من وصايا العارف آية
الله الهمدانيّ
أهمُّ الأشياء لطالبِ القُرب، الجِدُّ في ترك المعصية*
ـــــ الفقيه
العارف الشّيخ حسين قلي الهمدانيّ قدّس سرّه
ـــــ
الفقيهُ المتأَلِّه، جمالُ
السّالكين، الشّيخ حسين قُلي (عبد الحسين) الهمدانيّ المتوفّى سنة 1311 للهجرة، «من
أجلّاء تلاميذ العلّامة الأنصاري [صاحب المكاسب
والفرائد]، وكتبَ من تقرير بحثِه في الفقه والأصول
كثيراً، وكان يدرّس فيها تلاميذه..»، كما في (الذّريعة) للشّيخ الطّهرانيّ.
تخرّج على يدَيه جمعٌ غفيرٌ من
الفقهاء والعرفاء، منهم: الميرزا جواد الملَكي التّبريزيّ، والسّيّد مهدي الحكيم،
والد المرجع السّيّد محسن الحكيم، والشّيخ موسى شرارة العامليّ.
بسم
الله الرّحمن الرّحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على محمّدٍ
وآله الطّاهرين، ولعنةُ الله على أعدائهم أجمعين.
لا
يَخفى على الإخوة في الدِّين أنَّه لا طريقَ إلى القُرب من حضرة ملِك الملوك جلَّ
جلالُه غير الالتزام بالشَّرع الشَّريف في جميع الأقوال والأفعال.
ولا
يخفى أنّ السَّير بالخرافات الذّوقيّة – وإنْ كان الذَّوقُ في غير هذا المقام جيّداً
- كما هو دَأْبُ الجُهّال والصّوفيّة - خذلَهم اللهُ جلَّ جلالُه - لا يوجبُ إلَّا
بُعداً، حتّى أنَّ الرّجل إذا التزمَ بالمُداومة على المكروهات - فإنَّ عليه أن
يفهمَ إذا كان مؤمناً بعصمة الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم - أنَّه سيَبتعد عن
حضرة الأحديّة. وهكذا في كيفيّة الذِّكر بغير ما ورد عن السّادات المعصومين عليهم
السّلام.
بناءً
على هذا، يجب أن يقدَّمَ الشّرعُ الشّريف، ويهتمَّ بكلِّ ما وردَ الاهتمامُ به فيه.
وما استفدتُه - أنا الضّعيف -
من العقل والنّقل هو أنَّ أهمّ الأشياء لطالبِ القُربِ، الجدُّ والسّعيُ التّامُّ
في ترك المعصية.
وما
لم تؤدِّ هذا الواجب فلا ذكرُك ينفعُ حالَ قلبك، ولا فكرُك، لأنَّ خدمةَ السّلطان
من مُنكِرٍ له عاصٍ إيّاه لا تنفع، ولستُ أدري أيّ سلطانٍ أعظم من هذا السّلطان
عظيمِ الشّأن، وأيّ نزاعٍ أقبح من النّزاعِ معه.
فافهَم
ممَّا ذكرتُ: أنَّ طلبَك المحبّة الإلهيّة مع كونِكَ مرتكباً للمعصية أمرٌ فاسدٌ
جدّاً، وكيف يخفى عليك كون المعصية سبباً للنّفرة، وكون النّفرة مانعةَ المحبّة،
وإذا تحقَّق عندك أنَّ تركَ المعصية أوّلُ الدِّين وآخرُه، ظاهرُه وباطنُه، فبادِر
إلى المجاهدة، واشتَغِل بتمام الجِدِّ في المراقبة من أوَّل قيامك من نومك، وفي
جميع آناتك، والزَمِ الأدبَ في مقدَّس حضرته، واعلَم أنّك بجميع أجزاء وجودك – ذرّةً
ذرّة - أسيرُ قدرتِه. وراعِ حُرمةَ شريف حضوره، واعبُدْهُ كأنّك تراه، فإنْ لم تكُن
تراه فإنّه يراك، والتَفِت دائماً إلى عَظَمتِه وحقارتِك، ورِفعتِه ودَناءتِك، وعزَّتِه
وذِلّتِك، وغِناهُ وحاجتِك، ولا تغفل عن شناعة غفلتك عنه جلَّ جلالُه، مع التفاتِه
إليك دائماً، وقُمْ بين يديه مقامَ العبد الذّليل الضّعيف، وبَصْبِصْ تحت قدمَيه بَصْبَصَةَ
الكلبِ النّحيف، أَوَلا يكفيكَ شرفاً وفخراً أنَّه أَذِنَ لك بذكرِ اسمِه العظيم
بلسانك الملوَّث، الّذي نَجَّستْهُ قاذوراتُ المعاصي؟
فيا
أيُّها العزيز، لأنَّ هذا الكريم الرّحيم جعلَ لسانَك مخزن جبل النُّور، أعني ذِكرَ
الاسمِ الشّريف، فمِن قلَّة الحياء تلويثُ مخزنِ السُّلطان بنجاساتِ الغِيبة،
والكذِبِ، والفُحْشِ، والأذيّة وقاذوراتِها. يجب أن يكون محلُّ مخزن السّلطان
مليئاً بالعطر وماءِ الورد، لا مملوءاً بالقاذورات.
