موجز في التّفسير
سورة سَبَأ
ـــــ من دروس «المركز الإسلامي» ـــــ
* السُّورة الرّابعة والثّلاثون في ترتيب سوَر المُصحف الشّريف، نزلتْ بعد سورة «لقمان».
* آياتُها أربعٌ وخمسون، وهي مكّية، يُكتب لقارئِها رفقةُ الأنبياء ومصافَحتُهم يومَ القيامة. وفي الرّواية عن الإمام الصّادق عليه السلام، أنّ قراءتَها وسورةَ فاطر تدفعُ المكاره وتجلبُ الخَيرات.
* سُمِّيت بـ «سَبَأ»، لذكرِها في الآيات (15 -19 ) قصّةَ قومِ سَبَأ. |
المشهور أنّ سَبَأ اسمُ أبي العرَب في اليَمن، وقد سُئِلَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله عن سَبَأ؛ أَرَجُلٌ هو أم امرأة؟ فقال صلّى الله عليه وآله: هو رجلٌ من العَرب، وُلِدَ له عشرة، تَيامَن منهم ستّة [ذهبوا إلى اليَمن] وتشاءَم منهم أربعة [ذهبوا إلى الشّام]، فأمّا الذين تَيامنوا؛ فَالْأَزد، وكِندَة، ومَذْحِج، والأَشْعَرون، وأَنمار، وحِمْيَر ".." وأمّا الذين تشاءموا؛ فعَامِلَة، وجُذَام، ولَخْم، وغسّان.
وذهب بعضُهم إلى أنّ سبأ اسمٌ لِأرض اليمن، أو لإحدى مناطقِها، كما يُستفاد من قوله تعالى على لسان هُدهُد النّبيّ سليمان عليه السلام: ﴿..وجئتُك من سبأ بنبأ يقين﴾ النمل:22، أيْ من أرض سبأ.
هدفُ السورة
«تفسير الميزان»: تتكلّمُ السُّورة حول الأصول الثّلاثة، أعني: الوحدانيّة، والنّبوّة، والبَعث، فتذكُرها وتذكُر ما لمنكِريها من الاعتراض فيها والشُّبَه التي أَلْقُوها، ثمّ تدفعُها بوجوهِ الدَّفع؛ من حكمةٍ، وموعظةٍ، ومجادلةٍ حسَنة، وتهتمُّ ببيانِ أمْرِ البَعث أكثرَ من غيره، فتذكرُه في مُفتتَح الكلام، ثمّ تعودُ إليه عودةً بعد عودة إلى مُختتَم السّورة.
ثوابُ تلاوتِها
«تفسير مجمع البيان»: عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن قرأ سورة سَبَأ، لم يبقَ نبيٌّ ولا رسولٌ إلّا كان له يومَ القيامة رفيقاً ومُصافحاً».
* عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن قرأ الحمدَين جميعاً [التي تبدأ بـ الحمد لله] سَبَأ وفاطر في ليلة، لم يزَل ليلتَه في حِفْظ الله تعالى وكِلاءَته، فإنْ قرأَهما في نهارِه، لم يُصِبه في نهارِه مكروه، وأُعطِي مِن خير الدُّنيا وخيرِ الآخرة ما لم يَخطر على قلبِه، ولم يبلغ مُناه».
محتوى السُّورة
«تفسير الأمثل»: هي من السُّوَر المكّية، التي تشتملُ عادةً على بحوث المعارف الإسلاميّة وأصولِ الاعتقادات، خصوصاً المبدأ، والمعاد، والنبوّة. فأغلبُ بحوثِها تدورُ حول تلك الموضوعات، لحاجة المسلمين لبلوَرة أمور العقيدة في مكّة، وإعدادهم للانتقالِ إلى فروعِ الدِّين، وتشكيلِ الحكومة، وتطبيق البرامجِ الإسلاميّة كافّة. وبشكلٍ إجماليٍّ يُمكن القول بأنّ محتوى هذه السُّورة يندرجُ في خمسة مواضيع:
1- التّوحيد، وبعض الآثار الدالّة عليه في عالَم الوجود، وبعض صفات الله المقدّسة؛ كالوحدانيّة، والرُّبوبيّة، والأُلوهيّة.
