الملف

الملف

28/05/2014

قراءة في الدّعاء للإمام، والتّوسُّل به عليه السّلام

قراءة في الدّعاء للإمام، والتّوسُّل به عليه السّلام

إنْ نَابَتْكَ نَائبَةٌ، واعْصَوْصَبَ الأمرُ، فَعَليْكَ بالدُّعَاء

ـــــ الشّيخ حسين كوراني ـــــ

يجري الحديث هنا عن قسمَيْن من الدّعاء:

أ) الدّعاء لمعرفته، عليه صلوات الرّحمن، والثّبات على ولايته، باعتباره حجّةَ الله تعالى على خَلْقِه.

ب) الدّعاء له، عليه السّلام، لحفظِه ونُصرته.

وفي المجالَيْن أدعيةٌ كثيرة. يُقتصَرُ في ما يلي على ذِكر الأدعية المُختصَرة والمُتَوسّطة، مع الإحالة في غيرها إلى المصادر المُختصّة.

 

ينبغي أن يُفْرَدَ كتابٌ مُستقلٌّ للأدعية الواردة في هذا المجال، لكَثرتها وأهمّيّتها.

والعنوان الأبرز في باب الدّعاء للإمام، عليه صلوات الرّحمن، أنّه ليس مَحدوداً بوقتٍ ولا مكان، ولا حالٍ دون حال، فهو وليّ الله تعالى، وكما يجبُ أن تكونَ العلاقةُ بالله عزَّ وجلَّ في كلّ حال، فكذلك هو شأن فَرعِها والباب الحصريّ إليها بأمره، جَلَّ ثَناؤه، وهو العلاقة بوليّ الله تعالى، الذي به يتوجّه سائرُ الأولياء إلى الله الواحد الأحد تَقدّست أسماؤه.

لسانُ حال المُوَحِّد المُحِبّ لله تعالى، والمُحبّ - بالتّبع - لأوليائه سبحانه:

 

خَيَالُكَ فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِي

وَمَثْوَاكَ فِي قَلْبِي فَأَيْنَ تَغِيبُ؟

***

جَاؤوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ!

لا يوجد أيّ مانعٍ شرعيّ يمنعُ من التّوسّل إلى الله تعالى بنَبيّه المُصطفى وأهل بيتِه، صلّى الله عليه وعليهم، والاستغاثة بهم.

فالغارقُ في بحار الذّنوب لا يُمكنه إلّا أن يلتجأَ إلى مَنْ أمَرَ اللهُ تعالى بالرّجوع إليهم.

والتّوسّل مَبدأٌ قرآنيٌّ واضح، وهو صَريحُ العقل، والعمودُ الفقريّ في حركة الحياة، ومُقتضى الحاجة إلى الهواء والماء والدّواء.

ومَن أنكر هذه الحقيقة الصُّراح، فَلْيَلجَأْ إلى التّوسُّل ليشفى من مرضِه العُضال الذي أفقدَه حاسّةَ الإنسانيّة الأولى في التّعامل مع البديهيّات.

***

* من نِعَمِ اللهِ تعالى علينا أنّه اختار سيّدَ الأوّلين والأخرين، خاتَمَ الأنبياء، رسولاً يبلّغنا رسالة ربّنا.

* ومن نِعَمه، عزَّ وجلَّ، أنّه أَذِنَ لنا بأن نلجأ إليه سبحانه «مِن غَيرِ شَفِيعٍ»، نُناجيه سبحانه ونطلبُ منه التّسديدَ والصَّفحَ والغُفران.

* ومن نِعَمِه، جلّت آلاؤه، أنّه أتاحَ لنا إذا مسَّنا الضّرُّ وداهَمَنا الخطر، وبلغتِ المعاصي ونتائجُها حدَّ الحاجة إلى ما يعزّز فينا الأملَ بالقبول، ويَحولُ دون تمكُّنِ اليأسِ من قلوبِنا والنّفوس، أن نقفَ بباب المصطفى الحبيب، صلّى الله عليه وآله، نستعين برسول الله ليستغفرَ لنا اللهُ تعالى: ﴿..وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾! النّساء:64.

أيّ ضُرٍّ فوق ضُرّ الذّنوب، التي يتعاظمُ ظُلمُها ليبلغَ ظلماتِ الشِّرْكِ بالله تعالى.

وأيُّ داهمِ خطرٍ يُضارِعُ خطرَها؟

وإذا كان الملجأُ في الذّنوب هو المصطفى، صلّى الله عليه وآله، فقد اتّضحَ أنّه الملجأ في كلِّ شِدّة، ثمّ إنّ الشّدائد عموماً نتائجُ ذنوب، فما يُصيبنا هو بما كَسَبت أيدينا.

