* المضيق من بطن الخبت
كل ما يملكه الباحث في محاولة تحديد المكان الذي روي أن الشهيد مسلم بن عقيل توقف فيه بعد أن ضل الدليلان الطريق، وكتب إلى سيد الشهداء منه يستعفيه إن رأى ذلك، هو هذه الرسالة المتقدمة والتي ورد تحديد المكان فيها هكذا:

" بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت ". فأي خبت هو المراد، وأي قرية تدعى"المضيق"؟

ومن المفيد التنبيه إلى أن تحديد هذا المكان يجعلنا ندرك حقيقة رسالة الشهيد إلى الإمام، ونضعها في موقعها الطبيعي.

* ألخبت أم الخبيت؟
مر في هامش الرسالة بعض ما قاله الحموي حول الخبت، ومن الضروري هنا إيراد كلامه بتمامه، فقد قال:

"خبت : بفتح أوله، وتسكين ثانيه، وآخره تاء مثناة، وهو في الأصل المطمئن من الأرض فيه رمل، وقال أبو عمرو : الخبت سهل في الحرة، وقال غيره : هو الوادي العميق الوطيء ينبت ضروب العضاة(2) وقيل: الخبت ما تطامن من الأرض وغَمُض، فإذا خرجت منه أفضيت إلى سعة، والجمع الخبوت: وهو علم لصحراء بين مكة والمدينة يقال له خبت الجميش. وخبت أيضاً : ماء لكلب. وخبت البزواء : بين مكة والمدينة. وخبت: من قرى زبيد باليمن".(3)

و قال السيد المقرم: " في الطبري ج6 ص198، وابن الأثير ج4 ص9 الخبيت بالخاء المعجمة والباء الموحدة ثم المثناة من تحت وبعدها المثناة من فوق، وفي إرشاد الشيخ المفيد الخبت بالخاء المعجمة ثم الباء الموحدة وبعدها تاء مثناة من فوق، وفي نص الأخبار الطوال ص 232 الحربث بالحاء والراء المهملتين ثم الباء الموحدة وبعدها ثاء مثلثة، وهو غير مراد قطعا لأن الحربث كما في تاج العروس ومعجم البلدان نبت طيب، وأما ما في الإرشاد فيمكن إرادته لأنه في تاج العروس ج1 ص614 ذكر من معانيه المتسع من الأرض والوادي العميق الوطيء ينبت العضاة، وقرية لزبيد في البر مشهورة، وماء لكلب، كما أن الأول يمكن إرادته لأن الخبيت كما في معجم البلدان، والمعجم مما استعجم للبكري، ماء لبني عبس وأشجع، يقع في العالية وهي الحجاز، وفي المستعجم أنه موضع على بريدين من المدينة".(4)

والنتيجة هي أن الإحتمالات كما يلي:
1- الخبت صحراء بين مكة والمدينة، كما ذكر الحموي، أو قرية لزبيد في البر مشهورة، أو ماء لكلب كما قال الحموي في معجم البلدان والزبيدي في تاج العروس.

2- الخبيت برواية الطبري، وهو إما على بريدين من المدينة كما عن المستعجم، أو ماء لبني عبس كما عن معجم ما استعجم.

و أمام تعدد الإحتمالات يتعين الآتي:
أولاً: محاولة الجمع بينها إن أمكن فلعل بعض المواصفات تعابير مختلفة عن حقيقة واحدة.
ثانياً: ترجيح ما يمكن ترجيحه منها.
ثالثاً: محاولة تحديد "المضيق" الذي هو "ببطن الخبت" فلعله السبيل إلى تحديد الخبت نفسه، وأشير هنا إلى أني لم أعثر في المصادر الحديثة والمعاصرة من الخرائط الرسمية السعودية والمواقع الإعلامية لبعض الوزارات التي تأتي الإشارة إليها على وجود منطقة محددة تسمى بالخبت أو الخبيت.

و في المجال الأول: الجمع بين النصوص: ينبغي ملاحظة أنه لا منافاة بين ما تقدم من كلام الحموي، وبين كون الخبت على بريدين من المدينة، ويأتي مزيد إيضاح، كما أنه لا منافاة بينه وبين ما ذكره الزبيدي في تاج العروس حول الخبت الذي هو قرية لزبيد، فقد أضاف الحموي أنه باليمن فهو غير ما نحن بصدده، ولا دليل على المنافاة بين الخبت الذي هو بين مكة والمدينة وبين الذي هو ماء لكلب أو لبني عبس فهو بعموميتيه فضفاض، وقد ينزل قسم من قبيلة في مكان وفيه ماء فيعرف باسمهم، وفي المصادر حديث عن ارتباط بعض الأماكن القريبة من هذه المنطقة باسم بني عبس.(5) كما أن الرجوع إلى نص الزبيدي الذي أورده السيد المقرم يكشف عن تتمة له لم يذكرها السيد لأنه لم يكن بصددها وهي إشارة إن لم تكن نصاً في أن الخبت الذي فيه هذا الماء يقع بين مكة والمدينة، فقد قال الزبيدي في أخر نصه المتقدم: " ثم إن هذا الذي قاله من أنه ماء لكلب قيَّده غير واحدٍ من أصحاب الأخبار والأماكن أنه بالشام لأن بنى كلب به فهما واحد". (6)

و في المجال الثاني : الترجيح بين النصوص: من الطبيعي ترجيح نص المختص بموضوع البلدان والأماكن على غيره ممن ليس هذا الموضوع اختصاصه.

* في أي خبت؟
و في المجال الثالث: تحديد "الخبت" الذي يقع "المضيق" في بطنه: ينبغي ملاحظة الآتي:

أولا: صرح الحموي بأن الخبت "صحراء بين مكة والمدينة" وقد عرفت عدم تنافي الأقوال الأخرى مع ذلك.

وقال في مكان آخر: " براق خبت : بفتح الخاء المعجمة، وسكون الباء، وتاء فوقها نقطتان، وخبت : صحراء بين مكة والمدينة، وقيل : خبت ماء لبني كلب، قال بشر:
                                   فأودية اللوى فبراق خبت     عفتها العاصفات من الرياح

وقال أيضاً:

أتعرف من هنيدة رسم دار    بأعلى ذروة وإلى لواها
        ومنها منزل ببراق خبت      عفت حقباً وغيَّرها بلاها ".
(7)

ويقصد الشاعر ما بين مكة والمدينة، وذلك بقرينة "اللوى" و"ذروة" كما ورد تحديدهما في المعاجم.

و قال الحموي في مكان ثالث: " خبيت : تصغير خبت، آخره تاء، وقد تقدم تفسيره: وهو ماء بالعالية يشترك فيه أشجع وعبس، وفي شعر نابغه بني ذبيان :

إلى ذبيان حتى صبحتهم   ودونهم الربائع والخبيت

وقال أبو عبيدة : هما ماءان لبني عبس وأشجع، قال كثير :

وفي اليأس عن سلمى وفي الكبر الذي أصابك شغل للمحب المطالب

   فدع عنك سلمى إذ أتى النأي دونها وحلت بأكناف الخبيت فغالب ".(8)

وقال الزبيدي: "خبت الجميش، برفع خبت والجميش. وخبت بالتنوين والجميش بالرفع، ويجوز أن يضاف فيقال خبت الجميش قال القتيبى سألت الحجازيين فأخبروني أنه صحراء بين الحرمين الشريفين أي بين المدينة المشرفة والجار (9) يعرف بالخبت والجميش الذى لا ينبت، ومما يستدرك عليه الخبيت مصغراً ماء بالعالية يشترك فيه أشجع وعبس وموضع آخر أسفل ينبع يواجه الحرة وقيل بطريق الشام". (10)

و يبدو أن المراد بالعالية هنا منطقة بين مكة والمدينة، وعليه فالخبيت - المصغر- الذي يشترك فيه أشجع وعبس لايقع في مكان آخر بحيث يؤثر في نتيجة البحث.
 قال الزبيدي نفسه في تحديد العالية : "و المسمى بالعالية قرى بظاهر المدينة المشرفة، وهي العوالي وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها ".

و قال الحموي في تحديد العالية أيضاً : " والعالية : اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمايرها إلى تهامة فهي العالية، وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة".." وقال قوم : العالية ما جاوز الرمة إلى مكة.. ".(11)

و النتيجة العملية التي يمكن أن يؤسس عليها هي أن هناك مكانين أحدهما باسم الخبت وهو الأشهر والثاني باسم الخبيت، إلا أن الذي يميز أيهما كتب الشهيد مسلم منه رسالته إلى سيد الشهداء عليه السلام، هو أن "المضيق" يقع في الخبت لا في الخبيت، كما سيأتي.

* في أيها يقع المضيق؟
ثانياً: ولدى تتبع أهم نصوص الحموي وغيره مما ورد فيه ذكر "المضيق" نجد الآتي:

قال الحموي: "آرة جبل بالحجاز بين مكة والمدينة، يقابل قدساً، من أشمخ ما يكون من الجبال، أحمر، تخرج من جوانبه عيون على كل عين قرية، فمنها: الفُرع، وأم العيال، والمضيق، والمحضة، والوبرة، والفغوة، تكتنف آرة من جميع جوانبها، وفي كل هذه القرى نخيل وزروع، وهي من السقيا على ثلاث مراحل، من عن يسارها مطلع الشمس، وواديها يصب في الأبواء ثم في ودان، وجميع هذه المواضع مذكورة في الأخبار". (12)

و سيأتي أن السقيا تبعد عن الجحفة اثنين وخمسين ميلاً.

و قال الحموي: أيضاً: "المضيق": قرية في لحف آرة بين مكة والمدينة، أغارت بنو عامر ورئيسهم علقمة بن علاثة على زيد الخيل الطائي فالتقوا بالمضيق فأسرهم زيد الخيل عن آخرهم وكان فيهم الحطيئة فشكا إليه الضايقة فمنَّ عليه، فقال الحطيئة:

فما نلتنا غدراً ولكن صبحتنا          غداة التقينا في الـمـضيق بأخيل
           كريم تفادي الخيل من وقعاته          تفادي خشاش الطير من وقع أجدل ".
(13)

* أين تقع السقيا؟
تقدم في كلام الحموي أن الفرع التي تقع فيها قرية المضيق تبعد عن السقيا ثلاث مراحل أي ثلاث منازل، فأين تقع السقيا؟

قال البكري الأندلسي: " وبين الرويثة والمدينة سبعة عشر فرسخاً، ومن الرويثة إلى السقيا عشرة فراسخ ". (14) و قال: " السقيا، بضم أوله، وإسكان ثانيه، بعد الياء أخت الواو، مقصورة: قرية جامعة قد تقدم ذكرها في رسم الفرع، وفي رسم قدس، وهي في طريق مكة، بينها وبين المدينة". (15)

و قال البكري أيضاً: " والطريق إلى مكة : من المدينة على العقيق. من المدينة إلى ذي الحليفة ستة أميال، وقيل سبعة، وهو الميقات للناس، وهنالك منزل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وارداً وصادراً، ثم إلى الحفين ثمانية أميال من ذي الحليفة، ثم إلى ملل ثمانية أميال، ثم إلى السبيالة سبعة أميال، ثم إلى الروحاء أحد عشر ميلاً، ثم إلى الرويثة أربعة وعشرون ميلاً، ثم إلى الصفراء اثنا عشر ميلاً، ثم إلى بدر عشرون ميلاً. وطريق آخر إلى بدر: تعدل من الروحاء في المضيق إلى خيف نوح، اثنا عشر ميلاً، ثم إلى الخيام أربعة أميال، ثم إلى الأثيل ثلاثة عشر ميلاً، والأثيل من الصفراء، ثم إلى بدر، ويستقيم الطريق من بدر إلى الجحفة يومان في قفر به آبار عذبة. وطريق آخر من الرويثة، وهو أكثر سلوكاً : من الرويثة إلى الأثاية اثنا عشر ميلاً، ومن الأثاية إلى العرج ميلاً، ومن العرج إلى السقيا سبعة عشر ميلاً، ومن السقيا إلى الأبواء تسعة عشر ميلاً، ومن الأبواء( إلى) الجحفة ثلاثة وعشرون ميلاً، وربما عدل الناس عن الأبواء، فساروا من الشفيا؟ (السقيا) إلى ودان، وهي وراء الأبواء، ناحية عن الطريق، بينهما نحو ثمانية أميال، ومن ودان إلى عقبة هرشى خمسة أميال، وعقبة هرشى إلى ذات الأصافر ميلان، ثم إلى الجحفة، وليس بين الطريقين إلا نحو ميلين. فهذا ذكر الطريق من المدينة إلى الجحفة. وعلى سبعة أميال من السقيا بئر الطلوب، وهي بئر عادية، وهي التي اطلع فيها معاوية، فأصابته اللقوة، فأغذ السير إلى مكة".(16)

و النتيجة المهمة هنا أن السقيا في الطريق إلى مكة، على بعد اثنين وخمسين ميلاً من الجحفة.

* هل السقيا من قرى الفُرُع؟
تقدم في كلام الحموي أن الفرع تبعد عن السقيا ثلاث مراحل، إلا أن البكري الأندلسي يرى أن السقيا "من عمل الفُرع" فقد قال:

" الفرع بضم أوله ثانيه، بالعين المهملة: حجازي من أعمال المدينة الواسعة. والصفراء وأعمالها من الفرع، ومنضافة إليها. وروى الزبير عن علي بن صالح عن هشام بن عروة، أن الفرع أول قرية مارت إسماعيل التمر بمكة، وكانت من ديار عاد. وروى الأسلميون عن أشياخهم، أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم نزل في موضع المسجد بالبرود، في مضيق الفرع، فصلى فيه. والفرع على الطريق من مكة إلى المدينة ".." والفرع : من أشرف ولايات المدينة، وذلك أن فيه مساجد لرسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، نزلها مراراً ، وأقطع فيها لفغار وأسلم قطائع، وصاحبها يجبي اثنى عشر منبراً : منبر بالفرع، ومنبر بمضيقها، على أربعة فراسخ منها، يعرف بمضيق الفرع، ومنبر بالسوارقية، وبسابة، وبرهاط ، وبعمق الزرع، وبالجحفة، وبالعرج وبالسقيا، وبالأبواء، وبقديد، وبعسفان، وبإستارة . هذه كلها من عمل الفرع. وقال الزبير : كان حمزة بن عبدالله بن الزبير قد أعطاه أبوه الربض والنجفة، عينين بالفرع تسقيان أزيد من عشرين ألف نخلة. قال ابن إسحاق : وبناحية الفرع معدن يقال له بحران، وإليه بلغ رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعقب غزوة السويق، يريد قريشاً، وأقام به شهرين، وانصرف ولم يلق كيداً ".(17)

* أين تقع بحران
و سواء أكانت السقيا من عمل الفرع أم لم تكن فإن الفائدة العملية هي تحديد المنطقة التي تقع فيها قرية "المضيق" وقد اتضح حتى الآن - إجمالاً- أنها ضمن الدائرة المحيطة بالمدينة المنورة على مسافة تقرب من المائة وخمسين كيلو متراً، ويأتي مزيد إيضاح وتأكيد.

و ينفع في هذا السياق الوقوف عند "بحران" التي ورد في آخر نص للبكري عن ابن إسحاق قوله : "و بناحية الفُرع معدن يقال له بحران".

قال الحموي : بحران بالضم، موضع بناحية الفرع. قال الواقدي: بين الفرع والمدينة ثمانية برد ".." كذا قيَّده ابن الفرات بفتح الباء ههنا، وقد قيَّده في مواضع بضمها وهو المشهور". (18)

و قال الزبيدي:".. بحران بالفتح، ويضم، وهو بناحية الفرع". (19)

و جاء في موقع "وادي حجر" ما يلي:
" وقال الجاسر في كتاب الجوهرتين: أنه يقع على طريق مكة من المدينة، الطريق النجدية، وأنه يبعد عن المدينة بما يقارب مسيرة يومين بسير الإبل، وناحية الفرع لا تزال معروفة، واسم بحران لا يزال معروفاً، على مقربة من الفُرع، يطلق على جبل يقع بين واديي حجر ومر، ويبعد عن الفرع جنوباً نحو خمسين كم، وعن بلدة رابغ نحو مئة كم "شرقها". يمر السائر منها إلى حجرٍ بسفحه على مقربه من وادي الأكحل. وبحران يبعد عن وسط قرى حجر بمسافة تقارب 25 كم شمال غرب. ويبعد عن أقرب قرية من قرى وادي الفرع بنحو ثلاثين كم جنوباً، ويبلغ طوله أكثر من 7 كم وبعرض لا يتجاوز4 كم في أعلاه تقريباً يتناقص عرضه تدريجياً كلما اتجه إلى الجنوب الغربي، مكوناً أكمات متصلة ببعض، تمتد مسافة تصل إلى 2 كم".
(20)

* وعورة المنطقة
و قال البكري: " قدس، بضم أوله، وإسكان ثانيه، بعده سين مهملة : من جبال تهامة. وهو جبل العرج يتصل بورقان ".." وقدس ينقاد إلى المتعشى، بين العرج والسقيا، ويقطع بينه وبين قدس الآخر الأسود عقبة يقال لها حمت. قاله السكوني . قال : ونبات القدسين العرعر والقرظ والشوحط ، وهما لمزينة وفيهما أوشال . ".." وقال مزرد بن ضرار لكعب بن زهير:

وأنت امرؤ من أهل قدس وآرة        أحلتك عبدالله أكناف مبهل

ورواه ابن دريد : فقدس لمزينة، وآرة لجهينة. وقال يعقوب : هما لجهينة. وقوله " أحلتك عبدالله " : يعني عبدالله بن غطفان . ومبهل : لهم. وقال يعقوب بن السكيت : هما مبهلان : واديان يتماشيان من بين ذي العشيرة، وبين الحاجز (الحاجر؟) ، حتى يفرغان في الرمة، كثير حمضهما، وهما لعبدالله بن غطفان . قال: رهمان: وادٍ أيضا يماشيهما. نقلت ذلك من خط يعقوب. وآرة التي ذكر: جبل شامخ ، يقابل قدساً الأسود، من عن يسار الطريق، وقال يعقوب : قدس وآرة : لجهينة، بين حرة بني سليم وبين المدين. وقال السكوني : ينفجر من جوانب آرة عيون، على كل عين قرية. فمنها قرية غنَّاء يقال لها الفُرع، وهي لقريش والأنصار ومزينة. ومنها قرية يقال لها المضيق، وقرية يقال لها المحضة، وقرية يقال لها خضرة، وقرية الفعو، يكتنف هذه القرى آرة من جميع جوانبها. وفي هذه القرى نخل وزرع ، وهي من السقيا على ثلاث مراحل، عن يسار مطلع الشمس، وواديها يصب في الأبواء، ثم في ودان، وودان : من أمهات القرى، لضمرة وكنانة وغفار وفهر قريش، ثم في الطريقة، وهي قرية ليست بالكبيرة على شاطئ البحر. واسم وادي آرة حقيل، وقرية يقال لها خلص ، وأخرى يقال لها ونعان . ".." ويقابل القدسين عن يمين الطريق للمصعد جبلان، يقال لهما نهبان، نهب الأسفل، ونهب الأعلى، وهما لمزينة، ولبني ليث، فيهما شقص، وفي نهب الأعلى ماء عليه نخلات، يقال له ذو خيم، وفيه أوشال غير هذه البئر المذكورة ويفرق بين النهبين، وبين قدس وورقان الطريق. وفيه العرج، ووادى العرج يقال له مسيحة، نباته المرخ والأراك والثمام. ويتصل بالقدسين جبال كثيرة ليست بشوامخ، تسمى ذروة، وهي مذكورة في مواضعها".(21)

و قد ذكر البكري في مكان آخر أن من هذه الجبال "الحشا" فقال عنه: "{ الحشا } بفتح أوله وثانيه مقصور: جبل شامخ مرتفع ، وهو جبل الأبواء، وهى منه على نصف ميل، وهو عن يمين آرة، يمين الطريق للمصعد". إلى مكة.(22)

ثالثاً: ولدى البحث في المصادر الحديثة اتضح ما يلي:

