الصّلاةُ على محمّدٍ وآل محمّد صلّى الله عليه وآله
ضُمُّوا أصواتَكم إلى نداء عالَم الوجود
______إعداد: «شعائر»_____
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56
ما يلي، بحثٌ مختصَر حول معنى الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وآله الأطهار عليهم السلام الواردة في هذه الآية المباركة، وأقوال المفسّرين فيها، وبيان أنّ عوائدَ خيراتها تنالُ المُصلّي خاصّة. |
رُوي عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله أنّه قال: «مَنْ ذُكِرْتُ عِندَهُ فَنَسِيَ الصّلاةَ عَلَيَّ، خُطِئَ بِهِ طريقُ الجنَّة».
وعنه صلّى الله عليه وآله: «أنا عندَ الميزان يومَ القيامة، فمَن ثَقُلَت سيِّئاتُه على حسناتِه، جئتُ بالصَّلاة عليّ حتّى أُثقِّلَ بها حسناتِه».
وعن أبي عبد الله الإمام الصّادق عليه السلام: «قُلْ بعدَ الفجر: أللّهمّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد، مائة مرّة، يَقي اللهُ به وجهَك من حَرِّ جهنَّم».
تَعرَّض لمعنى «الصَّلاة» العديدُ من المفسِّرين، واللّغويِّين، وشُرّاحُ الحديث، وحاصلُ الجميع: أنّها الدُّعاءُ، والثَّناءُ، والتَّبجيلُ، والتَّعظيمُ، والرَّحمة.
فَمن حيث اللّغة، لها معنًى واحد، إلَّا أنَّ ما يطرأُ عليها من مختلف التّطبيقات، إنّما هو بِحَسَب موقع القائل. مَثل ذلك: كلمة «اِفعل»، فحينما تكون من العالي إلى الدَّاني، فإنَّها تُفيد معنى الأمر، وحينما تكون من الدَّاني إلى العالي، فإنّها تُفيد الدُّعاء والطَّلَب، وحينما تكون من الشَّخص إلى نظيرِه، فإنَّها تُفيد الرَّجاء والالتماس. وهكذا الحالُ في معنى الصَّلاة، فإنّها بمعنًى واحدٍ، إلَّا أنّ اختلاف القائل يُسبِّب التَّغيير في معناها.
فإنْ كان المصلِّي هو اللهُ تعالى، فصلاتُه على رسولِهِ صلّى الله عليه وآله هي تعظيمُه في الدُّنيا بإعلاءِ كلمتِه، وإبقاءِ شريعتِه، وفي الآخرة بتَضعيفِ مَثُوبَتِه والزَّيادةِ من رفعِ درجتِه.
وإن كانت الصَّلاة من الملائكة، فمعناها الدُّعاء له والثَّناء عليه صلّى الله عليه وآله. وإنْ كانت من المؤمنين، فمعناها الدُّعاءُ له بِرَفْعِ درجتِه وعلوِّ منزلتِه صلّى الله عليه وآله.
وفي (ثواب الأعمال) للشّيخ الصّدوق، رُوي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام عندما سُئِل: «ما معنى صلاةُ الله وصلاةُ ملائكتِه وصلاةُ المؤمن؟»، قال عليه السلام: «صلاةُ الله رحمةٌ من الله، وصلاةُ الملائكةِ تزكيةٌ منهم له، وصلاةُ المؤمنين دعاءٌ منهم له».
وهنا أمران يجبُ الالتفات إليهما:
1- إنَّ التعبير بـ «يُصَلُّون»، وهو فعلٌ مضارع يدلُّ على الاستمرار، يعني أنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون عليه صلّى الله عليه وآله دائماً وباستمرار، صلاةً دائمةً خالدة.
