مرتبةُ أهل البَيت الّتي رتّبَهم اللهُ فيها
الإمام الخمينيّ: لم يعرف حقائقَهم، غيرُهم عليهم السلام
* حيث يكونُ الحديثُ عن مقام آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله تغدو المعاني صعبةَ الإدراكِ بعيدةَ المنال.
* ما يلي، مقتطفٌ بتصرّف من كتاب (أهل البيت في فكر الإمام الخمينيّ قدّس سرّه).*
يقولُ أميرُ المؤمنين عليه السلام: «فَمَن ذا ينالُ معرفتَنا، أو بيانَ درجتِنا، أو يشهدُ كرامتَنا، أو يدركُ منزلتَنا؟ حارتِ الألبابُ والعقول، وتاهتِ الأفهامُ في ما أقول، تصاغرتِ العظماءُ، وتقاصرتِ العلماءُ، وَكَلَّتِ الشّعراءُ، وَخَرِسَتِ البُلغاءُ، وَأَلْكَنَتِ الخطباءُ، وعجزتِ الفُصحاءُ، وتواضعتِ الأرضُ والسّماءُ عن وصفِ شأنِ الأولياء... جلَّ مقامُ آلِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله عن وصفِ الواصفين، وَنَعْتِ النّاعتين، وأن يُقاسَ بهم أحدٌ من العالَمين».
ولقد عبّر الإمامُ الخمينيّ قدّس سرّه في أكثر من موضع أثناء أبحاثه العرفانيّة والأخلاقيّة عن العجز وعدم القدرة لدى أيّ إنسان للإحاطة بحقيقتِهم لمعرفة منزلتِهم عليه السلام والوقوف على أسرارهم إلّا أنفسُهم عليهم السلام.
يقول قدّس سرّه: «إنّ مقام هؤلاء الأولياء عليهم السلام أسمى وأرفع من أن تنال آمالُ أهلِ المعرفة أطرافَ كبرياء جلالِهم وجمالِهم، وأن تبلغَ خطواتُ معرفة أهل القلوب ذروةَ كمالِهم ".." إنّ لأهلِ بيتِ العصمة والطّهارة صلوات الله عليهم مقاماً روحانيّاً شامخاً، في السّير المعنويّ إلى الله، يفوق قدرةَ استيعابِ الإنسان حتّى من النّاحية العلميّة، وأسمى من عقول ذَوي العقول وأعظم من شهود أصحاب العرفان». ولم يَقف أحدٌ على حقائقِهم وأسرارِهم صلوات الله عليهم إلّا أنفسُهم عليهم السلام، معتبراً «أنّ أرقى ما يصلُ إليه الذي يصفُ نبذةً من مقام الولاية لهم هو كَوصفِ الخفّاش الشّمسَ المضيئةَ للعالَم..». (الأربعون حديثاً: ص 597-604-605)
***
ما هي المرتبة التي تحدّث عنها قدّس سرّه معرباً من خلالها عن صميم نظرتِه الإلهيّة لهم وكاشفاً النّقاب عن أمورٍ جهلَها الكثيرون من أهل الزّمان؟
بالإمكان إيجازُها على الشّكل التالي:
1- ظاهرُهم الولاية وباطنُهم النّبوّة
جاء في مقدّمة (شرحه لدعاء السَّحَر) ما هو صريحٌ في هذا المَعنى، حيث قال قدّس سرّه:
«مفتاحُ الدّائرة ومختتمُها، ومؤخّر السّلسلة ومقدّمُها، محمّدٌ صلّى الله عليه وآله المصطَفين من الله، الذين بهم فتحَ الله وبمعرفتِهم عُرِفَ الله، الأسبابِ المتّصلة بين سماء الإلهيّة وأراضي الخلقيّة، الظّاهرِ فيهم الولاية، والباطنِ فيهم النّبوّة والرّسالة، الهادين بالهداية التّكوينيّة سرّاً والتّشريعيّة جَهراً، الآيات التّامات، الأنوار الباهرات».
