الملف

الملف

منذ يومين

الآدابُ الدقيقةُ لحجِّ البَيت

الآدابُ الدقيقةُ لحجِّ البَيت
حتّى لا يكثُرَ الضّجيجُ بلا حجّ
ـــــ العلّامة إبنُ ميثم البحراني ـــــ

(شرح نهج البلاغة) للعالم الكبير إبنُ ميثم البحراني من أبرز شروح (النّهج) التي تُعنى بالدّقائق التّربوية. اختارت منه «شعائر» عشرة آدابٍ وصفَها المؤلّف بأنّها «دقيقة»، وهي تصلُحُ نموذجاً بارزاً للتّعريف بهذا الكتاب القَيِّم وأسلوب مؤلِّفه، ومنهجِه.

قال الشارح ابنُ ميثم البحراني: الآدابُ الدقيقة للحجّ، وهي عشرة:
* الأوّل: أن تكون النَّفَقةُ حلالاً، ويخلو القلبُ عن تجارةٍ تُشغِلُه سوى الله تعالى.
وفي الخبر من طريقِ أهل البيت: إذا كان آخرُ الزّمان خرجَ النّاسُ إلى الحجّ على أربعة أصناف:
سلاطينُهم للنُّزهة.
وأغنياؤهم للتّجارة.
وفقراؤهم للمسألة.
وقرّاؤهم للسُّمعَة.
وفي الخبر إشارةٌ إلى جملة أغراض الدنيا الَّتي يتصوّر أن تتّصل بالحجّ، فكلّ ذلك مانع ٌلفضيلة الحجّ ومقصودِ الشارع منه.
* الثاني: أن لا يساعدَ الصّادِّين عن سبيل الله والمسجدِ الحرام بتسليم المُكوس [خوّة تُدفَع مقابل السّماح للحاجّ بالوصول إلى مكّة] إليهم، فإنّ ذلك إعانةٌ على الظُّلم وتسهيلٌ لأسبابه، وجرأةٌ على سائر السَّالكين إلى الله تعالى.
ولْيَحْتَلْ في الخلاص، فإنْ لم يقدر فالرُّجوع أولى من إعانة الظّالمين على البدعة وجعلِها سُنّة.
* الثالث: التَّوسُّعُ في الزَّاد، وطِيبُ النّفس في البَذل، والإنفاقُ بالعدل دون البُخل والتَّبذير، فإنّ بذلَ الزّاد في طريق مكَّة إنفاقٌ في سبيل الله عزّ وجلّ.
قال صلّى الله عليه وآله: الحجُّ المبرورُ ليس له أجرٌ إلَّا الجنّة.
فَقِيل: يا رسولَ الله، ما بِرُّ الحجّ؟
قال: طِيبُ الكلام، وإطعامُ الطعام.
يحرمُ مساعدةُ الصّادِّين عن سبيلِ الله والمسجدِ الحرَام بتسليم المُكوس إليهم
فإنّ ذلك إعانةٌ على الظُّلم وتسهيلٌ لأسبابه، وجرأةٌ على سائر السَّالكين إلى الله.
* الرّابع: ترْكُ الرَّفَث، والفُسوق، والجدال، كما قال تعالى: ﴿..فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ فِي الْحَجِّ..﴾ البقرة:197.
O والرَّفَثُ: كلّ لغوٍ وفُحشٍ من الكلام.
ويدخلُ في ذلك محادثةُ النِّساء بشأن الجُماع المحرَّم، فإنّها تهيّج داعيتَه، وهي مقدّمة له فتَحرُم.
ومن لُطف «الشَّارع» [المُقَنِّن] إقامةُ مظنّةِ الشّيء مقامَ الشّيء حَسماً لمادّته.
O والفسوق: الخروجُ عن طاعة الله.
O والجدال: هو المماراة والخصومة الموجبَة للضَّغائن والأحقاد، وافتراقِ كلمة الخلق (الحقّ)، وكلُّ ذلك ضدُّ مقصود «الشَّارع» من الحجّ، وشغلٌ عن ذِكر الله تعالى.
* الخامس: أن يحجّ ماشياً مع القدرة ونشاط النّفس، فإنّ ذلك أفضلُ وأدخلُ للنَّفس في الإذعان لعبوديّة الله.
وقال بعض العلماء: الرّكوبُ أفضل، لما فيه من مؤونة الإنفاق، ولأنّه أبعدُ من المَلال، وأقلُّ للأذى، وأقربُ إلى السّلامة، وأداء الحجّ.
وهذا التَّحقيق غيرُ مخالفٍ لما قلناه.
والحقُّ التفصيل، فيُقال: مَن سهُل عليه المشيُ فهو أفضل، فإنْ أضعفَ وأدّى إلى سوء خُلُقٍ وقصورٍ عن العمل، فالرُّكوبُ أفضل، لأنّ المقصودَ توفُّر القوى على ذِكر الله تعالى، وعدم المُشغلاتِ عنه.
* السادس: أن يركب الزَّاملة [البعير، يُحمَل عليه الطعام والمتاع] دون المَحْمَل، لاشتماله على زيِّ المترَفين والمتكبّرين، ولأنّه أخفُّ على البعير، أللّهُمَّ إلَّا لِعُذر.
حجَّ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله على راحلتِه، وكان تحتَه رَحْلٌ رَثٌّ، وقطيفةٌ خَلِقةٌ، قيمتُه أربعةُ دراهم، وطافَ على الرّاحلة لِيَنظرَ النّاسُ إلى هيئتِه وشمائلِه، وقال: خُذوا عنّي مناسكَكم.
* السابع: أن يَخرج رثَّ الهيئة، أقرب إلى الشّعَث، غير مستكثِرٍ من الزِّينة وأسباب التّفاخر، فيخرج بذلك عن حزب السّالكين وشعار الصّالحين. ورُوي عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «إنّما الحاجّ الشُّعث التُّفث. يقول اللهُ تعالى لملائكتِه: انظروا إلى زوّار بيتي قد جاؤوني شُعثاً غُبراً من كلِّ فجّ. وقال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ..﴾ الحج:29». والتَّفَث: الشَّعَث والاغبرار، وقضاؤه، بالحَلق وتقليمِ الأظفار.
* الثّامن: أن يرفق بالدابّة ولا يحمِّلها ما لا تطيق. كان أهلُ الورع لا ينامون على الدابّة إلَّا غفوةً من قعود. قال صلّى الله عليه وآله: «لا تتّخذوا ظهورَ دوَابّكم كراسيّ»، ويستحبُّ أن ينزل عن دابّتِه غدوّةً وعشيّة يروّحها بذلك فهو سُنّة، وسرُّ ذلك مراعاةُ الرِّقّة والرّحمة، والتّخلَّي عن القسوة والظّلم، ولأنّه يخرج بالعَسف عن قانون العدل ومراعاة عناية الله تعالى وشمولِها، فإنّها كما لحقت الإنسان لحقت سائرَ الحيوان.
* التّاسع: أن يتقرّبَ بإراقة دم، ويجتهدَ أن يكون سميناً ثميناً ".." وإنّما المقصودُ تزكية النّفس وتطهيرُها عن رذيلة البُخل وتزيينُها بجمال التّعظيم لله. ﴿لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم..﴾ الحج:37.
* العاشر: أن يكون طيّبَ النّفس بما أنفقَه من هَدْيٍ وغيره، وبما أصابَه من خسرانٍ ونقيصةِ مالٍ -إنْ أصابَه ذلك- فإنّه بذلك يكون مُكتفياً إلى الله سبحانه عن كلِّ ما أنفقَه، متعوّضاً عنه ما عندَ الله، وذلك علامةٌ لقبول حجِّه.

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 8

ملحق شعائر 8

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

نفحات