عاشوراء في الهند
كربلاء قلب العاصمة كلّ عام.. تخفق فيها رايات
الحسين
------ إعداد: د. أليس كوراني ------
·
وَصلَ
الإسلام إلى شبه القارّة الهنديّة منذ القرن الأوّل الهجريّ، واستطاع الموالون غرسَ
بذور التّشيّع لأهل البيت عليهم السّلام فيها، وامتدّت جذور الشّجرة المحمّديّة
الحسينيّة في أكثر من ناحيةٍ في الهند، وأثمرَت أجيالاً ما تزال تلهج بِذكرِ
الحسين عليه السّلام، فتَحسب نفسك بين ظهرانيهم وكأنّك في كربلاء العراق.
·
في تلك
الأصقاع يتوجّه الموالون إلى الحسينيّات والمساجد لإحياء عاشوراء، وهُم بين باكٍ
ومتضرّعٍ إلى الله تعالى أن تشملهم رحمته ببركةِ الحسين وشفاعتِه عليه السّلام.
·
في هذا التّحقيق نلج أعتاب عاشوراء في بعض
المناطق الهنديّة.
يحتاج الحديث عن الهند إلى مجلّداتٍ
نظراً إلى جغرافيّتها الشّاسعة، وتاريخها القديم الغنيّ بالأحداث والثّقافات،
ولغاتها الكثيرة، وشعبها المُتجاوِز بعدده المليار نسمة، والمتعدّد الأعراق
والدّيانات، والمتجاوز بعدده المليار نسمة.
الموقع والمساحة والحدود
تقع الهند جنوب
آسيا، وتبلغ مساحتها نحو 3,287,590 كم²، يحدّها المحيط الهنديّ من الجنوب، وبحر العرب
من الغرب، وخليج البنغال من الشّرق، وجمهورية الصّين الشّعبيّة والنّيبال وبوتان من
الشّمال. وتتكوّن من 28 ولاية، وسبعة أقاليم اتّحاديّة وتتمتع بنظامٍ برلمانيٍّ ديمقراطيٍّ،
عاصمتها «نيودلهي»، وعملتها الرّوبّية.
السّكان واللّغة
يبلغ عدد سكّان
الهند 1,210,193,422 نسمة (أكثر من مليار) بحسب إحصاء 2011م، يشكّل الهندوس نسبة 80.5%،
والمسلمون 13.4%، والمسيحيّون 2.3%، والسّيخ 1.9%، والبوذيّون 0.8%، واليانيّون 0.4%،
وأصحاب معتقداتٍ أُخَرَ 0.7%. والكثافة السّكانيّة 375.2/كلم2.
وبالرّغم من النّموّ
الاقتصاديّ على مدى العقود الأخيرة، إلّا أنّ السّكّان يعانون الفقر وسوء التّغذية
والأمّيّة.
في الهند
مجموعة متنوّعة من اللّغات واللّهجات، وأصبحت الإنكليزيّة اليوم لغةً مشتركةً تُستعمل
لأغراضٍ رسميّةٍ وإداريّةٍ. وقد ذُكرت اللّغات الإقليميّة الرّئيسة في الدّستور وهي
أربع عشرة لغة هنديّة بجانب اللّغة الهنديّة.
الموالون لأهل البيت عليهم
السّلام
بلغت نسبة الشّيعة في الهند -قياساً إلى المسلمين-
أرقاماً تتراوح بين 10 في المائة و35 في المائة، وينتشرون
في أكثر من مدينة؛ فمنهم مَن يقطن في «تشيناي» Chennai (مدراس Madras قديماً)، عاصمة ولاية «تاميل نادو» الهنديّة، الواقعة جنوباً على
خليج «البنغال»، والبالغ عدد سكّانها حوالي 7 ملايين نسمة، ويمارسون نشاطهم بأمنٍ
وسلامٍ، ومن جمعيّاتهم: (أنجمن حسيني) Anjuman-e
Hussainy وهي تهتمّ بإحياء المجالس الحسيّنيّة.
