الموقع ما يزال قيد التجربة
آدابُ سَفَر الحجّ
اقرأ في الملف
استهلال ....................... الشّيخ الصَّدوق (مَن لا يحضره الفقيه)
آدابُ السَّفَر، ومختصّات الحجّ ........... الفقيه السّيّد اليزديّ (صاحب العروة)
آدابُ المَناسك ........... الفقيه النّراقي (صاحب جامع السّعادات)
﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..﴾ ........... العلّامة الطباطبائي (صاحب الميزان)
تأمُّلات عمليّة في السَّفَرَين .... الفقيه الشّيخ محمّد البهاري الهمداني
في معنى التّلبية ........... الفقيه العلَم الشّهيد الثّاني
استهلال
عنه صلَّى الله عليه وآله:
إذا تَوَجّهْتَ إلى سبيلِ الحجّ ثُمَّ رَكِبْتَ راحِلتَك وقلتَ:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ومَضَتْ بك راحِلتُك، لم تَضَعْ راحِلتُك خُفّاً وتَرْفَعْ خُفّاً إلَّا كَتَبَ اللهُ لك حسنةً، ومَحا عنك سيِّئةً.
فإذا أحْرَمْتَ ولبّيتَ كتبَ اللهُ لكَ بكلّ تلبية عَشْرَ حَسناتٍ، ومحا عنكَ عَشْرَ سيّئاتٍ.
فإذا طُفْتَ بالبيت أُسبوعاً كان لكَ بذلك عندَ الله عَهْدٌ وذِكْرٌ يَسْتَحْيي أنْ يُعذّبَك بعدَه.
فإذا صَلَّيْتَ عندَ المَقام رَكعتَينِ كَتَبَ اللهُ لك بهما ألفَي ركعةٍ مقبولةٍ.
فإذا سَعَيْتَ بينَ الصّفا والمَروة سبعةَ أشواطٍ، كان لك بذلك عند الله عزّ وجَلّ مثلُ أجرِ مَنْ حجّ ماشياً من بلاده، ومثلُ أجرِ مَنْ أعْتَقَ سبعينَ رقبةً مؤمنةً.
فإذا وَقَفْتَ بعَرفاتٍ إلى غروب الشّمس فلو كان عليك مِن الذنوب مثلُ رَمْلِ عالِج وزَبَدِ البحر لَغَفَرها لك.
فإذا رَمَيْتَ الجِمارَ كَتَبَ اللهُ لكَ بكلّ حَصاةٍ عَشْرَ حسناتٍ.
فإذا ذَبَحْتَ هَدْيَكَ كَتَبَ اللهُ لك بكلّ قطرةٍ مِن دَمها حَسَنةً.
فإذا طُفْتَ بالبيتِ للزّيارة أُسبوعاً وصَلَّيْتَ عندَ المقام ركعتَينِ ضَرَبَ مَلَكٌ كريمٌ بينَ كَتِفَيْك، وقال: «أمَّا ما مضى فقد غَفَرَ اللهُ لك، فَاستَأْنِف العملَ فيما بينك وبين عشرين ومائة يوم».
(الشّيخ الصَّدوق، مَن لا يحضره الفقيه)
آدابُ السّفر ومستحبّاته
مختصّات سَفَر الحجّ
ـــــ الفقيه السّيّد محمّد كاظم اليزديّ – صاحب (العروة الوثقى) ـــــ
«من أهمّ ما ينبغي رعايتُه في هذا السّفر:
1- احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النّيّة، وإخلاص السّريرة.
2- وأن لا يجعل سَفره هذا على ما عليه كثير من مُترَفي عصرنا من جعله وسيلةً للرّفعة والافتخار، ومشاهدة البلدان.
3- وأن يراعي أسراره الخفيّة ودقائقَه..».
* في (العروة الوثقى) محورِ أبحاث الفقهاء التّخصصيّة، قال المرجع الدّينيّ الكبير الرّاحل السّيّد اليزديّ قدّس سرّه:
مقدّمة في آداب السّفر ومستحبّاته -لحجٍّ أو غيره- وهي أُمور:
O أوّلُها ومن أوكدها: الاستخارة، بمعنى طلب الخير من ربّه، ومسألة تقديره له عند التّردّد في أصل السّفر أو في طريقه أو مطلقاً، والأمرُ بها للسّفر وكلّ أمر خطير أو موردٍ خَطِر مستفيض، ولا سيّما عند الحيرة والاختلاف في المشورة، وهي الدّعاء لأن يكون خيره في ما يستقبل أمره، وهذا النّوع من الاستخارة هو الأصل فيها، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التّفأّل والمشاورة بالرّقاع والحَصَى والسّبحة والبُندُقة وغيرها لضعف غالب أخبارها، وإنْ كان العمل بها للتّسامح في مثلها لا بأس به أيضاً، بخلاف هذا النّوع لورود أخبار كثيرة بها في كُتب أصحابنا، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله الأمر بها والحثّ عليها.
* وعن الباقر والصّادق عليهما السلام: «كنّا نتعلَّم الاستخارة كما نتعلَّمُ السّورةَ من القرآن».
وعن الباقر عليه السلام أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان يعمل به إذا همّ بأمر حجٍّ أو عُمرة أو بيع أو شراء أو عتق. بل في كثير من رواياتنا النّهي عن العمل بغير استخارة، وأنّه مَن دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتُلي لم يؤجر. وفي كثيرٍ منها: «ما استخار اللهَ عبدٌ مؤمن إلَّا خارَ له، وإنْ وقعَ ما يكره»، وفي بعضها: «إلَّا رماه الله بخيرة الأمرَين»، وفي بعضها: «استَخِرِ اللهَ مائة مرّة ومرّة، ثمّ انظر أحزم الأمرَين لك فافعله، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللهُ تعالى»، وفي بعضها: «ثمّ انظر أيّ شيء يقعُ في قلبك فاعمل به»، وليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه، وطلب الخير من عنده، وبناءً منه أنّ خيرَه في ما يختاره الله له من أمره.
* ويستفاد من بعض الرّوايات أن يكون قبل مشورته، ليكون بدءُ مشورته منه سبحانه، وأن يقرنَه بطلب العافية، فعن الصّادق عليه السلام: «ولْتكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خِيرَ للرّجل في قطع يده وموت ولده وذهاب ماله»، وأخصَرُ صورة فيها أن يقول: «أستخيرُ الله برحمتِه»، أو «أستخيرُ الله برحمتِه خِيَرَةً في عافية»، ثلاثاً، أو سبعاً، أو عشراً، أو خمسين، أو سبعين، أو مائة مرّة ومرّة، والكلّ مَرْويّ، وفي بعضها في الأمور العظام مائة، وفي الأمور اليسيرة بما دونه، والمأثور من أدعيته كثيرة جدّاً (..).
