أعلام

أعلام

منذ 4 أيام

الشريف الرضيّ

الشريف الرضيّ
عالماً وشاعراً، وأديباً
ـــــــــإعداد: أكرم زيدان ـــــــــ
«جامع نهج البلاغة». من أبرز أعلام عصره والتاريخ. كانت له هيبة وجلالة، وورعٌ وعفّة وتقشّف، ومراعاةً متميّزة للأهل والعشيرة. تولّى أمور الطالبيّين بجدارة حتى لُقّب بالشريف الجليل، وبذي المنقبتين، وبالرضيّ ذي الحسبين، وبالشريف الأجلّ. أما شعره، فمشهور حتى قيل إنه أشعر قريش. ومؤلفاته الدينيّة والأدبيّة في غاية الإتقان والدّقّة، قلّما استطاع المشتغلون بالشّعر أن يأتوا بمثلها.

اسمه ونسبه: هو محمّد بن الحسين بن موسى الأبرش بن محمّد الأعرج بن موسى أبي سبحة بن إبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
أمّه فاطمة بنت الحسين بن أحمد بن الحسن الناصر الأصم -صاحب الديلم- بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليهم السلام.
فكان الرضيّ بحاشيتَي نسبه قابضاً على عضادتَي الإمامة، فهو ابن الإمامين زين العابدين عليّ بن الحسين، وموسى بن جعفر الكاظم عليهم السلام، وقد أثّر هذا النسب الوضّاح في شعره وفي أدبه، فقال:
ما عُذْرُ مَنْ ضَرَبَتْ بِهِ أَعْراقُهُ حَتّى بَلَغْنَ إِلى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
أَنْ لا يَمُدَّ إِلى المَكارِمِ باعَهُ وَيَنالَ مُنْقَطِعَ العُلا وَالسُّؤْدَدِ

ولادته ونشأته

ولد الشريف الرضيّ ببغداد سنة 359 هجرية، في القرن الرابع الهجري الذي بلغت فيه الحضارة الإسلاميّة ذروتها، واستوت فيه على سوقها. عاصر من الحكّام العبّاسيين: المطيع لله والطائع لله والقادر بالله. وخلال هذه الفترة كان الحكام البويهيون هم: معزّ الدولة، وعزّ الدولة، وعضد الدولة، وصمصام الدولة، وشرف الدولة، وبهاء الدولة، وسلطان الدولة.

أسرته

كان أبوه عظيم المنزلة، في دولة بني العبّاس ودولة بني بويه، لقّب بالطاهر ذي المناقب، وولي نقابة الطالبيين خمس مرّات، ومات عام 400 هجري، وهو متقلّدها، عن سبع وتسعين سنة. وكان سفيراً بين الخلفاء العباسيين وبين الملوك من بني بويه، والأمراء من بني حمدان وغيرهم، ما شرع في إصلاح أمر فاسد إلّا وصلح على يديه، ولاستعظام عضد الدولة أمره، قبض عليه، وحمله إلى القلعة بفارس، ولم يزل أسيراً إلى أن مات عضد الدولة، فأطلقه ابنه شرف الدّولة، وكان عمر الرضيّ أربع عشرة سنة، فأتيحت له الفرصة لإظهار مواهبه الشعريّة والسياسيّة.
أما والدته فاطمة، فكانت ابنة أخت زوجة معزّ الدولة أميرة البلاط، وابنة خالة بختيار بن عزّ الدولة. وصفها الشيخ المفيد في بعض مؤلفاته بـ: «السيّدة الجليلة الفاضلة أدام الله عزّها..». توفيت سنة 385 هجرية.
وكان للرضيّ أختان هما زينب وخديجة، وأخ هو عليّ المرتضى. توفّيت إحدى الأختين في حياة الرضيّ، وتوفّيت الأخرى سنة 419 هجرية عن نيّف وتسعين سنة.
أما أخوه المرتضى، فقد ولد سنة 355 هجرية قبل الرضيّ بأربعة أعوام، وعاش حتى سنة 436 هجرية. وله مؤلفات جليلة، وديوان ضخم. وقد شارك أخاه في النيابة عن أبيه في المناصب التي تولّاها.

