تظلنا ذكريان لاقترانهما دلالة: ولادة سيد الشهداء عليه السلام في الثالث من شعبان وولادة سيد الواصلين إليه أبي الفضل العباس عليه السلام في الرابع من شعبان.
السلام على السادة المجاهدين ورحمة الله وبركاته.
تظلنا ذكريان لاقترانهما دلالة: ولادة سيد الشهداء عليه السلام في الثالث من شعبان وولادة سيد الواصلين إليه أبي الفضل العباس عليه السلام في الرابع من شعبان.
وللمجاهدين مع صاحبي الذكريين حديث ذو شجون.
طالما رددت هضابهم والأودية مع شغاف قلوبهم " يا حسين " " يا أبا الفضل ".
رددوا ذلك في رحلة الجهاد الأكبر التي تقع محطة الجهاد الأصغر في سياقها وكمفردة مَعْلَمٍ من مفرداتها.
الوصول إلى الحسين عليه السلام هدف، لأنه من رسول الله، ورسول الله منه: " حسين مني وأنا من حسين ".
وحيث لا وصول إلى الله تعالى إلا من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا وصول إلى رسول الله إلا بالحسين عليه السلام.
ولكن كيف السبيل؟
كيف نصل إلى الحسين عليه السلام؟
نخشع هنا في محراب أبي الفضل عليه السلام لنتعلم بمقدار وسعنا وتسيل أوديةٌ بقدرها، يقول الإمام السجاد عليه السلام:
رحم الله العباس، يعني ابن علي، فلقد آثر، وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة".[1]
* الدرس الأول من أبي الفضل عليه السلام: الإيثار، وهو يعني حب الحسين أكثر من أنفسنا.
وصل أبو الفضل إلى المشرعة وغرف الماء بيده ثم رماه، كيف أشرب الماء والحسين عطشان؟
هل يمكن للأم أن تشرب الماء وهي ترى وحيدها يتلظى عطشاً؟
أولسنا مأمورين بأن يكون حبنا لعترة المصطفى صلى الله عليه وآله، أكثر من حبنا لعترتنا، أي أكثر من حب الأم لوحيدها.
وطبيعي أن حب الحسين أكثر من النفس، بل أكثر من حب الوليد حتى الوحيد، يستدعي تقديم النفس للوصول إلى الحسين وبه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الله تعالى.
إيثار أبي الفضل هو الذي يجلجل في سمع الزمان:
يا نفس من دون الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
* والدرس الثاني من أبي الفضل عليه السلام: حُسن البلاء في ساحات الجهاد.
تجلى ذلك أولاً في الإحتساب عند الله، و التقرب إليه عز وجل، فقد خاطب المولى أبو الفضل إخوته: تقدموا لأحتسبكم عند الله، وهو أمر يكشف للأجيال أن الهدف عند أبي الفضل والقضية هو الحسين ابن علي وفاطمة، إبن رسول الله صلى الله عليه وآله الذي عرفت الأمة موقعه من المصطفى، وليس الهدف الدفاع عن مجرد النسب مهما علا شأنه، ولذلك تقدم أربعة من أولاد أمير المؤمنين للدفاع عن سيدهم وسيد الشهداء جميعاً أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
وهو بعدُ أمر يكشف عن مدى الإستعداد للتضحية في سبيل الله هذا، كما يكشف مدى القدرة على الصبر التي يستدعيها الإحتساب.
وتجلى حسن بلاء المولى أبي الفضل ثانياً، في الملاحم العلوية التي سطرها في ربى كربلاء.
لاتبحث في مصدر لتعرف ذلك، بل ابحث في ثوابت العقل ومحكم نبض ساحات القلب، عن تحول كل ذلك المعسكر المدجج اللجب من استهداف أبي الفضل، إلى استهداف" اليمين" ثم التركيز بعد ذلك على استهداف " اليسار".
ماذا كان من عظيم شأن تلك اليمين المحمدية العلوية في فَرْيِ الرقاب وتفريق الصفوف، وتتبديد التجييش، حتى صارت هدفاً، ودون الجرأة على المواجهة، بل من خلال كمين، خلف نحلة.
وبعد أن طارت - فداها النفوس- هذه اليمين إلى الفردوس الأعلى، ماذا كان من أمر " اليسار" لتصبح هي الهدف؟!
هل نقف بعض الشيء، على أعتاب قول المولى الإمام السجاد عليه السلام:
فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب.
* والدرس الثالث من أبي الفضل عليه السلام: مواصلة الجهاد الأكبر مهما غلت التضحيات:
والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني.
***
قد قطعوا ببغيهم يساري فأصلهم يا رب حر النار.
ما اليمين وما اليسار وما الرأس وما النفس؟
يريد أبو الفضل عليه السلام أن يصل إلى الحسين عليه السلام، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى الله تعالى.
لنتذكر أيها الأعزاء شهيد الإسلام سيد شهداء المقاومة أبا ياسر، الذي تعلم من أبي الفضل العباس عليه السلام، وكأني به يقول: إذا كان سيدي ومولاي أبو الفضل العباس عليه السلام، قد قدم رأسه واليدين فإني يا إلهي - كما نصّ هو عليه الرحمة والرضوان بصوته - أقدم روحي وجسدي والخجل يعتصرني كيف أُرجع الأمانة ملوثة.
هكذا يصبح الجهاد الأصغر في موقعه الطبيعي مفردة من مفردات الجهاد الأكبر.
اللهم ارزقنا.
والحمد لله رب العـالمين.
----------------------------------------
[1] الشيخ المفيد، الخصال68.