في شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي أجواء ذكرى ولادة الإمام المنتظر والأجواء التي تأتي استمراراً لها. وفي أجواء ذكرى استشهاد منتظرين حقيقيين سيد شهداء المقاومة الإسلامية وشيخ شهدائها، وفي أيام المقاومة الإسلامية، من المهم أن نذكّر أنفسنا أيها الأعزاء باستمرار أن أساس الجهاد الأصغر هو الجهاد الأكبر.
في شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي أجواء ذكرى ولادة الإمام المنتظر والأجواء التي تأتي استمراراً لها.
وفي أجواء ذكرى استشهاد منتظرين حقيقيين سيد شهداء المقاومة الإسلامية وشيخ شهدائها، وفي أيام المقاومة الإسلامية، من المهم أن نذكّر أنفسنا أيها الأعزاء باستمرار أن أساس الجهاد الأصغر هو الجهاد الأكبر.
علينا أن لا نفرح بالمظاهر العسكرية مهما كانت لأنها فرع، والأساس هو جهاد النفس.
هذه الحقيقة هي التي أراد المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم أن يركز عليها ويُلفت قلوبنا إليها عندما خاطب من كان معه في تلك السرية: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.[1]
انطوت صفحة حياة الشهيد أبي أحمد الشيخ راغب في هذه الدنيا، وانطوت صفحة الشهيد السيد أبو ياسر السيد عباس في هذه الدنيا، وبدأت رحلة الحياة الحقيقية، الواقعية بلا زيف، الحياة الطيبة "عند ربهم".
لقد وجد الشهيدان في الجهاد الأصغر، الدورة التدريبية على الجهاد الأكبر، والمدخل إليه والباب الأمثل، تذوقا في الأصغر ثمرة من ثمرات الأكبر، ولذلك فقد بدأت بالشهادة حياتهما. هنيئاً لأصحاب النعيم نعيمهم.
ليُهنِهما جوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام، الذي تعلما منه كيف أن على المجاهد أن يحب الصلاة وقراءة القرآن.
أود هنا باعتبار أننا نعيش بشكل خاص في أجواء الشهيد العزيز أبي ياسر أن أقف عند نقطتين :الصلاة، وقراءة القرآن.
من الطبيعي التأكيد على أن الشهيد الغالي أبو أحمد رضوان الله تعالى عليه حبة القلب أيضاً إلا أن استشهاد الشهيد أبي ياسر أقرب زمناً ولذلك أركز عليه الآن بشكل ملفت باعتبار أننا نعيش الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده.
في مجال قراءة القرآن أذكر أننا كنا مرة في جلسة عمل نريد أن نبدأ بتلاوة آيات من كتاب الله تعالى، ولم يكن ثمة قرآن كريم نقرأ منه - نظراً للظروف الأمنية الضاغطة- فما كان من الشهيد أبي ياسر إلا أن بدأ يقرأ، ومما يحفظ، وأطال القراءة.
قرأ في سورة البقرة وأطال، مما ذكّرني بعلاقة له خاصة بالقرآن الكريم حيث كان في بعلبك يهتم بتدريس التفسير، وكان هذا يشكل امتداداً لاهتمامه بتدريس التفسير لعدد من طلابه في النجف الأشرف.
تشكل هذه الحادثة شاهداً على العلاقة التي ينبغي أن تكون مع القرآن الكريم.
صحيح أننا جميعاً نهتم بكتاب الله تعالى ونقدسه، إلا أن من الضروري أن نركز على حفظ القرآن الكريم، وهو أمر يرتبط جذرياً بالجهاد الأكبر.
مجرد النظر في القرآن الكريم يملأ القلب نوراً وسروراً فكيف إذا أطال الإنسان النظر وكرر وأعاد ليحفظ؟
كيف إذا لامس شغاف قلبه آيات كتاب الله تعالى؟
يمكن لحفظ القرآن بالإضافة إلى عمق الإخلاص أن يشكل الطريق إلى الله عز وجل، و يجعل القاريء يهتدي السبيل، ويعرف كيف يصل، ويصل.
هذا الحث الكبير على قراءة القرآن في الروايات، يريد أن يرشدنا إلى هذه الحقيقة.
