لا تُنقِص الكَيْل والميزانَ من عبادتِك
ينالُ اللهَ قلبٌ مشفقٌ، وعملٌ خالص
_____السّيّد عليّ الحائريّ قدّس
سرّه_____
موقفٌ
يجدر الوقوف عنده والتّأمّل مليّاً بإشاراته ودلالاته، لِما يترتّب عليه من فائدةٍ
قد لا نعي قدرها إلّا يوم توضع الأعمال في ميزانها، ويكون الفرز.
ما
يلي، نصٌّ اختارته «شعائر» من كتاب (تفسير مقتنيات الدّرر) للسّيّد عليّ الحائريّ قدّس
سرّه، ورد في سياق تفسير سورة البقرة
المباركة.
لا
تُنقِص الكيلَ والميزانَ من عبادتِك، فإنّ بعض النّاس استَحوَذ عليهم الهَوَى، فوَقَع
في خاطرهم من الشُّبُهات الفاسدة، مثل أن يقول: إنَّ اللهَ غنيٌّ عن العالَمين،
ولا يتفاوت بشأنه تعالى الطّاعة والمعصية، لكنّني محتاج إلى الطّاعة.
وعن الاحتراز عن المعصية، قال اللهُ سبحانه: ﴿..وَمَنْ
تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ..﴾ فاطر:18،
وقال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا
رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ فصلت:46.
·
مَثَلُ
هذا الأحمق مثلُ المريض الَّذي يأمره الطّبيب بالدَّواء والاحتماء، والمريض يتكاهل
(يتهاوَن) بالدّواء ولا يحتمي، ويقول إذا لم أشرب الدَّواء ولا أحتمي لا يترتَّب على
الطّبيب ضرٌّ، ولا يحصل له نفعٌ؛ نعم لا يترتّب على الطّبيب أمرٌ، لكنّك تموت من
مرضك.
·
وأيضاً
طائفة أخرى من الحمقى يتجاوزون من حدود الله معتمدين بقولهم: إنَّ اللهَ كريمٌ
رحيمٌ، هلَّا يقول إنَّ اللهَ شديدُ العقاب، أمَا يرى أنّ الخَلْقَ ما دام لا
يزرعون، ولا يحصدون، ولا يتعبون، لا يأكلون؛ فإنّ الله كريم، فلِمَ لا يُعطيهم من
غير حصادٍ، وبذرٍ، وتعبٍ.
·
وأيضاً
طائفةٌ أخرى من الحمقى اغترّوا بالتّقدير في الأزل، وعطَّلوا العمل، ويقولون السّعيدُ
سعيدٌ في بطن أمّه، والشّقيُّ شقيٌّ في بطن أمّه، فإذن لا يتغيّر الحال بالطّاعة
والمعصية، أمَا سمعوا أنّ النّبيَّ صلَّى الله عليه وآله،
قال: «اعملوا وكلٌّ ميسَّر لِما خُلِقَ له»، وكلّ هذه التّرّهات من حبائل
الشّيطان، وطلب الرّاحة من النّفس الخبيثة، والنّفاق الكامن في القلب، قال اللهُ
عزَّ وجلَّ لعيسى عليه السّلام:
«ليَكُن لسانك وقلبك واحداً في السرّ والعلانية»، قال الصّادق عليه السّلام:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما زادَ خشوعُ الجسدِ على ما في القلبِ
فهو عندَنا نِفاق».
..إليكَ
ما ينفعُكَ
فاستسلِم
مخلصاً للأمر، فإنّه العلم النّافع، واعمل خالصاً، ودع هذه الفضوليّات والتّصرّفات؛
فرُبَّ علومٍ لا تنفع، وأعمالٍ لا تُرفَع، ليس لأهلِها منها إلَّا كدّ القرائح وكَدح
الجوارح، وذلك لعدم الخلوص. لنْ ينالَ اللهَ أعطافٌ تتهافت، ولا أطرافٌ تتماوَت،
ولكن يناله قلبٌ مشفقٌ من النّار يتلظَّى، وشوقٌ إلى الجنّة يتشظَّى، وعملٌ
بالخلوصِ والامتثالِ مَشفوعٌ، وعن النّقائص مدفوع. والمرءُ بأكبَرَيه، عمله
وإيمانه، رُبَّ معروف بالمكارم والمساعي وهو عند الله أهل المكاره والمساوئ،
وموصوف بالحلم الرّاسي والعلم الرّاسخ وهو منها على أميالٍ وفراسِخ، لأنّه يملأُ
عينَه من زينةِ الحياة الدُّنيا، وتقرُّ عينُه برؤيتها وإقبالها.
والعبادةُ
فيها حِكَمٌ ومصالِح لا يعلمها إلَّا مَن أمَرَ بها، منها أنّها مُطهِّرةٌ للقلوب
عن أحداث الذُّنوب، واشتغال النّفس بها عمّا فيه ضرر في الدِّين والنّظم، وبها
يكمل صلاح المعاد، ومعرفتك لِخالقك بالوحدانيّة، وبنبيّك بالرّسالة، ووصيّه
بالخلافة.