زواجه وولده

تزوّج الرضيّ بنت أبي الحسن النهر سابسي [نسبة إلى سابس، وهي قرية مشهورة قرب واسط على طريق القاصد لبغداد منها على الجانب الغربي]، وكان أبو الحسن هذا تولّى نقابة الطالبيّين بعدما عُزل أبو أحمد الموسوي عنها سنة 384 هجرية. رزق منها الرضيّ بصبيّ عام 400 هجري، ولم يرزق بولد غيره، أسماه عدنان، وقد تولّى نقابة الطالبيين بعد وفاة عمّه المرتضى، واستطاع أن يخمد الفتنة التي اشتعلت بين السنّة والشيعة في بغداد سنة 443هجرية، وقيل فيه: «الشريف العفيف المتميّز في سَداده وصونه"..."». توفّي عام 449 هجري، وبموته (أو بموت ابنه علي الذي لم يعقب) انقرض نسل الشريف الرضيّ.

الرضيّ والحياة العامة

كان العراق زمن الرضيّ يتقلّب بين نفوذ بني العبّاس-الحكّام الرسميين- وبني بويه-الحكام الفعليين- وكان الفاطميون في مصر، والحمدانيون في حلب، والقرامطة في هجر، وجماعة من الأعراب يعترضون قوافل الحجّاج. وكانت المجاعة تضرب بالبلاد بين فترة وأخرى حتى اضطر الفقراء إلى أكل الجيف.
وفي بغداد، لم تهدأ الفتن المذهبية خلال سنوات عديدة إضافة إلى حركة الشطّارين والعيّارين، وموجة الغلاء والأمراض والجوع والفقر.
وأمام هذه الأوضاع كلّها كان الرضيّ يعي المهمّات الجسام الملقاة على عاتق أسرته. وقد تولّى المناصب عندما استخلفه "الطائع لله" في تولي نقابة الطالبيّين والحجّ بالناس، والنظر في أمور المساجد ببغداد، وفي المظالم. لكن "القادر بالله" أبعده وأبعد أسرته عن هذه المناصب من عام 384 حتى عام 394 للهجرة، ثم أعاد بهاء الدولة إسناد النقابة والحجّ والمظالم والقضاء إلى والده، وأبقى على ذلك "القادر بالله" ما عدا قضاء القضاة.
وقد ولّى بهاء الدولة الرضيّ النقابة وإمارة الحج سنة 397 هجرية، ثم أوكل إليه النظر في أمور الطالبيين بجميع البلاد سنة 403 هجرية، وهو منصب جليل لم يتسلّمه أحد غيره من أسرته.
وأوكلت إليه ولاية المظالم مستخلفاً عن أبيه من عام 380 إلى 384 للهجرة، ولما ذهب بهاء الدولة إلى واسط، استخلف الرضيّ في بغداد سنة 388 هجرية لمقدرته على سياسة الرعية، والتوفيق بين السنّة والشيعة، وبين الأتراك والديلم، والتصدي بحكمة للشطّار والعيّارين، وقد لقّبه في تلك السنة بـ «الشريف الجليل» في واسط، وسيّره إلى بغداد في موكب ملوكيّ.
وناب الرضيّ عن أبيه في إمارة الحجّ، أصالةً، عام 397 للهجرة، وهذا المنصب في غاية الأهميّة، لأنّه، كما قال الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية): «وِلَايَةُ سِيَاسَةٍ وَزَعَامَةٌ وَتَدْبِيرٌ. وَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُوَلَّى: أَنْ يَكُونَ مُطَاعاً ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهَيْبَةٍ وَهِدَايَةٍ».
وتجدر الإشارة إلى أن نشاط الشريف الرضيّ السياسيّ حافل، ولا نستطيع الحديث عن كل مراحلها وتفاصيلها في هذه المقالة.