ولا
شكَّ في أنَّك إذا لم تكن دقيقاً في المراقبة، فإنّك لنْ تعلمَ أيّ معاصٍ ترتكبُها
بجوارحك السّبعة (الأُذن، واللّسان، والعَين، واليَد، والرِّجل، والبَطن، والفرْج)
وأيّ نيرانٍ تُضرمها، وأيَّ فسادٍ تُلحقُه بدِينِكَ، وأيّ جراحاتٍ مُنكَرة تُثْخِنُ
بها قلبَك بِسَيف لسانِك وسنانه؛ وإذا لم تكُن قد قتلتَه، فذلك جيّدٌ جدّاً. إذاً،
فَالبَدار البدار إلى التّوبة الصّادقة، ثمَّ العَجل العَجل في الجِدِّ والمراقبة.
والخلاصة،
يتوجّبُ على طالب القُرب، بعد السَّعي في المراقبة:
1. قيامُ السَّحَر، لا أقلَ من ساعة أو
ساعتَين قبل طلوع الفجر وإلى شروق الشّمس، وليُصَلِّ صلاة اللّيل مع الآداب وحضور
القلب.
2.
وإذا
زادَ وقتُه فليَشتغل بالذِّكر، أو الفِكْر، أو المناجاة، لكن يجبُ أن ينشغلَ
مقداراً معيناً من اللّيل بالذِّكر بحضور قلبٍ.
3.
ولا
يخلو في جميع حالاته من الحزن، وإذا لم يكن لديه فليُحَصِّله بأسبابه.
4.
وبعد
الفراغ، فليشتغل بتسبيح سيّدة النّساء عليها السّلام.
5.
وليَقرأ
سورة (التّوحيد) اثنتَي عشرة مرّة.
6. وعشر مرّات «لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شريكَ له، له المُلْكُ ولَهُ الحمدُ، يُحيِي ويُميتُ، ويُمِيتُ ويُحيِي، وهو
حيٌّ لا يَموتُ، بيدِه الخَير وَهو عَلى كلَّ شيءٍ قديرٌ».
7.
ومائة
مرّة «لا إلهَ إلَّا الله».
8.
والاستغفار
سبعين مرّة.
9.
وليَتلُ
قدراً من القرآن الشّريف.
10.
وليقرأ
طبعاً دعاء الصّباح المعروف، أعني: «يا مَن دَلَعَ لسانَ الصَّباح..».
11.
وأنْ
يكون دائماً على وضوءٍ.
12.
وإذا
صلَّى بعد كلِّ وضوءٍ ركعتَين، فذلك جيّدٌ جدّاً.
13.
وَلْيَلتفت
كثيراً أنْ لا يَصِلَ أذاهُ إلى غيره بأيِّ وجهٍ من الوجوه.
14.
وَلْيَسعَ
سعياً بليغاً في قضاء حوائج المسلمين، لا سيّما العلماء، ولا سيّما أتقيائهم.
15.
وَلْيَجتَنب
طبعاً، طبعاً، طبعاً، كلَّ مجلسٍ هو مَظَنَّةُ الوقوع في المعصية.
16.
بل
إنّ مجالسة أهل الغفلة – دونما ضرورة - مُضِرَّةٌ، حتّى إذا كانت خاليةً من
المعصية.
17.
كثرةُ
الاشتغال بالمباحات، والإكثارُ من المزاح، وقولُ اللَّغو، والاستماع إلى الأراجيف تُميتُ
القلبَ.
18.
وإذا
انشغلَ الإنسانُ بالذِّكر والفِكْر بدون مراقبة، فسيكون ذلك بلا فائدة.
19.
لا
يصحُّ الانخداع بخديعة التّوجُّه (الخشوع) النّاشئ من الذِّكر غير المُقْتَرِن
بالمراقبة.
20.
وليَقرأ
طالبُ القُربِ سورة (القدر) ليلة الجمعة مائة مرّة.
21.
وعصرَ
الجمعة مائة مرّة.
22. ومن جملة الأبواب العظيمة الحبُّ في
اللهِ جلَّ جلالُه، والبُغضُ في الله جلَّ جلالُه. وقد عُقِدَ له في (الوسائل)
وغيرها من كُتُب الأخبار بابٌ مستقلٌّ، فارجِع إليها لعلَّك تعرف عظمتَه، وتأخذ
لنفسك نصيباً منه. لا شكَّ في أنَّ المحبوبَ الأوّل هو الذَّات الأقدس الكبريائيّة
جلَّ جلالُه، ثمّ بعده الوجودُ المقدّس، خاتمُ الأنبياء صلوات الله عليه وآله، ثمّ
بعده أميرُ المؤمنين عليه السّلام، ثمّ الأئمّةُ المعصومون عليهم السّلام، ثمّ
الأنبياءُ والملائكةُ، ثمّ الأوصياءُ، ثمّ العلماءُ والأولياءُ.
وليُرجِّح
طالبُ القُرب حبَّ الأتقياء في زمانه – لا سيّما إذا كان التّقيُّ عالماً - على حبِّ
الّذين بعده في الدّرجة، وهكذا يتنَزَّل؛ ولكنْ ليَسعَ أن يكون صادقاً في هذه
المحبّة، وليست هذه مرتبةً سهلة، إذا فكَّرْتَ فيها ستَفهم أنَّه إذا ظهَرت آثارُ
المحبّة في الحركات والسَّكَنات، فإنّ الشّخصَ المُدَّعيَ لهذه المحبّة صادقٌ، وإلَّا
فلا.
الحاصل،
لا طريق إلى القُربِ إلَّا بشرعٍ شريفٍ في كلِّ كليٍّ وجزئيٍّ.
* مختصَر عن وصيّة
أخلاقيّة وجّهها الشّيخ الهمدانيّ لبعض إخوانه، نقلاً عن كتاب (تذكرة المتّقين)
للشّيخ البهاري، ترجمة الشّيخ حسين كوراني.