الأمرُ صعبٌ، والطّريق ضيِّق ومُظلم
حاسِبْ نفسكَ هنا، أو تُحاسَب هناك
أيُّها العزيز، أفِقْ قليلاً من الغفلة، وتأمَّلْ في أمرك،
وانظُر في صحيفة أعمالك، واخشَ من أعمالٍ تظنّ أنّها صالحةٌ
مثل الصّلاة والصّوم والحجّ وغيرها، في حين أنّها تكون سببَ عنائك وذُلِّك في ذلك
العالم. فحاسِب نفسك ما دامت الفرصة مؤاتية، وزِن عملك بيَدك، وزِنْه في ميزان
شريعة أهل البيت عليهم السلام وولايتهم، وتبيّن من صحّته وفساده وكماله ونقصه، واجبره
ما دامت الفرصة سانحة، والمُهلة باقية. وإن لم تحاسِب نفسك هنا ولم تصحّح أعمالك
فستُحاسب هناك، ويوضع ميزانُ الأعمال أمامك، فتواجه مصائب عظمى. اتّقِ الله في
ميزان عدله، ولا تغترّ بشيء، ولا تترك الجدّ والاجتهاد، وراجعْ صحيفة أعمال أهل
البيت عليهم السّلام المعصومين من الخطأ وتأمّل فيها، حتّى تعرفَ بأنّ الأمرَ صعبٌ،
والطّريقَ ضيّقٌ ومظلم..
عزيزي، فكّر قليلاً في الأحاديث الشّريفة، وانظر إلى الإمام
الباقر عليه السّلام المعصوم الذي بكى من شدّة عبادة أبيه وكيفيّتها. وإلى الإمام
السّجّاد عليه السّلام رغم شدّة محافظته على العبادة وكمالها، والتي بعثَتْ على
بكاء ابنه الإمام الباقر عليه السّلام، أنّه صلوات الله عليه قرأ شيئاً يسيراً من
صحيفة عمل جدّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، وأظهر عجزه. ومن المعلوم أنّ
الجميع عاجزون عن عبادة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، وأنّ النّاس عاجزون عن
عبادة المعصومين عليهم السّلام، ولكن لا يجوز للإنسان العاجز عن نيل المقام العالي
أن يترك العبادات نهائيّاً.
لا بدّ من معرفة أنّ هذه العبادات - والعياذ بالله - لا تكون
عَبَثاً، بل إنّ إبداء أهل المعرفة الحقيقيّين العجزَ والذّلّ وإلحاحهم في الدّعاء
والمسألة، [إنّما هو] من أجل أنّ الطّريق ضيّقٌ ومحفوفٌ بالمخاطر، وأنّ مضاعفات
الموت، صعبة للغاية. إنّ حالة اللّامبالاة هذه التي نعيشها تكون نتيجة ضعف إيماننا،
ووَهن عقيدتنا، وجهلنا.
إلهي أنت واقفٌ على حقيقتنا، وعالمٌ بقصورنا وتقصيرنا، وضَعفنا
وعجزنا. أنت غمرتنا برحمتك قبل أن نسألَها. وابتدأتنا بنعمك، وتفضّلت علينا من دون
طلب والتماس. نحن نعترف بتقصيرنا وكُفرنا بآلائك اللّامتناهية، ونجِد أنفسنا من
المستحقّين لعذابك الأليم ودخول الجحيم، ولا نملك شيئاً يُسعفنا ووسيلةً تُعيننا،
إلّا ما عرّفتنا به على لسان أنبيائك من التّفضّل والترحّم وسَعَة جودك ورحمتك،
فقد عرفناك بهذه الصّفات حسب فهمنا واستيعابنا. فماذا تصنع مع «حُفنة ترابٍ» إن لم
ترحَمْه وتتفضّل عليه؟