أساتذته

أُخذ الرضيّ إلى مجالس كبار العلماء في سن مبكرة جدّاً، فقد جلس إلى أبي سعيد السيرافي النحويّ وهو دون العاشرة، وبعد أن جاوزها بقليل، تتلمذ الرضيّ وأخوه المرتضى على يد الشّيخ المفيد (توفّي 413هجرية) وهو أبرز أساتذته على الإطلاق، وفي هذا يروى أنّ الشّيخ رأى في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله دخلت إليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما السلام صغيرين، فسلّمتها إليه، وقالت له: علّمهما الفقه. فانتبه متعجّباً من ذلك، فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا، دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها ومن بين يديها ابناها محمّد الرضيّ وعليّ المرتضى صغيرين، فقام إليها وسلّم، فقالت: أيّها الشّيخ! هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلّمهما الفقه. فبكى الشّيخ وقصّ عليها المنام، وتولّى تعليمهما، وأنعم الله تعالى عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا.

دار العلم وتلامذة الرضيّ

أنشأ الشريف الرضيّ «دار العلم» لتلامذته في بغداد [هي غير دار العلم الذي أنشأها الوزير أبو نصر سابور عام 381هجري]، وعني بتعليمهم والعناية بهم والإنفاق عليهم.
وحرص الرضيّ أن يكون طلاّبه ذوي همم عالية ونفوس أبيّة وقويّة، وفي هذا يروى أنّ أحد وزراء عصره أهدى إليه طبقاً فيه ألف دينار بمناسبة ولادة ابنه عدنان، فردّه الرضيّ، فعاود الوزير إرساله هدية للقوابل، فاعتذر الرضيّ بأنّ عجائز العائلة يتولّين هذا الأمر دون القوابل الغريبات، فأرسله الوزير للمرة الثالثة وقال: يفرّقه الشّريف على ملازميه من طلاب العلم، فلمّا وصل الطبق، وحوله الطلاب، قال لهم: ليأخذ كلّ واحد ما يريد، فقام رجل منهم وأخذ ديناراً، فقرض من جانبه قطعة وأمسكها وردّ الدينار إلى الطبق، فسأله الشّريف عن ذلك، فقال: إنّي احتجت إلى دهن السّراج ليلة، ولم يكن الخازن حاضراً، فأقرضت من فلان البقّال دهناً للسّراج، فأخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه. فلمّا سمع الرضيّ بذلك، أمر بأن يتّخذ للخزانة مفاتيح بعدد طلاّبه، وردّ الطبق على هذه الصورة.
ومن أبرز تلامذة الرضيّ:
- شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطّوسيّ (ت 460 هجرية)
- الشّيخ جعفر بن محمّد الدورستي.
وذكر الأميني أنّ للسّيّد المرتضى بنتاً، كانت فاضلة جليلة، روت عن عمّها كتاب "نهج البلاغة"، ويروي عنها الشّيخ عبد الرحيم البغداديّ المعروف بابن الأخوة، ذكر ذلك القطب الراوندي في آخر شرحه على نهج البلاغة.

مؤلّفاته

على الرغم من أنّ الشريف توفي في السابعة والأربعين من عمره، فإنه خلّف مؤلفات جليلة، وقد حار المؤرّخون والباحثون كيف استطاع أن يجمع بين الإكثار من الشعر وبين التفرّغ للدراسة والبحث والتأليف وإدارة شؤون الطالبيين.
وهنا بعض مؤلفاته:
- أخبار قضاة بغداد.
- تعليق خلاف الفقهاء.
- تعليقة على إيضاح أبي علي الفارسيّ.
- تلخيص البيان عن مجاز القرآن.
- حقائق التأويل في متشابه التنزيل. (وذكره الرضيّ باسم "الكتاب الكبير"). وهو كتاب جليل يتعذّر وجود مثله، تظهر فيه سعة علوم الرضيّ المختلفة.
- خصائص الأئمّة (فرغ من خصائص أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ولم يتمّه لانشغالاته الكثيرة. [أنظر «قراءة في كتاب» من هذا العدد]
- ديوان شعره.
- رسائله (في ثلاث مجلّدات) والرسائل التي وصلتنا من تلك المجلّدات قليلة، نُشر بعضها في مجلة "العرفان"، و"الدرجات الرفيعة"، و"جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام للشيزري". وهناك مجموع الرسائل التي جرت بين الرضيّ وإبراهيم بن هلال الصابي، رئيس ديوان الإنشاء عند "الطائع لله"، نشرت بالكويت سنة 1961م باسم "رسائل الصابي والرضيّ" بتحقيق الدكتور محمّد يوسف نجم».
- سيرة والده الطاهر (هو باكورة مؤلّفاته).
- مجازات الآثار النبويّة.
- نهج البلاغة. (جمعه عام 400 هجري)
كُتب نُسِبَت خطأ إلى الشريف الرضيّ:
- انشراح الصدر في مختارات من الشعر.
- أوصاف ألف غلام وغلام.
- طيف الخيال. (هو لأخيه المرتضى)