***
O ثانيها: اختيار الأزمنة المختارة له من الأُسبوع والشّهر، فمن الأسبوع يختار السّبت، وبعده الثّلاثاء والخميس، والكلّ مرويّ، وعن الصّادق عليه السلام: «مَن كان مسافراً فليُسافر يوم السّبت، فلو أنّ حجراً زال عن جبلٍ يوم السّبت لردّه اللهُ إلى مكانه».
* وعنهم عليهم السلام: «السّبت لنا والأحد لبني أُميّة». وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله:«أللّهمّ بارك لأُمّتي في بكورها يوم سَبْتِها وخميسِها».
ويتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها، والأحد، فقد رُوي: «أنّ له حدّاً كحدّ السّيف»، والاثنين فهو لبني أُميّة، والأربعاء فإنّه لبني العبّاس، خصوصاً آخر أربعاء من الشّهر، فإنّه يومُ نحسٍ مستمرّ، وفي رواية ترخيص السّفر يوم الاثنين مع قراءة سورة ﴿هَلْ أَتَى﴾ في أوّل ركعة من غداته، فإنّه يقيه اللهُ به من شرّ يوم الاثنين، وورد أيضاً اختيار يوم الاثنين، وحُملت على التّقيّة.
* ولْيتجنّب السّفر من الشّهر والقمر في المحاق (اللّيالي الثّلاثة الأخيرة من الشّهر)، أو في برج العقرب أو صورته (صورة برج العقرب هي حواليه، أي ينبغي إحراز الخروج من البرج وحاشيته)، فعن الصّادق عليه السلام: «مَن سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم يرَ الحُسنى» (..).
وعن الصّادق عليه السلام: «تصدّق واخرج أيّ يومٍ شئتَ». (..) ولو عارضَه في طريقه ما يتطيّر به النّاس ووجدَ في نفسه من ذلك شيئاً، [فـ] ليَقل حينئذٍ: «اعتصمتُ بك يا ربّ من شرّ ما أجدُ في نفسي فَاعْصِمني». وليَتوكَّل على الله وليَمضِ خلافاً لأهل الطّيَرة.
* ويستحبّ اختيار آخر اللّيل للسّير، ويُكره أوّله، ففي الخبر: «الأرض تُطوى من آخر اللّيل». وفي آخر: «إيّاك والسّير في أوّل اللّيل، وسِر في آخرِه».
***
O ثالثها، وهو أهمّها: التّصدّق بشيءٍ عند افتتاح سفره، ويستحبّ كونها عند وضع الرِّجل في الرّكاب، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطيّر بها من الأيّام والأحوال، ففي المستفيضة رفعُ نحوستها بها، وليشتريَ السّلامة من الله بما يتيسّر له، ويستحبّ أن يقول عند التّصدّق: «أللّهمّ إنّي اشتريتُ بهذه الصّدقة سلامتي وسلامةَ سفري، أللّهمّ احفظني واحفظْ ما معي، وسلِّمني وسلِّم ما معي، وبلِّغني وبلِّغ ما معي ببلاغك الحَسن الجميل».
***
O رابعها: الوصيّة عند الخروج، لا سيّما بالحقوق الواجبة.
***
O خامسها: توديع العيال، بأن يجعلهم وديعةً عند ربّه ويجعله خليفةً عليهم، وذلك بعد ركعتَين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج، ويقول: «أللّهمّ إنّي أستودعُك نفسي وأهلي ومالي وذرّيّتي ودنياي وآخرتي وأمانَتي وخاتمةَ عملي». فعن الصّادق عليه السلام: «ما استخلفَ رجلٌ على أهله بخلافةٍ أفضلَ منها، ولم يدعُ بذلك الدّعاء إلَّا أعطاه عزّ وجلّ ما سأل».
***
O سادسها: إعلام إخوانه بسفره، فعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «حقٌّ على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانَه، وحقٌّ على إخوانه إذا قَدِم أن يأتوه».
***
O سابعها: العمل بالمأثورات من قراءة السّور والآيات والأدعية عند باب داره، وذِكر الله والتّسمية والتّحميد وشُكره عند الرّكوب، والاستواء على الظّهر، والإشراف والنّزول، وكلّ انتقال وتبدّل حال، فعن الصّادق عليه السلام: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله في سَفره إذا هبط سبّحَ، وإذا صعد كبّرَ». وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن ركب وسمّى رَدِفَه ملَكٌ يحفظُه، ومَن ركب ولم يسمّ رَدِفَه شيطانٌ يُمنّيه حتّى ينزل».
* ومنها: قراءة «القدر» للسّلامة حين يسافر، أو يخرج من منزله، أو يركب دابّته، و«آية الكرسيّ» و «السّخرة» و«المعوّذتين» و«التّوحيد» و«الفاتحة» والتّسمية وذِكر الله في كلّ حال من الأحوال.
(آية السُّخرة) ثلاث آيات من سورة الأعراف، وهي:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف:54-56.
«شعائر»
* ومنها: ما عن أبي الحسن (الكاظم عليه السّلام) أنّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له، ويقرأ «الحمد» و«المعوّذتين» و«التّوحيد» و«آية الكرسيّ» أمامه، وعن يمينه وعن شماله، ويقول: «أللّهمّ احفَظني واحفَظ ما معي، وبلِّغني وبلِّغ ما معي ببلاغك الحَسن الجميل» يُحفَظ ويبلّغ ويسلم هو وما معه.
* ومنها (أي: ممّا يقرأه في بداية السّفر): ما عن الرّضا عليه السلام: «إذا خرجتَ من منزلك في سَفر أو حَضَر فقل: (بسمِ الله وبالله، توكَّلتُ على الله، ما شاءَ الله لا حولَ ولا قوّةَ إلَّا بالله)، تضرب به الملائكةُ وجوهَ الشّياطين، وتقول [الملائكة]: ما سبيلُكم عليه وقد سمّى الله وآمنَ به وتوكَّلَ عليه».
* ومنها: كان الصّادق عليه السلام إذا وضع رِجلَه في الرّكاب يقول: ﴿..سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ الزّخرف:13، ويسبّح الله سبعاً، ويحمد الله سبعاً، ويهلَّل الله سبعاً.
وعن زين العابدين عليه السلام: «أنّه لو حجّ رَجلٌ ماشياً وقرأ (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ما وجد ألمَ المشي». وقال: «ما قرأ أحدٌ (إنّا أنزلناه) حين يركب دابّتَه إلَّا نزل منها سالماً مغفوراً له، ولَقارئُها أثقلُ على الدّوابّ من الحديد».
وعن أبي جعفر عليه السلام: «لو كان شيءٌ يسبق القدَر لقلت: قارئ (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع». والمتكفّل لبقيّة المأثور منها على كثرتها الكُتب المعدّة لها.
* وفي وصيّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «يا عليّ، إذا أردتَ مدينةً أو قريةً فقل حين تعاينُها: أللّهمّ إنّي أسألكَ خيرَها، وأعوذُ بكَ من شرّها، أللّهمّ حبّبنا إلى أهلها، وحبّب صالحي أهلها إلينا». وعنه صلّى الله عليه وآله: «يا عليّ، إذا نزلتَ منزلاً فقُل: (أللّهمّ أنزِلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، تُرزق خيرَه ويدفَع عنك شرُّه».