ويتواجد
الشّيعة في «لكناهو» Lucknow
عاصمة ولاية Uttar Pradesh
الواقعة شماليّ الهند. وتعدّ مركزاً للأدب الهنديّ والأرديّ أيضاً. مساحتها 689،1
كلم2، وعدد سكّانها 6،000،455 نسمة (إحصاء 2011م)، المسلمون منهم 26%،
وأَطلق عليها البعضُ لقب (نجف الهند) لِما تحتويه من الحوزات العلميّة، والمساجد
والحسينيّات، وللعدد الكبير من علماء الدّين؛ ومن المراكز الدّينيّة المهمّة فيها:
الجامعة النّاظميّة، ومدرسة الواعظين، وسلطان المدارس، والمكتبة النّاصريّة،
ومؤسّسة (مهمّة الشّيعة) Shia Mission التي تهتمّ بطباعة الكتب الإسلاميّة ونشرها بلغة
الأردو.
ويهتم
السّكان في «لكنهو» بإحياء عاشوراء، فتتّشِحُ المدينة بالسّواد الشّامل، وتُقام
المجالس واللّطميّات (النّوحة باللّغة الهنديّة)، وتجوب المسيرات العزائيّة
الضّخمة والّتي ينضمّ إليها مئات الآلاف من مدن الهند، وترى البعض منهم يسير على
الجمر، إلى جانب التّطبير.
وفي
«غازيبور» Ghazipur
المدينة الصّغيرة (20 كلم2) في هذه الولاية، يشكّل المسلمون نسبة 27،2%
من السّكان فيها البالغ عددهم حوالي 122 ألف نسمة (إحصاء 2011م). وتهتمّ «مؤسّسة
المؤمّل الثّقافيّة» Almuammal Cultural Foundation، بتأليف الكتب الإسلاميّة
أو ترجمتها، وإجراء أبحاث خاصّة بالوضع الإسلاميّ، وإحياء مجالس عاشوراء
والمناسبات الإسلاميّة.
كما
تُقام المجالس الحسينيّة في مدينة (الحدائق) أي مدينة «بنغالور» Bangalore عاصمة ولاية «كارناتكا» Karnataka الواقعة جنوب غربيّ الهند، والبالغ مساحتها 1,276كلم2،
وتلقّب بـ (وادي سليكون الهند) لتطوّر تكنولوجيا المعلومات فيها. عدد سكّانها
9,621,551 نسمة، ونسبة المسلمين 13،4%. ومن مؤسّسات المسلمين: «انتشارات العميد» Ameed
Publishers Pvt Ltd، الّتي تهتمّ بنشرِ المحاضرات والكُتب
الإسلاميّة، ونشرِ تفاسير القرآن الكريم المختلفة.
وتتركّز
أغلبيّةُ مآتم العزاء الحسينيّ إحياءً لذكرى سيّد الشّهداء عليه السّلام، في منطقة
«ريتشموند تاون» Richmond Town
في وسط المدينة، ويَفِد إليها المُعزّون من مختلف المناطق الأخرى في المدينة.
ويقوم خطباء المنبر الحسينيّ بِسَرد واقعة كربلاء بلغة الأردو المحلّيّة. وبعد انتهاء
الخطبة، يلطم المعزّون الصّدور وهم يستمعون إلى قصائد العزاء. وتقوم منظمّة «أنجمان
الإماميّة» بتنظيم مراسم عاشوراء فيها. وفي ليلة العاشر يقوم المشاركون بإشعال
الشّموع، ومن ثَمّ الدّخول والخروج من حسينيّةٍ إلى أخرى والتّبرّك بِلَمس بعض
المجسّمات الّتي تمثّل الضّريح المقدّس، وما له صِلة بكربلاء.
وفي
ليلة العاشر ويومه، يجري توزيع المياه في الشّوارع، وبعد الفراغ من الخطبة، يُوزَّع
الطّعام على المشاركين.
وفي
عاشوراء تسير المواكب والمسيرات الحسينيّة في «مومباي» Mumbai عاصمة ولاية «ماهاراشترا» Maharashtra الواقعة على السّاحل الغربيّ للهند، والّتي تُعدّ
من أكبر المدن في العالم بمساحة 344 كم²، وعدد سكّانها 12,479,608 نسمة (إحصاء
2011م)، ونسبة المسلمين بينهم 18.56%، وهي المركز الاقتصاديّ والماليّ والثّقافيّ
والتّجاريّ للهند.
وقد أسّس المسلمون فيها مؤسّساتٍ ثقافيّة، منها (الشّبكة
الإسلاميّة العالميّة) World Islamic Network وهي تهتمّ بإحياء المناسبات الإسلاميّة، ونشر الوعي الإسلاميّ.
وفي
«حيدر آباد» عاصمة ولاية أندرا «برديش» Andhra Pradesh، البالغ مساحتها 7،100 كلم2 وعدد سكّانها أكثر من ستّة ملايّين،
نسبة المسلمين فيها 41،17%، وتشتهر بمساجد وقصور أثريّة، منها (قصر عاشور خانه) Asurkhana، ويعني بالعربيّة (بيت عاشوراء) وهو يحوي آثاراً خاصّة بشهداء كربلاء
ومقتنياتٍ شخصيّة للإمام الحسين عليه السّلام أُهديت لعائلة السّلطان نظام الملك مير
عثمان علي خان بهادر آصف شاه السّابع، ملك الدّولة الإسلاميّة الآصفيّة بحيدر آباد.
وفي هذا المكان يجتمع من كلّ عام في العاشر من المحرّم الهنود الموالون من كلّ أنحاء
الولاية لإقامة مجلس عاشوراء، وفي هذا اليوم تُعرض محتويات القصر ويقام مهرجانٌ كبير.
وينتشر
المسلمون في «كشمير»، وهي منطقةٌ جبليّةٌ في شمال غربيّ جبال الهملايا بين الصّين
والهند وباكستان؛ وتدّعي كلّ من الهند وباكستان أحقّيّتها بأراضي كشمير الواقعة في
نطاق حدود البلدَين. وللمنطقة عاصمتان، الشّتويّة تُسمّى «جامو» Jammu، والصّيفيّة «سريناغار» Srinagar.
وقد
مُنعت المواكب في عاشوراء لأنّ السّلطات الهنديّة حَظَرت المسيرات الدّينيّة فيها
منذ التّمرّد على حكم الهند في كشمير عام 1989م، وهي تعتقل كلّ عامٍ عدداً من الّذين
يسيرون في المسيرة العاشورائيّة.
ومن
المنّظمّات المهمّة في كشمير «منظّمة الإماميّة للتّحقيقات والأبحاث» Imamia
Studies & Research Organanisation I.S.R.O،
وقد أَسَّسَت مكتبةً إسلاميّةً باسم «مكتبة الإمام الحسين عليه
السلام»، تهدفُ إلى جَذْبِ الشّباب إلى الدّين
الإسلاميّ وتعريفِه لهم، ومواجهةِ التّبليغ المضادّ للإسلام، وإقامةِ المناسبات
الدّينيّة.
عاشوراء العاصمة
تعود
الاحتفالاتُ بذكرى عاشوراء إلى العصرِ المغوليّ، وذلك في بداية القرن السّابع عشر الميلاديّ،
وتُقام مجالسُ العزاء، وتعرف تلك المجالس بـ «نوحه خاني» و«روضه خاني».
ففي
العاصمة الهندّية «دلهي» يجتمع الآلاف يوميّاً في الجامع الأبيض وحسينيّة رئيس الشّجعان
عليّ بن طالب في منطقة «جورباخ» من السّاعة الثّامنة إلى العاشرة ليلاً، للاستماع إلى
المحاضرات الدّينيّة بمعدّل ثلاث محاضرات، بعدها تقام مراسم الرّثاء وتوزّع الأطعمة
المختلفة. وفي منطقة «بوّابة الكشميري» يجتمع الآلاف في جامع المنطقة ومكان الشّرفاء
الخمسة (عزاء خانـه في حيّ پانج شريف، أي بيت العزاء في حيّ الشّرفاء الخمسة).
كما
يشهد اليوم العاشر من المحرّم مسيراتٍ مختلفةً بطولٍ يصل إلى الكيلومتر، تنطلق من جامع
«بوّابة الكشميري» إلى مكان العزاء في حيّ الشّرفاء الخمسة، حيث تَستمرّ هذه المواكب
من السّاعة العاشرة حتّى الرّابعة مساءً تتخلّلها صلاة الظّهر.
وتقام
مسرحيّة شعبيّة تمثّل واقعة الطّفّ فوق مسرحٍ خشبيٍّ وتُنصب الرّاياتُ المختلفةُ الألوان
والأشكال الّتي ترمزُ إلى راياتِ الحسين وأصحابه أمام المسرح. وتُرفع كفٌّ ذهبيّةٌ
أو نحاسيّةٌ تدعى «پنجه»،
وترمز إلى كفّي أبي الفضل العبّاس عليه السّلام. وهناك حجرةٌ صغيرةٌ لها قبّةٌ مدوّرةٌ،
كنايةٌ عن ضريحٍ رمزيٍّ للقاسم بن الحسن، ويؤتى بحصانٍ أبيضَ ذي سرجٍ ثمينٍ وملوّن
بألوانٍ زاهيةٍ، يُرمز به إلى فرس أبي عبد الله عليه السلام.