الرضيّ الشاعر

كان الرضيّ شاعراً أديباً مفلقاً، فصيح النظم ضخم الألفاظ، قادراً على القريض، متصرّفاً في فنونه، وعنه يقول ابن خلّكان في (وفيات الأعيان): «ابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل، وهو اليوم أبدع أنشاء الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلّى مع محتده الشريف ومفخره المنيف، بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر، ثمّ هو أشعر الطالبيّين مَن مضى منهم ومَن غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين، ولو قلت إنّه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق. يجمع إلى السلاسة متانة، وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها. وديوان شعره كبير يدخل في أربع مجلدات، وهو كثير الوجود فلا حاجة إلى الإكثار من ذكره».
وقال السيد الأمين في (أعيان الشيعة):
«وممّا امتاز به شعر الشريف إنطباعه بطابع العروبة والبداوة ولا سيّما حجازيّاته التي كان ينظمها في نجد والحجاز، فتساعده رقة الهواء واتساع الفضاء ومشاهدة العرب الصميميّين من أهل تلك الديار على طبع قصائده بطابع الرّقة والبداوة مضافاً إلى ما في طبعه من ذلك. وهذا ظاهر في شعره لا نحتاج إلى إقامة الشواهد عليه، مع أنّه يكفي فيه ما سنورده من شعره في الفنون المختلفة. ومن مميّزاته إيراده الكثير من الألفاظ العربيّة الرقيقة العذبة المصقولة المتون التي هي أشهى إلى السّماع من بارد الماء على الظما كلفظ الجزع، ووادي الأراك، والركب اليمانيّين، وسرعان الريح، واحم غضيض الناظرين كحيل، وحو اللثاث، والضرب والشمول، وثور حاد، ظباء معاطيل، الربرب العيف، نسيم البان، والنقا، والأناعم ولوثة أعرابية، وهو كثير يعسر استقصاؤه.
تعاطى الشريف الرضي في غزله ما تعاطاه الشعراء من وصف حالات الوصال وما يجري مجراها ممّا أكثره داخل تحت: وأنّهم يقولون ما لا يفعلون ولكن الشريف الرضي في أكثر غزلياته أقرب إلى الآداب وأبعد عن كثير ممّا يتعاطاه الشعراء من الألفاظ الغراميّة..».

حادثة من فضائله

كان الرضيّ تقيّاً ورعاً، وقد وصفه ابن الجوزي بقوله إنّه كان «عفيفاً عالي الهمّة متديّناً، اشترى في بعض الأيام جُزازاً [قصاصات من الورق] من امرأة بخمسة دراهم، فوجد فيه جزءاً بخط ابن مقلة [وزير، من الشعراء الأدباء، يضرب بحسن خطه المثل، ت 328 هجرية]، فأرسل إليها وقال: وجدت في جزازك هذا، فإن أردت الجزء فخذيه، وإن اخترت ثمنه فهذه خمسة دراهم، فأخذتها ودعت له وانصرفت».

وفاته

جاء في (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) للقطب الرّاوندي (ت:573): «ذكر ابن مهنّا في (عمدة الطالب) ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحد السادس من المحرم سنة ستٍّ وأربعمائة، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام بكربلا فدفن عند أبيه، وقبره ظاهر معروف».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات