أحسن الحديث

أحسن الحديث

08/02/2013

ترتيب نزول السُّوَر القرآنيّة


ترتيب نزول السُّوَر القرآنيّة
بحثٌ روائيٌّ وقرآنيّ
ـــــ العلّامة السيّد محمّد حسين الطّباطبائي رحمه الله ـــــ


يؤكِّدُ العلّامة السيّد محمّد حسين الطّباطبائي رحمه الله أنّ العِلم بترتيب نزول السّوَر القرآنيّة المباركة، وتمييزَ مكّيِّها من المدنيّ، له أثرٌ مهمٌّ في الأبحاث المتعلّقة بالدّعوة، وبالسِّيرة النبويّة الشريفة.
هذا البحث المقتطَف من (تفسير الميزان) يتناول معنى كلٍّ من السّورة والآية، وعددَهما واختلافَ الأقوال فيه، وما وردَ حول ترتيب نزول السُّوَر القرآنيّة بمكّة المكرّمة، ثمّ المدينة المنوّرة.

1- إنَّ للقرآن الكريم أجزاءً يُعرَف بها كالجُزء، والحِزْب، والعُشْر، وغير ذلك. والّذي ينتهي اعتبارُه إلى عنايةٍ من الكتاب العزيز نفسِه، اثنان منها، وهما: السُّورةُ والآية، فقد كرَّر اللهُ سبحانه ذكرَهما في كلامه، كقوله تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا..﴾ النور:1، وقوله عزّ وجلّ: ﴿..قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ..﴾ يونس:38، وغير ذلك .
وقد كَثُر استعمالُه في لسان النَّبيّ صلّى الله عليه وآله والصَّحابة والأئمَّة كثرةً لا تَدَعُ رَيْباً في أنَّ لها حقيقةً في القرآن الكريم، وهي [السّورة] مجموعةٌ من الكلام الإلهيّ، مَبْدوَّةٌ بالبَسملة، مَسُوقةٌ لبيانِ غرَض، وهو [هذا التفسير لمعنى السّورة] معرِّفٌ للسّورة مطَّرد، غيرُ منقوضٍ إلَّا بـ «براءة» [سورة التّوبة]، وقد وَرَد عن أئمَّة أهل البيت عليهم السلام أنَّها آياتٌ من سورة الأنفال، و[غيرُ منقوض] إلَّا بما وَرَد عنهم عليهم السلام أنَّ (الضُّحى) و(أَلَم نشرح) سورةٌ واحدة، وأنَّ (الفيل) و(الإيلاف) سورةٌ واحدة .

في مَعنى الآية
ونظيرُه القولُ في الآية؛ فقد تكرَّر في كلامه تعالى إطلاقُ الآية على قطعةٍ من الكلام، كقوله تعالى: ﴿..وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا..﴾ الأنفال:2، وقوله عزّ وجلّ: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيّاً..﴾ فصّلت:3، وقد رُوي عن أُمِّ سلَمة أنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله كان يقفُ على رؤوسِ الآي، وصحَّ أنَّ سورةَ الحمد سبعُ آيات، ورُوي عنه صلّى الله عليه وآله أنَّ سورة المُلك ثلاثون آية، إلى غير ذلك ممّا يدلُّ على وقوع العدَد على الآيات في كلام النّبيّ صلّى الله عليه وآله.
والذي يُعطيه التّأمُّل في انقسام الكلام العربيِّ إلى قِطَعٍ وفصولٍ بالطّبع، وخاصّةً في ما كان من الكلام مُسجَّعاً، ثمّ التَّدبُّر في ما ورد عن النّبيّ وآله صلّى الله عليه وآله في أعداد الآيات، أنَّ الآية من القرآن هي قطعةٌ من الكلام من حقِّها أن تعتمدَ عليها التّلاوةُ بفصلِها عمّا قبلَها وعمّا بعدَها .
ويَختلفُ ذلك باختلاف السّياقات، وخاصّةً في السّياقات المُسجَّعة، فربَّما كانت كلمةً واحدةً كقوله: ﴿مدهامّتان﴾ الرحمن:64، وربَّما كانت كلمتَين فصاعداً -كلاماً أو غير كلام- كقولِه تعالى: ﴿الرّحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان * علّمه البيان﴾ الرّحمن1:-4، وقوله تعالى: ﴿الحاقّة * ما الحاقّة * وما أدراك ما الحاقّة﴾ الحاقة:1-3، وربما طالت كآيةِ الدَّين من سورة البقرة، (الآية 282 ).


عددُ السُّوَر والآيات القرآنيّة
2- أمَّا عدَدُ السُّوَر القرآنيّة: فهي مائة وأربع عشرة سورة على ما جرى عليه الرَّسمُ في المصحفِ الدّائرِ بيننا، وهو مطابقٌ للمصحَف العثمانيّ، وقد تقدَّم كلامُ أئمّة أهل البيت عليهم السلام فيه، وأنّهم لا يعدُّون (براءة) سورةً مستقلَّة، ويعدُّون (الضُّحى) و(أَلَم نشرح) سورةً واحدة، ويعدُّون (الفيل) و(الإيلاف) سورةً واحدة .
وأمَّا عددُ الآي فلم يَرِد فيه نصٌّ متواتر يعرِّف الآي، ويميِّزُ كلَّ آيةٍ من غيرها، ولا شيء من [أخبار] الآحاد يُعتَمد عليه، ومِن أَوضح الدّليل على ذلك اختلافُ أهلِ العدَد في ما بينهم، وهُم: المكِّيُّون، والمدنيُّون، والشّاميُّون، والبَصْريُّون، والكوفيُّون. فقد قال بعضهم إنَّ مجموع القرآن ستّة آلاف آية، وقال بعضُهم ستّة آلاف ومائتان وأربع آيات، وَقِيل: وأربع عشرة، وقيل: وتسع عشرة، وقيل: وخمس وعشرون، وقيل: وستّ وثلاثون .
وقد روى المكِّيُّون عددَهم عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، عن أُبيّ بن كعب. وللمَدنيِّين عددان ينتهي أحدُهما إلى أبي جعفر، مَرثَد بن القَعقاع وشَيبة بن نِصاح، والآخر إلى إسماعيل بنِ جعفر بن أبي كثير الأنصاري. وروى أهلُ الشّام عددَهم عن أبي الدَّرداء، وينتهي عددُ أهل البصرة إلى عاصمِ بن العجّاج الجُحدري، ويُضافُ عددُ أهل الكوفة إلى حمزة والكسَائيّ وخَلَف، قال حمزة: أخبَرَنا بهذا العدد ابنُ أبي ليلى، عن أبي عبد الرّحمن السّلمي، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
وبالجملة، لمَّا كانت الأعدادُ لا تنتهي إلى نصٍّ متواتر أو واحدٍ يُعبَأُ به، ويجوزُ الرُّكونُ إليه، وتتمَّيزُ به كلُّ آيةٍ عن أختِها، لا مُلزِمَ للأخذِ بشيءٍ منها؛ فما كان منها بيِّناً ظاهرَ الأمر فَهو، وإلّا فَلِلباحثِ المتدبِّرِ أن يختارَ ما أدَّى إليه نظرُه .
والّذي رُوي عن الإمامِ عليٍّ عليه السلام من عدد الكوفيِّين مُعارَضٌ بأنَّ البَسملة غيرُ معدودةٍ في شيءٍ من السُّوَر -ما خلا فاتحة الكتاب- من آياتِها، مع أنَّ المرويَّ عنه عليه السلام وعن غيره من أئمَّة أهل البيت عليهم السلام أنَّ البَسملة آيةٌ من القرآن، وهي جزءٌ من كلِّ سورةٍ افتُتِحت بها، ولازمُ ذلك زيادةُ العدد بعدَد البَسملات .وهذا هو الذي صَرَفنا عن إيراد تفاصيل ما ذكروه من العدد هَهنا، وذِكْرِ ما اتَّفقوا على عدده من السُّوَر القرآنيّة وهي أربعون سورة، وما اختلفوا في عدده، أو في رؤوس آيهِ من السُّوَر وهي أربعٌ وسبعون سورة، وكذا ما اتَّفقوا على كونه آيةً تامّة، أو على عدم كونه آية، مثل ﴿الر﴾ أينما وقع من القرآن وما اختُلف فيه، وعلى مَن أراد الاطِّلاع على تفصيل ذلك أن يُراجِع مظانَّه .