حسينيّة «شاه مردان» ومسجد «كربلاء» في «دلهي»
قصَدْنا
جنوب «دلهي» للوصول إلى مجمّع حسينيّة «شاه مردان» ومسجد «كربلاء» في حيّ «جور باغ»
Jor Bgh،
وتُعرف المنطقة المحيطة به عند العامّة بــ «كربلاء»، وكان لهذه المنطقة سورٌ بناه
أشرف خان، كما كان لها بوّابات، وفيها سكن عددٌ كبيرٌ من المسلمين الموالين لأهل البيت
عليهم السّلام. والمسلمون كانوا، وما يزالون، يَدفنون موتاهم في المقابر الخاصّة بهذه
المنطقة. وعندما جرى تقسيم الهند – باكستان، تعرّضت تلك المنطقة للاعتداء، فدُمِّر
السّور وكذلك البوّابات، واضطرّ قسمٌ كبيرٌ من المسلمين لِتركِ المكان.
قبيل
المغرب بدأ النّاس بالتّوافد إلى المسجد والحسينيّة للصّلاة، ثمّ للاستماع إلى
المحاضرة العاشورائيّة الّتي تُقام على امتداد شهرَي محرّم وصفر.
وتُعرف
الحسينيّة- بـ «عليغنج» Aliganj و«عليّ جي» Ali
Ji نسبةً إلى موضعٍ من أرضٍ أو حجرٍ (كان رخواً) عليه
أَثَر قدمٍ يُقال إنّها تعود لِقدمِ الإمام عليّ عليه السّلام، كان موجوداً في النّجف
الأشرف، وعندما قصدت السّيّدة قدسيّة شهاب الزّمانيّ - تُعرَف بـ «نوّاب باي» زوجة
سلطان الهند محمّد شاه (توفّي عام 1749م)- النّجف لزيارة أمير المؤمنين عليه السّلام
في حدود عام 1724م، أتَت بذلك الأثر إلى الهند للتّبرّك، وأحاطَته ببلاطٍ رخاميٍّ،
وهو موجودٌ اليوم في الحسينيّة، ويُعرف بـ «القَدَم المبارك».
وفي
المجمّع مسجد «نوّاب قدسيّة» مشهور اليوم بـ «مسجد كربلاء» بُني منذ خمسمائة سنة تقريباً،
تعلوه ثلاثُ قببٍ بيضاء، والصّلاة تُقام فيه باستمرار، هذا ما أخبَرَنا به إمامُ المسجد
الحاليّ السّيّد طالب حسين الّذي يؤُمّ المصّلين يوميّاً، والّذي جال معنا في أقسام
الحسينيّة والمسجد، وأَخبرَنا أيضاً أنّ هذا المكان يَقصده الكثيرون، وليسوا كلّهم
من الطّائفةِ الشّيعيّة، إذ يَقصدُه بعضُ أعضاء البرلمان الهنديّ وغيرهم من مسؤولي
الدّولة، وبعض سفراء الدّول الإسلاميّة، إلى جانب عددٍ كبيرٍ من الفئات الشّعبيّة على
اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، الّذين يأتون لزيارة الحسينيّة الّتي أضحت أشبه بالمقامات
الدّينيّة نظراً إلى وجود «القدم المبارك»؛ وفي الباحةِ الخارجيّة للحسينيّة يُضيء
الزّوّارُ الشّموع وينثرون الورد وينذرون لله تعالى، فإذا ما تحقّق النّذر يقدّمون
الحليب وطعاماً أو (حلوى) تُسمّى «نارز» Narz إلى سائر المتواجدين هناك. فعادةُ نثرِ الزّهور
وإضاءةِ الشّموع شائعةٌ في الهند، على صعيدِ المسلمين وغير المسلمين.
وللنّساء
مكانٌ خاصٌّ للصّلاة داخل المسجد، ولاحظنا حرصَ النّساء على زيارة هذه الحسينيّة أسوةً
بالرّجال، ولا سيّما ليالي الجُمَع للاستماع إلى الخُطَب والأدعية والزّيارات.
في
داخل حسينيّة «شاه مَرْدان» مجسّمات لمقامَي الإمام الحسين وأبي الفضل العبّاس
عليهما السّلام، وفي زاويةٍ أخرى مجسّمٌ لِمقام الكاظميَّين عليهما السّلام، صَنَعه
«غلام أصغر».