وينبغي له زيادة الاعتماد والانقطاع إلى الله سبحانه، وقراءة ما يتعلَّق بالحفظ من الآيات والدّعوات وقراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى: ﴿..كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ الشعراء:62، وقوله تعالى: ﴿..إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا..﴾ التوبة:40، ودعاء التّوجّه، وكلمات الفَرَج ونحو ذلك.
وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، يسبّح تسبيح الزّهراء عليها السّلام ويقرأ آية الكرسيّ عندما يأخذ مضجعَه في السّفر، يكون محفوظاً من كلّ شيء حتّى يصبح.
***
O ثامنها: التّحنّك بإدارة طرف العمامة تحت حَنَكِه، ( كان كلّ عربيّ ومسلم يلبس العمامة وهي عبارة عن قماش يدوّر على الرّأس) ففي المستفيضة عن الصّادق والكاظم عليهما السلام الضّمان لمَن خرجَ من بيتِه معتمّاً تحت حَنَكِه أن يرجعَ إليه سالماً، وأن لا يصيبَه السّرق ولا الغَرق ولا الحَرَق.
***
O تاسعها: استصحاب عصاً من اللّوز المُرّ، فعنه صلّى الله عليه وآله: «مَن أراد أن تُطوى له الأرض فليتّخذ النَّقدَ من العصا»، والنّقد: عصا لوز مرّ، وفيه نفيٌ للفَقر، وأمانٌ من الوحشة والضّواري، وذوات الحَمَة، (أنظر: باب استحباب حمْل العصا من لوز مرّ في السّفر، وما يستحبّ قراءته حينئذٍ. الحرّ العامليّ - وسائل الشّيعة: ج 11/ ص 377). (الحَمَة بتخفيف الميم: السّمّ، أو وسيلة اللّدغ به).
* ولْيَصحب شيئاً من طين الإمام الحسين عليه السلام ليكون له شفاءً من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف، ويستصحب خاتَماً من عقيق أصفر مكتوبٌ على أحد جانبَيه: «ما شاءَ الله، لا قوّةَ إلّا بالله، أستغفرُ الله»، وعلى الجانب الآخر: «محمّد وعليّ»، وخاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبَيه: «الله الملك»، وعلى الجانب الآخر:«المُلكُ لله الواحد القهّار».
***
O عاشرها: اتّخاذ الرّفقة في السّفر، ففي المستفيضة الأمر بها، والنّهي الأكيد عن الوحدة. ففي وصيّة النّبي صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السلام: «لا تخرج في سفرٍ وحدَك. فإنّ الشّيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» (..) ومن اضطرّ إلى السّفر وحده فليَقل:«ما شاءَ اللهُ لا حولَ ولا قوّة إلّا بالله، أللّهمّ آمِن وحشتي، وأَعِنّي على وحدتي، وأدِّ غيبَتي».
وينبغي أن يرافق مثلَه في الإنفاق، ويكرَه مصاحبته دونَه أو فوقه في ذلك، وأن يصحبَ من يتزيّن به، ولا يصحب من يكون زينةً له.
* ويستحبّ معاونة أصحابه وخدمتهم، وعدم الاختلاف معهم، وترك التّقدم على رفيقه في الطّريق.
***
O الحادي عشر: استصحاب السّفرة والتّنوّق فيها، وتطييب الزّاد والتّوسعة فيه، لا سيّما في سفر الحجّ.
وعن الصّادق عليه السلام: «إن من المُروّة [المروءة] في السّفر كثرةَ الزّاد وطيبَه، وبذلَه لمَن كان معك».
نعم يُكره التّنوّق في سفر زيارة الحسين عليه السلام، بل يقتصر فيه على الخبز واللّبن لمن قَرُب من مشهده، كأهل العراق، لا مطلقاً في الأظهر، فعن الصّادق عليه السلام: «بلغَني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السّفرة فيها الجِداء والأخبصة وأشباهَه، ولو زاروا قبورَ آبائهم ما حملوا معهم هذا».
وفي آخر: «تَاللهِ إنّ أحدَكم ليَذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً، وتأتونه أنتم بالسُّفَر (جمع سُفرة)، كلّا حتّى تأتوه شُعْثاً غُبراً».
***
O الثّاني عشر: حُسن التّخلُّق مع صَحبِه ورفقتِه.
فعن الباقر عليه السلام: «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاثُ خصال: خُلُقٌ يخالقُ به مَن صَحِبَه، أو حِلمٌ يملكُ به غضبَه، أو وَرَعٌ يحجزُه عن معاصي الله».
وفي (الرّوايات) المستفيضة: «المروّة [المروءة] في السّفر ببَذل الزّاد، وحُسن الخُلق والمُزاح في غير المعاصي». وفي بعضها: «قلّة الخلاف على مَن صَحِبَك، وترك الرّواية عليهم إذا أنت فارقتَهم».
وعن الصّادق عليه السلام: «ليس من المروّة [المروءة] أن يحدّث الرّجل بما يتّفق في السّفر من خيرٍ أو شرّ».
وعنه عليه السلام: «وطّن نفسك على حُسن الصّحابة لمَن صحبت في حُسن خُلقك، وكُفَّ لسانك، واكظُم غيظَك، وأقِلّ لَغْوَك، وتَفْرُشُ عفوَك، وتُسخي نفسَك».
***
O الثّالث عشر: استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السّلاح والآلات والأدوية، كما في (..) وصايا لقمان لابنِه، وليَعمل بجميع ما في تلك الوصيّة.
***
O الرّابع عشر: إقامة رُفقاء المريض لأجله ثلاثاً، فعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «إذا كنتَ في سَفَرٍ ومرض أحدُكم فأَقيموا عليه ثلاثة أيّام». وعن الصّادق عليه السلام: «حقّ المسافر أن يقيم عليه أصحابُه إذا مرض ثلاثاً».
***
O الخامس عشر: رعاية حقوق دابّته. (من فوائد ذلك في كلّ عصر التّنبّه إلى حُسن استعمال وسيلة النّقل، إضافة إلى الدّرس الأعظم وهو: إن كان للتّعامل مع الدّابة أو الجماد حقوقٌ وآداب، فكيف هي عَظَمة حقوق رفقاء السّفر وسائر النّاس). فعن الصّادق عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: للدّابة على صاحبها خصال: يبدأ بعلَفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضرب وجهَها، فإنّها تُسبّح بحَمد ربّها، ولا يقف على ظهرِها إلّا في سبيل الله، ولا يحمِّلها فوقَ طاقتِها، ولا يكلّفها من المَشي إلّا ما تُطيق».