1- أن في بلاد الحجاز التي تعرف الآن بالمملكة العربية السعودية على مقربة من هذه المناطق التي يرد ذكرها في تحديد الخبت، مكانين باسم "المضيق" يبعد أحدهما عن المدينة باتجاه مكة أكثر من الآخر. والثاني: هو الذي يبدو أن الحموي تحدث عنه وهو يقع بمنطقة وادي الفُرع التي تضم عدة قرى لم يذكر المصدر أسماء ها جميعاً، وأورد من قرية المضيق الصورة التالية:

منازل أثرية بقرية المضيق(23)

2- يقع "وادي الفُرع" الذي تعتبر قرية "المضيق" إحدى قراه على بعد حوالي مائة وخمسة وأربعين كيلومتراً، جنوبي المدينة المنورة كما ورد في صفحة إمارة المدينة المنورة(24) وينبغي التنبه إلى أن قرية المضيق تبعد عن المدينة أكثر من ذلك، فهي في مركز "وادي الفرع" الذي يضم عدداً كبيراً من القرى.

3- وبحسب موقع" شبكة الفرقان السلفية" على الأنترنيت، فإن المسافة أكثر من ذلك فقد ورد فيه: " يسكن بنو جهم قرية " أبو ضباع " وهي آخر قرى وادي الفُرْع الذي يتكون من عدة قرى، وهي : (الريان، الفقير، السدر، المضيق، أم العيال، أبو ضباع). ووادي الفُرْع يبعد عن المدينة النبوية قرابة175كلم على طريق مكة. وجميع قرى وادي الفُرْع أهلها من بني عمرو الحروب السنة إلا قرية أبو ضباع التي تعتبر مركز الرفض في الوادي التي يسكنها بنو جهم وبعض الأشراف الرافضة. وهي عدة خيوف (الخيف هو المنطقة التي يكثر فيها أشجار النخيل) ".

جاء ذلك في معرض شنشنة تُعرف من أخزم عن "الرافضة" في هذه المنطقة.(25)

وبناء على ما تقدم يتضح أن الشهيد مسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليه كان قد توجه من المدينة باتجاه العراق فرأى أنه بعد أن ضل الدليلان قد اقترب من مكة بدل أن يكون على بعد مسير يومين تقريباً من المدينة من الجهة المغايرة لجهة مكة، وكان لابد من التوقف بعض الوقت للإستراحة قبل مواصلة المسير، ولمعرفته بحقيقة رأي الإمام عليه السلام في أهل الكوفة كتب إليه كما عرفت.

***

وفي مايلي ملحق بخرائط تظهر فيها المنطقة التي وردت أسماء عدة معالم منها في الحديث عن المضيق من بطن الخبت.

 

خريطة رقم 1 لمنطقة الجار التي ورد ذكرها في تحديد بعض المواقع القريبة من المضيق،
 وتظهر فيها منطقة الفُرع التي يقع المضيق فيها. وحوله السقيا وودان من جهة المدينة المنورة
 والجحفة من جهة مكة.
عن : معجم معالم الحجاز. المقدم عاتق بن غيث البلادي

 

خريطة رقم 2 يظهر فيها جبل ورقان والجبال المتصلة به وكذلك منطقة" خلص" وقد تقدم ذكرهما.

 

خريطة رقم 3 توضح الطريق التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وآله في هجرته المباركة من مكة
 المكرمة إلى المدينة المنورة، وتظهر في الخريطة جبال "قدس" و" وادي الفُرع" وفيها يقع " المضيق"
 كما حدده الحموي، كما تظهر فيها المسافة بين الفرع وبين الجحفة، وعلى مقربة من الجحفة موقع " غدير خُم".

 

خريطة رقم 4 تظهر فيها المناطق الواقعة بين مكة والمدينة، وكان الشهيد مسلم ومن معه في المنطقة
 الواقعة على الخريطة بين القصيم وتبوك، إلا أن وعورة المكان وعدم خبرة الدليلين أوصلتهم إلى"المضيق"
 وكما ترى هناك مكانان بهذا الإسم إلا أن ما يدل عليه تحديد الحموي هو "مضيق الفُرع" وليس" المضيق"
 وإذا كان الثاني هو المراد فهو إلى مكة أقرب، إلا أن الراجح بل المتعين هو الأول، ووتوضح الخريطة
 المسافة التي تفصل بينه وبين الجحفة ومكة.