رأينا
رايةً حمراء كبيرةً منصوبةً فوق مبنى الحسينيّة، كُتب عليها «يا حسين»،
فأخبَرَنا الشّيخ «طالب حسين» أنّ هذه الرّاية كانت موضوعة فوق مقام الإمام الحسين
عليه السّلام بكربلاء، وأنّ إدارةَ الرّوضة الحسينيّة المقدّسة في كربلاء، قدّمتها
هديّةً لحسينيّة «شاه مَرْدان»؛ ورُفعت الرّايةُ فوق مبنى الحسينيّة بحضور حشدٍ من
مُحبّي أهل البيت عليهم السّلام، وهذه الهديّة وَصَلت أثناءَ قدومِ بعثة من «مجمّع
سفير الحسين الطّبيّ» لتفعيل الخدمات المشتركة مع الأطبّاء الهنود في مجال الطّبابة.
وكذلك يوجد رايةٌ خضراء داخل الحسينيّة، وهي رايةٌ
كانت مرفوعةً أيضاً فوق مقام الحسين عليه السّلام في كربلاء، قُدِّمت هديّة من إدارة
الرّوضة الحسينيّة المقدّسة في الأعوام الأخيرة.
وعن
تنظيم العمل في الحسينيّة وإقامة مجالس العزاء فيها، أخبرَنا الأخ خصال مهدي، وهو
من النّاشطين في مجال العمل الإسلاميّ، أنّ السّيّد إشراط عليّ Ishrat
Ali قد بنى مجلساً (مجلس خانه Majlis
Khana) عام 1808م لإقامة المجالس الحسينيّة وتنظيمها،
وهو يقع جنوب موضع «القدم المبارك»، ويضمُّ عدداً من القبورِ القديمة.
وأخبَرَنا
أيضاً أنّ من أجل المحافظة على الحسينيّة والمسجد، تشكّلت هيئةٌ عام 1947م، سُميّت
بـ Guldasta-e-Haideri،
وفي العام 1954م سُجّلت هذه الهيئة رسميّاً في دوائر الدّولة وتغيّر اسمُها إلى Anjuman-e-Haideri، وأشرفَ عليها (أو ترّأسها) عددٌ من الشّخصيّات. كما يقوم
القائمون على هذا المجمّع بالنّشاطات الاجتماعيّة في المنطقة لِإعانة المحتاجين.
المجالس العاشورائيّة في الحسينيّة
تستمرّ
مجالسُ العزاء حتّى التّاسع من ربيع الأوّل، وما يلفتُ النّظر هنا تلك العاطفة الجيّاشة
عند الهنود، وصدق مشاعرهم وحبّهم لرسول الله صلّى الله عليه وآله ولأهل بيته عليهم
السّلام، وشاهَدْنا الشّبابَ بعد المجلس العاشورائيّ يعقدون حلقاتِ اللّطم بالأيدي
على الصّدور مع أناشيد هنديّة من وَحيِ عاشوراء.
وكان لنا لقاء بالخطيب الحسينيّ في حسينيّة «شاه
مردان» الشّيخ جنان أصغر مولاي، الّذي يتولّى قراءة المجلس الحسينيّ، بعد الموعظة الدّينيّة،
وأطلَعَنا على أجواء عاشوراء في هذه الحسينيّة، وأخبرَنا أنّها تستمرّ حتّى ذكرى
وفاة الإمام العسكريّ في التّاسع من ربيع الأوّل.
أمّا
عادة حمل تابوت، فهم يرمزون به إلى نعش الحسين عليه السّلام حيث يطوفون في الحسينيّة،
باكين نادِبين، فتختلطُ صُوَرُ الماضي بالحاضر وتشعر أنّ الإمام استُشهدَ الآن،
وأنّ الحاضرين يَحملونهُ في تابوتٍ على الأكُفِّ تعظيماً وإجلالاً لِما أصابَ جسَدَه
الشّريف في كربلاء من دَوْسِ قوائمِ الخيل بعد استشهاده.
هذا
غيضٌ من فيضٍ عن هذا البلد، وعن هذا المجمّع الدّينيّ القديم الّذي يستأهل منّا التفاتةً
خاصّة، والتّذكير بأنّ لنا أخواناً في أقاصي تلك البلاد البعيدة هم في غاية اللّطف
والطّيبة والفطرة السّليمة.