إعداد: خضر إبراهيم
* «الثيوقراطية» أحد أبرز المُصطلحات المستنسخة التي راج استعمالها في الشرق، مع «إسقاط» معناها ومناشئه على بيئة ثقافيّة مختلفة.
ما يلي عرضٌ مكثّف لسيرورة هذا المصطلح.
غالباً ما تُستعمل كلمة ثيوقراطية في مجال توصيف الحكومة الدينية، أو حكومة يقودها رجال الدين. ولو عدنا إلى أصل الكلمة (Theocratie)، لَلَاحظنا أنها مؤلفة من لفظين يونانيّين: ثيوس (Theos) وتعني الله. وقراطوس (Krathos) وتعني سلطة. وعلى هذا النحو من التركيب تُصبح كلمة ثيوقراطية، محددة المعنى حرفياً بـ «سلطة الله». ذلك يعني أنّ مثل هذه السلطة أو الحكومة سوف تستمدّ شرعيتَها وسلطانها، مما يُنسَبُ إلى الله من تشريعات وقوانين. ويتمُّ الأمر بالطبع، من جانب نخبة من الناس، اصطُلِحَ على تسميتهم بـ «رجال الدين». بحيث يمارسون السلطة بالنيابة عن الشريعة الإلهية، وبذلك يجمعون بين أيديهم السلطتين الدينيّة والزمنيّة. ولأنّ من سمات الثيوقراطية، أنها جامعة، شاملة، للسُلطتين، فمن الطبيعي، أن يتصرف الذي يقف على رأسها كحاكم مُطلق. وبالتالي فهو حاكمٌ لا يُخطئ في أحكامه.
في النصوص القديمة تُقدَّم «إسرائيل التوراتية» كنموذج أوّل في التاريخ عن الثيوقراطية. وبناءً على هذا النموذج أخذت هذه الكلمة تطلق على كلِّ دولة، أو حكومة، تستمدّ قوّتها المعنوية من الكنيسة.
ترسّخت الثيوقراطية في الفكر السياسي القديم على يد القدّيس أوغسطين. ففي كتابه المعروف (مدينة الله) يستند اللاّهوتي المسيحي المعروف، إلى العهدين القديم والجديد (التوراة والإنجيل) لكي يصوغ فكرته عن الدولة المأمولة.
غير أنّ مبدأ الثيوقراطية سيُثير في مجال تاريخ الفكر السياسي مناقشات لم تقف عند حد. وقد بلغت ذروتها في القرنين السادس والسابع عشر، حيث كان عصر النهضة في أوروبا يؤسِّس للقارة الفتيّة زماناً حضارياً جديداً. وهكذا فقد تراوحت المناقشات على ضفّتين فكريّتين: الأولى تقول بتسامي السلطة الإلهية (أي سلطة الشريعة وقوانينها) على كلّ ما هو زمني وأرضي. والثانية تقول العكس. حيث وَلَدَت ما أطلق عليه التيار الإلحادي أو العلماني الذي يقول بمبدأ فصل الدين عن الدولة. ولكن بعد فترة سيشهد عصر النهضة، بروز نخبة من الفلاسفة، والمفكّرين، أخذوا بمواقف معتدلة بين هاتين الضفتين من النقاش، أبرزهما جان دو سالزبوري (Jean de Salisbury) ومارسيل دو بادو (Marsile de Padoue). أمّا القدّيس توما الأكويني (Saint Thomas D’Aqnt) فقد دعا الى استقلال السلطة السياسية، وفصلها تماماً عن السلطة الدينية، ولكن كان من نتيجة موقفه هذا أن دفع الثمن باهظاً حيث رُمِيَ بالحُرم الكنسي.
في مرحلة زمنية لاحقة عاد التفكير الثيوقراطي لينمو من جديد، على يد عددٍ من مفكري اللاّهوت السياسي الأوروبي، مثل: هنريكوس دو سيغوزيو، وألفارو بالايو، وأوغسطين ترينغو الأيقوني، وسواهم. وهؤلاء دافعوا عن الثيوقراطية البابوية قائلين: إن البابا معصومٌ من الخطأ! وأنه يستمدّ سلطته الزمنيّة من الله مباشرة، وعليه أن يمارسها في جميع ميادين الحياة.
في القرن السادس عشر وبعدما انتشرت «ثقافة النهضة وأفكار التنوير»، ولا سيّما في فرنسا، أصدر البرلمان الفرنسي حكماً بالإعدام على بيليرمان (1542-1621م) Bellarmin)) والذي كان آخر المدافعين عن النظام الثيوقراطي. ومع ذلك فإن كثيرين من المفكّرين المعاصرين، لا يزالون على مواقفهم حيال السلطة البابويّة، لجهة أنّها ظلّت تشكّل النموذج المعاصر للحكم الثيوقراطي.