شتان بين أن يكون هدف الإنسان الحور العين والجنان ولحم الطير وما شابه، وبين أن يكون ذلك مطلوباً إلا أنه ليس الهدف السامي ولا الأسمى. يقول أحد العبّاد: الذين يفكرون بهذه الطريقة هم مرتزقة، يريدون أن يصلّوا من أجل الحصول على هذه الأمور، أو الذين يعبدون الله تعالى لأجل خوفهم من نار العذاب، هؤلاء عبيد يتاجرون، وليسوا الشخصيات الإيمانية المحلقة في آفاق حب الله تعالى. أيها العزيز المجاهد: صحيح أن الحديث عن حب الله تعالى مستطاع لأي إنسان، إلا أن الذي يليق به هذا الحديث هو أنت.
السلام عليكم أيها السادة الأعزاء المجاهدون وعلى جميع المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
نسمع الحديث عادةً عن الفرق بين حب الله عز وجل وبين الإعتقاد بالله عز وجل.
وما ينبغي أن يقال في هذا المجال:
إن الإعتقاد بالله تعالى مطلوب إلا أن الأهم منه هو حب الله سبحانه وتعالى.
شتان بين أن يكون هدف الإنسان الحور العين والجنان ولحم الطير وما شابه، وبين أن يكون ذلك مطلوباً إلا أنه ليس الهدف السامي ولا الأسمى.
يقول أحد العبّاد: الذين يفكرون بهذه الطريقة هم مرتزقة، يريدون أن يصلّوا من أجل الحصول على هذه الأمور، أو الذين يعبدون الله تعالى لأجل خوفهم من نار العذاب، هؤلاء عبيد يتاجرون، وليسوا الشخصيات الإيمانية المحلقة في آفاق حب الله تعالى.
أيها العزيز المجاهد: صحيح أن الحديث عن حب الله تعالى مستطاع لأي إنسان، إلا أن الذي يليق به هذا الحديث هو أنت.
من ترك الدنيا وما فيها وتوجه إلى مواقع الجهاد لأن الله تعالى يريد منه ذلك، هو الذي يحق له أن يتحدث عن حب الله، أما الذي بقي مشدوداً إلى أثقال الدنيا فلا يستطيع أن يتحدث إلا عن حب الدنيا.
أيها العزيز: إياك أن تبيع شيئاً من جهدك إلا بحب الله عز وجل.
إياك أن تجعل قمة أهدافك الجنة وعليين.
اسألِ الله تعالى الجنة والحور العين وعليين لكن ليكن الهدف طلب الله عز وجل.
ليكن الهدف " أللهم ارزقني حبك وحب من يحبك " لا ترض عن حب الله بدلا.
وحب الله تعالى حبان: حبه لعباده، وحب العباد له، فلا يشغلك الثاني عن الأول، فتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، والظل بالحرور.
كل حب على قدر المحب، فحبه لنا على قدره- قالها عبد أسود البشرة، أبيض القلب والسريرة- وحبنا له على قدرنا، فلا تسجن نفسك في قمقم حبك لله فتكون ممن شغله حب أناه عن حب مولاه!
أيّ الحبين أراد سيد الساجدين - وهو يخطر بين صفوف المحبين في العالمَين - حين قال:
"من ذا الذي ذاق حلاوة حبك فرام منك بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حِِوَلا، إلهي فاجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك، وأخلصته لودك ومحبتك، وشوَّقته إلى لقائك، ورضَّيته بقضائك"[i]
ألا تراه نصاً في الأول : حب الله تعالى لعباده.
عندما تشعر في قلبك بخفقة من هذا الحب، فقف عندها وفكر فيها ملياً. هنيئاً لمن واتته الفرصة فأقام، ومات هناك، ولم يُبعث، فهل في البعث إلا الوصول أو الحرمان؟!
عندما تعيش حالة الخشوع في مقابل حنان الله عز وجل وعطفه عليك، تواجه - مثلاً -حادثة، ترى أن النجاة منها عادة لاتستطاع، إلا أنك نجوت، فتشعر بأن الله عز وجل غمرك بحبه، وشملك بحنانه وعطفه ، فقف ملياً عند هذه الحادثة واستثمرها لتجذير حب الله عز وجل في القلب.
عندما تشعر وأنت بعيد عن أولادك بمدى حبك لهم فتذكر أن حب الله لك أكثر من هذا بكثير، وعمّق حب الله تعالى في نفسك.
عندما تتذكر كيف تستقبلك أمك عندما ترجع إلى البيت، وكيف تبكي فرحاً، تذكر أن حب الله عز وجل لك - أيها العزيز- أكبر، وبما لايقاس.
ما أشد فداحة الخسارة من بقاء هذا المخزون الكبير من الحب خلف الحجب، فلا تصل إليه قلوبنا وتتعامل معه!
يجب أن يكون هذا المخزون من الحب حاضراً وننعم بفيضه باستمرار ونطلب من الله عز وجل أن يخرج حب الدنيا من قلوبنا ويملأ قلوبنا حبه وحب الأطهرين محمد صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
اللهم وفقنا لرضاك وارزقنا حبك برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العـالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
[i] الإمام السجاد عليه السلام، مناجاة المحبين، المناجاة الخمسة عشر. البحار91/148 ( ليوم السبت).