* ومن نِعَمِهِ، عزَّ وجلَّ، أنّه جعلَ هذا الوقوف ببابِ رسولِه، الذي هو الوقوفُ ببابِه سبحانه، أصلاً ثابتاً ومبدأً قائماً، ما قامتِ السّماواتُ واستدارَ الوجود.

لا يُبلي الجديدان - ولا الخلود - القِيَم، فهي باتّصالها بالله تعالى فوقَ دورة الزّمن، فكيف يَخطرُ ببالِ مُحمّديٍّ أن يطويَ كَرُّ القرون، ولو وَمْضَةً من النّور الأوّل الذي خلقَ اللهُ تعالى منه كلَّ خير!!

* ومن نِعَمه، تقدّست آلاؤه، تعدُّدُ تجليّاتِ الحقيقة المُحمّديّة: مِنْ نَفْسِه المرتضى، وروحِه الصّديقة الكبرى، إلى بقيّتِه، بقيّةِ الله تعالى المَهديّ المنتظَر.

ولكلٍّ من هذه التّجلّيات المُحمّديّة والنِّعَم الإلهيّة حديثٌ ذو شجون.

ألا تَرى فيضَ اللّطفِ الغامرِ في مُجرّد فتحِ باب التّوبة، فكيفَ إذا تعدّدت سُبُلُ قبولِها وتعزّزت العواملُ المُساعدةُ لتُوفِّرِ ما لا يُمكن إلّا بالتّفضُّل وغايةِ الجُود.

«عن سلمان الفارسيّ قال: سمعتُ مُحمّداً، صلّى الله عليه وآله، يقول: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ: يا عِبادي، أوَلَيْسَ مَنْ لَهُ إِلَيْكُمْ حَوائِجُ كِبارٌ لا تَجودونَ بِها إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ عَلَيْكُمْ بِأَحَبِّ الخَلْقِ إِلَيْكُمْ، تَقْضونَها كَرامةً لِشفيعِهِمْ؟ أَلا فَاعْلَمُوا أنَّ أَكْرَمَ الخَلْقِ عَلَيَّ، وَأَفْضلَهُمْ لَدَيَّ، مُحَمَّدٌ وَأَخوهُ عَلِيٌّ، وَمِنْ بَعْدِهِ الأَئِمَّةُ الَّذين هُمُ الوَسائِلُ إِلى الله، أَلا فَلْيَدْعُني مَنْ هَمَّتْهُ حاجَةٌ يُريدُ نُجْحَها، أَوْ دَهَتْهُ داهِيَةٌ يُريدُ كَشْفَ ضَرَرِها بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ، أَقْضِها لَهُ أَحْسَنَ ما (ممّا) يَقْضيها مَنْ تَسْتَشْفِعونَ بِأَعَزِّ الخَلْقِ عَلَيْهِ..».

ألَيسَ تعدُّد الوسائل أبلغَ الرّسائل التي تختزنُ من مَنسوب الحُبّ ما يُسهِّلُ كلَّ صَعبٍ فيتحقّقُ الوصول!

سُبْحَانَكَ مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقاقِها! سُبْحانَك!

«وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِه عَلَى مَا دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ، كَانَ مَوْصُوفاً بِالإِحْسَانِ، ومَنْعُوتاً بِالامْتِنَانِ، ومَحْمُوداً بِكُلِّ لِسَانٍ، فَلَكَ الْحَمْدُ مَا وُجِدَ فِي حَمْدِكَ مَذْهَبٌ، ومَا بَقِيَ لِلْحَمْدِ لَفْظٌ يُحْمَدُ بِه، ومَعْنًى يُصْرَفُ إِلَيْه، يَا مَنْ تَحَمَّدَ إِلَى عِبَادِهِ بِالإِحْسَانِ والْفَضْلِ، وعَامَلَهُم بِالْمَنِّ وَالطَّوْلِ، مَا أَفْشَى فِينَا نِعَمَكَ! وأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَنَكَ! وأَخَصَّنَا بِبِرِّكَ، هَدَيْتَنَا لِدِينِكَ الَّذِي اصْطَفَيْتَ، ومِلَّتِكَ الَّتِي ارْتَضَيْتَ، وسَبِيلِكَ الَّذِي سَهَّلْتَ، وبَصَّرْتَنَا مَا يُوجِبُ الزُّلْفَةَ إلَيْكَ، والْوُصُولَ إِلَى كَرَامَتِكَ..». (من أدعية الصّحيفة السّجّاديّة)

لمْ يَترك أرحمُ الرّاحمين غَرقى بحارِ البُعد عنه في كلِّ عصر، وبالتّالي غَرقى تلاطُمِ الهَمِّ والغَمِّ دون رَسْمِ معالمِ السّبيل إلى شاطئ الأمن، لينعموا بالفرج.

