وصايا

وصايا

16/10/2012

آدابُ الحجّ

آدابُ الحجّ
في وصايا المقدَّس البَهاري الهَمداني

______إعداد: أسرة التحرير______

«..ليَخرج من منزله طاهراً نقيّاً، بل يُزيل تمام تعلُّقاته، ويقطع رأسَ انشغال قلبه وعدم حضوره، لِيتوجَّه بتمام قلبه إلى الله، وليَتَصرَّف على أساس أنَّه لن يرجع أبداً».
مقتطف من كتاب (تذكرة المتَّقين) للمقدَّس آية الله البهاري الهمداني (ترجمة الشيخ حسين كوراني) تقدّمه «شعائر» إلى القرّاء الكرام بمناسبة موسم الحجّ.

إعلَم أيُّها الطَّالب للوصول إلى بيتِ الله الحرام، أنَّ للهِ جلَّ شأنُه العظيم بيوتاً مختلفةً أحدها يُسمَّى الكعبة الظّاهريّة، الّتي أنتَ قاصِدُها، وبيت المَقْدِس، والبيت المعمور، والعرش، وهكذا إلى أن نصل إلى حيث البيت الحقيقي الأصلي الذي يُسمَّى القلب، الذي هو أعظمُ من كلِّ هذه البيوت ".."

الهدف من تشريع الحجّ

".." المقصودُ الأصليُّ من خَلْق الإنسان هو معرفة الله تعالى، والوصول إلى درجة حبِّه والأُنس به، ولا يُمكن حصول هذَين الأمرَين إلَّا بتصفية القلب، وذلك لا يمكن حصوله أيضاً إلَّا بِكَفِّ النَّفس عن الشَّهوات والانقطاع من الدُّنيا الدَّنيّة، وحمْلِها على المَشاقّ من العبادات؛ ظاهريّة وباطنيّة.
ومن هنا لم يجعل الشّارع المقدَّس العبادات نَسَقاً واحداً، بل جَعَلها متنوِّعة، حيث تتكفَّل كلٌّ منها بإزالة رذيلة من الرَّذائل لِتتمّ تصفية النّفس تماماً، بالاشتغال بتلك العبادة.
فالصَّدقات والحقوق الماليّة، يَقطعُ أداؤها الميلَ إلى حُطامِ الدُّنيا. والصَّوم يَقطع الإنسان عن المشتهيات النّفسانيّة. والصَّلاة تنهى عن كلِّ فحشاءٍ ومُنكَر. وهكذا سائر العبادات.
ولأنَّ الحجَّ مَجْمَع العناوين، بَل وزيادة، لأنَّه يَشتمل على جملةٍ من مشاقِّ الأعمال التي تتوفَّر في كلٍّ منها صلاحية تصفية النّفس؛ مثل: إنفاق المال الكثير والقطع عن الأهل والأولاد والوطن، والحشر مع النُّفوس الشِّرّيرة، وطيّ المنازل البعيدة، مع الابتلاء بالعطش في الحرِّ الشّديد في بعض الأوقات، والقيام بأعمال غير مأنوسة، لا تَقبلها الطِّباع، من الرَّمي والطَّواف والسَّعي والإحرام وغير ذلك [ممّا تترتّب عليه] الفضائل الكثيرة، من قبيل: التَّذكير بأحوال الآخرة، من خلال رؤية أصناف الخَلْق والإجتماع الحاشد في صُقع واحد [وبقعة واحدة] على نهجٍ واحد، لا سيَّما في الإحرام والوقوفَين. والوصول إلى محلِّ الوحي ونزولِ الملائكة على الأنبياء ".." والتَّشرُّف بِمَحَلِّ أقدام أولئك العظماء، مُضافاً إلى التّشرُّف بِحَرَم الله وبيتِه، مع الحصول على الرِّقّة التي تورث صفاءَ القلب برؤية هذه الأمكنة الشَّريفة ".."

