كرامةُ المريض، وأدبُ عيادته
..يؤجَر فيهم، ويؤجَرون فيه
______ صاحب الجواهر قدّس سرّه ______
«عاد رسولُ الله صلّى الله عليه وآله سلمان في علَّته فقال: يا سلمان، إنَّ
لك في علَّتك ثلاثَ خصال: أنت من الله عزَّ وجلَّ بِذِكرٍ، ودُعاؤكَ فيه مستجابٌ،
ولا تدَعِ العلَّةُ عليك ذنباً إلَّا حطَّته، متَّعكَ اللهُ بالعافية إلى انقضاء أجَلِكَ».
الإمام الصّادق عليه السلام
مقتطفٌ من (جواهر الكلام) للفقيه
العلَم الشّيخ محمّد حسن النّجفيّ رحمه الله، حول جزيل الثّواب المذخور للمريض، لا
سيّما عند كتمانه المرض وامتناعه عن الشّكوى، واستحباب عيادته والتماس الدّعاء
منه.
ينبغي للمريض أن يحمدَ اللهَ ويَشكرَهُ في حالِ
المرضِ كحالِ الصّحّة، إذ لعلّ مرضه يكون من أفضل النِّعم عليه وهو لا يشعر بذلك، وكيف
لا وقد ورد في الخبر عن سيِّد البشر صلّى الله عليه وآله أنَّه «تبسَّم يوماً فقيل له: ما لكَ
يا رسول الله صلّى الله عليه وآله تبسَّمت؟ فقال: عجبْتُ من المؤمن وجَزَعه
من السُّقم، ولو يَعلم ما لهُ في السُّقم من الثّواب لَأحبَّ أن لا يزال سقيماً حتّى
يلقى اللهَ ربّه عزَّ وجلَّ».
كما أنَّه وَرَد عنه صلّى الله عليه وآله أنَّ [المريض] «أنينهُ تسبيحٌ، وصياحهُ تهليلٌ،
ونومهُ على الفراش عبادةٌ، وتقلُّبه جهادٌ في سبيل الله»، وأنَّه «تتناثرُ منه الذُّنوب كما
يتناثر الورقُ من الشَّجر»، وأنَّه «يُوحى إلى ملَك الشّمال أن لا يَكتبَ
عليه، كما أنّه يُوحى إلى ملَك اليمين أن يكتبَ له كلّ ما كان يعمل من الخير في
زمان صحّته، إذ هو في حَبْسِ الله»، وأنَّ «حُمَّى ليلة تعدلُ عبادةَ سنةٍ،
وحُمَّى ليلتَين تعدلُ عبادة سنتَين، وحُمَّى ثلاث ليالٍ تعدلُ سبعين سنة»،
وأنَّه «إذا أحبَّ اللهُ عبداً نَظرَ إليه، فإذا نَظرَ إليه أتْحَفَهُ بواحدةٍ
من ثلاث: صداعٍ أو حُمّى أو رَمَدٍ»، إلى غير ذلك من الأمور المسطورة في محلِّها.
اجتنابُ الشّكوى، وإعلامُ الإخوان
وينبغي له [للمريض] حينئذٍ الصّبر والاحتساب لينال أجراً
آخَر، فقد قال الصّادق عليه السلام: «أيُّما رجلٍ اشتكى فصَبر واحتَسب
كتبَ اللهُ من الأجرِ أجرَ ألف شهيد»، وقال عليه السّلام أيضاً: «مَن اشتكى
ليلةً فقَبلَها بقبولها وأدَّى إلى الله شُكرَها، كانت كعبادةِ ستِّين سنة، قيل
له: ما قبولها؟ قال: يَصبر عليها ولا يُخبر بما كان فيها، فإذا أصبحَ حمدَ اللهَ
على ما كان».
ومنه يُستفاد استحبابُ الكتمان وترك الشّكاية
كما هو مفاد غيره من الأخبار، ففي خبر بشير الدّهّان عنه عليه السّلام قال: «قال
اللهُ عزَّ وجلَّ: أيُّما عبدٍ ابتليتُه ببليّةٍ فكَتَمَ ذلك عُوّادَه ثلاثاً،
أبدلْتُه لحماً خيراً من لحمِه، ودماً خيراً من دمِه، وبَشَراً خيراً من بَشَره،
فإن أبقيتُه أبقيتُه ولا ذنبَ له، وإن ماتَ ماتَ إلى رحمتي». وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنَّ «مَن مرضَ يوماً وليلةً فلم يَشكُ
إلى عوَّادِه، بعثَهَ الله يوم القيامة مع خليلِه إبراهيم خليلِ الرَّحمن حتّى يَجوز
الصِّراط كالبرقِ اللَّامِع»، ولعلَّ اشتمالَها على لفظ (العوَّاد) يُشعِر بعدم
إرادة الكتمان بمعنى عدم الإخبار بأصل المرض، بل المراد عدم الشَّكوى، أي بأن
يقول: لقد ابتُليتُ بما لمْ يُبتلَ به أحد، ويقول: لقد أصابَني ما لمْ يُصِبْ أحداً
كما ورد تفسيرها بذلك عن الصّادق عليه السلام حيث سُئل عن حدِّ الشّكاة للمريض، فقال:
«إنَّ الرَّجل يقول: حممْتُ اليوم وسهرْتُ البارحة وقد صدقَ وليس هذا شكاية،
وإنَّما الشّكوى أن يقول: لقد ابتُليتُ بما لمْ يُبتلَ به أحد، ولقد أصابَني ما لم
يُصِبْ أحداً، وليس الشّكوى أن يقول سهرتُ البارحة وحممتُ اليوم ونحو هذا»، ومثله
غيره. أو يُراد كتمان الشّدَّة لا أصل المرض، أو ما يمكن كتمانُه كبعض الأمراض
الخفيّة، أو كتمانه ابتداءً مقدار ثلاثة أيَّام ونحو ذلك.
