هذا الفارق أيها العزيز بين ما يكون أمر المجاهد عليه عند الناس وبين ما يكون أمر المجاهد عليه عند الله عز وجل، ينبغي أن يشغل بالك باستمرار، فتتوجه إلى الله سبحانه وتعالى: إلهي ظلل على ذنوبي غمام رحمتك، وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك. حاشا أن يستخفك مدح الناس أيها الحبيب، فيودي بك في مهاوي العجب، أو الغرور، أو الرياء لاسمح الله تعالى، فإن أحسست بطائف مسّ، فليكن ورد القلب: تراني، وتعلم ما في نفسي وتخبر حاجتي وتعرف ضميري، ولا يخفى عليك أمر منقلبي ومثواي " .. فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد".
السلام عليكم أيها الأعزاء المجاهدون ورحمة الله وبركاته.
من المهم أن يلتفت كلٌّ منا إلى الفارق بين تقييم الناس له وبين واقعه وحقيقة أمره، أو فقل: تقييم الله عز وجل له.
وحيث إن الحديث عن المجاهد في المواقع الجهادية والجهاد الأكبر فمن المهم أن يسأل العزيز المجاهد نفسه السؤال التالي: كيف يقيّمني الناس؟ وكيف أنا بين يدي الله عز وجل؟
أما الناس فإنهم ينظرون إلى المجاهد على أساس أنه القيمة العليا، هذا الإنسان الذي تخطى كل عقد التبرير الكوفية ووصل إلى مواقع الجهاد وها هو يطرق باب ساحة الإمام الحسين عليه السلام يريد أن يلتحق به، يحمل الناس في أذهانهم صورة قداسة للمجاهد، فإذا خاض غمار الجهاد وعاش أجواء تشظي القنابل وأزيز الرصاص،وظل صامداً رغم ذلك، فإن هذه القداسة تكبر، فإذا قام بعمل استشهادي متحدياً كل غطرسة الكفر، أضيف إلى القداسة أعظم منها، فإذا استشهد ورأى الناس صورة الشهيد تعاملوا مع هذه الصورة على أساس أنها صورة أحد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام.
هذا التقييم من الناس، كما تقدمت الإشارة سابقاً ليس بالضرورة أن ينسجم تماماً مع تقييم الله عز وجل للإنسان، هذا الفارق أيها العزيز بين ما يكون أمر المجاهد عليه عند الناس وبين ما يكون أمر المجاهد عليه عند الله عز وجل، ينبغي أن يشغل بالك باستمرار، فتتوجه إلى الله سبحانه وتعالى:
إلهي ظلل على ذنوبي غمام رحمتك، وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك.[1]
حاشا أن يستخفك مدح الناس أيها الحبيب، فيودي بك في مهاوي العجب، أو الغرور، أو الرياء لاسمح الله تعالى، فإن أحسست بطائف مسّ، فليكن ورد القلب:
تراني، وتعلم ما في نفسي وتخبر حاجتي وتعرف ضميري، ولا يخفى عليك أمر منقلبي ومثواي " .. فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد".[2]
"أللهم وأستغفرك لكل ذنب يمحق الحسنات، ويضاعف السيئات، و يعجل النقمات، ويغضبك يا رب السموات، فصل على محمد وآل محمد واغفره لي يا خير الغافرين.[3]
ينظر الناس إليك أيها العزيز علىأنك شريت نفسك ابتغاء مرضاة الله تعالى، مستبشراً ببيعك، فسل الله تعالى دائماً، أن يكون الباطن خيراً مما يتصورون، وليكن الشعار والدثار:
أللهم صل على محمد وآله، ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.[4]
وفي ماستسمع من كلام من منطقهم القرآن كجدهم المصطفى صلى الله عليه وآله، تعداد أهداف المؤمن في السير الأنفسي في الآفاق، وستجد أن استقلال الموحد الخير من فعله واستكثار الشر منه في عداد أسمى هذه الأهداف:
" أللهم صل على محمد وآله، وحلني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتقين في بسط العدل ، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة وضم أهل الفرقة، وإصلاح ذات البين وإفشاء العارفة ، وستر العائبة، ولين العريكة وخفض الجناح، وحسن السيرة، وسكون الريح وطيب المخالقة والسبق إلى الفضيلة، وإيثار التفضل، وترك التعيير، والافضال على غير المستحق، والقول بالحق وإن عز، واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي، واستكثار الشر وإن قل من قولي وفعلي، وأكمل ذلك لي بدوام الطاعة، ولزوم الجماعة، ورفض أهل البدع، ومستعمل الرأي المخترع".[5]
مسك الختام، نور محمدي، يضيء دروب الجهاد، ليبصر بعين العقل، ما ينبغي للمجاهد التزامه في باب فقه القلب:
"..وآثر له حسن النية، وتوله بالعافية وأِصْحِبْه السلامة، واعفِه من الجُبن، وألهمه الجرأة ، وارزقه الشدَّة، وأيده بالنصرة، وعلمه السِّيَرَ والسنن، وسدده في الحكم، واعزل عنه الرياء ، وخلصه من السمعة، واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك".[6]
والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الإمام السجاد عليه السلام، الصحيفة السجادية ( أبطحي،402) ( الملحقات).
[2] من المناجاة الشعبانية المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام.البحار91/97
[3] من استغفار علي عليه السلام بعد ركعتي الفجر. البحار84/333
[4] الإمام السجاد عليه السلام، الصحيفة السجادية. (أبطحي110).
[5] المصدر112.
[6] المصدر، من دعائه عليه السلام لأهل الثغور.