إذاً في الجبهة، في مواقع الحق ضد الباطل حيث يجد الإنسان أحياناً متسعاً للتركيز، ما أروع أن تعمر أجواء الجبهة، وخنادق المقاومة، بآيات كتاب الله تعالى لنعيد سيرة المسلمين في بدر وأحد وكل مواقع الإسلام حيث كانت آيات كتاب الله عز وجل تتردد.
نزل القرآن في الجبهة وفي الطريق إليها وفي الطريق منها.
علينا أن نكثر من قراءة القرآن في المحراب الذي يشكل امتداداً لمحراب المسجد.
ما أروع أن يحمل الإنسان آيات يحرص على حفظها فإذا انتهى حمل آيات غيرها.
وأذكّر هنا بأن مفكرة طبعت هذا العام جزِّيء فيها القرآن الكريم بحيث إن لكل يوم آياتٍ خاصةً به، وقد خطط هؤلاء الإخوة ليستطيع الشخص أن يحفظ القرآن الكريم خلال أربع سنوات.
المهم أن نتعلم من الشهيد حرصه على حفظ القرآن الكريم ولا أريد أن أقول إنه كان يحفظ القرآن إلا أنه كان حريصاً على حفظ ما استطاع أن يحفظه، ولنحرص على هذه العلاقة بين القرآن الكريم والجبهة.
الأمر الآخر مسألة الصلاة: ذكرت أكثر من مرة أني لم أر الشهيد السيد عباس رضوان الله تعالى عليه ولا مرة واحدة مستعجلاً في صلاته، وإنما كان يصلي بأناة، بخشوع، بتوجه، لا أستطيع أن أقول بحضور قلب، لأن ذلك أمر يعلمه الله عز وجل، ولكني كنت أرى أنه يصلي بأناة، بتمهل، وذلك أمر يتلازم عادةً مع درجة من حضور القلب على الأقل.
هذه ميزة عظيمة ليست عادية، أن يأتي الإنسان يوم القيامة وفي صحائفه أنه ما استعجل في صلاته!!
هنيئاً لمن يستطيع الحصول على هذه الدرجة، خصوصاً وأن في الروايات نهياً عجيباً عن الإستعجال في الصلاة.
في الحديث القدسي: "عن الإمام الصادق عليه السلام: إذا قام العبد في الصلاة فخفف صلاته، قال الله تبارك وتعالى لملائكته: أما ترون إلى عبدي، كأنه يرى أن قضاء حوائجه بيد غيري، أما يعلم أن قضاء حوائجه بيدي"[2]
لنتعلم من شهيد الإسلام أبي ياسر هذا الحرص على الصلاة بتأنٍّ، وتمهُّل.
كذلك لنتعلم من الشهيد أبي ياسر رضوان الله تعالى عليه النظرة إلى الحياة، التعاطي مع الحياة، لم يكن يهتم بملبسه، بأثاث بيته، لم يكن يحمل هم هذه الأمور، كان في المقابل يحمل هم الإسلام، وكان ينطلق في حمل هذا الهم هم الإسلام وعدم حمل ذاك الهم الهم الشخصي من حمل الهم الأكبريوم العرض على الله تعالى.
أصرّ على أن يصل إلى الله تعالى وقد تبدد جسده.
وهذا نص سمعته بصوته بعد استشهاده - وأعترف بأني عرفت من خلال هذا النص أبعاداً جديدة في شخصية الشهيد أبي ياسر رضوان الله تعالى عليه - حيث يقول في سياق نص يناجي الله تعالى به :
فأسألك يا إلهي شهادة يتبدد بها جسدي، وتنال كل جارحة القصاص والعقوبة (اللذين تستحقهما) وبعدها يصبح حتماً يا إلهي أن تسكنني بجوارك.
يتلخص الجهاد الأكبر في حمل هذا الهم " فسرّني بلقائك ".
ينطلق الجهاد الأكبر من قاعدة إدراك أن الله عز وجل يعرف حقيقتنا، ومهما كنا في أعين الناس فإن صورتنا الحقيقية هي الصورة التي عند ه عز وجل، لذلك ينبغي صرف العمر في أن تكون هذه الصورة طاهرة نقية، كما أرادها الله تعالى.
اللهم أعنّا على أنفسنا ووفقنا لما يرضيك عنا بالنبي المصطفى وآله.
والحمد لله رب العـالمين.