المرجع الديني الراحل الميرزا جواد التبريزي قدّس سرّه
عندما يتناول الفقيه الموضوعات السلوكيّة، فإنّه يقدّم التوجيهات الأصيلة المتماهية مع روح النصّ، ليقدّم للأجيال حصيلة سفر طويل في رياض الآية والرواية الصحيحة.
في ما يلي تقدّم «شعائر» نصائح مختارة للمرجع الدينيّ الراحل التبريزي قدّس سرّه، حول تعاهد القرآن الكريم، وحبّ النبيّ وآله، والأسرة المسلمة.. ومواضيع هامّة أخرى.
* ما هي نصيحتكم حول الحثّ والاهتمام بالقرآن الكريم؟
قد ورد في الحديث أنّ «القرآن شافِع مُشفَّع»، وورد أيضاً «علّموا أولادكم القرآن»، وينبغي تعاهده كلّ يوم بالقراءة، كما ورد أنْ يقرأ كلّ يوم خمسين آية على الأقلّ، وقد تواتر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّ القرآن الكريم أحد الثقلين اللذَين أُمرنا بالتمسُّك بهما، فعلى المؤمن أن يعتني بالقرآن الكريم مهما استطاع من حيث التلاوة، ومعرفته، والعمل بما فيه بحسب الموازين الشرعيّة التي قرَّرها الفقهاء، حتّى يشفع لهم يوم القيامة ولا يشكو كما ورد في الحديث: «ثلاثة يشكون إلى الله يوم القيامة..»، وقد عُدّ القرآن الكريم من الأمور الثلاثة، والله العالم.
* ما هو نظركم حول حقيقة الحبّ والتولّي للنبيّ وآله الطاهرين عليهم السلام؟
التولّي هو قبول ولاية الأئمّة عليهم السلام، وأنّ لهم من مناصب النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بعده منصب الزعامة على المسلمين، وكونهم أوصياءَه صلّى الله عليه وآله في إبلاغ أحكام الشريعة، وأخذها منهم عليهم السلام. وأمّا مسألة الحبّ المعبَّر عنه بالمودّة في القربى في القرآن الكريم، فهو أجر الرسالة، وهو مطلوب لله سبحانه وتعالى، ويُحسب من الأعمال المقرِّبة للعبيد إلى الله، حيث أمر الله تعالى به بقوله: ﴿..قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى..﴾ الشورى:23، ولذا فإنّ حبّهم يقبله غيرنا من المسلمين، ولكن لا يقبلون التولّي الذي رزقنا الله إيّاه، وجعلنا من المتمسِّكين بولايتهم عليهم السلام، والله العالم.
* ما هي نصيحتكم للأسرة المسلمة من أجل بناء حياة إسلاميّة سعيدة، وما هي نصيحتكم للشباب والفتيات بخصوص مسألة الزواج؟
قال تعالى: ﴿..قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة..﴾ التحريم:6. فيجب على الآباء الاهتمام بتربية أولادهم التربية الإسلاميّة، وذلك بحثّهم على فعل الواجبات، وترك المحرَّمات، وينبغي لهم تعليمهم العقيدة الصحيحة، والمسائل الشرعيّة، والارتباط بالقرآن، وأهل البيت عليهم السلام، والمساجد والمآتم (الحسينيّات)، والمحافظة على الأزواج والبنات من الانحراف والتبرُّج. وينبغي للشباب والفتيات الورع والخوف من الله، وتجنُّب موارد الفتنة والريبة ﴿وأما من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى * فإنّ الجنة هي المأوى﴾ النازعات:40-41، وينبغي لهم المسارعة إلى لزواج لمن كان قادراً عليه،
فقد ورد في الحديث: «مَن تزوّج فقد أحرز نصف دينه، فليتّقِ الله في النصف الآخر»، والله الموفِّق.
* ما هي نصيحتكم للفقراء والمساكين والأيتام من جهة، وللأغنياء وأصحاب الثروات من جهة أخرى؟
ورد في الحديث الشريف: «أجرُ الغنيّ الشاكر، كأجر الفقير الصابر»، ومعناه أنّ وظيفة الغنيّ هو شكر الله على نعمة الغِنى، والشكر يتحقّق بإخراج الحقوق الشرعيّة من أمواله، والعطف على الفقراء، وإسعاف حاجتهم، كما أنّه ينبغي للفقراء الصبر على الفقر، والتوكّل على الله. قال تعالى: ﴿..ومن يتوكّل على الله فهو حسبه..﴾ الطلاق:3، فإنّ الله يكفيه رزقه ويهيّئ له أسباب العيش، والله الموفِّق.
*ما هي نصيحتكم لموقف المؤمنين تجاه الإشاعات، وحملات التسقيط، وتشويه صورة المؤمنين، صادقاً كان المخبر أم كاذباً؟
يجب على المؤمن التثبّت من اتّهام المؤمنين، والتحرُّز من إسقاط سمعتهم وكرامتهم، فقد ورد في الحديث الشريف: «مَن روى على مؤمن رواية يريد بها شَينه وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان»، والله المسدِّد للصواب.
*هل لديكم نصائح أخرى تحبّون تأكيدها إتماماً للفائدة؟
ينبغي للمؤمنين بمختلف طبقاتهم الاجتماعيّة -من تجّار وأطبّاء وأصحاب الحرف وغيرهم- التعاطف والتراحم في ما بينهم، والمسارعة لقضاء حوائج إخوانهم المؤمنين، والتسامح عن أخطائهم، قال تعالى: ﴿إنّما المؤمنون إخوة..﴾ الحجرات:10، وقال تعالى: ﴿..والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين﴾ آل عمران:134. كما ينبغي لهم الاهتمام بالقربات والخيرات، وإقامة الشعائر، ومنها الاهتمام بالمساجد والحسينيّات بتشييدها، والمحافظة على قداستها فقد قال تعالى: ﴿..فاستبقوا الخيرات..﴾ البقرة:148، وقال تعالى: ﴿ذلك ومَن يعظِّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب﴾ الحج:32، كما ينبغي لهم الالتفاف حول العلماء، والاستماع لنصائحهم وإرشاداتهم فقد ورد في الحديث: «ثلاثة يشكون إلى الله يوم القيامة: مسجدٌ مهجور، ومُصحفٌ مُعطّل، وعالمٌ ضاع بين جهّال». كما ينبغي لهم الاهتمام بطلّاب العلوم الدينيّة، وكذلك خطباء المنبر الحسينيّ الداعين إلى التمسُّك بأهل البيت سلام الله عليهم أجمعين.
والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا وشفيعنا محمّد وآله الطاهرين.
من الحقوق الأُسَريِّة
أمّا حقُّ أُمّك: أنْ تعلم أنّها حملتْكَ حيثُ لا يحتمل أحدٌ أحداً، وأعطتْكَ من ثمرة قلبها ما لا يُعطي أحدٌ أحداً، وَوَقَتْكَ بجميع جوارحها، ولم تبالِ أن تجوع وتُطعمَك، وتعطشَ وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتَضحى وتُظلِّل عليك، وتهجر النومَ لِأَجلك، وَوَقَتْك الحرَّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تُطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.
وأمّا حقُّ أبيك: فأنْ تعلمَ أنّه أصلُك، وأنّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في
نفسك ممّا يُعجبك فاعلم أنّ أباك أصلُ النعمة عليك فيه، فاحمد اللهَ واشكُره على قدر
ذلك، ولا قوّة إلا بالله.
(من رسالة الحقوق للإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام).