موكبُ «طْوِيرِيِج» إلى كربلاء
اشتهر باسم «ركضة طْوِيرِيج» أو «الرّكضة»
ـــــ إعداد: أحمد الحسيني ـــــ
هم أحبّاءُ الحسين عليه السلام وأنصارُه، يَعبرون الطّريق راجلينَ حُفاةً، من مدينتهم «طويريج»، عبر «قنطرة السّلام» إلى مدينة كربلاء المقدّسة، حتّى يصلوا إلى مشهدَي سيّد الشهداء وأبي الفضل العبّاس عليهما السلام...
وقد أضْحَت هذه المسيرة الكربلائيّة، التي تُعرَف بـ «ركضة طويريج» شعيرة من شعائر إحياء عاشوراء، وهي أضخم مسيرة بشريّة في العالم، وتتجدّد كلّ عام للتّعبير عن نُصرة الإمام الحسين عليه السلام، وكأنّهم يلبّون نداءه الشهير: «هل من ناصرٍ ينصرُنا؟»، تلك الصّرخة التي يَستحضرُها الجميع ويَهبّون لأجلها مُهروِلين، ملبّين النّداء الحسيني في الأجيال.
في هذا الاستطلاع نتعرّف إلى هذه الشَّعيرة الحسينيّة، انطلاقاً من مدينة الهنديّة العراقيّة، المشهورة محليّاً بــ «طويريج». |
مدينة الهنديّة أو «طْوِيريج» |
الإسم والموقع: مدينة «الهنديّة»، تُعرف محليّاً باسم «طويريج»، والتي هي تصغير لكلمة طريق أو «طريج» باللّهجة العامّيّة العراقيّة، وهي بلدة عراقيّة ومركز قضاء في محافظة كربلاء. كانت تتبع سابقاً لمحافظة بابل. تبعد حوالي 25 كلم شرق مدينة كربلاء، ونفس المسافة تقريباً غرب مدينة الحلَّة (أي منتصف المسافة ما بين الحلَّة وكربلاء). تقع على ضفاف شطّ الهنديّة أحد فروع نهر الفرات، والذي يتَّصل بشطِّ الحلّة. تتميَّز المدينة ببساتين النّخيل والحمضيّات المُجاورة لها.
ويَذكر المؤرِّخ العراقي عبد الرزّاق الحسني في كتابه المعروف (تاريخ المُدُن العراقيّة)، أنّ مدينة طويريج كانت في بدايتها تُسمّى «طريق المُبتغى» إلى كربلاء، لأنّها في رأيه كانت الطّريق الأقرب للوصول إلى كربلاء لزيارة الامام الحسين عليه السلام، ثمّ صُغِّرت هذه الكلمة فقالوا على غير القياس (طويريق)، ثمَّ جرى عليها تصحيف آخر، فأُبدلت القاف جيماً فصارت طويريج.
***
الهنديّة أو طويريج اليوم: الهنديّة أو طويريج اليوم، بلدة عراقيّة ومركز قضاء في محافظة كربلاء. ويقسم الفرات المدينة إلى قسمين كبيرين يربطهما الجسر الوحيد على نهر الفرات في المنطقة (افتُتح عام 1956م)، وتشتهر بجمال الطّبيعة وبهجتها. ورصيفُها الممتدّ على ضفّة النّهر اليمنى من أجمل ما تقع عليه العين فيها، وقد غُرست الأشجار المختلفة على جانبَي هذا الرصيف، كما غُرست على جوانب بقيّة شوارعها.
وتبلغ مساحة الهنديّة حالياً أكثر من 136000 دونماً [الدونم في العراق يعادل 2500 متراً]، منها أكثر من 32000 دونماً من البساتين المغطَّاة بأجود أنواع النَّخيل.
أمّا على مستوى السكّان، فالهنديّة من بين أكبر أقضية العراق من ناحية الكثافة السكّانيّة؛ إذ يُقدَّر عدد سكّانها حالياً بأكثر من 320 ألف نسَمة، يسكن نحو ثلثُهم في مركز المدينة، الذي يُعَدّ عصب الحياة فيها.
