسول الله صلّى الله عليه وآله، وذلك أنّ الإجماع ".." من أهل الآثار ونقلَة الأخبار على أنّه لم يبقَ من أشراف قريش ".." إلّا مَن خطبَ السيّدة خديجة ".." فامتنعت على جميعِهم من ذلك، فلمّا تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وآله غضبَ عليها نساء قريش وهجَرْنَها، وقُلنَ لها: خطبَك أشرافُ قريش وأُمراؤهم فلم تتزوّجي أحداً منهم، وتزوّجتِ محمّداً يتيمَ أبي طالب، فقيراً لا مالَ له؟!
فكيف يجوز في نظر أهل العلم أن تكون خديجة يتزوّجها أعرابيٌّ من تميم، وتمتنع من سادات قريش وأشرافها على ما وصفناه؟ ألا يعلم ذَوو التمييز والنّظر أنّه من أَبْيَن المحال وأفظَع المقال؟..».
هذا، وكان قد تقدّم لخطبة السيّدة خديجة كلٌّ من أبي جهل، وأبي سفيان، وعقبة بن أبي معيط، والصّلت بن أبي إيهاب، وغيرهم، كما في (البحار) وغيره من المصادر.
وأمّا الزّوجان المزعومان للسيّدة خديجة عليها السلام فهما: عتيق بن عائذ المخزومي، وأبو هالة التّميمي، وهذان الرّجلان غير معروفَين لا بشخصهما، ولا بصفاتهما، حتّى وقع الاختلاف في اسمَيهما لشدّة جهالتِهما، فإذا كانت السّيدة خديجة تتزوّج بمن هذه حالُه -حسب زعْمِهم- وترفض زعماء مكّة وأشراف قريش، لكان ذلك مدعاةً لهؤلاء ولغيرهم تعييرَها والسّخرية منها على طريقتِها تلك.
3- تمسّك بعضُهم للدلالة على زواج السّيدة خديجة عليهاالسلام قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله بأنّ لها بنات من غيره صلّى الله عليه وآله، وهنّ رقيّة وزينب وأم كلثوم؛ كُنَّ من الزّوجين المزعومَين اللّذَين كانا قبل زواجها من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقالوا بأنّ عثمان بن عفّان تزّوج رقيّة وبعد موتها تزّوج أختَها أم كلثوم.
وهذا الزّعم مكذوبٌ لوجود نصوص تاريخيّة تدلُّ على خلافه. من هذه النّصوص ما ذكره أبو القاسم الكوفي في (الاستغاثة) [ملخّصه]: «..كانت لخديجة عليها السلام أختٌ يُقال لها هالة تزوّجها رجلٌ من مخزوم فولدت لها بنتاً. وبعد موته تزوّجها رجلٌ تميميّ فولدت له ابناً اسمُه هند، وكان لأبي هند التميمي هذا ابنتان -زينب ورقية- من امرأة أخرى غير هالة ماتت، ثمّ مات أبو هند، فلحق ابنُه هند -وكان قد شبّ- بقومه وعشيرته في البادية، وبقيت البنتان مع هالة زوجة أبيهما، ولما كانت هالة فقيرة لا مال لها، كفلتَها أختها خديجة والبنتَين جميعاً، وكان ذلك بُعيد زواجها من رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ لم تلبث هالة أن توفّيت، وبقيت البنتان زينب ورقيّة في حِجر رسول الله صلّى الله عليه وآله فربّاهما، وكان من سنّة العرب في الجاهلية أنّ من ربّى يتيماً نُسِب ذلك اليتيم إليه».
هذا بالنسبة إلى رقيّة وزينب، وأما بالنسبة إلى أم كلثوم، فإنّ الكلام المتقدّم يجري عليها أيضاً، لأنّ حالها كحالهما.
والصّحيح أنّه لم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وآله بنتٌ إلّا فاطمة الزّهراء عليها السلام، فبالإضافة إلى ما تقدم من أدلّةٍ، يمكن رفدُها بما جاء في الخطبة المشهورة للسيّدة الزهراء عليها السلام في مسجد أبيها صلّى الله عليه وآله، فقد قالت: «.. فإنْ تعزوه وتعرفوه تَجدوه أبي دونَ نسائكم، وأخا ابنَ عمّي دون رجالِكم..».
ولم يعترض على هذا الكلام أحدٌ حتّى عثمان الّذي كان حاضرًا حينها، فلم يقُل: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان أباً لزوجتَيه رقيّة وأم كلثوم، ولا حتّى المعترضين على السيّدة الزهراء عليها السلام استفادوا من هذه الفرصة لو كان الزَّعْمُ صحيحاً.
وأيضاً، طالما افتخر أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام بأنّه صهرُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وزوجُ ابنتِه، ولم يعهَد ذلك من عثمان، وقد روى البخاري في صحيحَيه بإسناده عن عبد الله بن عمر، وهو في معرض كلامِه عن عليٍّ عليه السلام وعثمان، فذكرَ أنّ عليّاً صهرُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يذكر هذه الفضيلة لعثمان، مع أنّ المقام يحتِّم عليه ذكرُها إنْ وجدت، فإنّه كان في مقام الدّفاع عن عثمان أمام بعض المعترضين.
وأمّا لماذا هذا الإصرار على نسبة الزواج لخديجة قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله، ففي نظري أنّ الأمر سياسيٌّ، فقد اختلقَ ذلك بنو أميّة ومَن كان على هواهم ".." ثمّ اختلقوا فضيلةً أخرى لعثمان في قبال الإمام علي عليه السلام، هي أنّه قد تزوّج بابنتَين لرسول الله صلّى الله عليه وآله بينما عليٌّ تزوّج بواحدة؛ هي الزّهراء عليها السلام!
* أستاذ في الحوزة العلمية - لبنان

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

18/08/2012

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات