الملف

الملف

16/10/2012

الآدابُ القلبيّةُ لمناسِك الحجّ

الآدابُ القلبيّةُ لمناسِك الحجّ
.. هذا الحرم مِثالٌ للحَرمِ الحقيقيّ
ـــــ الشّهيد الثاني، الجُبَعي الطلُّوسي العاملي ـــــ

«ولْيَكُنْ رجاؤه أغلبَ فإنّ الكرمَ عميم، وشرفَ البيت عظيم، وحقَّ الزّائر مَرْعيّ، وذِمامَ المُستجيرِ محفوظ، خصوصاً عند أكرم الأكرمين».
ما يلي، مختارٌ في مقاربةٍ لِفقهِ القلب عند أداء المناسك، من رسالة الشّهيد الثاني (زين الدّين العاملي قدّس سرّه) حول الحجّ، وهي مطبوعة بين (رسائل الشّهيد الثاني).

وأمّا دخولُ مكَّةَ فَلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أنّه قد انتَهى إلى حرَم الله الأمينِ، ولْيَرْجُ عندَه أنْ يَأمنَ بدخوله مِن عقاب الله، ولْيَخْشَ أنْ لا يكونَ مِن أهل القُرب، ولْيَكُنْ رجاؤه أغلبَ فإنّ الكرمَ عميم، وشرفَ البيت عظيم، وحقَّ الزائر مَرْعيّ، وذِمامَ المستجيرِ محفوظ، خصوصاً عند أكرم الأكرمين.
ولْيَسْتَحْضِر أنّ هذا الحرم مِثالٌ للحرمِ الحقيقي، لِيَتَرقّّى من الشّوق إلى دخولِ هذا الحرم والأمنِ بدخوله من العقاب، إلى الشوقِ إلى دخولِ ذلك الحرمِ والمقامِ الأمينِ.
O وإذا وَقَعَ بصرُه على البيت:
فَلْيَسْتَحْضِرْ عظَمتَه في قلبِه
ولْيَتَرَقَّ بفكرِه إلى مشاهَدَة حضرةِ ربّ البيت في جِوار الملائكة المقرّبينَ،
ولْيَتَشَوّقْ أنْ يَرْزُقَه النّظرَ إلى وجهِه الكريم، كما رَزَقَه الوصولَ إلى بيتِه العظيم.
ولْيُكْثِرْ مِن الذِّكر والشّكرِ على تبليغ اللهِ إيّاه هذه المرتبةَ.
وبالجملة فلا يَغْفَلْ عن تَذَكُّر أحوالِ الآخرة.