الهنديّة إبَّان ثورة العشرين: تؤكّد المصادر التّاريخيّة أنّ طويريج تحوّلت، خلال ثورة العشرين، إلى العاصمة الميدانيّة الفعليّة للثَّورة نظراً إلى موقعها الإستراتيجي على نهر الفرات، والذي منحها بُعداً دفاعيّاً كاد أن يكون حاسماً لانتصار الثّورة لولا قيام القوّات البريطانيّة باستخدام الطّائرات لقصف الثوّار. كما انتقلت إليها خلال الثّورة معظم عناصر القيادة العسكريّة الأساسيّة للثّورة، ونُقِل إليها عددٌ من الأسرى الإنكليز. ومن هنا كان القرار البريطاني الحربي بالتّركيز على احتلال طويريج كهدفٍ إستراتيجيٍّ للقضاء على الثّورة، وهو ما ذكرته في حينه المصادر الرسميّة البريطانية.
«ركضة طويريج» أضخم مسيرة بشريّة في العالم.. تتجدَّد في كلِّ عام |
موكب طويريج أو «ركضة طويريج» هو -بكلِّ المقاييس- أكبر تجمُّع بشري يسير في زمنٍ محدَّد ويومٍ محدَّد بكلِّ عامٍ منذ عشرات السِّنين. فَفيه تتجمَّع حشودٌ من أهالي مدينة كربلاء المقدَّسة وزائريها، بعد صلاتَي الظَّهر والعصر في العاشر من شهر محرَّم الحرام، لتتَّجه نحو قلب المدينة المقدّسة حيث أضرحة الإمام الحسين وأخيه العبّاس وأهل بيتهم وأصحابهم عليهم السلام.
في البدء يجتمع أهالي طويريج وأهالي كربلاء المقدَّسة والكثير من مُدُن العراق ومن دُوَلٍ عربيّة وإسلاميّة ودُوَل أُخرى من أنحاء العالم، لينطلق المعزُّون من «قنطرة السلام» عند تخوم مدينة كربلاء بعد أدائهم صلاتَي الظّهر والعصر، مهرولين باتِّجاه مركز المدينة، قاطعين عدّة كيلومترات قبل أن يصلوا إلى العتبة الحسينيّة المقدَّسة.
ويدخل المعزُّون الصّحن الحسيني الشّريف وهم يردّدون بصوت واحد «يا حسين..» و«أَبَدْ والله ما ننسى حسيناً»، ويستمرُّ موكبُ العزاء هادراً كالسَّيل لعدَّة ساعات، حيث يخرج متَّجهاً صوب ساحة ما بين الرَّوضتين المقدَّستَين، حيث دارت رحا معركة الطّفّ، يوم كان الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه يقاتلون ذائدين عن الإسلام، ليُبقوا جذوَته متَّقدة، وليَحموا أحكامه من المَحْو والتَّزييف.
وهكذا تتوجَّه الجموع مُهروِلة صوب مرقد قمر العشيرة وحامل لواء سيِّد الشُّهداء، أبي الفضل العباس عليه السلام، مستذكرةً ذلك الإباء الهاشمي، وتلك التّضحية التي لم يُرَ لها مثيلٌ قطّ، فتدخل ساحة المقام المبارك، وهم في كلِّ ذلك لاطمين الرُّؤوس، وصارخين بأعلى الصَّوت، بشعارات الثّورة الحسينيّة التي علَّمت الأحرار في كلِّ العالم كيف يَنتصر الدّمُ على السّيف، فيَنتصر الحقُّ على الباطل.