2- عندَهم (رُوحُ القُدُس)
أثناء حديثِه عن نورانيّتهم عليهم السلام التي يفتقرُ الإنسانُ في إدراكِها إلى نورانيّةٍ باطنيّة، ينتهي قدّس سرّه إلى شرحِ مقامِ (رُوح القُدُس) الذي هو عبارةٌ عن المكانة والقدرة والإحاطة التي لم يَصل إليها أقربُ المقرّبين من ملائكة الله تعالى كجِبرائيل عليه السلام، فيقول قدّس سرّه: «إنّ لهم مقاماً شامخاً من الرّوحانيّة يُدعي بـ (رُوح القُدُس)، من خلاله يتمتّعون بالإحاطة القيّوميّة لجميعِ الكائنات حتّى ذرّاتِها الصّغيرة جدّاً، ولا توجَد فيها الغفلةُ والنّومُ و[السّهو] والنّسيان وكافّة الحوادث والتّغيّرات والنّقائص المُلْكيّة، بل تكون من عالم الغَيب المجرّد، والجَبروت الأعظم.. إنّ تلك الرّوح المجرّدة الكاملة، أعظم من جِبرائيل ومِيكائيل عليهما السلام رغم أنّهم أعظمُ القاطنين في مقام قُرب الجَبروت».
3- شركاءُ النّبيّ صلّى الله عليه وآله في مقامِه
يقول قدّس سرّه: «يُستفاد من الأحاديث الشّريفة أنّهم صلوات الله عليهم يشاركون الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله في مقام الرّوحانيّة، وأنّ أنوارهم المطهّرة كانت تسبّحُ وتقدّسُ للذّات المتَعال قبلَ خَلْقِ العالَم».
جاء في الحديث عن المفضّل أنّه قال: «قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: كيفَ كُنتم حيثُ كُنتم في الأَظِلَّة؟ فقال: يا مفضّل، كنّا عند ربّنا، ليس عندَه أحدٌ غيرُنا في ظلّةٍ خضراء، نسبّحه ونقدّسه ونهلِّلُه ونُمجّده، وما من مَلَكٍ مقرّب ولا ذي روحٍ غيرِنا حتّى بَدا له في خَلْقِ الأشياء فخلقَ ما شاءَ من الملائكة وغيرِهم ثمّ أنهى علمَ ذلك إلينا».
ويقول قدّس سرّه: «وهم عليهم السلام من جهة الولاية متّحدون، أوّلنا محمّد، أوسطُنا محمّد، آخرُنا محمّد، كلّنا نورٌ واحد».
4- لديهم «الاسمُ الأعظَم»
يقول قدّس سرّه: «إنّ الأحاديث المنقولة في طِينةِ أبدانِهم وخَلْقِ أرواحِهم ونفوسِهم وفي ما مُنحوا من الإسم الأعظم والعلومِ الغَيبيّة الإلهيّة من علومِ الأنبياء والملائكة، وممّا هو أعظمُ ممّا لا يخطرُ على بالِ أحد».
ويؤكّدُ على ثبوت ذلك لهم عليهم السلام في موضعٍ آخَر من كلامِه أثناءَ الحديثِ عن الاسمِ الأعظَم في مقام الألوهيّة وتجلّيه ضمنَ (شرح دعاء السَّحَر)، قائلاً:
«لا يتجلّى هذا الاسم [الأعظم] بحسبِ الحقيقة تامّاً إلّا لنفسِه ولمَن ارتضى من عبادِه، وهو مظهرُه التّامّ، أي صورة الحقيقة الإنسانيّة التي هي صورةُ جميع العوالم وهي مربوبُ هذا الاسم، وليس في النّوع الإنسانيّ أحدٌ يتجلّى له هذا الاسم على ما هو عليه إلّا الحقيقة المحمّديّة صلّى الله عليه وأوليائه الذين يتّحدون معه في الرّوحانيّة، وذلك هو الغَيبُ الذي استَثنى منه مَن ارتضى من عبادِه. وفي رواية (الكافي): وَاللهِ لَمُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله ممّن ارتضَى من عبادِه».
5- مقاماتُ النّبيّ وآله عليهم السلام لا يبلغُها نبيٌّ مرسَل ولا ملَكٌ مقرّب
هناك أمران يشدّد الإمام قدّس سرّه على معرفتِهما والتّمسّك بهما حولَ رؤيتِه لأهل بيت العصمة عليهم السلام بحيث إنّ إنكارَهما يؤدّي إلى خَلَلٍ عقيديّ والانحرافِ عن الأصول أو الضّروريّات التي تؤدّي إلى الانخراط في زُمرة الضّالّين عن طريق الهداية والاستقامة والثّبات:
الأمر الأوّل: أنّه لا يَصِلُ أحدٌ إلى المَراتب المعنويّة التي هي لأئمّتنا الأبرار صلوات الله عليهم، حيثُ لا يُمكن ذلك لأيٍّ كان سواء كان نبيّاً مرسَلاً (باستثناء خاتَم الأنبياء صلّى الله عليه وآله) أو مَلَكاً مقرّباً، ويعتبر قدّس سرّه أنّ هذا الأمر من ضروريّات المَذهب.