أهابَ بالجميع: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾! المائدة:35

وأتاح لكلّ مكروبٍ أن يتلقّى من ربّه كلمات!

وكما قضى، سبحانه، أن يكونَ بدءُ الوسيلةِ والكلماتِ مُحمّديّاً، كان كذلك قضاؤه في الاستمرار ومِسك الختام.

وهل تتلخّصُ مسيرةُ الإنسان في دروب الهداية إلّا ببارقة نورٍ تلوحُ في أُفُق النّفْس، تتلوها استغاثةُ المُقيمِ في الظّلمات، ليتحقَّقَ باللّطفِ الوُصولُ، وتكونَ النّجاة.

وهل من جوهرٍ للحقيقةِ المُحمّديّة - بكلّ التّجلّيات - غير إغاثةِ الملهوف، وإنقاذِ الغريق!

لم يعرفْ تاريخُ البشريّة، ولن يعرفَ، صاحبَ أمرٍ لهذه الوسيلة المُحمّديّة تَمتدُّ إمامتُه المباشرة ظاهراً وباطناً للزّمان والمكان، والأجيال والقرون، مثلَ آخر أوصياء المصطفى الحبيب:

«خاتَمُ الولاية المُحمّديّة، ومقبضُ فيوضات الأحمديّة الذي يظهرُ بالرّبوبيّة بعدما ظهرَ آباؤه، عليهم السّلام، بالعبوديّة، فإنّ العُبوديّة جوهرةٌ كُنْهُها الرّبوبيّة، خليفةُ الله في المُلكِ والمَلَكوت، وإمامُ أئمّةِ قُطّان الجبروت، جامعُ أحديّةِ الأسماء الإلهيّة، ومَظهرُ تجلّياتِ الأوليّة والآخريّة، الحجّةُ الغائِبُ المنتظَر، ونتيجةُ مَن سَلَفَ وغَبَر، أرواحُنا له الفداء، وجعلَنا اللهُ من أنصارِه». (من إجازة الإمام الخمينيّ الفلسفيّة للميرزا جواد الهمدانيّ عام 1354 هجري قمري، صحيفه نور: ج 1، ص 4 – 6، والنّصّ في الأصل بالعربيّة)

على أعتاب انتظاره القُدسيّ، تبحثُ القلوبُ المحمّديّةُ عن طاعةِ رسولِ الله، لتُحقِّقَ طاعةَ الله تعالى.

وعلى هذه الأعتاب الرّؤوفة الرّحيمة، تَتماهى كلُّ تَموّجاتِ الحَنين إلى النّور، وتلاوينِ الحبّ والهيام، لترسمَ المشهدَ التّوحيديّ الأبهى: بنسختِه المُحمّديّة!

وبهذا الباب، وعلى هذه الأعتاب، تزدهرُ الآمال، وتُشرِقُ أرضُ العقول والقلوب بِنُور ربّها – فالمُتَّصِلُ بالمُتَّصلِ متَّصِلٌ - فتَنجلي غَياهبُ الغُربة والوحشة، وتتبدّدُ دياجيرُ الغُموم والهُموم، وتُستَبدلُ الآلامُ وتَتلاشى.

إنّه النّورُ المُحمّديُّ الذي يَهَبُ الشّمسَ بإذنِ الله تعالى الضّياءَ.

بابُ اللهِ الذي مِنه يُؤْتى!

السّببُ المُتَّصِلُ بين الأرضِ والسّماء!

إنْ نَابَتْكَ نَائبَةٌ، واعْصَوصَبَ الأَمرُ، واستَحكَم الخَطر، فتَذكَّر وصيّةَ المصطفى الحبيب لللأجيال، مبلّغاً عن أرحم الرّاحمين:

«أَلا فلْيَدْعُني مَن هَمَّتْهُ حاجَةٌ يُريدُ نُجْحَها، أو دَهَتْهُ داهِيَةٌ يُريدُ كَشْفَ ضَرَرِها بمُحَمَّدٍ وآلِه الطَّيِّبينَ الطّاهِرين».

ولا تَنْسَ أنَّ المُوحِّدَ الذي أسلمَ وجهَه لله وهو محسنٌ، يلجأُ إلى الله، تعالى، كما أَمَرَ سبحانه أن يكون اللّجوءُ إليه: ﴿..وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا..﴾ البقرة:189.

في هذا السّياق وعلى أساسِه، جَرى تحديدُ طُرقٍ مُتَعَدّدة، لمن يريدُ الإكثارَ من قَرْعِ الباب المُحمّديّ، الذي لا يُوصَدُ إلّا دون مَن أَوْصَدَهُ بسوءِ ظنّه بالله تعالى.

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

29/05/2014

دوريّات

نفحات