O وأمّا الطّوافُ بالبيت، فلْيَسْتَحْضِرْ في قلبِه التّعظيمَ والخَوْفَ والخَشْيَةَ والمحبّةَ.
ولْيَعْلَمْ أنّه بذلك مُتَشَبِّهٌ بالملائكة المقرّبينَ، الحافّينَ حولَ العرش، الطّائفينَ حولَه.
* ولا تَظُنّنّ أنّ المقصودَ طوافُ جسمِك بالبَيت بل طوافُ قلبك بذكرِ ربّ البَيْت، حتّى لا تَبْتَدئ بالذِّكر إلّا منه، ولا تَخْتِمَ إلّا به، كما تبتدئُ بالبيت، وتَخْتِمُ به.
** ومن هنا قال أهلُ الحقيقة: «طوافُ أهل العبارةِ بالقالب، وطوافُ أهل الإشارة بالقلب». فإنّ الطّوافَ المطلوب هو طوافُ القلب بحضرَة الربوبيّة، وإنّ البيتَ مِثالٌ ظاهرٌ في عالَم الشّهادة لتلك الحَضرة التي هي عالَمُ الغيب، كما أنّ الإنسانَ الظّاهرَ مثالٌ ظاهرٌ في عالَم الشّهادة للإنسان الباطن الذي لا يُشاهَد بالبصر، وهو في عالَم الغيب، وإنّ عالَمَ المُلكِ والشّهادة مِرْقاةٌ ومدْرَجٌ إلى عالَم الغيب والملكوت؛ لِمَنْ فُتِحَ له بابُ الرّحمة، وأخَذَتِ العنايةُ الإلهيّةُ بيده لسلوكِ الصّراط المستقيم.
O وأمّا اسْتِلامُ الحَجَر فلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أنّه:
مُبايِعٌ لله على طاعتِه.
مُصَمِّمٌ عزيمتَه على الوفاء ببيعتِه:
﴿..فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ الفتح:10.
ولذلك قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: «الحَجَرُ الأسودُ يَمينُ اللهِ في الأرض، يُصافِحُ بها خَلْقَه كما يُصافِحُ الرجلُ أخاه».
ولمّا قَبّلَه عُمَرُ قال: «إنّي لَأَعلَمُ أنّك حَجَرٌ لا تَضُرّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أنّي رأيتُ رسولَ الله يُقَبِّلُك لَما قَبّلْتُك». فقال له الإمام عليٌّ عليه السلام: «مَهْ يا عُمرُ، بَلْ يَضُرّ ويَنْفَعُ، فإنّ اللهَ سبحانه لَمّا أخَذَ المِيثاقَ على بني آدمَ حيث يقول: ﴿وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ..﴾ الأعراف:172، ألْقَمَه هذا الحجرَ ليكونَ شاهداً عليهم بأداء أمانتِهم. وذلك معنى قول الإنسانِ في الدّعاء عند استلامِه: أمانتي أدّيْتُها، وميثاقي تعاهَدْتُه، لِتَشْهَدَ لي عندَ ربّك بالموافاة».
O وأمّا التعلُّقُ بأسْتار الكعبة والالتصاق بالملتَزَم، فَلْيَستحضِرْ فيه طلبَ القربِ حُبّاً لله وشوقاً إلى لقائه، تَبَرُّكاً بالمماسّة ورجاءً للتحصُّن من النّار.
O ولتَكُن النيّةُ في التعلُّقِ بالسّتْر الإلحاحَ في طلب الرّحمة، وتوجيهَ الذِّهن إلى الواحد الحقّ، وسؤالَ الأمانِ من عذابه، كالمُذْنِبِ المتعلَّق بأذيالِ مَن عَصاه "..".
O وأمّا السّعيُ بينَ الصَّفا والمَروة في فِناء البَيت، فمثالٌ لتردُّد العبد بفِناء دار المَلِك جائياً وذاهباً مرّةً بعدَ أُخرى، إظهاراً للخُلوص في الخدمة، ورجاءً لملاحَظَتِه بعَينِ الرّحمة "..".
O ولْيَتَذَكَّرْ عندَ تردُّدِه بينَ الصّفا والمَرْوة، تردُّدَه بينَ كفّتَي الميزانِ في عرصة القيامة، ولْيُمَثّلِ الصّفا بكفّة الحَسَناتِ، والمَروة بكفّة السيّئاتِ، ولْيَتَذَكَّرْ تردُّدَه بينَ الكفَّتينِ، ملاحِظاً للرّجحانِ والنّقصان، متردِّداً بينَ العذاب والغُفْران.
O وأمّا الوقوفُ بعرَفَة، فَلْيَتَذَكَّرْ بما يَرى مِن ازدحامِ النّاسِ وارتفاع الأصواتِ واختلافِ اللّغات ".." عَرَصاتِ القيامةِ، واجتماعَ الأُمم مع الأنبياء والأئمّة، واقتفاءَ كلِّ أُمّةٍ أثرَ نبيِّها وإمامِها، هادياً كان أم مُضِلّاً ".." وإذا تَذَكَّرَ ذلك فَلْيُلْزِمْ قلبَه الضّراعةَ والابتهالَ إلى الله تعالى في أنْ يَحْشُرَه في زُمْرة الفائزينَ المرحومينَ.
O وأمّا الوقوفُ بالمَشْعَر، فَلْيَسْتَحْضِرْ أنّه قد أقبَلَ عليه مولاه بعدَ أنْ كان مُدْبِراً عنه، طارداً له عن بابِه، فأذِنَ له في دخول حَرَمِه، فإنّ المَشْعَرَ مِن جملة الحرَم، وعَرَفَة خارجه "..".
O وأمّا رميُ الجِمار، فَلْيَقْصِد به الانقيادَ لأمرِه وإظهارَ الرِّقّ والعبودية، ثمَّ لْيَقْصِدْ به التّشَبُّهَ بإبراهيمَ عليه السلام ".." فهو في الحقيقة رَمْيٌ لوجهِ إبليسَ وقَصْمٌ لظهرِه، إذ لا يَحْصُلُ إرغامُ أنفِه إلّا بامتثال أمرِ الله تعالى تعظيماً لمجرّد الأمر.
O وأمّا ذَبْحُ الهَدْي، فَلْيَعْلَمْ أنّه تَقَرّبٌ إلى الله تعالى بحُكم الامتثال.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

16/10/2012

دوريات

نفحات