2- اختَلَف المفسِّرون في الفَرْقِ بين «صَلُّوا» و«سَلِّموا»، والّذي يبدو أنسبَ للأصل اللّغويّ للكلمتَين، وأوفقَ لظاهر الآية القرآنيّة، هو: أن «صلُّوا» أمرٌ بِالدّعاء بالرّحمة، أمَّا «سَلِّموا» فتَعني التَّسليمَ لأوامرِ نبيِّ الإسلام الأكرم صلّى الله عليه وآله، كما ورد في الآية: ﴿..ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء:65.
في تفسير الآية
* يقول السّيّد الطّباطبائيّ في (تفسير الميزان): «قوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56، إنَّ أصلَ الصَّلاة الانعطاف، فصلاتُه تعالى انعطافُه عليه بالرَّحمة انعطافاً مطلقاً لم يُقيَّد في الآية بشيءٍ دون شيء، وكذلك صلاةُ الملائكة عليه انعطافٌ عليه بالتَّزكية والاستغفار، وهي من المؤمنين الدُّعاء بالرَّحمة.
وفي ذكرِ صلاتِه تعالى وصلاةِ ملائكتِه عليه قبل أَمْرِ المؤمنين بالصَّلاة عليه، دلالةٌ على أنَّ في صلاةِ المؤمنين له اتِّباعاً لله سبحانَه وملائكتَه..».
* وفي (تفسير الأمثل) للشّيخ ناصر مكارم الشّيرازيّ: «إنَّ مقامَ النَّبيّ صلّى الله عليه وآله ومَنزِلَتَهُ من العظَمةِ بِمكان، بحيث أنَّ خالقَ عالَمِ الوجود، وكلّ الملائكة الموكَّلين بتدبيرِ أمر هذا العالَم، بأمرِ الله سُبحانَه، يُصلُّون عليه. وإذا كان الأمرُ كذلك، فضُمُّوا أصواتَكم إلى نداءِ عالَم الوجود هذا.
فيا أيُّها الَّذين آمنوا صَلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً. إنَّه جوهرةٌ نفيسةٌ لِعالَمِ الخِلْقة، وقد جُعِلَ بينكُم بِلُطْفِ اللهِ، فلا تَسْتَصْغِروا قَدْرَه، ولا تَنْسُوا مَقامَه ومَنزلِتَه عند الله وملائكة السَّماوات. إنَّه إنسانٌ ظَهَرَ من بينكم، لكنَّه ليس إنساناً عاديّاً، بل هو إنسانٌ يَتَلخَّصُ عالَمُ الوجودِ في وُجودِه».
الصّلاةُ على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسيلةٌ إلى الله تعالى
من الأسئلة التي قد تُطرَح: على مَنْ تعود فائدةُ الصَّلاة على محمّدٍ وآلِ محمّد؟ إلى المُصلّي -من النّاس- أم إلى النّبيِّ صلّى الله عليه وآله وآلِه الطَّاهرين؟
والجوابُ على ذلك: أنّ الفائدةَ تعودُ إلى المصلّي فحسب، لأنّ النّبيَّ والأئمّة عليهم السلام قد بَلغوا من الكمالِ والفضلِ مرتبةً لا يُمكن الزِّيادةَ عليها، ولم يَبْقَ من فضلٍ وعلوٍّ وسموٍّ وكمالٍ إلَّا وقد جَمَعوه، فَهُم خيرُ الخَلْقِ على الإطلاق، ولا يوجَد مَنْ هو أَكْمَل منهم ولا أفضل. وعليه، فَمَن كان خيرَ الخلقِ، وعِلّةَ الخلقِ، وأوّلَ الخلقِ، والواسطةَ بين المخلوقِ والخالق، ومَنْ وَصَل إلى مقام ﴿.. قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ النّجم:9 لا يَحتاجُ إلى صلاةِ مَنْ هو أقلّ منه، فصلواتُنا عليهم لا تَزيدُهم في كمالاتِهم وعلوِّ درجاتِهم، وإنّما تَنفعُنا نحن بالتَّقرُّب بها إليهم صلوات الله عليهم.
