الجهاد الأكبر. -18- وجه الله، والدار الآخرة

الجهاد الأكبر. -18- وجه الله، والدار الآخرة

14/06/2005

ويتلاطم في آيات الجهاد موج الثواب الخيْر، والفوز المبين، والأجر العظيم. حتمٌ على المجاهد في ساحات المعارك، وبينها، أن يهتم بحراسة ثغور ثوابه بالمرابطة على ثغور القلب، حذراً من كل المسارب التي يتسلل منها شيطان النفس الأما

ويتلاطم في آيات الجهاد موج الثواب الخيْر، والفوز المبين، والأجر العظيم. حتمٌ على المجاهد في ساحات المعارك، وبينها، أن يهتم بحراسة ثغور ثوابه بالمرابطة على ثغور القلب، حذراً من كل المسارب التي يتسلل منها شيطان النفس الأمارة، ليبدد هذا الثواب ويهدره.


من صور جهاد أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل:

" وزحف علي عليه السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، وحوله بنوه : الحسن والحسين ومحمد عليهم السلام، ودفع الراية إلى محمد، وقال : أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل، ولا تقفن دونه . فتقدم محمد، فرشقته السهام، فقال لأصحابه : رويداً حتى تنفد سهامهم، فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان. فأنفذ إليه علي عليه السلام يستحثه، ويأمره بالمناجزة ، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه، فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن ، وقال له : أقدم لا أم لك ! فكان محمد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك بعدُ يبكى ، ويقول : لكأني أجد ريح نفسه في قفاي، والله لا أنسى ذلك أبداً. ثم أدركت علياً عليه السلام رقة على ولده، فتناول الراية منه بيده اليسرى، وذو الفقار مشهور في يمنى يديه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل، ثم رجع وقد انحنى سيفه ، فأقامه بركبته. فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار، نحن نكفيك يا أمير المؤمنين. فلم يجب أحداً منهم ولا رد إليهم بصره، وظل ينحَطُ [1] ويزأر زئير الأسد، حتى فرق من حوله. وتبادروه وإنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة ، لا يبصر من حوله، ولا يرد حواراً، ثم دفع الراية إلى ابنه محمد، ثم حمل حملة ثانية وحده، فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قُدُماً قُدُماً، والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة، حتى خضب الأرض بدماء القتلى، ثم رجع وقد انحنى سيفه، فأقامه بركبته، فاعصوصب به أصحابه [2] وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام، وقالوا : إنك إن تصب يذهب الدين، فأمِسك ونحن نكفيك. فقال : والله ما أريد بما ترون إلا وجهَ الله والدارَ الآخرة . [3]

هدف الجهاد الأصغر إذاً، هو وجه الله، والدار الآخرة، وإن شئت قلت: الجهاد الأكبر قبلة الجهاد الأصغر، منه يستمد قيمته، ولولاه لتحول إلى عمل عسكري لا جذور له.

هذا ما أدركه طلاب الشهادة في المدرسة المحمدية العلوية.

ينادي به بجهير الصوت، موقف عابس بن شبيب الشاكري في كربلاء وهو يقول للشهيد الترب الجليل شوذب:

" هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه".

ويتلاطم في آيات الجهاد موج الثواب الخيْر، والفوز المبين، والأجر العظيم.

حتمٌ على المجاهد في ساحات المعارك، وبينها، أن يهتم بحراسة ثغور ثوابه بالمرابطة على ثغور القلب، حذراً من كل المسارب التي يتسلل منها شيطان النفس الأمارة، ليبدد هذا الثواب ويهدره. وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.

أيها العزيز: ليكن ثواب الله تعالى نصب عيني القلب العاقل، ولا ترضَ بغيره بدلاً، فهو ثمرة الإنسانية وقطوفها الدانية، لا ترضَ أن يكون غير الثواب جزءً من الثمن، وإلا ديفت الحيوانية بالإنسانية، كمايداف السم بالعسل، وهو من معاني تلبيس الإيمان بالظلم، وهو الرياء، وهو نفسه الشرك.

تلمس جذور نبتة النية بعد أن تلمست البذرة، وتعاهد شجرتها باستمرار وعند كل حركة وسكَنة، والله ولي التوفيق.

والسلام عليك ورحمة الله.


***

--------------------------------------------------------------------------------
[1] النحيط: الزفير.
[2] اعصوصبوا: اشتدوا عليه وألحّوا.
[3]أورده الشيخ القمي في "سفينة البحار:صفحة 689- 690 وابن أبي الحديد، شرح النهج1/257.

اخبار مرتبطة

  العتبة العسكريّة المقدّسة في سامراء

العتبة العسكريّة المقدّسة في سامراء

نفحات