في ترتيب السُّوَر نزولاً
3- في ترتيب السُّوَر نزولاً: نُقل في (الإتقان) عن ابن الضّريس في (فضائل القرآن)، قال: «حدَّثنا محمّدُ بن عبد الله بنِ أبي جعفر الرّازي، أنبأنا عمرو بن هارون، حدَّثنا عثمّان بن عطاء الخَرسانيّ عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: كانت إذا نزلتْ فاتحةُ سورةٍ بمكّة، كُتِبَت بمكَّة، ثمّ يزيدُ الله فيها ما شاء [بالمدينة]. وكان أوَّل ما أُنزل من القرآن (اقرأ باسم ربّك)، ثمّ (ن)، ثمّ (يا أيّها المُزمّل)، ثمّ (يا أيّها المدّثِّر)، ثمّ (تبّت يدا أبي لهب)، ثمّ (إذا الشّمسُ كوِّرت)، ثمّ (سبِّح اسمَ ربّك الأعلى)، ثمّ (واللّيل إذا يغشى)، ثمّ (والفجر)، ثمّ (والضّحى)، ثمّ (أَلَم نشرَح)، ثمّ (وَالْعَصر)، ثمّ (وَالْعاديات)، ثمّ (إنّا أعطيناك)، ثمّ (ألهاكم التّكاثُر)، ثمّ (أرأيتَ الذي يكذِّب)، ثمّ (قل يا أيُّها الكافرون)، ثمّ (أَلَم تر كيف فعل ربُّك)، ثمّ (قل أعوذُ بربِّ الفلق)، ثمّ (قل أعوذُ بربِّ النّاس)، ثمّ (قل هو اللهُ أحَد)، ثمّ (والنَّجم)، ثمّ (عبَس)، ثمّ (إنّا أنزلناه في ليلةِ القدر)، ثمّ (والشّمسِ وضحاها)، ثمّ (والسّماءِ ذات البروج)، ثمّ (التّين)، ثمّ (لإيلاف قريش)، ثمّ (القارعة)، ثمّ (لا أقسمُ بيوم القيامة)، ثمّ (ويلٌ لكلّ هُمَزة)، ثمّ (والمرسَلات)، ثمّ (ق)، ثمّ (لا أقسمُ بهذا البلد)، ثمّ (والسّماء والطّارق)، ثمّ (اقتربتْ السّاعة)، ثمّ (ص)، ثمّ (الأعراف)، ثمّ (قل أوحي [الجِنّ])، ثمّ (يس)، ثمّ (الفُرقان)، ثمّ (الملائكة [فاطر])، ثمّ (كهيعص)، ثمّ (طه)، ثمّ (الواقعة)، ثمّ (طسم الشّعراء)، ثمّ (طس [النَّمل])، ثمّ (القَصص)، ثمّ (بني إسرائيل [الإسراء])، ثمّ (يونس)، ثمّ (هود)، ثمّ (يوسف)، ثمّ (الحِجر)، ثمّ (الأنعام)، ثمّ (الصّافّات)، ثمّ (لقمان)، ثمّ (سَبَأ)، ثمّ (الزُّمَر)، ثمّ (حم المؤمن [غافر])، ثمّ (حم السّجدة)، ثمّ (حمعسق)، ثمّ (حم الزُّخرف)، ثمّ (الدُّخان)، ثمّ (الجاثية)، ثمّ (الأحقاف)، ثمّ (الذّاريات)، ثمّ (الغاشية)، ثمّ (الكهف)، ثمّ (النَّحل)، ثمّ (إنّا أرسلنا نوحاً)، ثمّ سورة (إبراهيم)، ثمّ (الأنبياء)، ثمّ (المؤمنين)، ثمّ (تنزيل السّجدة)، ثمّ (الطُّور)، ثمّ (تبارك الملك)، ثمّ (الحاقة)، ثمّ (سأل [المعارج])، ثمّ (عمّ يتساءلون)، ثمّ (النّازعات)، ثمّ (إذا السّماءُ انفطرت)، ثمّ (إذا السّماء انشقّت)، ثمّ (الرُّوم)، ثمّ (العنكبوت)، ثمّ (ويلٌ للمطفّفين)، فهذا ما أنزلَ اللهُ بمكَّة .
ثمّ أنزلَ اللهُ بالمدينة سورة (البقرة)، ثمّ (الأنفال)، ثمّ (آل عمران)، ثمّ (الأحزاب)، ثمّ (الممتَحنة)، ثمّ (النّساء)، ثمّ (إذا زُلزلت)، ثمّ (الحديد)، ثمّ (القِتال [محمّد صلّى الله عليه وآله])، ثمّ (الرّعد)، ثمّ (الرّحمن)، ثمّ (الإنسان)، ثمّ (الطّلاق)، ثمّ (لم يكُن [البيّنة])، ثمّ (الحَشر)، ثمّ (إذا جاء نصرُ الله)، ثمّ (النّور)، ثمّ (الحجّ)، ثمّ (المنافقون)، ثمّ (المجادلة)، ثمّ (الحُجرات)، ثمّ (التّحريم)، ثمّ (الجمعة)، ثمّ (التّغابن)، ثمّ (الصّفّ)، ثمّ (الفتح)، ثمّ (المائدة)، ثمّ (براءة)».
