اللّفظ طريق
المعنى، والدّنيا مزرعةُ الآخرة
لا
يذهبـنّ بنور عقلِك الشيطان، ولا يلتبسْ عليك الأمرُ حتّى تقعَ في الخِذلان، فإنّ
الشيطانَ يُوَسوِس في صدور الناس بِخَلْطِ الحقِّ بالباطل، والصحيحِ بالسّقيم،
فربّما يُخرِجُك عن الطريق المستقيم بصورةٍ صحيحة ومعنًى سقيم، فيقول: «إنّ العلوم
الظاهريّة، والأخْذَ بظاهر الكُتب السماويّة ليس بشيء، وخروجٌ عن الحقّ. والعباراتُ
القالبيّة، والمناسك الصوريّة مجعولةٌ للعوامّ [الذين هم] كالأنعام، وأهلِ الصورة،
وأصحابِ القشور. وأمّا أصحابُ القلوب والمعارف والأسرار، فليس لهم إلّا الأذكارُ
القلبيّة، والخواطر السريّة التي هي بواطنُ المناسك ونهايتُها، وروحُ العبادات
وغايتها». ".." إلى غير ذلك من التلبيسات والتسويلات.
فاستعِذ
منه بالله تعالى، وقلْ له: أيها اللّعين! هذه كلمةُ حقٍّ تريدُ بها الباطل، فإنّ
الظاهر المطعونَ هو الظاهرُ المنفصلُ عن الباطن، والصورةُ المنعزلةُ عن المعنى،
فإنّه ليس بكتابٍ ولا قرآن. وأمّا الصورةُ المربوطةُ بالمعنى، والعَلَنُ الموصولُ
بالسِّرّ فهو المتبَّعُ على لسان الله ورسوله وأوليائه عليهم السلام. كيف وعِلمُ
ظواهر الكتاب والسُّنّة من أجَلِّ العلوم قدْراً و أرفَعِها منزلةً، وهو أساسُ
الأعمال الظاهريّة، والتكاليف الإلهيّة، والنواميس الشرعيّة، والشرايع الإلهيّة،
والحكمة العمليّة، التي هي الطريقُ المستقيمُ إلى الأسرار الربوبيّة، والأنوارِ
الغيبيّة، والتجلّيات الإلهيّة، ولولا الظاهرُ لما وصلَ سالكٌ إلى كماله، ولا
مجاهدٌ إلى مآله. ".."
كما
أن الباطن لا يُمكن تحصيلُه إلّا عن طريق الظّاهر، فإنّ الدنيا مزرعةُ الآخرة. فمَن
تمسّك بالظاهر ووقفَ على بابه قصَّر وعطَّل، ويردّه الآيات والروايات المتكاثرة
الدالّة على تَحسين التدبّر في آيات الله، والتفكُّر في كتُبه وكلماته، والتعريضِ بالمُعرِض
عنهما والاعتراض على الواقف عند قِشرهما. ومَن سلكَ طريقَ الباطن بلا نظرٍ إلى الظّاهر،
ضلَّ وأضلَّ عن الطريق المستقيم. ومَن أخذ بالظّاهر وتمسّكَ به للوصول إلى الحقائق،
ونظرَ إلى المرآة لرؤية جمال المحبوب، فقد هُدِيَ إلى الصّراط المستقيم، وتلا
الكتاب حقَّ تلاوته، وليس ممّن أعرض عن ذِكر ربّه، واللهُ العالم بحقيقة كتابه..