الإيمان، هو الأمن النّفسي
تصديقٌ بالجَنان، وإقرارٌ باللّسان، وعملٌ بالأركان
ـــــ الشّهيد الثّاني قدّس سرّه ـــــ
بين يدَيك، تعريفُ
«الإيمان» لغةً وشَرعاً، وبيانُ وجوه الثّاني منهما، منتخَب من كتاب (حقائق
الإيمان) للشّهيد الثاني الجُبَعي العاملي (911 - 965 للهجرة).
|
الإيمانُ لغةً هو التَّصديق، كما نصَّ عليه أهلُ اللّغة، وهو إفعالٌ من الأمن، بمَعنى سُكونِ النّفسِ واطمئنانِها لعدمِ ما يوجبُ الخوفَ لها، فكأنّ حقيقةَ «آمنَ به» [هي] سَكَنَتْ نَفْسُه [إليه] واطمأَنّتْ، بسببِ قبولِ قولِه وامتثالِ أمره، فتكون الباءُ للسّببيَّة. وهو يتعدَّى باللّام، كقولِه تعالى: ﴿...وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا...﴾ يوسف: 17، وقولِه تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ...﴾ العنكبوت: 26. ويتعدّى بالباء كقولِه تعالى: ﴿...آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ...﴾ آل عمران: 53.
وأمّا التّصديق: فَقيل إنّه القبولُ والإذعانُ بالقلب، ويدلُّ عليه قولُه تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا...﴾ الحجرات: 14، فأخبروا عن أنفسِهم بالإيمانِ وهم من أهلِ اللِّسان، مع أنّهم الواقعُ منهم هو الاعترافُ باللِّسان دون الجَنان، لِنَفْيه عنهم بقولِه تعالى:﴿...قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا...﴾ الحجرات:14، وإثباتِ الاعترافِ بقولِه تعالى: ﴿...وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا...﴾ الحجرات:14، الدّالِ على كونِه إقراراً بالشّهادتَين، وقد سمّوه إيماناً بحَسب عُرفِهم، والذي نفاه اللهُ عنهم إنّما هو الإيمانُ في عُرف الشَّرع.
الإيمانُ الشّرعيّ أو القلبيّ
قال تعالى: ﴿...قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ...﴾ المائدة: 41. وقولُه تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ البقرة: 8.
وجهُ الدّلالةِ في هذه الآيات أنّ الإيمانَ في اللّغة: التّصديق، وقد وقعَ في الإخبار عنهم أنّهم آمنوا بألسنتِهم دون قلوبِهم، فيَلزمُ صحّةُ إطلاقِ التّصديقِ على الاقرارِ باللّسان، وإنْ لم يُوافِقه الجَنان. وعلى هذا فيكونُ المنفيُّ هو الإيمانُ الشّرعيّ، أعني القلبيَّ، جَمْعاً بين صحّة النّفي والإثبات في هذه الآيات.
ولا ريبَ أنّ المعنى اللّغويَّ الذي هو مطلَقُ التّصديق لم يبقَ على إطلاقِه، بل أُخْرِجَ عنه، إمّا بالتّخصيص عند بعض، أو النّقلِ عند آخرين.
وممّا يدلُّ على ذلك أنّ الإيمانَ الشّرعيَّ هو التّصديقُ بالله تعالى وحدَه، وصفاتِه وعَدلِه، وبنبوّةِ نبيِّنا محّمدٍ صلّى الله عليه وآله، وبما عُلِمَ بالضرورةِ مجيئُه صلّى الله عليه وآله به، لا ما وقعَ فيه الخلاف، وعلى هذا أكثرُ المسلمين. وزادَ الإماميّةُ التّصديقَ بإمامةِ إمامِ الزّمان عليه السلام، لأنّ من ضروريّاتِ مذهبِهم أيضاً، أنّه ممّا جاءَ به النّبيُّ صلّى الله عليه وآله، وقد عرفتَ أنّ الإيمانَ في اللّغة التّصديقُ مطلقاً، وهذا أخصُّ منه، ويؤيّدُ ذلك قولُه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ...﴾ النساء: 136. أخبرَ عنهم تعالى بالإيمان، ثمّ أمرَهم بإنشائه، فلا بدَّ أن يكونَ الثّاني غير الأوّل، وإلّا لَكانَ أمراً بتحصيلِ الحاصل. وإذا حصلتِ المغايرةُ كان الثّاني المأمورَ به هو الشّرعيّ.
وجوهُ الإيمان الشّرعيّ
قيلَ إنّ الإيمان: إمّا أن يكون من أفعالِ القلوب فقط، أو من أفعال الجوارحِ فقط، أو منهما معاً.
فالأوّل هو التّصديقُ بالقَلبِ فقط، وهو مذهبُ الأشاعرة.
والثّاني -وقد يكون عبارةً عن التّلفُّظِ بالشّهادتين فقط- وهو مذهبُ الكراميّة [فرقة من المجسِّمة]، أو نابعاً عن جميع أفعالِ الجوارحِ من الطّاعات بأَسْرِها فَرْضاً ونَفْلاً، وهو مذهبُ الخوارجِ وقدماء المعتزلة والغُلاة. أو عن جميعِها من الواجبات وترك المَحظورات دون النّوافل، وهو مذهبُ أكثر معتَزلة البصرة.
والثّالث، عبارةٌ عن أفعالِ القلوب مع جميع أفعالِ الجوارح من الطّاعات، وهو قولُ المحدثين وجمعٍ من السَّلفِ كابنِ مجاهد وغيره، فإنّهم قالوا: إنّ الإيمانَ تصديقٌ بالجَنان، وإقرارٌ باللِّسان وعملٌ بالأركان. [وهو المرويُّ عن أميرِ المؤمنين عليه السلام] (مختصَر)