ويكره التّعرّس (النّزول للاستراحة) على ظهر الطّريق (جعل الطّريق محطّة)، والنّزول في بطون الأودية، والإسراع في السّير، وجعل المنزلَين منزلاً إلّا في أرض جدبة، وأن يطرقَ أهله (يرجع إليهم) ليلاً حتّى يعلمَهم، ويستحبّ إسراع عَوده إليهم، وأن يستصحب هديّةً لهم إذا رجع إليهم.
وعن الصّادق عليه السلام: «إذا سافر أحدُكم فَقَدِمَ من سفرِه فليَأتِ أهلَه بما تيسّر، ولو بحَجَر..».
(الحر العاملي، وسائل الشّيعة: ج11/459).
ولْيُنادِ إذا ضلّ في طريق البرّ: «يا صالح، يا أبا صالح، اَرشِدونا رحمَكم الله».
وفي طريق البحر: «يا حمزة»، وإذا باتَ في أرض قَفر فليَقل: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الأعراف:54.
***
هذه جملةُ ما على المسافر، وأمّا أهله ورفقتُه فيستحبّ لهم:
1- تشييعُ المسافر وتوديعُه وإعانتُه والدّعاءُ له بالسّهولة والسّلامة، وقضاء المآرب عند وداعِه.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن أعان مؤمناً مسافراً فرّجَ الله عنه ثلاثاً وسبعين كُربة، وأجاره في الدّنيا والآخرة من الغمّ والهمّ، ونفّسَ كربَه العظيم يوم يغصّ النّاس بأنفاسهم».
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ودّع المؤمنين قال: «زوَّدكم اللهُ التّقوى، ووجَّهكم إلى كلّ خير، وقَضى لكم كلَّ حاجة وسَلَّمَ لكم دينَكم ودنياكم، وردّكم سالمينَ إلى سالمين».
وفي آخر: «كان إذا ودّعَ مسافراً أخذَ بيده ثمّ قال: أحسنَ لك الصّحابة، وأكملَ لك المعونة، وسهّل لك الحُزونة، وقرّبَ لك البعيد، وكفاكَ المهمّ، وحفظَ لك دينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملك، ووجَّهَكَ لكلّ خير. عليك بتقوى الله، استَودعِ اللهَ نفسَك، سِرْ على بركة الله عزّ وجلّ».
وينبغي أن يقرأ في أُذنه: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ..﴾ القصص:85، ثم يؤذّن خلفَه وَلْيُقم (أذان، وإقامة) كما هو المشهور عملاً (لا فتْوى).
2- وينبغي رعاية حقّه في أهله وعياله وحُسن الخلافة فيهم، لا سيّما مسافر الحجّ. فعن الباقر عليه السلام: «مَن خلفَ حاجّاً (في أهله) بخير كان له كأجرِه كأنّه يستلمُ الأحجار».
(..) ويختصّ سفر الحجّ بأمور أُخَرَ.
1- منها: اختيار المَشي فيه على الرّكوب على الأرجح، بل الحفاء على الانتعال إلّا أن يضعفَه عن العبادة، أو كان لمجرّد تقليل النّفقة. وعليهما يُحمل ما يستظهر منها أفضليّة الرّكوب. ورُوي: ما تقرّب العبد إلى الله عزّ وجلّ بشيءٍ أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمَين، وإن الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة، وما عُبد الله بشيءٍ مثل الصّمت والمشي إلى بيتِه.
2- ومنها: أن تكون نَفَقة الحجّ والعمرة حلالاً طيِّباً، فعنهم عليهم السلام: «إنّا أهلُ بيتٍ حجُّ صَرورتنا (الصّرورة: الذي يحجّ أوّل مرّة) ومهور نسائنا وأكفاننا من طَهور أموالنا».
وعنهم عليهم السلام: «مَن حجّ بمالٍ حرام، نُوديَ عند التّلبية: لا لبّيكَ عبدي ولا سعدَيك».
3- ومنها: استحباب نيّة العَود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة، وكراهة نيّة عدم العود.
فعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن رجعَ من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيدَ في عمره، ومَن خرج من مكّة ولا يريدُ العودَ إليها، فقد اقتربَ أجلُه ودنا عذابُه»، وعن الصّادق عليه السلام مثله مستفيضاً.
وقال (الإمام الصّادق عليه السلام) لعيسى بن أبي منصور: «يا عيسى، إنّي أحبُّ أن يراك اللهُ فيما بين الحجّ إلى الحجّ وأنت تتهيّأ للحجّ».
4- ومنها: أن لا يخرج من الحرمَين الشّريفَين بعد ارتفاع النّهار إلّا بعد أداء الفرضَين بهما.
5- ومنها: البدءة بزيارة النّبي صلّى الله عليه وآله لمن حجّ على طريق العراق.
6- ومنها: أن لا يحجّ ولا يعتمر على الإبل الجَلّالة (التي تتغذّى بغائط الإنسان) ولكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها، ولا يسري إلى ما يُسَار عليها من البلاد البعيدة في الطّريق.
7- ومن أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السّفر، احتسابه من سفر آخرتِه بالمحافظة على تصحيح النّيّة، وإخلاص السّريرة، وأداء حقيقة القُربة، والتّجنب عن الرّياء والتّجرد عن حبّ المدح والثّناء، وأن لا يجعل سفرَه هذا على ما عليه كثيرٌ من مترَفي عصرنا من جعله وسيلةً للرّفعة والافتخار، بل وصلةً إلى التّجارة والانتشار ومشاهدة البلدان وتصفّح الأمصار، وأن يراعي أسرارَه الخفيّة ودقائقَه الجليّة.
العروة الوثقى: ج 4، ص 322 – 341.
مناسك الحجّ
الآداب، والأسرار
ـــــ الفقيه الشَيخ النّراقي، صاحب (جامع السّعادات) ـــــ
* «ولْيَتَذكّرْ عند تردّده بين الصّفا والمروة تردُّدَه بين كفّتَي الميزان في عَرَصات القيامة، وليمثّل الصّفا بكفّة الحسنات والمَروة بكفّة السّيّئات. ولْيَتَذَكّرْ تردّدَه بين الكفّتَين ناظراً إلى الرّجحان والنّقصان متردّداً بين العذاب والغفران». (الغزالي، إحياء علوم الدّين: ج 3، ص 490)
* في هذه الآفاق المعنويّة والمَرامي الملكوتيّة لمناسك الحجّ، أورد الفقيه النّراقي في (جامع السّعادات)، ما يلي:
الميقات: إذا خرج عن وطنه، ودخل إلى البادية، متوجّهاً إلى الميقات، وشاهد العقبات، فليتذكّر فيها ما بين الخروج من الدّنيا بالموت إلى الميقات يوم القيامة، وما بينَهما من الأهوال والمطالبات، وليتذكّر من هول قطّاع الطّريق هولَ منكر ونكير، ومن سباع البوادي وحيّاتها وعقاربها حيّات القبر وأفاعيه، وعقاربه وديدانَه، ومن انفراده عن أهله وأقاربه وحشةَ القبر ووحدته وكربتَه، وليَكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزوّداً لمخاوف القبر.
