حوارات

حوارات

21/07/2017

حوار مع العلامة الطباطبائي حول قضايا الأسرة والمجتمع


الرجل والمرأة... تكاملٌ في الأدوار

حوار مع العلامة الطباطبائي حول قضايا الأسرة والمجتمع

ــــــــــــــــــــــــ أعدّه للنشر: سليمان بيضون ــــــــــــــــــــــــ

 

(قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم) عنوان كتاب للفيلسوف الإسلامي والمفسّر الكبير العلّامة السيد محّمد حسين الطباطبائي رحمه الله، يبحث فيه اعتناء الإسلام بالمجتمع، وقضايا متنوّعة من قبيل: غايات المجتمع الإسلامي، ومَن الذي يتقلّد أمر الولاية فيه، مخصّصاً أحد فصوله للحديث عن المرأة والتصوّر الإسلامي لدورها في المجتمع مقارنةً بما كانت عليه عند الأمم الأخرى قديماً وحديثاً.

ومن هذا الكتاب اقتبسنا بعض المباحث المتعلّقة بالرجل والمرأة، نقدّمها بأسلوب الحوار الافتراضي مع المؤلّف.

 

* لا بدّ من أنّ الإسلام كدينٍ إلهيّ خاتم قد أولى المجتمع العناية التي يستحقّها، كيف تجلّى ذلك؟

لا ريب أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي أسّس بنيانه على الاجتماع صريحاً، ولم يُهمل أمر المجتمع في أقلّ شأنٍ من شؤونه، فانظر - إنْ أردتَ زيادة التبصّر في ذلك - إلى سعة الأعمال الإنسانية التي تعجز عن إحصائها الفكرة، وإلى تشعّبها إلى أجناسها، وأنواعها، وأصنافها، ثمّ انظر إلى إحصاء هذه الشريعة الإلهية لها، وإحاطتها بها، وبسْط أحكامها عليها، ترى عجباً، ثمّ أنظر إلى تقليبه ذلك كلّه في قالب المجتمع ترى أنّه أنفذ روح الاجتماع فيها غايةَ ما يمكن من الإنفاذ. ثمّ خذ في مقايسة ما وجدتَه بسائر الشرائع الحقّة التي يعتني بها القرآن، وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، حتّى تعاين النسبةَ وتعرفَ المنزلة.

* الزواج سنّة طبيعية، والحاجة إليه فطرة أودعها الخالق جلّ وعلا في خَلقه من البشر والحيوان، فما هي نظرة الإسلام إلى فلسفة هذه العلاقة بين الذكر والأنثى؟

أصلُ التواصل بين الرجل والمرأة من الأمور التي تبيّنها الطبيعة الإنسانية، بل الحيوانية، بأبلغ بيانها، والإسلام دينُ الفطرة فهو مجوّزُه لا محالة، وأمرُ الإيلاد والإفراخ الذي هو بُغية الطبيعة وغرضُ الخِلقة في هذا الاجتماع هو السبب الوحيد والعامل الأصليّ في تقليب هذا العمل في قالب الازدواج، وإخراجه - من مطلق الاختلاط للسّفاد والمقاربة - إلى شكل النكاح والملازمة. ولهذا ترى أنّ الحيوان الذي يشترك في تربيته الوالدان معاً، كالطيور في حضانة بيضها وتغذية أفراخها وتربيتها، وكالحيوان الذي يحتاج في الولادة والتربية إلى وكر، تحتاج الإناث منه في بنائه وحِفظه إلى معاونة الذكور ويُختار لهذا الشأن الازدواج، وهو نوعٌ من الملازمة والاختصاص بين الزوجين الذكور والإناث منه، فيتواصلان عندئذٍ ويتشاركان في حفظ بيض الإناث وتدبيرها وإخراج الأفراخ منها، وهكذا إلى أخر مدّة تربية الأولاد، ثمّ ينفصلان إنِ انفصلا، ثمّ يتجدّد الازدواج وهكذا.

فعاملُ النكاح والازدواج هو الإيلاد وتربية الأولاد، وأما إطفاءُ نائرة الشهوة أو الاشتراك في الأعمال الحيوية كالكسب وجمع المال وتدبير الأكل والشّرب والأثاث وإدارة البيت فأمور خارجة عن مستوى غرَض الطبيعة والخِلقة، وإنّما هي أمور مقدّمية أو فوائد مترتبة.