2- قضيّة المَعاد، التي نالت النَّصيبَ الأَوفى من العرض في هذه السُّورة، باستعراضِها ضمنَ بحوث منوَّعة، ومِن زوايا مختلفة.
3- نبوّة الأنبياء السّابقين، ونبوّة رسول الإسلام صلّى الله عليه وآله، والرَّدّ على تخرُّصات أعدائه حولَه، وذِكر جانبٍ من معجزات مَن سَبَقه من الأنبياء عليهم السلام.
4 - التّعرُّض لذكر بعض النِّعَم الإلهيّة العظيمة، ومصير الشَّاكرين لها والجاحدين، من خلال استعراض جانبٍ من حياة النّبيّ سليمان عليه السلام، وحياة قومِ سَبَأ.
5 - الدَّعوة إلى التّفكُّر والتّأمّل، والإيمان، والعمل الصّالح، وبيان تأثير هذه العوامل في سعادة وموفّقيّة البشر.
تفسيرُ آياتٍ منها
بعد ذِكر الآية الكريمة، نُورد ما رُوي من الحديث الشريف في تفسيرها، نقلاً عن (تفسير نور الثّقلَين) للمحدّث الشيخ عبد عليّ الحويزيّ رضوان الله عليه.
O قوله تعالى: ﴿.. عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة..﴾ سبأ:3.
* الإمام الصّادق عليه السلام: «هو واحدٌ واحديُّ الذَّات بائنٌ من خَلقه، وبذلك وَصَفَ نفسَه، وهو بكلِّ شيءٍ محيط، بالإشراف والإحاطة والقدرة ﴿..لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر..﴾ سبأ:3، بالإحاطةِ والعِلم، لا بالذّات، لأنّ الأماكنَ محدودةٌ تَحويها حدودٌ أربعة، فإذا كان بالذّات لَزِمَها الحَواية».
O قوله تعالى: ﴿يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل..﴾ سبأ: 13.
*الإمام الباقر عليه السلام: «ما هي تماثيلُ الرِّجال والنّساء، ولكنّها تماثيلُ الشَّجر وشِبهه».
O قوله تعالى: ﴿.. وقليل من عبادي الشكور﴾ سبأ: 13.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «أُوصيكم عبادَ الله بتقوى الله فإنّها حقُّ الله عليكم، والموجبة على الله حقَّكم، وأن تستعينوا عليها بالله، وتستعينوا بها على الله، فإنّ التّقوى في اليوم الحِرزُ والجُنّة، وفي غدٍ الطّريقُ إلى الجَنّة، مسلكُها واضح، وسالكُها رابح، ومستودَعُها حافظ، لم تبرَح عارضةً نفسَها على الأُمم الماضين والغابرين، لحاجتِهم إليها غداً إذا أعادَ اللهُ ما أبدى، وأَخذَ ما أَعطى، وسألَ عمّا أَسدى، فما أقلَّ مَن قبِلها وحَمَلها حقَّ حَمْلِها، أولئك الأقلّون عدداً، وهم أهلُ صفة الله سبحانه إذ يقول: ﴿..وقليلٌ من عبادي الشكور﴾ سبأ:13».
O قوله تعالى: ﴿فلمّا قضينا عليه الموت..﴾ سبأ:14.
* رسول الله صلّى الله عليه وآله: «عاش سليمانُ بنُ داود سبعمائة سنة، واثنتَي عشرة سنة».
O قولُه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ﴾ سبأ:18.