ما ينبغي في الميقات
إذا دخل الميقات، ولبس ثوبَي الإحرام، فليتذكّر عند لبسهما لبسَ الكفن ولفّه فيه، وأنّه سيلقى الله ملفوفاً في ثياب الكَفن لا محالة، فكما لا يلقى بيت الله إلّا بهيئةٍ وزيٍّ يخالف عادته، فكذلك لا يلقى الله بعد الموت إلّا في زيٍّ يخالف زيَّ الدّنيا، وهذا الثّوب قريبٌ من ذلك الثّوب، إذ ليس مخيطاً، كما أنّ الكفن أيضاً ليس مخيطاً.
* وإذا أحرم ولبّى، فليَعلم أنّ الإحرام والتّلبية إجابةُ نداء الله، فلْيَرْجُ أن يكون مقبولاً، ولْيَخْشَ أن يكون مردوداً، فيُقال: لا لبّيكَ ولا سعدَيك! فليَكن بين الخوف والرّجاء متردّداً، وعن حوله وقوّته متبرّئاً، وعلى فضل الله وكرمه متّكلاً، فإنّ وقت التّلبية هو بداية الأمر، وهو محلّ الخطر. وقد رُوي: «أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام لمّا أحرَم، واستوَت به راحلتُه، اصفرّ لونه وانتفَض، ووقعتْ عليه الرّعدة، ولم يستطع أن يلبّي. فقيل له: لمَ لا تلبّي؟ فقال: أخشى أن يقول ربّي: لا لبّيكَ ولا سعدَيك! فلمّا لبّى غُشِيَ عليه وسقطَ من راحلته، فلم يزلْ يعتريه ذلك حتّى قضى حجَّه».
فليَتذكّر المُلبّي عند رفع الأصوات في الميقات خائفاً راجياً، أنّه إجابةٌ لنداء الله تعالى، إذ قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا..﴾ الحج:27.
ويتذكّر من هذا النّداء، نداءَ الخلق بنَفخ الصّور، وحشرَهم من القبور وازدحامَهم في عرَصات القيامة لنداء الله، منقسمين إلى مقرّبين ومبْعَدين، ومقبولين ومردّدين في أوّل الأمر بين الخوف والرّجاء، مثل تردّد الحاجّ في الميقات، حيث لا يدرون أيتيسّر لهم إتمامُ الحجّ وقبوله أم لا.
ما ينبغي عند دخول مكّة
ينبغي أن يتذكّر عند دخوله مكّة: إنّه قد انتهى إلى حَرَمٍ مَن دخلَه كان آمناً، ولْيَرجُ عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله، ولْيَضطربْ قلبه من ألّا يكون أهلاً للقُرب والقبول فيكون بدخول الحرم خائباً مستحقّاً للمَقت، وَلْيَكُن رجاؤه في جميع الأوقات غالباً، إذ شرفُ البيت عظيم، وربُّ البيت كريم، والرّحمةُ واسعة، والفيوضاتُ نازلة، وحقُّ الزّائر منظور، واللّائذُ المستجيرُ غير مردود.
* وإذا وقع البصر على البيت، فليُحضر في قلبه عظَمته، ويقدّر كأنّه مشاهد لربّ البيت لشدّة تعظيمه، ولْيَرجُ أن يرزقه لقاءَه كما رزقَه لقاءَ بيته، وليَشكر الله على تبليغه إيّاه إلى بيته، وإلحاقه إيّاه بزُمرة الوافدين إليه، ويتذكّر عند ذلك إيصال الخلائق إلى جهة الجنّة آمنين لدخولها كافّة، ثمّ انقسامهم إلى مأذونين في الدّخول ومصروفين عنها، انقسام الحاجّ إلى مقبولين ومردودين.
ما ينبغي عند الطّواف
وينبغي عند الطّواف أن يمتلئ قلبُه من التّعظيم والمحبّة والخوف والرّجاء ويعلم أنّه في الطّواف متشبّهٌ بالملائكة المقرّبين الطّائفين حول العرش، وَلْيَعلم أنّ المقصود طواف قلبه بذكر ربّ البيت، دون مجرّد طواف جسمه بالبيت، فَلْيَبتدأ الذِّكر به ويختم به، كما يبتدأ الطّواف من البيت ويختم بالبيت، فروح الطّواف وحقيقتُه هو طواف القلب بحضرة الرّبوبيّة، والبيت مثالٌ ظاهرٌ في عالم الشّهادة لتلك الحضرة التي لا تشاهَد بالبصر، وهي عالَم الغيب، وعالَم المُلك والشّهادة مَدْرَجَةٌ إلى عالَم الغيب والمَلكوت لمن فُتح له الباب.
* وما ورد من «البيت المعمور» في السّماوات بإزاء الكعبة، وأنّ طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البيت، ربّما كان إشارةً إلى ما ذكرناه من المماثلة، ولمّا قصُرت رتبة الأكثرين عن مثل ذلك الطّواف، أُمروا بالتّشبّه بهم بقدر الإمكان، ووُعدوا بأنّ مَن تشبّه بقومٍ فهو منهم.
ما ينبغي عند استلام الحجر
ينبغي أن يتذكّر عند استلام الحجر الأسود، أنّه بمنزلة يمين الله في أرضه، وفيه مواثيقُ العباد. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «استلموا الرُّكن، فإنّه يمينُ الله في خلقه، يصافحُ بها خلقَه مصافحةَ العبد أو الدّخيل، ويشهدُ لمَن استلمَه بالموافاة»، ومرادُه صلّى الله عليه وآله بالرّكن: الحجر الأسود لأنّه موضوعٌ فيه، وإنّما شبّه باليمين لأنّه واسطةٌ بين الله وبين عباده في النّيل والوصول والتّحبّب والرّضا، كاليَمين حين التّصافح.
وقال الصّادق عليه السلام: «إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أخذَ مواثيقَ العباد، أمرَ الحجرَ فالتقمَها، فلذلك يُقال: أمانتي أدّيتُها، وميثاقي تعاهدتُه، لتشهدَ لي بالموافاة».
وقال عليه السلام: «الرّكنُ اليماني بابٌ من أبواب الجنّة، لم يُغلقه اللهُ منذ فتحَه».
وقال عليه السلام: «الرّكنُ اليمانيّ بابُنا الذي يُدخَل منه الجنّة، وفيه نهرٌ من الجنّة تُلقى فيه أعمالُ العباد».
قيل: إنّما شُبِّه بباب الجنّة لأنّ استلامه وسيلةٌ إلى وصولها. وبالنّهر، لأنّه تغسَل به الذّنوب.
* ثمّ لْتَكن النّيّة في الاستلام والالتصاق بالمستجار، بل المماسّة لكلّ جزءٍ من البيت، طلب القرب حبّاً وشوقاً للبيت ولربّ البيت، وتمسّكاً وتبرّكاً بالمماسّة، ورجاءً للتّحصّن عن النّار في كلّ جزءٍ [من بدنك] لاقى البيت.