 

الفهارس


(1) نبه إلى بعض خصوصبات هذه المنطقة وقربها من مكة، آية الله الكمره إي في كتابه القيم "عنصر شجاعت..."4/396-401.
(2) العضاه: كل شجر يعظم وله شوك. (صحاح الجوهري).
(3) الحموي، معجم البلدان2/343.
(4) المقرم، الشهيد مسلم بن عقيل64.
(5) انظر:البكري: معجم ما استعجم3/1065
(6) الزبيدي، تاج العروس1/540.
(7) الحموي، معجم البلدان1/365.
(8) المصدر2/345. وفائدة الإستشهاد بالشعر ضبط الإسم بحسب الوزن.
(9) الجار: موضع بين ينبع وجدة. الحموي1/371ويبعد عن بدر ليلة، المصدر1/357. وعن المدينة يوم وليلة.المصدر2/92.
(10) الزبيدي، تاج العروس1/540.
(11) الحموي، معجم البلدان4/71.
(12) المصدر، 1/52.
(13) المصدر،5/146.
(14) البكري، معجم ما استعجم2/686.
(15) المصدر3/742.
(16) المصدر3/954-955.
(17) معجم ما استعجم3/1020.
(18) الحموي، معجم البلدان1/341.
(19) الزبيدي، تاج العروس3/31.
(20) انظر:www. hajor.8m.com "بتصرف يسير".
(21) البكري، معجم ما استعجم، 3/1050-1052.
(22) المصدر2/449. تحدث الميرزا الكمره إي عن وعورة هذه المنطقة التي ضل فيها الدليلان الطريق مع الشهيد مسلم، واستند في ذلك إلى بعض المصادر من جهة، والى مشاهداته في الطريق إلى الحج، وإليك ترجمة بعض ما قاله في هذا المجال:لقد رأيت هذه السنة في سفر الحج هذه الصحراء في بر السعودية."حيثما توجهت لم أزدد إلا تحيراً. حذار هذه الصحراء وهذه الطريق التي لاتنتهي" "مضمون بيت" على مرمى النظر ترى الرمل إلى حد أنك تتصور أن العالم رمل، ثم ترى لوناً آخر إذ يظهر بدلاً من الرمل الأرض المفروشة بالحجارة، ويتوالى التحجر فيتراءى لك أن العالم حجر، ثم ترى الصحراء صافية ملساء والطريق ممتداً فيها ومسطحاً إلى الحد الذي تظن معه أن العالم ليس سوى هذه الصحراء المنبسطة، ثم تصل إلى الجبال والهضاب في سلسلة متصلة ممتدة إلى حيث تظن أن العالم جبل.كانت هذه الصحراء مخوفة جداً بحيث أن خوف الغرق في البحر ليس أقل من خوف الغرق فيها. كان برُّها الحارق بحصبائه يلوح بسرابه من بعيد كأنه البحر. الشجيرة الصغيرة كانت تبدو للعين من بعيد كالشجرة المقلوبة الغارقة في ذلك السراب الملتبس بالماء. وعندما نصل فلا ماء ثمة ولا شجرة ولا موج. ".." بعض سائقي السيارات الخبراء بالطريق من الكويتيين والحجازيين ضلوا الطريق. ضابط شرطة سعودي قال وهو في الرمل: نحن أهل هذه المنطقة قد نتيه عن الطريق.كنا نستقل سيارات سريعة وبعد عدة أيام لم نر فيها إطلاقاً عصفوراً يطير في الهواء، استبد بنا الفرح لأننا اقتربنا من الماء والعمران. "عنصر شجاعت" (م.م) 4/398-400 بتصرف يسير.
(23) نقلاً عن:www.momra.gov.sa صفحة وزارة الشؤون البلدية والقروية- السعودية. وسيأتي نقلاً عن شبكة الفرقان السلفية أنه يبعد عن المدينة 175كلم وتعداد القرى الواقعة فيه وإن قرية " أبو ضباع" آخر ها.
(24) انظر: www.imaratalmadinah.gov.sa/arabic/madinah.php3
(25) انظر: http://www.sahab.ws/4036/news/1027.html شبكة الفرقان السلفية.