الحجّ وسَفرُ الحياة الطّيّبة
تأمّلاتٌ
عمليّة للسَّفَرَين
ــــــــــ الفقيه الشّيخ
محمّد البهاري الهمداني قدّس سرّه ــــــــــ
* «يجب التّأمّل والتّنبّه
إلى أنّ هذا السّفر سفرٌ جسمانيّ إلى الله، وأنّه سيُسافر سفراً روحانيّاً إلى
الله (بالموت). إنّه لم يأتِ إلى الدنيا من أجل الطّعام والشّراب، بل خُلق
للمعرفة، وتكميل النّفس».
* في سياق ما تقدّم تحدّث
الشّيخ البهاري الهمداني عن أبعاد الحجّ المعنويّة، وأضاف قدّس سرّه:
في ذلك السّفر (الجسمانيّ)
يحتاج الى الزّاد والرّاحلة، والرّفيق وأمير الحاجّ، والدّليل والخَدَم، وغير
ذلك.وعدم توفّر أيّ من ذلك يُحدث خللاً في سَفره، وقد لا يصل إلى المقصد، بل قد
يقع في التّهلكة، وفي هذا السّفر (الروحانيّ) يحتاج إلى ذلك بعينِه وإلّا فإنّه لن
يستطيع أن يخطوَ خطوةً واحدة، وإذا توهَّم أنّه يُمكنه السّفر بدون هذه المقدّمات،
فإنّه قد ضلّ الطّريق قطعاً وليس متوجّهاً إلى الكعبة الحقيقيّة.
أما الرّاحلة في هذا السّفر
(الرّوحانيّ) إلى الله تعالى، فهي البدن، فيجب أن لا يقصّر في خدمته بنحو
الاعتدال، فلا يُشبعه إلى حيث يتمرّد ويطغى ولا يُمكنه ترويضُه، ولا يجوِّعه بحيث
يستولي عليه الضّعف، فيقصّر في العبادة. خيرُ الأمور أوسطُها، والإفراطُ والتّفريطُ
مذمومان.
وأمّا زادُه فهو أعماله
الخارجيّة، التي يعبّر عنها بالتّقوى، من فعل الواجبات وتَرْك المحرّمات
والمكروهات والإتيان بالمستحبّات. وأصل معنى التّقوى «الحُمْيَة» وأدنى درجاتها
الحُمية عن المحرّمات، وآخرها الحُمية عن ما سوى الله جل ّجلاله، وبينهما متوسّطات.
فحاصلُ الكلام أن ّكلّاً من
ترك المحرّمات والإتيان بالواجبات بمنزلة الزّاد الذي يحتاج كلّ شخص إلى قسمٍ منه
في منزلٍ من المنازل الأخرويّة بدرجات الحاجة المتفاوتة، واذا لم تكن قد حملْتَه
معك ابتُليت، نستجيرُ بالله من هذه البلوى العظيمة.
وأمّا الرّفقاء في هذا السّفر
(الروحانيّ) فهم المؤمنون الذين يستطيع الشّخص بهمّةِ كلٍّ منهم واتّحاد قلوبِهم
أن يقطعَ هذه المنازل (مراحل الطريق) بالطّيران، وإليه يشيرُ قوله عزَّ من قائل: ]..وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى..[
المائدة:2.
**
وأمّا أميرُ الحاجّ في هذا
السّفر إلى الآخرة فهم الأئمّة الطّاهرون سلام الله عليهم أجمعين الّذين يجب أن
تكون ظلالُهم فوق رأسِك، وتتمسّك بحبل ولايتِهم المتين، مُلتجئاً كلَّ الالتجاء إليهم باعتبارهم آل العصمة والطّهارة،
لتستطيعَ أن تخطوَ بعض الخطوات، وإلّا اختطفَك شياطينُ الجنّ والإنس في القدم الأوّل،
كما هو الأمر في السّلب الذي يقوم به العربُ البَدو، وغاراتهم على الحجّاج الذين
يسيرون بدون أمير كما هو واضح خصوصاً كلّما اقترب الحُجّاج من الحَرَم.
نعم إذا أوصلَ الشّخصُ نفسَه
[دون توسّل] إلى الحَرَم فإنّه بمَأمنٍ من كلّ خوف: ]..وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا..[ آل عمران:97.
ولكنْ هيهاتَ أن يستطيعَ
الوصول، إنّ ذلك لن يكون، واللهُ العالم.