* ولْتَكن نيّته في التّعلّق بأستار البيت الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمقصِّر المتعلّق بثيابِ مَن قصَّر في حقّه، المتضرّع إليه في عفوه عنه، المظهر له أنّه لا ملجأَ منه إلّا إليه، ولا مفزعَ إلّا عفوه وكرمُه، وأنّه لا يفارق ذيلَه حتّى يعفو عنه، ويعطيه الأمان في المستقبل.
السّعي
السّعي بين الصّفا والمروة في فِناء البيت يضاهي تردّد العبد بفناء دار الملك جائياً وذاهباً مرّة بعد أخرى، إظهاراً للخلوص في الخدمة، ورجاءً للملاحظة بعين الرّحمة، كالذي دخل على الملك وخرج، وهو لا يدري ما الذي يقضي به الملك في حقّه من قبولٍ أو ردّ، فلا يزال يتردّد على فناء الدّار مرّةً بعد أخرى، ويرجو أن يرحمَه في الثّانية إنْ لم يرحمه في الأولى، وَلْيَتذكّر عند تردّده التّردد بين الكفّتَين، ناظراً إلى الرّجحان والنّقصان، مردّداً بين العذاب والغفران.
ما ينبغي عند الوقوف بعرفات
وأمّا الوقوف بعرفات، فَلْيَتذكّر بما يرى من ازدحام الخَلق، وارتفاع الأصوات، واختلاف اللّغات، واتّباع الفرق أئمّتَهم في التّردّد على المشاعر، عَرَصاتِ يوم القيامة وأهوالَها، وانتشارَ الخلائق فيها حَيارى، واجتماعَ الأمم مع الأنبياء والأئمّة، واقتفاء كلّ أمّة نبيّهم، وطمعَهم في شفاعته لهم، وتحيّرهم في ذلك الصّعيد الواحد بين الرّدّ والقبول.
وإذا تذكّر ذلك، فليَتضرّعْ إلى الله تعالى ويَبتهلْ إليه، ليقبلَ حجَّه ويحشره في زمرة الفائزين المرحومين، وينبغي أن يحقّق رجاءَه إذ اليوم شريفٌ والموقف عظيم، والنّفوس من أقطار الأرض فيه مجتمعة، والقلوب إلى الله سبحانه منقطعة، والهمم على الدّعاء والسّؤال متظاهرة، وبواطن العباد على التّضرع والابتهال متعاونة، وأيديهم إلى حضرة الرّبوبيّة مرتفعة، وأبصارهم إلى باب فيضِه شاخصة، وأعناقهم إلى عظيم لطفه وبرّه ممتدّة، ولا يمكن أن يخلو الموقف عن الأخيار والصّالحين وأرباب القلوب والمتّقين، بل الظّاهر حضور طبقات الأبدال وأوتاد الأرض فيه، فلا تَستبعدنّ أن تصلَ الرّحمة من ذي الجلال بواسطة القلوب العزيزة والنّفوس القادسة الشّريفة إلى كافّة الخليقة، ولا تظنّنّ أنّه يخيّب آمالَ الجميع، ويضيّع سعيَهم، ولا يرحم غربتَهم وانقطاعَهم عن الأهل والأوطان، فإنّ بحر الرّحمة أوسع من أن يظنّ به في مثل هذه الحالة، ولذا وردَ أنّه من أعظم الذّنوب أن يحضر عرفات ويظنّ أن الله لم يغفر له.
المشعر الحرام، (ويسمّى «جَمْع» و«مُزدلفة»)
وإذا فاضَ من عرفات ودخلَ المَشعر، فليتذكّر عند دخوله فيه أنّ الله سبحانه قد أذِن له في دخول حَرَمِه بعد أن كان خارجاً عنه، إذ المشعر من جملة الحَرَم، وعرفات خارجةٌ عنه، فليَتفاءل من دخول الحَرم بعد خروجِه عنه، بأنّ الله سبحانه قرّبه إليه وكساه خِلَعَ القبول، وأجارَه وآمنَه من العذاب والبُعد، وجعلَه من أهل الجنّة والقُرب.
ما ينبغي عند الرّمي والذّبح
وإذ ورد مِنى، وتوجّهَ إلى رَمْي الجِمار، فَلْيَقصد به الانقيادَ والامتثال، إظهاراً للرّقّ والعبوديّة، وتشبُّهاً بالخليل الجليل عليه السلام، حيث عرض له إبليسُ اللّعين في هذا الموضع ليفسدَ حجّه، فأمره الله تعالى أن يرميَه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأصله. وينبغي أن يقصد أنّه يرمي الحَصا إلى وجه الشّيطان، ويقصم به ظهرَه، ويُرغم به أنفَه، إذ امتثالُ أمر الله تعالى تعظيماً له يقصمُ ظهرَ اللّعين ويُرغم به أنفَه.
* وإذا ذبح الهَدْيَ فليَستحضر أنّ الذّبح إشارةٌ إلى أنه بسبب الحجّ قد غلب على الشّيطان والنّفس الأمّارة وقتلَهما، وبذلك استحقّ الرّحمة والغفران، ولذا ورد أنّه: يعتَق بكلّ جزء من الهَدي جزءٌ منه النّار. فليَجتهد في التّوبة والرّجوع عمّا كان عليه قبل ذلك من الأعمال القبيحة، حتّى يصير حالُه أحسنَ من سابقه، ليصدقَ عليه إذلالُه الشّيطان والنّفس الأمّارة في الجملة، ولا يكون في عمله من الكاذبين. ولذلك ورد أنّ علامة قبول الحجّ: أن يصير حالُه بعد الحجّ، أحسن ممّا كان عليه قبله.
وفي الخبر: أنّ علامة قبول الحجّ تركُ ما كان عليه من المعاصي، وأن يستبدلَ بإخوانه البطّالين إخواناً صالحين، وبمجالس اللّهو والغَفلة مجالس الذّكر واليَقظة.
النّراقي، جامع السّعادات: ج 3/ ص 311
﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..﴾ الحج:28
تعزيزُ التّوحيد، وتظهير الوحدة
ـــــ العلّامة السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ قدّس سرّه ـــــ
* «.. ثمّ تتّحدُ المجتمعاتُ لتُكوِّن مجتمعاً وسيعاً له من القوّة والعُدّة ما لا تقوم له الجبالُ الرّواسي، ولا تقوى عليه أيّ قوّة جبّارة طاحنة، ولا وسيلة إلى حلّ مشكلات الحياة كالتّعاضد، ولا سبيل إلى التّعاضد كالتّفاهم، ولا تفاهم كتفاهم الدّين».
* ما تقدّم، بعض ما أكّده العلّامة الطّباطبائيّ قدّس سرّه حول المنافع التي يشهدها الحُجّاج، والتي جعلها القرآن الكريم من غايات الحجّ.