بعد ذلك يتوجَّه المعزُّون من خلال شارع قبلة حرم أبي الفضل العباس عليه السلام، متَّجهين صوب مقام خِيَم الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، حيث تجري مراسيم حرق الخيام الرّمزيّة، ثمَّ يتوجَّهون بعد انتهاء الرّكضة، نحو العتبة الحسينيّة المقدَّسة مرَّةً أخرى، وبعد انتهاء آخر مجموعة معزِّية في هذا التَّقليد السّنوي، يقوم رادود من مدينة طويريج بقراءة تعزية تستمرّ لنصف ساعة تقريباً.
ولضخامة هذا العزاء المليوني فإنَّه يحتاج إلى جهد أمني وتنظيمي خاصّ، بسبب الاستهداف المستمرّ لِمَن يُحيي الشّعائر الحسينيّة من قبل التّكفيريّين، وخاصّةً لهذا العزاء. وقد تَبَنَّت إدارة العتبتَين المقدَّستَين، ومن خلال أقسامها المعنيّة، تلك العمليّة.
وفي الجانب الإعلامي، تُغطّي الحدث العديد من المحطّات الفضائيّة بشكلٍ مباشر، وتنقلُ أخرى بعضاً منه بشكلٍ تسجيلي، فيما كان لقناة كربلاء الفضائيّة وإعلامَي العتبتَين المقدَّستَين الحسينيّة والعباسيّة الدَّور الأكبر في النّقل الإعلامي، سواء من خلال موقعَيهما على الإنترنت (www.imamhussain.org) و(www.alkafeel.net)، أو تسجيل العزاء ونقله من خلال قناة كربلاء الفضائيّة، وإذاعتَي الرّوضة الحسينيّة المقدّسة، والكفيل.
يُذكَر أنَّ مدينة كربلاء المقدَّسة تشهد كلّ عام العديد من الزّيارات المليونيّة ومنها زيارة عاشوراء وزيارة الأربعين، عدا ما يَرِدها يوميّاً من آلاف الزّائرين، حيث تصل التّقديرات شبه الرّسميّة سنويّاً إلى عشرات ملايين الزّوار، من العراق والعالم.
«ركضة طويريج» من الشّعائر الحسينيّة المعروفة في العراق. بدأت الرّكضة الأولى بحدود عام 1300 للهجرة/1885م، للتّعبير عن نصرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، إذ يتوارث أهل المدينة ما نقله المسنّون من جيلٍ إلى آخر، أنّ في تلك السّنة، وفي ليلة العاشر من المحرّم، وعند الانتهاء من قراءة المقتل الحسيني في دار السّيّد ميرزا صالح القزويني المتوفّى سنة 1304 للهجرة/1888م، خرجت الجموع تنادي: «يا حسين يا حسين» [واحسين واحسين باللّهجة العراقيّة] راكضةً ومُهرولةً في أزقّة المدينة، يتقدّمهم السّيّد القزوينيّ، والكلّ بين باكٍ وناحبٍ ولاطم.
وكانت المواكب تخرج بدايةً في اللّيل، حيث كانت تبدأ بمسير الرّجال سيراً على الأقدام من تلك المنطقة ليصلوا عند الصّباح إلى مدينة كربلاء ويقفوا عند «قنطرة السّلام»، التي تبعد كيلومترين تقريباً أو أكثر بقليل عن مرقد الإمام الحسين عليه السلام، فيستريحون هناك ويُتلى عليهم المصرع، وبعد ذلك تبدأ مراسيم الرّكضة والتي تكون بعد صلاة الظّهر، وهو وقت انتهاء معركة الطفّ عام 61 للهجرة.
بقي أولاد السّيّد صالح القزويني وأحفاده يتولّون قيادة هذا الموكب حتّى اليوم، فابتداءً من ولده: السّيّد هادي القزويني المتوفّى سنة 1928م، ثمَّ أولاد السّيّد هادي: العلّامة السّيّد جواد القزويني المتوفّى سنة 1939م، والعلَّامة السّيّد مهدي القزويني الصّغير المتوفّى سنة 1947م، ثمَّ السّيّد محمّد ضياء بن حسن بن صالح القزويني المتوفّى سنة 1956م، وأخوه السّيّد رضا المتوفّى سنة 1985م، وكان قد أقعده المرض فترك قيادة الموكب للعلَّامة السّيّد محمّد حسين بن الهادي المتوفّى سنة 1973م، ثمَّ انتقلت قيادة الموكب إلى فرعٍ آخر من فروع الأسرة القزوينيّة.