* يتّهم البعض دين الإسلام بالتمييز بين الرجل والمرأة وأنّ تشريعاته تُعطي الأفضلية للرجل في شؤون عدّة، فما قولكم في ذلك؟

الإسلام ساوى بين المرأة وبين الرجل من حيث تدبير شؤون الحياة بالإرادة والعمل، فإنّهما متساويان من حيث تعلّق الإرادة بما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل والشرب وغيرهما من لوازم البقاء، وقد قال تعالى: ﴿..بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ..﴾ (النساء:25)، فللمرأة أن تستقلّ بالإرادة، ولها أن تستقلّ بالعمل، وتمتلك نتاجهما، كما للرجل ذلك من غير فرق: ﴿..لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..﴾ (البقرة:286)، فهما سواء فيما يراه الإسلام ويُحقّه القرآن، واللهُ يُحِقُّ الحقّ بكلماته، غير أنّه قرّر في المرأة خصلتين ميّزها بهما الصنعُ الإلهيّ.

إحداهما: أنّها بمنزلة «الحَرث» في تكوّن النوع ونمائه، فعليها يعتمد النوع من بقائه، فتختصّ من الأحكام بمثل ما يختصّ به الحَرث، وتمتاز بذلك عن الرجل.

والثانية: أنّ وجودها مبنيٌّ على لطافة البنية ورقّة الشعور، ولذلك أيضاً تأثيرٌ في أحوالها والوظائف الاجتماعية المحوّلة إليها. فهذا وزنها الاجتماعيّ، وبذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع، وإليه تنحلّ جميع الأحكام المشتركة بينهما وما يختصّ به أحدهما في الاسلام، قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء:32)؛ يريد أنّ الأعمال التي يهديها كلٌّ من الفريقين إلى المجتمع هي المِلاك لما اختصّ به من الفضل، وإنّ من هذا الفضل ما تعيّن لحوقُه بالبعض دون البعض، كفضل الرجل على المرأة في سَهم الإرث، وفضل المرأة على الرجل في وضْع النفقة عنها، فلا ينبغي أن يتمنّاه متمنٍّ، ومنه ما لم يتعيّن إلّا بعمل العامل كائناً من كان.

* ولكنّ الآية الكريمة في سورة النساء ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..﴾ تشير إلى تفضيل الرجال على النساء وتعطيهم القواميّة عليهنّ، فما وجه ذلك؟ (النساء:34)

 المراد من قوله تعالى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ هو ما يفضل ويزيدُ فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهو زيادةُ قوّة التعقّل فيهم، وما يتفرّع عليه من شدّة البأس والقوّة والطاقة على الشدائد في الأعمال ونحوها، فإنّ حياة النساء حياة عاطفية مبنيّة على الرقّة واللطافة.

والمراد من قوله تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ ما أنفقوه في مهورهنّ ونفقاتهنّ. وعموم هذه العلّة يعطي أنّ الحكم المبنيّ عليها؛ أعني قوله سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ غيرُ مقصورٍ على الأزواج بأنْ تختصّ القوّامية بالرجل على زوجته، بل الحكمُ مجعولٌ لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامّة التي ترتبطُ بها حياة القبيلين جميعاً، فالجهات العامّة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال؛ كجهتَي الحكومة والقضاء - مثلاً - اللّذَين يتوقّف عليهما حياة المجتمع، إنّما يقومان بالتعقّل الذي هو في الرجال، بالطبع، أزيدُ منه في النساء، وكذا الدفاع الحربيّ الذي يرتبط بالشدّة وقوّة التعقّل، كلّ ذلك ممّا يقوم به الرجال على النساء.

وبعبارة أخرى: كما أنّ قيمومةَ قبيلِ الرجال على قبيل النساء في المجتمع إنّما تتعلّق بالجهات العامّة المشتركة بينهما - المرتبطة بزيادة تعقّل الرجل وشدّته في البأس، وهي جهات الحكومة والقضاء والحرب، من غير أن يبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفردية وعمل نفسها؛ بأنْ تريد ما أحبّت وتفعل ما شاءتْ من غير أن يحقّ للرجل أن يعارضَها في شيءٍ من ذلك في غير المنكَر، فلا جُناحَ عليهم فيما فعلنَ في أنفسهن بالمعروف - كذلك قيمومةُ الرجل لزوجته ليست بأن لا تنفّذ المرأة في ما تملكه إرادةً ولا تصرّف، ولا أن لا تستقلّ المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية، والدفاع عنها، والتوسّل إليها بالمقدّمات الموصِلة إليها، بل معناها أنّ الرجل إذ كان يُنفق ما يُنفق من ماله بإزاء الاستمتاع، فعليها أن تُطاوعه وتُطيعه في كلّ ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور، وأن تحفظه في الغَيب فلا تخونُه عند غَيبته... ولا تخونه فيما وضعَه تحت يدها من المال، وسلّطها عليه في ظرف الازدواج والاشتراك في الحياة المنزلية.