قولُه تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي
أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..﴾ الحج:28،
إلخ، اللّام للتّعليل أو الغاية، والجار والمجرور متعلّق بقوله: ﴿يأتوك﴾ [قوله
تعالى في الآية
السّابقة: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا..]
والمعنى يأتوك لشهادة منافع لهم، أو يأتوك فيَشهدوا منافع لهم.
وقد أُطلقت المنافع ولم تتقيد بالدّنيويّة أو الأُخرويّة.
والمنافعُ نوعان:
منافعُ دنيويّة، وهي التي تتقدّم بها حياة الانسان الاجتماعيّة، ويصفو بها العيش، وتُرفع بها الحوائج المتنوّعة، وتكمل بها النّواقص المختلفة من أنواع التّجارة والسّياسة والولاية والتّدبير، وأقسام الرّسوم والآداب والسُّنَن والعادات، ومختلف التّعاونات والتّعاضدات الاجتماعيّة، وغيرها.
فإذا اجتمعت أقوامٌ وأُمَمٌ من مختلف مناطق الأرض وأصقاعها -على ما لهم من اختلاف الأنساب والألوان والسُّنن والآداب- ثمّ تعارفوا بينَهم وكلمتُهم واحدة هي كلمة الحقّ، وإلهُهم واحدٌ، وهو الله عزّ اسمُه، ووجهتُهم واحدة هي الكعبة البيت الحرام، حملَهم اتّحادُ الأرواح على تقارب الأشباح، ووحدةُ القول على تشابه الفعل، فأخذ هذا من ذاك ما يرتضيه، وأعطاه ما يُرضيه، واستعان قومٌ بآخرين في حلّ مشكلتهم، وأعانوهم بما في مقدرتهم، فيتبدّل كلُّ مجتمعٍ جزئيّ [غير مكتمل خصائص الاجتماع] مجتمعاً أرقى، ثمّ تتّحد المجتمعات لتكوِّن مجتمعاً وسيعاً له من القوّة والعدّة ما لا تقومُ له الجبالُ الرّواسي، ولا تقوى عليه أيّ قوّة جبّارة طاحنة، ولا وسيلة إلى حلّ مشكلات الحياة كالتّعاضد، ولا سبيل إلى التّعاضد كالتّفاهم، ولا تفاهمَ كتَفاهم الدّين.
***
ومنافعُ أُخرويّة: وهي وجوه التّقرّب إلى الله تعالى بما يمثّل عبوديّة الإنسان من قولٍ وفعل، وعملُ الحجّ بما له من المناسك يتضمّن أنواعَ العبادات من التّوجّه إلى الله وترْك لذائذ الحياة وشواغل العيش والسّعي إليه بتحمّل المشاقّ، والطّواف حول بيته والصّلاة، والتّضحية والإنفاق والصّيام وغير ذلك.
[ثمّ] إنّ عمل الحجّ بما له من الأركان والاجزاء يمثّل دورةً كاملةً ممّا جرى على إبراهيم عليه السّلام في مساره في مراحل التّوحيد ونَفي الشّريك وإخلاص العبوديّة لله سبحانه.
فإتيانُ النّاس إبراهيمَ عليه السّلام، أي حضورهم عند البيت لزيارته، يستعقبُ شهودَهم هذه المنافع: أُخْرَوِيِّها ودُنيويِّها، وإذا شهدوها تعلّقوا بها، فالإنسان مجبولٌ على حبّ النّفع.
عملُ الحجّ بما له من الأركان والأجزاء يمثّل دورةً كاملةً ممّا جرى على إبراهيم عليه السّلام في مساره في مراحل التّوحيد ونَفي الشّريك وإخلاص العبوديّة لله سبحانه.
في (الكافي) أيضا بإسناده عن الرّبيع بن خثيم قال: «شهدتُ أبا عبد الله عليه السّلام وهو يُطاف به حول الكعبة في محمَلٍ وهو شديدُ المرض، فكان كلّما بلغَ الرُّكنَ اليمانيّ أمرَهم فوضَعوه بالأرض، فأخرجَ يدَه من كُوّة المحمل حتى يجرّها على الأرض ثمّ يقول: ارفعوني.
فلمّا فعل ذلك مراراً في كلّ شوطٍ قلتُ له: جُعِلْتُ فِداك يا ابنَ رسول الله، إنّ هذا يشقّ عليك، فقال: إنّي سمعتُ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..﴾، فقلت [الرّبيع]: منافع الدّنيا أو منافع الآخرة؟ فقال [الإمام عليه السلام]: الكلّ».
وفي (المجمع) في الآية: «وقيل: منافع الآخرة وهي العفو والمغفرة وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه السّلام».
أقول: وإثبات إحدى المنفعتَين لا يُنفي العموم، كما في الرّواية السّابقة.
وفي (العيون) في ما كتبه الإمام الرّضا عليه السّلام إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العِلل:
«وعلّة الحجّ الوفادةُ إلى الله عزّ وجلّ، وطلبُ الزّيادة، والخروجُ من كلّ ما اقترف، وليكونَ تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال وتَعَب الأبدان، وحَظْرِها عن الشّهوات واللّذّات، والتّقرّب بالعبادة إلى الله عزّ وجلّ، والخضوع والاستكانة والذّلّ شاخصاً في الحرّ والبرد، والأمن والخوف، دائباً في ذلك دائماً. وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، والرّغبة والرّهبة إلى الله تعالى، ومنه تركُ قساوة القلب وجسارة [وخساسة] النّفس، ونسيان الذِّكر وانقطاع الرّجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحَظْر النّفس عن الفساد، ومنفعة مَن في شرق الأرض وغربها، ومَن في البرّ والبحر ممّن يحجّ ومن لا يحجّ، من تاجرٍ وجالبٍ وبائعٍ ومشتَرٍ وكاسبٍ ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافعَ لهم».
أقول: وروى فيه أيضاً ما يقرب منه عن الفضل بن شاذان عنه عليه السلام.
السّيّد الطّباطبائيّ، تفسير الميزان: ج 14/ ص 369 - 378 (ملخّصاً)
الحجّ وسَفرُ الحياة الطّيّبة
تأمّلاتٌ عمليّة للسَّفَرَين
ــــــــــ الفقيه الشّيخ محمّد البهاري الهمداني قدّس سرّه ــــــــــ
* «يجب التّأمّل والتّنبّه إلى أنّ هذا السّفر سفرٌ جسمانيّ إلى الله، وأنّه سيُسافر سفراً روحانيّاً إلى الله (بالموت). إنّه لم يأتِ إلى الدنيا من أجل الطّعام والشّراب، بل خُلق للمعرفة، وتكميل النّفس».