ويؤيِّد ما قلنا أنَّه قد وردَ استحبابُ إعلام
الإخوان بالمرض، قال الصّادق عليه السلام: «وينبغي للمريض منكم أن يؤذِن
إخوانَه بمرضِه، فيَعودونَه فيُؤجَر فيهم ويؤجَرون فيه، قال: فقيل له: نعم،
فهم يُؤجَرون فيه بمَمْشاهم إليه، فكيف يؤجَر فيهم؟ قال: فقال: باكتسابِه لهم
الحسنات، فيؤجَر فيهم، فيُكتَب له بذلك عشر حسناتٍ، ويُرفع له عشر درجاتٍ، ويُمحى
بها عنه عشر سيِّئاتٍ».
كما أنَّه قد ورد استحباب الإذن بالدُّخول عليه،
فقد قال أبو الحسن [الكاظم] عليه السلام: «إذا مَرِض أحدُكم فليَأذن للنّاس
يدخلون عليه، فإنَّه ليس من أحدٍ إلَّا وله دعوةٌ مستجابة».
استغفار الملائكة لعُوَّاد المرضى
ويُستفاد ممَّا قدَّمنا استحبابُ عيادة المرضى
كما هو المُجمَع عليه بيننا، بل لعلَّه من ضروريّات الدِّين، وقد ورد في ثوابها من
الأخبار عن النّبيّ المختار صلّى الله عليه وآله والأئمّة الأطهار عليهم السلام ما يَقصرُ العقلُ عن إدراكه، حتّى وَرَد
أنَّ «له بكلِّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله سبعين ألف ألف حسنة، وتُمحى عنه
سبعون ألف ألف سيّئة، وتُرفع له سبعون ألف ألف درجةٍ، ووُكِّل به سبعون ألف ألف
ملكٍ يعودونه في قبره، ويستغفرون له إلى يوم القيامة». وفي خبرٍ آخَر: «إنَّ
اللهَ يُعَيِّرُ عبداً من عباده، فيقول له: ما مَنَعك إذا مرضتُ أنْ تعودَني،
فيقول: سبحانك أنت ربُّ العباد لا تألَم ولا تمرض، فيقول: مرضَ أخوك المؤمن فلم تَعُدْهُ،
وعزَّتي وجلالي لو عُدْتَهُ لوجدْتَنِي عنده، ثمَّ لتكفَّلتُ بحوائجك فقضَيْتُها
لك، وذلك من كرامة عبدي المؤمن، وأنا الرَّحمن الرَّحيم»، إلى غير ذلك.
وقيل إنَّه يتأكَّد ذلك في الصّبح والمساء، ولعلَّه
لقول الصَّادق عليه السلام: «أيّما مؤمنٍ عاد مؤمناً حين يُصبح شيَّعه
سبعون ألف ملَك، فإذا قعد غمرتْهُ الرَّحمة واستغفروا له حتّى يمسي، وإن عاده مساءً
كان له مثل ذلك حتّى يُصبح». وعن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنَّه قال: «ما مِن رجلٍ يعودُ
مريضاً مُمسياً إلَّا خرج معه سبعون ألف ملكٍ يستغفرون له حتّى يُصبِح، وكان له
خريفٌ في الجنّة» الحديث. والمُراد بالخريف كما فُسِّر في غيرها زاوية في الجنّة
يسير الرَّاكب فيها أربعين عاماً.
ويُستحبُّ للعائد التماسُ الدُّعاء من المريض لِما
وَرَد أنَّه أحدُ الثّلاثة الّذين يُستجاب دعاؤهم، وإنَّ دعاءَه مثل دعاءِ
الملائكة. كما أنَّه يستحبُّ له أيضاً وضْع يده على ذراع المريض، واستصحاب هديّة
له من فاكهة أو طِيب أو بَخور أو نحو ذلك، وتخفيف الجلوس عنده إلَّا إذا أحبَّ ذلك
وأرادَ وسَألَ، وقال الصَّادق عليه السلام: «إنَّ عيادة النَّوكى [النَّوكى: الحمقى] أشدُّ على المريض من وَجَعِه»، إلى غير ذلك من الآداب الكثيرة الّتي
يستدعي بسطُ الكلام في حصرها، والتَّعرُّض لكثيرٍ ممَّا يتعلَّق بها إلى رسالة
مفردة، نسأل الله التّوفيق، ومَن أرادها فليَطلبها من (وسائل الشّيعة) وغيرها من كُتب
الأخبار.