وتولّى علماء دين من آل القزويني ووجهاء مدينة طويريج من آل عنبر، وعشائر بني حسن، وآل فتلة، والدّعوم، الإشراف والإنفاق على «ركضة طويريج» بمساعدة أهالي هذه المدينة.
أُصيب الموكب بفاجعة عام 1966 حين استُشهد 32 زائراً مشاركاً فيه، ولحقهم في نيل الشّهادة عددٌ آخر من المشاركين في عهد الطّاغية البائد.
نظمَ الشاعر العراقي المعاصر «أبو فاطمة العبّودي» قصيدةً خاصّة بركضة طويريج، وهي بالعاميّة العراقيّة، وتختصر جانباً من تاريخ الرّكضة، ومعانيها الولائيّة.
رَكضة طْوِيريج مين يمحيها والإمـام المهدي يحضَر بِيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
ركضة طويريج توَّجها الفخر للوفا والتّضحيه شْبِيها [كَم بها] صوَر
ما يماثلها عزا بكلّ الدّهر ينُور حاضرها بْشمس ماضيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
منها صرخة واحسينا تِرتفع صرخة حتّى العرش منها يِنفجع
مستحيل الرّكضة هاذي تِنمنع الله يخذل كل مَن يعاديها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
إلها راية ارتفعت بعلْوِ الْنجوم ما يهمنا اللّي يعارضنا ويلوم
يُروى هذا الخبر عن «بحر العلوم» المهدي بيها دمعته يجريها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
شافوا المهدي يهل دمعة العين وعلى راسه حيل يلطم بالإيدين
مع الرّكضة يدخل الصّحن لحسين وعلى جدّه صرخته يعلّيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
يذكر الصار وجرى بْطف كربلا والمصيبه قباله [أمامه] تصبح ماثلة
ذهنه يتصوّر فرار العايلة ويذكر شلون العِدَه [الأعداء] تولّيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
* ومن هنا، تتحدّث القصيدة بلسان حال الإمام صاحب الزّمان، وهو يخاطب جدّه سيّد الشّهداء صلوات الله عليهما:
بركضة طويريج يا جدّي إجيت طفت شبّاكك بحسراتي وبكيت
مثل حنوَك لعبّاس انحنيت حين طاح وهامته مهشّميها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
قعدت عد [عند] راسك أرادف حسرتي سهم جبدك [كبدك] جن [كأن] اهيسه [أحسّه] بجبدتي
قمت أتصوَّر الزينب عمّتي من عقب عيناك يا واليها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
شلون من نوحي عليك أهجع واهيم وانت يا جدّاه محزوز الوريد
ويمَّك وليدك علي الأكبر شهيد بالمواضع جثّته مخذّميها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
آه يا سلوة الزّهرة الطّاهرة موقفك يا جدّي جن اتصوره
شفت طفلك حين قطّعوا منحرَه نبلة جانت [كانت] بالسّم مخلّيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
للخيم جِبته وتكفكف دمعتك عمّتي زينب بلوعة تلقّتك
وين عبد الله بدمعها نِشدتك ظنّتك سالم ترجّعه لِيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
آه يا جدّي شفت بالطّف مِحَن بالبواجي [بالبكاء] دموعك عليهن صفن
من شفت جاسم الشاب ابن الحسن كفوفه من فيض الدّما محنّيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
نهار عاشر ما حصل مثله نهار شفت بيها تذبّحت كلّ الانصار
