الدّعاء أنفذُ من السّلاحِ الحديد
أحَبُّ الأعمالِ إلى الله في الأرض
ـــــ السيّد ابنُ طاوس قدّس سرّه ـــــ
«إنَّ محلَّ الإنسان ومنزِلَتَه عند الله جلَّ جلالُه على قدرِ دُعائه، وقيمتَه بقدرِ اهتمامِه بمناجاتِه ونِدائِه».
كلامٌ في فضيلة الدّعاء وأهميّته، كما ورد في كتاب (فلاح السّائل) لسيّد العلماء المراقبين السيّد ابن طاوس قدّس سرّه. |
في ما نذكره من فضيلة الدّعاء، قولُ الله جلَّ جلالُه: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾ الفرقان:77.
أقول: فلم يجعل لهم لولا الدُّعاء محلَّاً ولا مقاماً، فقد صار مفهومُ ذلك أنَّ محلَّ الإنسان ومنزِلَتَه عند الله جلَّ جلالُه على قدر دُعائه، وقيمتَه بقدرِ اهتمامه بمناجاتِه ونِدائِه.
وعساك تجِد مَن يقولُ لك إنَّ المُراد بالدُّعاء في هذه الآية العبادة، والحقّ ما رواه الثُّقات عن أهل الأمانة والسِّيادة، من أنَّ المُراد بالدًّعاء في هذه الآية، هو الدّعاء المفهوم بِعُرْفِ الشَّرع من غير زيادة. ومن الآيات قولُ الله جلَّ جلالُه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ..﴾ الأنعام:43، فنبَّهَ اللهُ جلَّ جلالُه على أنَّهم لو تضرَّعوا أزالَ بأسَهُ وغضَبَهُ وعقابَهُ عنهم، وكَشَف كُروبَهم. ولم يَقُل: ولو أنَّهم إذ جاءَهم بأسُنا صلُّوا أو صاموا أو حجُّوا أو قرأوا القرآن. وفي ذلك بيانٌ لأهل الأفهام من الأعيان.
ومن ذلك وعدُه المقدَّس بأنَّ الدُّعاء مفتاحُ بلوغ الآمال والأماني، في قوله جلَّ جلالُه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..﴾ البقرة:186.
وقولُه جلَّ جلالُه ﴿..ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ غافر:60، فنبَّه اللهُ تعالى على أنَّ ترك الدُّعاء استكبارٌ عن عبادتِه، وسببٌ لدخولِ النَّار والعذابِ المُهين. وقد رُوي عن الصَّادق عليه السلام أنَّ المُراد بالعبادةِ -في هذه الآية- يَستكبرُ الإنسانُ عنها هو الدَّعاء، وأنَّ تاركَه مع هذا الأمرِ به من المُستكبرين. وفي بعض ذلك كفايةٌ للعارفين.
ولو لم يكن في فضيلة الدُّعاء إلَّا قولُ الله جلَّ جلالُه لِسَيِّد الأنبياء صلوات الله عليه وآله: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ..﴾ الكهف:28، لَكَفى. وهذا عظيمٌ لأنّه صَدَر على مُقتَضى المدح لهم، وكان دعاؤهم بالغُدوّ والعَشيِّ سببُ أمْرِ الله جلَّ جلالُه لرسوله عليه السلام بملازمتِهم، وألّا تعدو عيناه الشَّريفتان عن صحبتِهم.
* منها أنّه أحبُّ الأعمال إلى اللهِ جلَّ جلالُه، كما رُوِي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «أحبُّ الأعمال إلى الله سبحانَه في الأرض الدُّعاء..».
* ومنها أنّه يُنجي من الأعداء وأهل الشِّقاق، ويفتح أبواب الأرزاق. رُوِيَ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قولُه: «ألا أدلُّكُم على سلاحٍ يُنجيكم من عدوِّكم ويدرُّ أرزاقَكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربَّكم باللَّيل والنَّهار، فإنَّ الدُّعاء سلاحُ المؤمنين»، وفي حديثٍ آخر عن الصَّادق عليه السلام: «الدُّعاء أَنفذُ من السَّلاح الحديد».
* ومنها أنَّه المُراد بقوله جلَّ جلالُه ﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسكَ لها..﴾ فاطر:2. كما في الرّواية عن الإمام الصّادق عليه السلام.
* ومنها أنَّ الدُّعاء شفاءٌ من كلِّ داءٍ. فَعَن الإمام الباقر عليه السلام لبعضِ أصحابه: «ألا أُخبرُك بما فيه شفاءٌ من كلِّ داءٍ، حتّى السَّام [الموت]؟ قلتُ: بلى، قال عليه السلام: الدُّعاء».
* ومنها أنَّه يَستقبلُ نزولَ البلاء، فيمنعُه ويدفعُه إلى يوم الجزاء، كما رُوي عن الإمام الرِّضا عليه السلام: «سمعتُ أبي عليه السلام يقول: إنَّ الدُّعاء يستقبلُ البلاء، فيتوافَقان إلى يومِ القيامة».
(مختصر)