يقول قدّس سرّه: «وإنّ من ضروريّات مذهبِنا أنّ لأئمّتنا مقاماً لا يبلغُه مَلَكٌ مقرّب ولا نَبيٌّ مُرسَل، وبموجبِ ما لدينا من الرّوايات والأحاديث فإنّ الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام كانوا قبلَ هذا العالَم أنواراً فجعلَهم بعرشِه مُحدِقين وجعلَ لهم من المنزلةِ والزُّلفى ما لا يعلمُه إلّا الله، وقد قالَ جبرائيلُ عليه السلام كما ورد في روايات المعراج: "لو دنوتُ أنملةً لاحتَرقتُ"، وقد وردَ عنهم عليهم السلام: "إنّ لنا مع الله حالات لا يَسَعُها مَلَكٌ مُقَرّب ولا نَبِيٌّ مرسَل"».
الأمر الثّاني: أنّ هذه المقامات بأجمعِها ثابتةٌ لسيّدة نساء العالَمين صلوات الله عليها. فمَن يعتقدُ خلافَ ذلك يعتبرُه الإمام قدّس سرّه خارجاً عن مذهب الحقّ. يقول قدّس سرّه: «كما أنّ هذه المقامات المعنويّة ثابتةٌ للزّهراء عليها السلام مع أنّها ليست بحاكمٍ ولا خليفةٍ ولا قاضٍ، فهذه المقاماتُ شيءٌ آخر غير وظيفة الحكومة ... ولذا عندما نقول إنّ الزّهراء عليها السلام ليست بقاضٍ ولا خليفة، فهذا لا يعني أنّها مِثلي ومثلُكم، أو أنّها لا تمتازُ عنّا معنويّاً ... إنّ فاطمة عليها السلام إنسانٌ بكلِّ ما للكلمةِ من معنى. لو كانت رجلاً لكانت مكانَ رسول الله صلّى الله عليه وآله».
وإضافةً إلى ضرورة هذه المقاماتِ لها فَهي صلوات الله عليها على وجهٍ خاصٍّ كان لها ما لم يَكن لغيرِها. فيجدرُ بنا أن نتعرّف على قراءة الإمام قدّس سرّه لمقامِها المعنويّ:
6- المقامُ المعنويّ للزّهراء عليها السلام
يقول قدّس سرّه: «إنّني أعتبرُ نفسي قاصراً عن التّحدّث حول الصّدّيقة سلام الله عليها، وأكتفي بذكرِ روايةٍ واحدةٍ وردت في (الكافي) الشّريف ومنقولة بسَنَدٍ معتبَر، وتلك الرّواية هي أنّ الصّادق عليه السلام قال: بأنّ فاطمة عليها السلام عاشَتْ بعد أبيها خمسةً وسبعين يوماً في هذه الدّنيا واشتدَّ عليها الحُزن، وكان جبرائيلُ الأمينُ يحضرُ عندَها ويعزّيها ويخبرُها بأمورٍ عن المستقبل.. أنا أعتبرُ هذه الفضيلة فوقَ جميع الفضائلِ الأخرى التي ذُكرت للزّهراء عليها السلام -رغم عَظَمة الفضائل الأخرى- وهي لم تَحصل لأيّ إنسانٍ آخر سِوى الأنبياء عليهم السلام، وليس كلّ الأنبياء، بل الطّبقة الأولى منهم وبعض الأولياء الذين كانوا بمَنزلتِهم، وبهذا التّعبير أي المراودة مع جبرائيل خلالَ خمسة وسبعين يوماً لم تحصل لحدِّ الآن لأيّ إنسانٍ آخر، وهذه من الفضائل الخاصّة بالصّدّيقة الزّهراء سلام الله عليها.. إنّ المعنويّات والتّجلّيات الملكوتيّة، الإلهيّة، الجَبروتيّة، المُلكيّة والنّاسوتيّة مجتمعةٌ كلّها في هذا الموجود». (السّيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام).