وقد سقطتْ من الرِّواية سورةُ فاتحةِ الكتاب، وربَّما قِيل: «إنَّها نزلت مرّتَين، مرّةً بمكّة ومرّةً بالمدينة» .
ونُقل فيه [في الإتقان] عن البيهقيّ في (دلائل النّبوّة) أنَّه روى بإسنادِه عن عِكرمة، والحسين بن أبي الحسن، قالا: أَنزل اللهُ من القرآن بمكَّة (اقرأ باسم ربِّك)، وساقا الحديث نحو حديث عطاء السّابق عن ابن عبّاس، إلَّا أنَّه قد سقطَ منه الفاتحة و(الأعراف) و(كهيعص) ممَّا نزل بمكَّة. وأيضاً ذكر فيه (حم الدّخان) قبل (حم السّجدة)، ثمّ (إذا السّماء انشقَّت) قبل (إذا السّماء انفطرت)، ثمّ (ويلٌ للمطفّفين) قبل (البقرة) ممّا نزل بالمدينة، ثمّ (آل عمران) قبل (الأنفال)، ثمّ (المائدة) قبل (الممتَحنة) .
ثمّ روى البيهقيُّ بإسناده عن مجاهد، عن ابن عبّاس أنَّه قال: إنَّ أوَّل ما أَنزل الله على نبيِّه من القرآن (اقرأ باسم ربّك) الحديث. وهو مطابقٌ لحديث عِكرمة في التّرتيب، وقد ذُكرت فيه السُّوَر التي سقطت من حديث عكرمة في ما نزلَ بمكّة .
وفيه عن كتاب (النّاسخ والمنسوخ) لابن حصار أنَّ المدنيّ باتّفاق عشرون سورة، والمختلَف فيه اثنا عشرة سورة، وما عدا ذلك مكِّيٌّ باتّفاق، انتهى.
والذي اتّفقوا عليه من المَدنّيات: (البقرة)، و(آل عمران)، و(النّساء)، و(المائدة)، و(الأنفال)، و(التّوبة)، و(النُّور)، و(الأحزاب)، وسورة (محمّد صلّى الله عليه وآله)، و(الفَتح)، و(الحُجرات)، و(الحديد)، و(المجادلة)، و(الحَشر)، و(الممتَحنة)، و(المنافقون)، و(الجمعة)، و(الطّلاق)، و(التّحريم)، و(النّصر).
وما اختلفوا في مكّيّتِه ومدنيّتِه؛ سورة (الرّعد)، و(الرّحمن)، و(الجنّ)، و(الصَّفّ)، و(التّغابن)، و(المطفّفين)، و(القَدر)، و(البيِّنة)، و(الزّلزال)، و(التّوحيد)، و(المعوّذتان) .
وللعلمِ بمكّيّة السُّوَر ومدنيّتِها، ثمّ ترتيب نزولِها، أثرٌ مهمّ في الأبحاث المتعلِّقة بالدَّعوة النّبويّة وسَيْرها الرُّوحيّ والسّياسيّ والمَدني في زمنِه صلّى الله عليه وآله، و[في] تحليل سيرته الشّريفة، والرّواياتُ -كما ترى- لا تصلحُ أن تنهضَ حجَّةً معتمَداً عليها في إثباتِ شيءٍ من ذلك، على أنَّ في ما بينها من التّعارض ما يُسقطُها عن الاعتبار .
فالطّريقُ المُتعيَّنُ لهذا الغرض هو التّدبُّرُ في سياق الآيات، والاستمدادُ بما يتحصَّلُ من القرائن والأَمارات الدّاخليّة والخارجيّة، وعلى ذلك نجري في هذا الكتاب، واللهُ المُستعان.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

08/02/2013

دوريات

نفحات