وممّا ورد عن الإمام الصَّادق عليه السلام في هذا المجال: «أللّهمّ إنَّ محمّداً كما وَصَفْتَه في كتابِكَ حيثُ قُلتَ وقولُكَ الحقُّ: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة:128، فَأَشْهَدُ أنّه كذلك، وأشهدُ أنَّك لمْ تَأمُر بالصَّلاةِ عليه إلَّا بعدَ أن صلّيْتَ عليه أنتَ وملائكتك، فأنزلْتَ في فُرقانِك الحكيم: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56، لا لِحاجةٍ به إلى صلاةِ أحدٍ من الخَلْقِ عليه بعد صلواتِك، ولا إلى تزكيةِ أحدٍ بعد تزكيِتِكَ، بل الخَلْقُ كلُّهم محتاجون إلى ذلك، لأنّك جعلتَهُ بابَك الّذي لا تَقْبَلُ إلَّا مَن أتاكَ منه، وجعلْتَ الصَّلاةَ عليه قُربةً منكَ وَوسيلةً إليكَ وزلفةً عندَك، ودلَلْتَ عليه المؤمنين، وأمَرْتَهُم بالصَّلاة عليه، ليَزدادوا بذلك كرامةً عليك..».
إجابةُ الدّعاء ببركةِ الصّلوات
رُوي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: «كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتّى يُصلّى على محمّدٍ وآلِ محمَّدٍ».
وعن الإمام الصَّادق عليه السلام أنَّه قال: «ما من دعاءٍ إلَّا وبينَه وبين السَّماء حجابٌ حتّى يُصلَّى على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ، وإذا فعلَ ذلك انخَرَقَ الحجابُ فدخلَ الدُّعاءُ، وإذا لم يفعل ذلك لم يُرفَعِ الدُّعاء».
عن سلمان الفارسيّ رضوان الله عليه، قال: «سمعتُ محمّداً صلّى الله عليه وآله يقول: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: يا عبادي، أوَليسَ مَنْ له إليكم حوائجُ كِبار لا تجودون بها إلَّا أن يتحمّل عليكم بأحبَّ الخلقِ إليكم، تقضونَها كرامةً لِشفيعهم؟ أَلا فاعلمُوا أنَّ أكرمَ الخلق عَلَيّ وأفضلَهم لَدَيَّ، محمّدٌ وأخوه عليّ، ومِن بعدِه الأئمّةُ الَّذين هم الوسائلُ إليّ، ألا فلْيَدعُني مَن هَمَّتْهُ حاجةٌ يُريدُ نفعَها، أو دَهَتْهُ داهيةٌ يُريدُ كشفَ ضَرَرِها بمحمَّدٍ وآله الطّيِّبين الطّاهرين، أَقْضِها له أحسنَ ممّا يَقضيها مَن يَستشفِعون بأعزِّ الخَلقِ عليه.
فقال له قومٌ من المُشركين والمُنافقين وهُم المستهزئون به: يا أبا عبد الله، فما لك لا تَقتَرح على الله بهم أن يَجعلَكَ أغنى أهلِ المدينة؟
فقال سلمان رضوان الله عليه: دَعَوْتُ اللهَ وسألتُه ما هو أجلُّ وأنفعُ وأفضلُ من مُلْكِ الدُّنيا بأسرِها، سألتُه بهم عليهم السلام أنْ يَهَبَ لي لساناً ذاكراً لِتحميدِه وثنائه، وقلباً شاكراً لِآلائه، وبَدَناً على الدَّواهي الدَّاهيةِ صابراً، وهو عزَّ وجلَّ قد أجابَني إلى مُلتمَسي من ذلك، وهو أفضلُ من مُلْكِ الدُّنيا بحذافيرها، وما اشتملَ عليه من خيراتها مائة ألف ألف مرّة».