ثمّ يُوضِح الإمام من خلال رؤيته الثّاقبة النّابعة من عرفانِه الكامل واتّصاله الحقيقيّ بأهل البيت عليهم السلام، أنّ التّجلي لقدرة الله عزّ وجلّ متمثِّلٌ بهم وفي طليعتِهم الصّدّيقة الطّاهرة صلوات الله عليها، حيث يقول قدّس سرّه «إنّ ذلك البيت الصّغير الذي ضمّ فاطمة عليها السلام وأولئك الخمسة الذين تربّوا فيه والذين يمثّلون في الواقع التّجلّي لكاملِ قدرة الله تعالى قدّموا من الخدمات ما أدهشَنا وأدهشَكم، بل وأدهشَ البشر جميعاً».
7- المقام المعنويّ لأمير المؤمنين عليه السلام
كلامُه قدّس سرّه حولَ مقام الإمام عليّ عليه السلام، بيانٌ فَصل ومعنًى جامع، يقول قدّس سرّه: «عليٌّ عليه السلام هو التّجلّي العظيم لله تعالى».
«هذا العظيم يمتازُ بشخصيّةٍ ذاتِ أبعاد كثيرة، ومَظهَرٌ لاسمِ الجَمع الإلهيّ الذي يحوي جميعَ الأسماء والصّفات، فجميعُ الأسماء والصّفات الإلهيّة في ظهورِها وبروزِها في الدّنيا وفي العالم ظهرَتْ في هذه الشّخصيّة بواسطة الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، وإنّ أبعاده الخَفيّة هي أكثر من تلك الأبعاد الظّاهرة، وإنّ نفس هذه الأبعاد التي توصَّلَ إليها البشر، ويُتوصَّل إليها قد اجتمعت في رَجٌلٍ واحد، في شخصيّةٍ واحدة جهاتٌ متناقضة ومتضادّة.. يمتلكُ جميعَ الأوصاف وجميعَ الكمالات... لم يكن حضرةُ الأمير عليه السلام من الجهة المعنويّة شخصاً مفرداً، بل كان كلّ العالّم».
ويُظهر الإمام قدّس سرّه تأسُّفَه قائلاً: «يجبُ علينا أن نأسفَ لأنّ الأيدي الخائنة والحروب التي أشعَلوها ومُثيري الفِتن لم يسمحوا لبروزِ الشّخصيّة الفذّة لهذا الرّجل العظيم في أبعادِها المختلفة، فإذا كان الكثير من أبعادِه الظاهريّة خافياً عنّا، فكيف بالأبعاد المعنويّة التي لا ينالُ معرفةَ حقائقِها أحدٌ من العالَمين كما جاءَ في الأحاديث الشّريفة».
ويقول أيضاً في حديثٍ عن ولاية الأمير عليه السلام: «إنّه عليه السلام صاحبُ الولاية المُطْلَقة الكُليّة، والولايةُ باطنُ الخلافة... فهو عليه السلام قائمٌ على كلِّ نفسٍ بما كَسَبَت ومع كلِّ الأشياء». (مصباح الهداية: ص 142)
إنّ ما تقدّم من البيان حولَ مقام مَولى الموحّدين وزوجِه الصّديقة الطّاهرة عليها السلام كان نموذجاً للإطلالة على رؤية الإمام الخمينيّ قدّس سرّه لهم صلوات الله عليهم من جدّهم إلى خاتمِهم القائمِ المهديّ عجل الله فرجه، وإنّما كان التّخصيصُ في الحديث عنهما عليهما السلام لأنّهما الرّأسُ في سلسلة دائرة العصمة والولاية المحمّديّة العلويّة. كما يُفهم من مجموع كلامِه قدّس سرّه بل من تصريحِه ثوابتُ عديدة منها:
الولاية التّكوينيّة:
يقول قدّس سرّه: «إنّ للإمام عليه السلام خلافةً تكوينيّةً تخضعُ لولايتِها وسيطرتِها جميعُ ذرّاتِ هذا الكون». (الحكومة الإسلامية: ص 52)
عِلمُ الكتاب:
يشيرُ إلى ذلك في حديثِه عن نزول الكتاب التّكوينيّ قائلاً: «إنّ هذا الكتاب التّكوينيّ الإلهيّ وأولياءه الذين كلّهم كُتُبٌ سمائيّة نازلون من لَدُن حكيمٍ عليم وحاملون للقرآنِ التّدوينيّ، لم يكن أحدٌ حاملاً بظاهرِه وباطنِه إلّا هؤلاء الأولياء المرضيّون كما وردَ من طريقِهم عليهم السلام عن أبي عبد الله عليه السلام: "وعندَنا واللهِ علمُ الكتابِ كلِّه"». (شرح دعاء السَّحَر: ص 71)
------------
* إعداد «مركز نون للتّأليف»، ونشر «جمعيّة المعارف الإسلاميّة»، ط 2، 1427 للهجرة، نيسان 2006 م.