* في سياق ما تقدّم تحدّث الشّيخ البهاري الهمداني عن أبعاد الحجّ المعنويّة، وأضاف قدّس سرّه:
في ذلك السّفر (الجسمانيّ) يحتاج الى الزّاد والرّاحلة، والرّفيق وأمير الحاجّ، والدّليل والخَدَم، وغير ذلك.وعدم توفّر أيّ من ذلك يُحدث خللاً في سَفره، وقد لا يصل إلى المقصد، بل قد يقع في التّهلكة، وفي هذا السّفر (الروحانيّ) يحتاج إلى ذلك بعينِه وإلّا فإنّه لن يستطيع أن يخطوَ خطوةً واحدة، وإذا توهَّم أنّه يُمكنه السّفر بدون هذه المقدّمات، فإنّه قد ضلّ الطّريق قطعاً وليس متوجّهاً إلى الكعبة الحقيقيّة.
أما الرّاحلة في هذا السّفر (الرّوحانيّ) إلى الله تعالى، فهي البدن، فيجب أن لا يقصّر في خدمته بنحو الاعتدال، فلا يُشبعه إلى حيث يتمرّد ويطغى ولا يُمكنه ترويضُه، ولا يجوِّعه بحيث يستولي عليه الضّعف، فيقصّر في العبادة. خيرُ الأمور أوسطُها، والإفراطُ والتّفريطُ مذمومان.
وأمّا زادُه فهو أعماله الخارجيّة، التي يعبّر عنها بالتّقوى، من فعل الواجبات وتَرْك المحرّمات والمكروهات والإتيان بالمستحبّات. وأصل معنى التّقوى «الحُمْيَة» وأدنى درجاتها الحُمية عن المحرّمات، وآخرها الحُمية عن ما سوى الله جل ّجلاله، وبينهما متوسّطات.
فحاصلُ الكلام أن ّكلّاً من ترك المحرّمات والإتيان بالواجبات بمنزلة الزّاد الذي يحتاج كلّ شخص إلى قسمٍ منه في منزلٍ من المنازل الأخرويّة بدرجات الحاجة المتفاوتة، واذا لم تكن قد حملْتَه معك ابتُليت، نستجيرُ بالله من هذه البلوى العظيمة.
وأمّا الرّفقاء في هذا السّفر (الروحانيّ) فهم المؤمنون الذين يستطيع الشّخص بهمّةِ كلٍّ منهم واتّحاد قلوبِهم أن يقطعَ هذه المنازل (مراحل الطريق) بالطّيران، وإليه يشيرُ قوله عزَّ من قائل: ]..وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى..[ المائدة:2.
**
وأمّا أميرُ الحاجّ في هذا السّفر إلى الآخرة فهم الأئمّة الطّاهرون سلام الله عليهم أجمعين الّذين يجب أن تكون ظلالُهم فوق رأسِك، وتتمسّك بحبل ولايتِهم المتين، مُلتجئاً كلَّ الالتجاء إليهم باعتبارهم آل العصمة والطّهارة، لتستطيعَ أن تخطوَ بعض الخطوات، وإلّا اختطفَك شياطينُ الجنّ والإنس في القدم الأوّل، كما هو الأمر في السّلب الذي يقوم به العربُ البَدو، وغاراتهم على الحجّاج الذين يسيرون بدون أمير كما هو واضح خصوصاً كلّما اقترب الحُجّاج من الحَرَم.
نعم إذا أوصلَ الشّخصُ نفسَه [دون توسّل] إلى الحَرَم فإنّه بمَأمنٍ من كلّ خوف: ]..وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا..[ آل عمران:97.
ولكنْ هيهاتَ أن يستطيعَ الوصول، إنّ ذلك لن يكون، واللهُ العالم.
التّلبية
لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْك..
لَبَّيْكَ لا شريكَ لكَ، لَبَّيْك
O يُعتَبر في التّلبية مقارَنَتُها للنّيّة كَتكبيرة الإحرام بالنّسبة إلى نيّة الصّلاة، وترتيبُها على الوجه المذكور، وموالاتُها، وإعرابُها.
O ومعنى لَبّيْكَ: «إجابةً بعدَ إجابةٍ لكَ يا ربّ»، أو «إخلاصاً بعدَ إخلاصٍ» أو «إقامةً على طاعتِك بعدَ إقامةٍ».
O ومعنى أللّهُمّ: «يا الله».
O ويجوز كسر «إنّ» في قوله: «إنّ الحمدَ» وفتحَها، والأوّلُ أجوَدُ.
وقد ورد في الخبر أنّ هذه التّلبية جواب للنّداء المذكور في قوله تعالى: ﴿وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ..﴾ الحج:27، حيثُ صَعِدَ إبراهيمُ عليه السّلام أبا قُبَيْسٍ ونادَى بالحجّ.
O وفي «لا شَريكَ لك» إرغامٌ لأُنوف الجاهليّة الذين كانوا يُشْرِكونَ الأصنامَ والأوثانَ بالتّلبيَة.
وفي تَكرارها بَعْثٌ للقلب على الإقبال على خالصِ الأعمال، وتَلَافٍ لِما لعلَّه وقعَ من الإخلال بوظائف عبوديّة المَلِك المُتعالِ، كتَكرار الرّكعات والتّسبيحاتِ والتّكبيراتِ وغيرِها من الأفعال.
O ويُسْتَحَبّ الإكثارُ منها ومن باقي التّلبياتِ المستحبّة خصوصاً «لَبّيْكَ ذا المعارِجِ، لَبّيْك»، فقد كان النّبيّ صلّى اللهُ عليه وآله يُكْثِرُ منها، ومِنَ [التّلبية] المستحبّةِ:
«لَبّيْكَ ذا المَعَارجِ إلى دَار السّلام، لَبّيْكَ لَبّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوبِ، لَبّيْكَ لَبّيْكَ أَهْلَ التّلبيَةِ، لَبّيْكَ لَبّيْكَ ذا الجَلالِ والإكرامِ، لَبّيْكَ لَبّيْكَ تُبْدِئُ والمَعادُ إليكَ، لَبّيْكَ لَبّيْكَ تَسْتَغْني ويُفْتَقَرُ إليك، لَبّيْكَ لَبّيْكَ مَرهوباً ومَرغوباً إليك، لَبّيْكَ لَبّيْكَ إلهَ الحقّ، لَبّيْكَ لَبّيْكَ ذا النَّعْماءِ وذا الفَضْلِ الحَسَنِ الجَميل، لَبّيْكَ لَبّيْكَ كَشّافَ الكُرَبِ العِظامِ، لَبّيْكَ لَبّيْكَ عبدُك وابنُ عَبدَيْك، لَبّيْكَ لَبّيْكَ أتَقَرّبُ إليكَ بمُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ صَلّى اللهُ عليهم، لَبّيْكَ لَبّيْكَ يا كريمُ لَبّيْك، لَبّيْكَ بالعُمرةِ المُتَمتَّعِ بها إلى الحجّ لَبّيْك».
(الشّهيد الثّاني، الرّسائل، أقلّ ما يجب معرفتُه عن الحجّ والعُمرة)
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.