الملف

الملف

16/10/2012

اسْتِواءُ الكَمالِ والجَلال

اسْتِواءُ الكَمالِ والجَلال
الإمام الصّادق عليه السلام يحاور أشهَر مُلحدي عصرِه حولَ البيت الحَرام
ـــــ تنسيق: أسرة التحرير ـــــ


قال المحدِّث الشيخ عباس القمّي قدّس سرّه في (الكُنى والألقاب):
«عبد الكريم بنُ أبي العوجاء، أحدُ زنادقة عصر الإمام الصادق، كان من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التّوحيد، فقيل له: تركتَ مذهب صاحبِك ودخلتَ في ما لا أصلَ له ولا حقيقة؟
قال: "إنّ صاحبي كان مخلِّطاً يقول طَوْراً بالقدَر وطَوراً بالجَبر، فما أعلمُه اعتقدَ مذهباً دام عليه". قتله أبو جعفر محمّد بنُ سليمان عاملُ الكوفة من جهة المنصور. وكان خالَ معن بن زائدة. وقد جرى بينَه وبين مولانا الصادق عليه السلام احتجاجاتٌ كثيرة، منها ما في (البحار):

عن "الكلُيني" ".." أنّ "ابنَ أبي العَوْجاء" وابنَ طالوت، وابنَ الأعمى و"ابن المقفَّع" في نفرٍ من الزّنادقة كانوا مجتَمعين في الموسم بالمسجد الحرام، وأبو عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام فيه -إذ ذاك- يُفتي النّاس ويفسِّرُ لهم القرآن، ويجيبُ عن المسائل بالحُجج والبيِّنات، فقال القومُ لابن أبي العوجاء: هل لك في تغليطِ هذا الجالس وسؤاله عمّا يفضحُه عند هؤلاء المحيطين به، فقد ترى فتنةَ النّاس به وهو علّامةُ زمانه؟ فقال لهم ابنُ أبي العوجاء: نعم. [ثمّ] تقدَّم ففرّقَ النّاس، وقال: يا أبا عبد الله، إنّ المجالس أمانات..». ثمّ أوردَ ما سيأتي.
* وجاء في (منهاج البراعة): «روى ثقة الإسلام الكُليني عطّر اللهُ مضجعَه ".." عن عيسى بن يونس قال: كان ابنُ أبي العوجاء ".." قدِم مكَّة متمرّداً وانكاراً على مَن يحجّ، وكان يكرهُ العلماءُ مجالستَه ومسائلتَه لِخُبث لسانه وفساد ضميرِه، فأَتى أبا عبد الله عليه السلام، فجلسَ إليه في جماعةٍ من نظرائه فقال: يا أبا عبد الله، إنّ المجالسَ أمانات، ولا بدّ لكلّ مَن به سعالٌ أن يسعُل، أفتأذن لي في الكلام؟ فقال عليه السّلام: تكلَّم. فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحَجر، وتعبدون هذا البيتَ المعمورَ بالطُّوب والمَدر، وتُهَرْولون حوله هرْولةَ البعير إذا نفَر؟ إنّ مَن فكّر هذا وقدّر، علم أنّ هذا فعلٌ أسّسه غيرُ حكيمٍ ولا ذي نظر، فقُل فإنَّك رأسُ هذا الأمر وسنامُه، وأبوك أُسُّه وتمامُه.
فقال أبو عبد الله عليه السّلام: إنّ مَن أضلَّه الله وأعمى قلبَه استوخمَ الحقَّ ولم يستعِذ به، فصار الشيطانُ وليَّه وقرينَه، وربَّه، يُوردُه مناهلَ الهَلَكة ثمّ لا يُصدرُه، وهذا بيتٌ استعبدَ اللهُ به خلقَه ليختبرَ طاعتَهم في إتْيانه، فحثَّهم على تعظيمِه وزيارته، وجعله محلَّ أنبيائه وقِبلةً للمصلَّين إليه، فهو شُعبةٌ من رضوانه، وطريقٌ يؤدّي إلى غفرانه، منصوبٌ على استواءِ الكمال، ومَجمع العظَمة والجلال، خلقَه الله قبل دَحْوِ الأرض بألفي عام، فَأَحَقُّ مَن أُطيع -في ما أمر، وانتَهى عمّا نهى عنه وزَجَر- اللهُ، مُنشىءُ الأرواحِ والصُّوَر..».
(السيّد حبيب الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة)
O قال العلّامة المجلسي في (مرآة العقول): «قولُه عليه السلام: "فَأَحقُّ"، هو مبتدأ والجلالة خبرُه». أي فأحقُّ مَن أُطيع هو اللهُ منشىءُ الأرواحِ والصُّوَر.
تمامُ الخَبَر
وقد زاد المحدّثُ القمّي على ما تقدَّم، قوله:
«..فقال ابنُ أبي العوجاء: ذكرتَ يا أبا عبد الله فأحلْتَ على غائب.
فقال الصادق عليه السلام: كيف يكونُ -يا ويلَك- غائباً مَن هو مع خلقه شاهد؟ وإليهم أقربُ من حبل الوريد؟ يسمعُ كلامَهم ويعلمُ أسرارَهم. لا يخلو منه مكانٌ ولا يُشغَلُ به مكان، ولا يكون من مكانٍ أقربَ من مكان، يشهد له بذلك آثارُه، وتدلُّ عليه أفعالُه، والّذي بعثَه بالآيات المحكمَة والبراهين الواضحة -محمّد صلّى الله عليه وآله- جاءَنا بهذه العبادة، فإنْ شككْتَ في شيءٍ من أمرِه فسلْ عنه أُوضحْه لك.
قال: فَأَبلسَ [أي تحيَّر] ابنُ أبي العوجاء ولم يدْرِ ما يقول، وانصرفَ من بين يدَيه. فقال لأصحابه: سألتُكم أن تلتمسوا لي خمرة، فألقَيتموني على جمرة.
فقالوا له: اسكُتْ! فَوَاللهِ لقد فضحتَنا بحَيرتك وانقطاعِك، وما رأيْنا أحقرَ منك اليوم في مجلسه.
فقال: أبي تقولون هذا؟ إنّه ابنُ مَن حَلَقَ رؤوسَ مَن تَرون، وأومأَ بيدِه إلى أهل الموسم».
O أضاف المحدّث القمّي: (بيان) الجَمرة بالفتح: النّار المتّقدة، والحصاة. والمرادُ [في قوله: خمرة، فألقيتموني على جمرة] بالأوّل [خمرة] الثاني [أي الحصاة]، وبالثاني [جمرة] الأوّل [النّار المتّقدَة]، أي سألتُكم أن تطلبوا لي حصاةً ألعبُ بها وأرميها، فألقيتموني في نارٍ متّقدة لم يمكن التخلُّصُ منها.
O O وحول «استواء الكمال»، قال العلّامة المجلسي في (مرآة العقول):
قال الوالد العلّامة [المجلسيّ الأوّل] رفعَ الله مقامَه: «نصْبُه على استواء الكمال: هو جعلُ كلِّ فعلٍ من أفعالِه سبباً لرفع رذيلةٍ من الرَّذائل النَّفسانية، وموجباً لحصول فضيلةٍ من الفضائل القلبيَّة.
أو المراد به الكمالات المعنويّة للكعبة التي يفهمُها أربابُ القلوب. ويؤيِّدُه قولُه «ومجتمَعُ العظَمة والجلال»، فإنّ عظَمته وجلالتَه معنويّتان..».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

16/10/2012

دوريات

نفحات