والخيم يا جدّي تتلاهب بنار وانت ما تقدر تجي تطفِّيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
أذكرك بالمصرع تدير النّظر عالخيم نوبة [تارةً]، ونوبة على النّهر
تريد تنخى كنك حزام الظَّهر عالشّريعة كفوفه مقطّعيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
جيتك أنا اليوم هذي طلبتي بجاهك الباري يعجّل طَلعتي
راية العباس تصبح رايتي تكون كلّ الْعادِتَك افنيها
حسين حسين، يا حسين مَوْلَى
حسين حسين حسين حسين حسين حسين حسين حسين حسين
ركضة السّيّد بحر العلوم
يُروى أنّ المرجع الدّيني الكبير، آية الله السّيّد مهدي بحر العلوم الطّباطبائي قدّس سرّه، صاحب كتاب (الفوائد الرّجاليّة) والمتوفّى سنة 1212 للهجرة، ذَهب يوم العاشر من محرّم إلى مدينة كربلاء المقدّسة بصحبة عدد من طَلَبته وخواصّه، فوقف على مشارف المدينة لاستقبال الموكب الحسيني القادم من مدينة طويريج، وفي الموكب مئات الآلاف من الرّجال والنّساء والأطفال، وهم يبكون ويندبون ويلطمون على سيّد الشّهداء صلوات الله وسلامه عليه. وكان الرّجال يَسيرون حُفاة الأقدام، حاسِرِي الرّؤوس، لاطمين صدورهم بقوّةٍ وحرارةٍ صادقة، وكأنَّ الواحد منهم فُجِع بعزيزٍ وذاهبٌ به إلى مثواه الأخير. أمّا النّساء، فكأنّهنّ ثكالى، لا يقدرن على كفكفة دموعهنّ وكَتْمِ ندبهنّ، والأطفال أشبه بيتامى فقدوا آبائهم وأمّهاتهم. كان الحزن يلفّ المكان، وكأنّ الحسين عليه السلام استُشهد في تلك اللّحظة، وكأنّ كربلاء تستعدّ لاستقبال الأجداث الطّاهرة لتُوارى الثّرى.
وما إن اقتربَ الموكب، حتَّى حسرَ السّيّد بحر العلوم عن رأسه وخلع قميصَه، وانفجر باكياً منتحِباً، وغاص في وَسَط الموكب وهو يَلطم بشدّة وينادي: «واحسيناه.. واحسيناه!»، فما كان من أصحابه إلَّا أن لحقوا به وأحاطوا به من كلّ جانب خشية أن يُصاب بمكروهٍ أمام الوفود الهادرة والمُهروِلة، والسّيّد لم يَلتفت إلى أحد، بل استمرّ بالنَّحيب والبكاء حتّى توقّفت ركضة طويريج وانتهت مراسم العزاء، فهدأَ السيّد بحر العلوم، وكانت علامات الاستغراب باديةً على وجوه أصحابه الَّذين سألوه عن سبب اندفاعه بهذا النّحو في الموكب، فنظر إليهم السّيّد، وانهمرت دموعه على خدَّيه وقال: «لا تلوموني، ولا ينبغي لكم أن تلوموا أحداً من العلماء إذا ما قام بذلك. فإنّني، ما أن اقترب منّي الموكب حتَّى رأيتُ مولاي صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف حاسر الرّأس، حافي القدمَين، وهو يلطمُ ويبكي مع اللَّاطمين الباكين، فلم أَحتمل المنظر، ودخلتُ في الموكب ألطمُ صدري مع الإمام سلام الله عليه».
وقد شارك غيره من العلماء العظام في هذه المسيرة العاشورائيّة، إلى أنْ مَنَع النِّظام البائد في العراق من إقامتها لسنين عديدة، وبعد سقوط ذلك النّظام، عادت هذه الشَّعيرة الحسينيّة بقوّة إلى كربلاء في العاشر من محرّم كلّ عام، وأخذت هذه المسيرة الحسينيّة تستقطب الملايين من محبِّي الحسين وأهل بيته عليهم السلام. |