الصّلاة جناح التّحليق، وبُراق السّير
اِجعل نيَّتك: الثّناء على الله تعالى
بما أثنى على نفسه
ـــــ الإمام الخمينيّ قدّس سرّه ـــــ
يُبيّن الإمام الخمينيّ قدّس سرّه في هذا النّصّ المنقول باختصار عن
كتابه (أسرار الصّلاة)، مكانةَ الصّلاة في منظومة الواجبات، وأنّ لها مقامَ
الجامعيّة، وإنِ اشتركتْ مع غيرها من العبادات في كونها ثناءً على الباري تبارك
وتعالى.
الصّلاة هي بُراق السَّير، [وجَناحا] العروج لدى
أهل المعرفة وأصحاب القلوب؛ ولكلٍّ من أهل السَّير والسُّلوك إلى الله صلاةٌ مُختصّةٌ
به، وله منها حظٌّ ونصيبٌ على حسب مقامه.
وهذا هو حالُ سائر المناسك كالصَّوم والحجّ،
وإنْ لم تكن بجامعيّة الصّلاة، فـ «الطُّرُقُ إلى اللهِ بِعَدَدِ أَنْفاسِ الخَلائِقِ»
وليس للآخرين، الّذين لم يصِلوا إلى هذا المقام،
حظٌّ من صلاتهم، بل إنّ صاحبَ كلّ نشأةٍ ومَقامٍ، إذا لم يترجّل عن مركبِ العصبيّة
وحُبِّ النّفس، فهو منكِرٌ لسائر المراتب، ويرى غيرَ ما هو مُتَحقّقٌ به، من
المقامات، باطلاً وحَشواً؛ مثل الذي لم يخرج من حجاب الأنانيّة، فإنّه يُنكِرُ ما
لم يَصِل إليه من المراتب والمقامات الإنسانيّة، ويستصغرُ معارجَ أهل المعرفة
والأولياء ومدارجَهم؛ وهذا نفسُه من أكبر عَقَبات السَّير إلى الله، وأشدِّ موانع
الارتقاءات والمقامات الرّوحيّة. إذ إنّ النّفس الأمّارة تُبقيه في الحُجُب الظُّلمانيّة،
بسبب حبّه المنكَرِ لها ولزخارف الدّنيا، وتُعينُها الوساوسُ الشّيطانيّة لكي يخلدَ
إلى الأرض؛ ويصلُ بها الأمر أن تجعلَه يتوهّم أنّ صلاةَ الأولياء الكُمَّل هي
كصلاته. وإذا أَقرّ بتمايُزها، فذاك فقط من باب الآداب الظّاهريّة المُتعلّقة
بالقراءة، وطول الرُّكوع والسُّجود، وغير ذلك من أجزاء صورة الصّلاة.
وإذا تخطّى قليلاً هذا المقدار، اعتبر
غايةَ تمايزِ صلاتِهم هو بإقبال القلب في وقت الصّلاة، والتّفكُّر في معانيها
ومفاهيمها العُرفيّة، دون أن يكون له اطّلاعٌ على حضور القلب ومراتبه وأسراره
وكيفيّة اكتسابه، أو أن يكون ساعياً في الحصول حتّى على الحالة الّتي تصوّرها
لحضور القلب، أي أن يُزيلَ موانعَ ذلك، ويستحصلَ مقتضياته؛ مع أنّ صلاة الأولياء،
عليهم السّلام، لا تستسيغُها أوهامُنا، ولهم مقاماتٌ ومدارجُ أخرى في هذا السَّير
المعنويّ إلى الله.
الثّناءُ بلسان الأولياء، أفضل
المرتبة الأولى من حضور القلب، في باب العبادات،
هي حضورُ القلب فيها على نحو الإجمال، وهذه مُتيسِّرةٌ للجميع. وكيفيّتها هي أن
يُفهِمَ الإنسانُ قلبَهُ أنّ باب العبادات هو بابُ الثّناء على المعبود، ويجعلَ
القلبَ، منذ بداية العبادة إلى نهايتها، مُلْتَفِتاً بصورةٍ إجماليّة إلى أنّه مُشتغلٌ
بالثّناء على المعبود، وإنْ كان هو نفسُه لا يدري أيَّ ثناءٍ هذا، وبأيّ شيءٍ يُثني
على الذّات المُقدّسة!
ولكنّ مرتبة الكمال الأولى للعبادة، هي أن يكون
القلبُ حاضراً بمقدار: «إنّني أُثني على الله بما أَثْنى به اللهُ تعالى على نفسه،
ولهِجَتْ به أَلْسِنَةُ خاصّةِ حَضْرَتِهِ».
ولو كان يُثني بلسان الأولياء فهو أفضل، إذ
يخلو من شوائب الكَذِب والنّفاق؛ فهناك في العبادات، وخصوصاً في الصّلاة، أنواع من
الثّناء تتضمّنُ دعاوى لا يستطيعُ القيامَ بها سوى الكُمَّل من الأولياء والخُلَّص
من الأصفياء عليهم السّلام، مثل قوله تعالى: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي
فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ..﴾ الأنعام:79. ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
الفاتحة:5.
وكان الشّيخ الكامل الشّاه آباديّ،
روحي فداه [توفّي عام 1363 للهجرة]، يقول: «الأفضل أن يدعو الدّاعي في هذه
المقامات بلسانِ مصادر الدّعاء عليهم السّلام، والأفضل إجمالاً لأمثالنا، الّذين
لم تُنَقَّ سرائرُهم، ولم تنقطع تعلُّقاتهم بغير الله، أن تكون النِّيَّةُ في
الأذكار والقراءة أو أعمال الصّلاة، هي أنّها ثناءٌ ومديحٌ بلسان مصادرِها، وهو
اللهُ جلّ وعلا على وجه، والرّسولُ الخاتَم صلّى الله عليه وآله، على وجهٍ آخَر».