* إن الإسلام يحظر على المرأة ممارسة أنواع من الوظائف، وهو بذلك يحدّ من «طموح» الكثيرات لتسنّم المناصب العليا وقيادة المجتمع، إلى أيّ شيءٍ يعود ذلك؟

إنّ تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الإنسانيّ السليم، وترجيحه إيّاه على الهوى واتّباع الشهوات، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحادّة، وحضّه وترغيبه في اتّباعه، وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضّيعة ممّا لا سترَ عليه، ولا حاجة إلى إيراد دليلٍ كتابيٍّ يؤدّي إليه، فقد تضمّن القرآن الكريم آياتٍ كثيرة متكثّرة في الدلالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً، وبكلّ لسانٍ وبيان. وإنّ من حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرّعة على ذلك، أنّ جميع الأعمال والأحوال والأخلاق التي تُبطل استقامةَ العقل في حُكمه، وتوجب خَبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع، كشُرب الخمر والقمار وأقسام المعاملات الغَرريّة والكذِب والبُهتان والافتراء والغِيبة؛ كلّ ذلك محرّمة في الدين.

والباحث المتأمّل يحدس من هذا المقدار أنّ من الواجب أن يُفوّض زمام الأمور الكلّية والجهات العامّة الاجتماعية - التي ينبغي أن تدبّرها قوّة التعقّل ويُجتنب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانية كجهات الحكومة والقضاء والحرب - إلى مَن يمتاز بمزيد العقل ويضعفُ فيه حكم العواطف، وهو قبيل الرجال دون النساء.

والسنّة النبوية التي هي ترجمان البيانات القرآنية بيّنت ذلك أيضاً، وسيرتُه صلّى الله عليه وآله وسلّم جرتْ على ذلك أيّام حياته، فلم يولِّ امرأةً على قوم، ولا أعطى امرأةً منصب القضاء، ولا دعاهنّ إلى غزاة؛ بمعنى دعوتهنّ إلى أن يقاتلن. وأمّا غيرها من الجهات، كجهات التعليم والتعلّم والمكاسب، والتمريض والعلاج وغيرها، ممّا لا ينافي نجاحَ العمل فيها مداخلةُ العواطف، فلم تمنعهنّ السنّة عن ذلك، والسيرةُ النبويّة تُمضي كثيراً منها، والكتابُ أيضاً لا يخلو من دلالةٍ على إجازة ذلك في حقهنّ.

 

* هل يُمكن الحديث عن ميزات خاصّة أُعطيت للمرأة في الإسلام؟

 إنّ المرأة تشارك الرجل في جميع الأحكام العبادية والحقوق الاجتماعية، و(تتميّز) بأنّ نفقتها في الحياة على الرجل: الأب أو الزوج، وأنّ عليه أن يحامي عنها منتهى ما يستطيعه، وأنّ لها حقّ تربية الولد وحضانته. وقد سهّل الله لها أنّها محميّةُ النفسِ والعِرض حتّى عن سوء الذكر، وأنّ العبادة موضوعةٌ عنها أيام عادتها ونِفاسها، وأنّها لازمةُ الإرفاق في جميع الأحوال.

والمتحصّل من جميع ذلك: أنّها لا يجب عليها في جانب العلم إلّا العلمُ بأصول المعارف والعلمُ بالفروع الدينية. وأمّا في جانب العمل، فأحكام الدين وطاعةُ الزوج فيما يتمتّع به منها.

وأمّا تنظيم الحياة الفردية بعملٍ أو كسبٍ بحرفةٍ أو صناعة، وكذا الورود فيما يقومُ به نظام البيت، وكذا المداخلة في ما يُصلح المجتمع العامّ؛ كتَعلُّم العلوم واتّخاذ الصناعات والحِرف المفيدة للعامّة والنافعة في الاجتماعات، مع حفظ الحدود الموضوعة فيها، فلا يجبُ عليها شيءٌ من ذلك، ولازمُه أن يكون الورود في جميع هذه الموارد من علمٍ أو كسبٍ أو شغلٍ أو تربية، ونحو ذلك، كلّها فضلاً لها تتفاضلُ به، وفخراً لها تتفاخر به، وقد جوّز الإسلام بل ندب إلى التفاخر بينهنّ، مع أنّ الرجال نُهوا عن التفاخر في غير حال الحرب. والسنّة النبوية تؤيّد ما ذكرناه، ولولا بلوغ الكلام في طوله إلى ما لا يَسعه هذا المقام لذكرنا طرفاً من سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع زوجته السيدة خديجة، ومع ابنته سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، ومع نسائه ومع نساء قومه، وما وصّى به في أمر النساء، والمأثور من طريقة أئمّة أهل البيت ونسائهم على جماعتهم السلام، ووصاياهم في أمر النساء.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

22/07/2017

دوريات

  أجنبية

أجنبية

22/07/2017

أجنبية

نفحات