أيُّها العزيز

أيُّها العزيز

منذ 3 أيام

المَحجوبون والواصلون


المَحجوبون والواصلون

 

فائدةٌ عرفانيّة: اِعلم أيُّها العبدُ السَّالكُ أنَّ حصرَ العبادة والاستعانة بالحقَّ أيضاً ليس من مقامات الموحّدين والمدارج الكماليّة للسَّالكين، لأنَّ فيه دعوًى تُنافِي التَّوحيد والتَّجريد، بل رؤيةُ العبادة والعابِد والمَعبود والمُستعين والمُستعان به والاستعانة، كلُّها منافية للتّوحيد. وفي التّوحيد الحقيقيّ الّذي يَتَجلّى لقلبِ السّالك، تُستَهلك كلُّ هذه الكَثرات وتضمحلُّ رؤيةُ كلّ هذه الأمور. نعم، الّذين انتبَهوا من الجَذبة الغَيبيّة وحَصل لهم مقامُ الصّحو، فليست الكثرةُ حجاباً لهم، وذلك لأنَّ النّاس على طوائف.

فطائفةٌ هم المحجوبون، أمثالنا المساكين، المستَغرِقون في الحُجُب الظُّلمانيّة للطّبيعة. وطائفةٌ هم السّالكون المسافرون إلى الله والمهاجرون إلى حضرة القدس. وطائفةٌ هم الواصلون قد خَرجوا عن حُجُب الكَثرة واشتَغلوا بالحقّ، وهم عن الخلق مَحجوبون وغافلون، وقد حصل لهم الصَّعقُ الكلّيّ والمَحْو المُطلَق. وطائفةٌ هم الرّاجعون إلى الخَلْق الّذين لهم منصب المكمّليّة والهادويّة كالأنبياء العِظام والأوصياء لهم، عليهم السّلام، وهذه الطّائفة مع وقوعِهم في الكثرة واشتغالِهم بإرشاد الخَلق لا تكون الكثرةُ حِجاباً لهم، ولهم مقامُ البرزخيّة.

فبناءً على هذا، يَفرق [قول] ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على حسب حالات هؤلاء الطّوائف، فمِن أمثالِنا المحجوبين فهو ادّعاءٌ صرفٌ وصورةٌ مَحْضةٌ، فإنْ تنبَّهنا لِحجابنا ووَجَدنا نُقصانَنا، فبمقدار ما اطّلعنا على نقصانِنا تنوّر عبادتنا وتَقَعُ مورِداً لعنايةِ الحقِّ تعالى. وأمّا مِن السّالكين، فيقع هذا القول بمقدار سلوكِهم قريباً من الحقّ، ومن الواصلين فهو بالنّسبة إلى رؤيتِهم الحقّ حقيقة، وبالنّسبة إلى رؤية الكثرة صورةٌ صِرفةٌ وجَرْيٌ على العادة، ومن الكاملين حقيقةٌ صرْفة، فليس لهم حجابٌ حقّيّ ولا حجابٌ خَلقيّ.

***

إيقاظٌ إيمانيٌّ: اِعلم أيُّها العزيز أنّنا ما دمنا في هذه الحُجب الغليظة لعالم الطّبيعة، ونصرف الوقتَ في تعمير الدُّنيا ولذائذها غافلين عن الحقِّ تعالى وذِكره، والتّفكّر فيه، فجميعُ عباداتنا وأذكارنا وقراءاتنا عاريةٌ عن الحقيقة؛ فلا في ﴿الْحَمْدُ للهِ..﴾ نتمكَّنُ من حَصر المحامِد للحقّ، ولا في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ نسلك طريقاً من الحقيقة، بل نحن مع هذه الدّعاوى الفارغة مخزيُّون وناكِسُو الرّؤوس في محضر الحقّ تعالى والملائكة المقرَّبين والأنبياء المُرسَلين والأولياء المعصومين. فإنّ مَن كان لسانُ حالِه ومقالِه مشحوناً بمدحِ أهل الدُّنيا كيف يقول ﴿الْحَمْدُ للهِ..﴾؟ وإنَّ مَن كانت وجهةُ قلبِه إلى الطّبيعة ولم يشمَّ رائحةَ الأُلوهيّة، وكان اعتمادُه واتّكالُه على الخَلق، فبأيّ لسانٍ يقول ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾؟ فإذا كُنْتَ من رجال هذا الميدان فشَمِّر ذيلَ الهمّة وأوْصِل إلى قلبك هذه الحقائق واللّطائف ".." -أوائل الأمر- بشدّة التّذكُّر والتّفكُّر في عَظَمةِ الحقّ، وفي ذِلّة المخلوق وعَجزِه وفقرِه. أحْيِ قلبَك بذكرِ الحقّ تعالى كي تَصلَ رائحةٌ من التّوحيد إلى شامَّة قلبِك وتجد طريقاً إلى صلاة أهل المعرفة بالإمداد الغَيبيّ، وان لم تكُن من رجالِ هذا الميدان فلا أقلّ من أن تجعلَ نقصَك نصبَ عينَيك. وتَوَجَّه إلى ذِلّتك وعجزِكَ، وقُمْ بالأمر بالخجلة والاستحياء، واحذَرْ مِن دعوى العبوديّة، واقرأ هذه الآيات الشّريفة [آيات سورة الحمد] -الّتي لستَ مُتحقِّقا بلطائفها- إمّا بلسان الكُمَّل، وإمّا أن يكون في نيّتك قراءةُ صورة القرآن صرفاً، حتّى لا تدّعي باطلاً ولا يكون ادّعاؤك كاذِباً على الأقلّ.

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ 3 أيام

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

  إصدارات عربيّة

إصدارات عربيّة

نفحات