كيف يُهيِّئ الحاجّ نفسَه؟

".." ولا يصل الإنسان إلى هذه الكرامة العُظمى إلَّا بملاحظة الآداب والرُّسوم الحقيقيّة، وهي أمور:
* الأوّل: أنَّ كلّ عبادة من العبادات، يجب أن تكون بِنِيّةٍ صادقة ".." فمَن أراد الحجَّ يجب أوّلاً أن يتأمَّل بعض الشّيء في نيَّته ".." ويرى هل أنَّ هدفه من هذا السَّفر هو امتثال الأمر الإلهي، والحُصول على ثوابه تعالى، والفرار من عقابه، أم أنَّ هدفه -نستجير بالله- تحصيل الإعتبار، أو خوف ذمِّ النّاس، أو تفسيقهم له، أو الخوف من الفقر، بناءً على أنَّ كلّ من ترك الحجّ ابتُليَ بالفقر، أو أمور أخرى من قبيل التّجارة، والنّزهة والسّياحة في البلاد وغير ذلك
".."
* الثاني: أنْ يُهيِّئ نفسه لحضور مجلس الرَّوحانيِّين بتوبة صادقة، بجميع مقدِّماتها التي من جملتها ردّ الحقوق سواءً الماليّة، أم الغِيبة، أم أذيّة هَتْك الغَير وجرح كرامته، وسائر الجنايات على الآخرين ممّا يجب الاستحلال من أصحابها، بالتّفاصيل المذكورة في محلِّها.
ويحسن إيقاع التّوبة بعد هذه المقدِّمات في يوم الأحد كما هو مذكور في (منهاج العارفين) [المقصود هو صلاة يوم الأحد من ذي القعدة، وهي مذكورة في كُتب الأعمال] وإذا كان أحد والدَيه على قيد الحياة، فليُرضِهِ عنه مهما أمكن، ليَخرج من منزله طاهراً نقيّاً، بل يُزيل تمام تعلُّقاته، ويَقطع رأسَ انشغال قلبه وعدم حضوره، ليتوجَّه بتمام قلبه إلى الله، وليَتصرَّف على أساس أنَّه لن يرجع أبداً. وبناءً على هذا، يجب أن يوصي وصيّةً تامّةً كاملةً ".." ومع ذلك يترك أهله وعياله في كفالة الكفيل الحقيقي، فإنَّه خير معين ونعم الوكيل. وباختصار، إنَّ عليه أن يتصرَّف بحيث إنَّه إذا لم يرجع فلا يكون قد بقي أيّ جزئي من جزئيّات أموره معلَّقاً ".."
* الثّالث: أن لا يُهيِّئ لنفسه في سفره أسباب انشغال القلب، فيَمنعه ذلك عن أن يكون في حركاته وسَكَناته في ذكر المحبوب سبحانه؛ سواءً كانت أسباب الإنشغال هذه من قبيل العيال والأولاد، أم الرّفيق غير الملائم للطَّبع، أو بضاعة للتّجارة أو غير ذلك، المهمّ أنْ لا يُهيِّئ هو بيده ما يضطرّه إلى صرف اهتمامه فيه، بل إذا استطاع فَلْيُسافر مع أشخاص يغلب عليهم تذكيرُه كلَّما غَفل.
* الرّابع: أن يَبذل الجهد مهما أَمكنه، لإحراز حِلِّيّة مصرفه، ويَأخذ منه ما يَزيد على حاجته، وأن لا يَضيق ذَرْعاً بالإنفاق، لأنَّ الإنفاقَ في الحجِّ إنفاقٌّ في سبيل الله، فلماذا يَنقبض قلب الإنسان من الزِّيادة في المصرف، فليَحمل أحسن الزَّاد وليُكثِر الإنفاق، فإنَّ درهماً منه في أحاديث أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين بسبعين درهماً.
أَزهد الزُّهّاد؛ أعني الإمام السّجّاد عليه السلام، كان عندما يريد الحجّ يحمل معه مثل اللَّوز والسُّكّر والحلويّات والسُّوَيق.
بل من جملة أسباب سعادة الإنسان، إذا تلف له شيء في هذا السَّفر أو سُرق منه، أو زادت مصاريفه، فليشعر بكمال الإمتنان، بل ينبغي أنْ تغمره الفرحة لأنَّ جميع ذلك يتمُّ ثبْتُه وتسجيله على المضيف في الدِّيوان الأعلى، وسيُعوِّضه عليه بأضعافٍ مُضاعَفة.
ألا ترى أنَّك إذا دعاك شخص إلى ضيافته في بيته، وواجَهْتَ في أثناء الطَّريق ضرراً ما، فإنَّ صاحب البيت إذا استطاع، يُعوِّض ذلك عليك بقدر ما يُمكنه، لأنَّه هو الذي طلبك. يفعلُ ذلك، مع أنَّه -بالنّسبة إلى الله تعالى- لئيمٌ وعاجز، فكيف ظنُّك بأقدر القادرين وأكرم الأكرمين، حاشا وكلَّا أن يكون كرمُهُ أقلّ من أعرابيّ يَسكن البادية. نعوذ بالله من سوء الظَّنِّ بالخالق.
وصِدْقُ هذا القَوْل واضح لِمَن تنقَّل بين أعراب البادية، واطَّلع على أحوالهم.
* الخامس: أن يكون حَسَن الخُلق، ويَتواضع للرَّفيق من السَّائق وغيره، ويَحذَر اللَّغو والفحش والحِدَّة، والكلام غير المناسب، وليس حُسْنُ الخُلُق أن لا يؤذي أحداً فقط، بل من جملة الأخلاق الحسنة أن يَتَحمَّل أذى الآخرين، بل بالإضافة إلى تحمُّل الأذى، يخفض جناحه، وإلى ذلك يُشير قوله في الحديث القدسي: «أخفيتُ رِضايَ في جفاء المخلوق، فمَن كان يُريد رضايَ فليتحمَّل من الآخرين جفاءهم».
* السّادس: أن يقصد الحجّ، فقط دون غيره، بل يجب أن يقصد ضمن ذلك عدّة عبادات -إحداها الحجّ- من قبيل: زيارة القبور المُطهَّرة للشّهداء والأولياء، والسَّعي في حوائج المؤمنين، وتعليم الأحكام الدِّينيّة وتعلُّمها، ترويج المذهب الحقّ، وتعظيم شعائر الله، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ".."
* السّابع: أن لا يهيِّئ لنفسه أسباب التّكبُّر، بل ينبغي أن يذهب إلى الحرم الإلهي مُنكسِر القلب ".."
* الثّامن: أن لا يخرج من بيته إلَّا بعد أن يُودِع نفسه وكلّ ما معه من رفقائه، وما حَمَله، وأهلَ بيته، وكلّ ما له تعلُّقٌ به، أمانةً عند خالقه جلَّ ثناؤه، ويَخرج عند ذلك من بيته، بكمال الاطمئنان، فإنَّه جلَّت عظَمتُه نِعْم الحفيظ ونِعْم الوكيل، ونِعْم المَوْلى ونعِمْ النَّصير ".." ويهتمّ اهتماماً تامّاً بالصَّدَقة، بمعنى أن يشتري صحَّته وسلامته من خالقه بهذه الصَّدقة.
* التّاسع: أن لا يكون اعتماده على محفظة نقوده وقوَّته وشبابه، بل يكون اعتماده في كلِّ حال، بالنّسبة إلى كلِّ شيء، على صاحب البيت تبارك وتعالى ".."
(بتصرّفٍ يسير)


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

16/10/2012

دوريات

نفحات