الأئمّة همُ الأسماءُ الحُسنى
المرجع الدّينيّ الكبير الرّاحل، السّيّد الخوئيّ قدّس سرّه
ابتدأَ اللهُ كتابَه التّدوينيّ بذكرِ اسمِه، كما ابتدأَ في كتابِه التّكوينيّ باسمِه الأتمّ، فخلقَ الحقيقةَ المحمّدِيّةَ ونورَ النّبيّ الأكرم قبلَ سائر المخلوقين، وإيضاحُ هذا المَعنى: أنّ الإسمَ هو ما دلَّ على الذّات، وبهذا الاعتبار تنقسمُ الأسماءُ الإلهيّةُ إلى قسمَين: تكوينيّة، وجَعليّة. فالأسماءُ الجَعليّة هي الألفاظُ التي وُضِعت للدّلالة على الذّات المقدّسة، أو على صفةٍ من صفاتِها الجَماليّة والجَلاليّة، والأسماءُ التّكوينيّة هي المُمكناتُ الدّالةُ بوجودِها على وجودِ خالقِها وعلى توحيدِه: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ الطور:35، ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُُ لَفَسَدَتَا..﴾ الأنبياء:22.
فَفي كلّ شيءٍ دلالةٌ على وجود خالقِه وتوحيدِه، وكما تختلفُ الأسماءُ الإلهيّةُ اللّفظيّة من حيث دلالتِها، فيدلّ بعضُها على نفس الذّات بما لها من صفاتِ الكمال، ويدلُّ بعضُها على جهةٍ خاصّةٍ من كمالاتِها على اختلافٍ في العَظَمة والرّفعة، فكذلك تختلفُ الأسماءُ التّكوينيّةُ من هذه الجهة، وإن اشتركَ جميعُها في الكشفِ عن الوجود والتّوحيد، وعن العلمِ والقدرةِ وعن سائر الصِّفاتِ الكماليّة. ومنشأُ اختلافِها: أنّ الموجود إذا كان أتمَّ كانت دلالتُه أقوى، ومن هنا صحَّ إطلاقُ الأسماءِ الحُسنى على الأئمّة الهداة، كما في بعض الرّوايات. فالواجبُ جلّ وعلا قد ابتدأ في أكملِ كتابٍ من كُتُبِه التّدوينيّةِ بأشرفِ الألفاظِ وأقربِها إلى اسمِه الأعظم من ناظرِ العَين إلى بياضِها، كما بدأ في كتابِه التّكوينيَ باسمِه الأعظمِ في عالَم الوجودِ العَينيّ، وفي ذلك تعليمُ البَشر بأن يبتَدؤوا في أقوالِهم وأفعالِهم باسمِه تعالى. (السّيّد الخوئي، البيان في تفسير القرآن: ص 433 – 434)
سلطانُ الدّنيا والآخرة، وأكثرُ الخَلْقِ تَواضُعاً
النّبيُّ الكريمُ صلّى الله عليه وآله الذي كان علمُه من الوَحي الإلهيّ، وكانت روحُه من العَظَمة بحيث إنّها بمفردِها غلبتْ نفسيّاتِ كلّ البشر، إنّ هذا النّبيّ قد وضعَ جميعَ العادات الجاهليّة والأديان تحتَ قدَميه، ونَسَخَ جميعَ الكُتُب، واختتمَ دائرةَ النّبوّة بشخصِه الكريم، وكان هو سلطانَ الدّنيا والآخرة والمتصرِّفَ في جميع العوالِم بإذن الله تعالى، ومع ذلك كان تواضعُه مع عبادِ الله أكثر من أيّ شخصٍ آخر. كان يكرهُ أن يقومَ له أصحابُه احتراماً، وإذا دخلَ مجلساً لم يتصدَّرِ المجلس، ويتناولُ الطّعامَ جالساً على الأرض، قائلاً أنا عبدٌ آكُلُ كما يأكلُ العَبد، وأجلسُ كما يجلس. (الأربعون حديثاً: ص 109)
***