الإمام زين العابدين عليه السلام، وقد سألَه بعضُ القُضاة عن معنى هذه الآية «إنّما عَنَى الرِّجال [أي أنّ معنى القرية في الآية، هي الرِّجال]، وإنّ ذلك في كتابِ الله، أَوَما تَسمع إلى قولِه عزّ وجلّ: ".." ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا..﴾ يوسف:82، فَلْيَسأل القرية أو الرِّجالَ أو العِير؟
قال القاضي: جُعِلتُ فِداك، فمَن هم؟ قال عليه السلام: نحنُ هم. أَوَلَم تَسمع إلى قولِه: ﴿..سِيروا فيها لياليّ وأيّاماً آمنين﴾ سبأ:18 [أي] آمِنين من الزَّيغ».
O قوله تعالى: ﴿ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه فاتبعوه إلّا فريقاً من المؤمنين﴾ سبأ:20.
* الإمام الباقر عليه السلام: «كان تأويلُ هذه الآية لمّا قُبض رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، والظَّنُّ من إبليس حين قالوا لرسول الله إنّه ينطقُ عن الهوى، فظنَّ بهم إبليسُ ظنّاً، فصَدّقوا ظنَّه».
O قوله تعالى: ﴿ولا تنفع الشفاعة عنده إلّا لمن أذن له..﴾ سبأ:23.
* الإمام الباقر عليه السلام: «ما مِن أحدٍ من الأوّلين والآخرين إلّا وهو محتاجٌ إلى شفاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم القيامة».
** وعنه عليه السلام: «إنَّ لِرسولِ الله صلّى الله عليه وآله الشّفاعةَ في أمَّته، ولنا الشّفاعةُ في شيعتِنا، ولشيعتِنا شفاعةٌ في أهاليهم».
*** الإمام الصادق عليه السلام: «لا يشفعُ أحدٌ من أنبياء الله ورُسُله يوم القيامة حتّى يأذنَ اللهُ له، إلّا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، فإنّ الله عزَّ وجلَّ قد أَذِنَ له في الشّفاعة من قبلِ يومِ القيامة، والشّفاعةُ له وللأئمّة صلواتُ الله عليهم، ثمّ بعد ذلك للأنبياء عليهم السلام».
O قوله تعالى: ﴿..فأولئك لهم جزاء الضّعف بما عملوا..﴾ سبأ:37.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا كان يومُ القيامة حَسَب لهم ثمّ أعطاهم بكلّ واحدة عَشْرَ أمثالها إلى سبعمائة ضِعف».
**الإمام الباقر عليه السلام: «إذا كان المؤمن غنيّاً، رحيماً، وصولاً، له معروفٌ إلى أصحابه، أعطاه اللهُ أجرَ ما يُنفِقُ في البِرّ، (و) أَجْرَه مرّتين ضِعفَين».
O قوله تعالى: ﴿.. وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين﴾ سبأ:39.
*الإمام الصّادق عليه السلام: «لو أنّ أحدَكم اكتسبَ المالَ من حِلِّه، وأنفقَه في حِلِّه، لم يُنفق درهماً إلّا أُخلِفَ عليه».
**عنه عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: مَن بسطَ يدَه بالمعروف إذا وجدَه، يُخلِفُ اللهُ له ما أنفقَ في دنياه، ويُضاعفُ له في آخرتِه».
***وعنه عليه السلام: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مَن صدَّق بالخُلفِ، جادَ بالعَطيّة».
O قوله تعالى: ﴿قل ما سألتكم من أجر فهو لكم..﴾ سبأ:47.
*الإمام الباقر عليه السلام: [يعني] «أجرَ المودّة الذي لم أسأَلْكم غيرَه، فَهو لكُم، تهتدون به وتنجون من عذاب يومِ القيامة».
O قوله تعالى: ﴿ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب﴾ سبأ: 51.
*الإمام زين العابدين عليه السلام: «هو جيشُ البيداء، يؤخَذون من تحت أقدامِهم».
O قوله تعالى: ﴿وأنّى لهم التناوش من مكان بعيد﴾ سبأ:53.
*الإمام الباقر عليه السلام: «إنّهم طلبوا الهُدى من حيثُ لا يُنال، وقد كان لهم مَبذولاً من حيث يُنال». [التّناوش بمعنى التّناول]