ثقافة المقاومة

ثقافة المقاومة

01/06/2011

السيّد هاشم صفي الدين‏

السيّد هاشم صفي الدين‏*

«يَندُر في تاريخ الأُمَم أن تجد أُمّة حقَّقت ذاتها وسلكت درب الحريّة، والرُّقيّ، والعَظَمة، من دون أن تقوم بفعل المقاومة التي تعبِّر عن إرادةٍ منبثقةٍ من قناعة وخلفيّة فكريّة».
 في ما يلي تقدّم «شعائر» مقاربة سماحة السيّد هاشم صفيّ الدين لثقافة المقاومة، في هذه المقالة القيّمة.

إنَّ مقاومة أيّ شعب هي التجسيد الأروَعُ لإرادة الحياة الكريمة، وهي الطريق الأمثل لتحقيق القِيَم الإنسانيّة من أجل رفع الأثقال والأغلال عن كاهل المظلومين والمضطّهدين. وهي في قاموس الشعوب الذخيرة الوجدانيّة، والمرجع الصالح، والذاكرة التي لا تموت، لأنّها تَنطوي على أرفع المعاني التي تُوجب الإفتخار والإعتزاز، لتكون الحقيقة المُمتدّة في تاريخ الشعوب، ولِتغدوَ جزءاً من التكوين الثقافي الذي يستحقّ اهتمام الباحثين، والمفكِّرين، والمؤرِّخين، والأدباء، وأهل الفنّ والإعلام؛ فيتناول كلُّ صنفٍ من هؤلاء هذه الأمثولة بطريقته الخاصةّ، في مساهمة فاعلة لترسيخ انتماءٍ جامعٍ لكلِّ الأجيال التي تتغنّى بتاريخها، وبطولات قادتها وعُظمائها، والتي تطرَبُ لها الأحاسيسُ لمجرَّد ذكرها، وتتفاعل مع كلِّ تفاصيلها بكلِّ زهوٍ وشعور بالإعتزاز، الذي يؤكِّد الصِّدق والجدارة. ذلك لأنّ الأمَّة التي لا تُضحِّي من أجل ذاتها وهويَّتها، ليست جديرة بالحياة، فضلاً عن البقاء.

واقع الأمّة

إنَّ أُمّتنا التي نفخر بِعَراقتها وحضارتها وإنجازاتها بين الشعوب والأُمَم، قد طاولها من الظُّلم والإعتداء على مدى قرنٍ كامل كلّ أنواع التعسُّف والإستعباد، وواجهت كلّ المراحل الماضية بقوَّةٍ وثباتٍ، وأنتجت الثورات والمقاومات تحت عناوين مختلفة، وفي مناطق مُتعدِّدة، إلى أن وَصَلت إلى مرحلةٍ تُشبه الإنهاك. ولم يكن هَوْلُ ما أصابها كافياً لإسقاطها، وهي التي تعوَّدت بفكرها، وتاريخها، ورجالها أن تتحمّل أصعب الظروف، لكنَّ المشكلة التي جعلتها في مَوْقِع الخطر الحقيقي والاستحقاق الأدْهى، هو أنّها بدأت تُدفَع باتِّجاه الخروج من الذات والإنقلاب على الهُويَّة، هذا الخطر هو أشدُّ ما واجهها. فإنَّ مراحل الإحتلال والإنتداب والتقسيم إلى بلدان ودُويلات وأعراق ومذاهب، وصولاً إلى مرحلة زَرْع الكيان الصهيوني في قلب عالمنا الإسلامي والعربي، كلُّ هذا تمَّت مواجهتُه وقُدِّمَت مئات الآلاف من الشهداء في سبيل ذلك.
من الصعب أن تجد مرحلة لم تكن حافلة بالمقاومة العسكريّة، والثقافيّة، والإقتصاديّة. لكن ما عَسَى هذه الأمَّة أن تفعل حيال هذا الحشد الطاغوتي المتتالي، الذي سَخَّر كلّ قِوَى العالم الماديّة والمعنويّة والسياسيّة، والمُترافِق مع سَيْلٍ من الدعاية الكاذبة ووسائل التأثير على الشخصيّة بغية إفراغها من كلِّ مضامين القوَّة فيها، حتّى وجدنا أنَّ بعض القادة، وحتّى بعض العلماء والمُفكِّرين، قد نالهم من هذا التأثير والضغط ما جعلهم في غير المَوْقع الصحيح.
إنّ حصول المجازر وعمليَّات التشريد والطَّرْد من الأرض المُقتطَعة أو المُحتلَّة، وإنَّ وقوف القرارات الدوليَّة، والسياسات العالميّة، ومصالح ذوي النفوذ وراء هذه الهجمات المُتتالية، كان -في كثير من الأحيان- مَبعثاً على اليأس، والضعف، والهَوان. ولا ننسى الأثر السيِّئ للخيبات المتتالية على مدى عقود، مع ما مرَّت فيه الأمّة من مشاهد الخيانة والنكوص وبيع الكرامات من قِبَل بعض الحكَّام والمأجورين. كلّ هذه الأمور أَوْصلت الأمَّة إلى أَسوأ حالاتها في الإنحدار والسقوط؛ حتّى لقد أصبح الكلام عن مَنطِق الحقّ في بعض المراحل، كلاماً غير واقعي وخارج سياق الأحداث، واضطُررنا للقبول بِقَلْبِ المعادلات، وصولاً إلى الإنقلاب على القِيَم، وهذا أسوأ ما وصلنا إليه.

مهمَّتان أساسيَّتان‏

لا أريد الوقوف عند تاريخٍ معلوم، ووقائع واضحة للجميع، من أجل التوصيف أو التبرير أو التبرُّؤ من واقعنا.. لكن ما أَريده هو أن أختصر عوامل الإنهيار والتراجع التي فعلتْ فِعلها في إِنسانِنا، وكادت أن تُفرِغ شخصيَّته من عوامل القدرة والإنتماء، حتّى لقد أصبحت الثقافة البديلة الوافدة هي المعيار، وهي المُحرِّك، وهي الفاعل في مُجريات الأحداث، ولِأقول وبكلّ وضوح إنّ مقاومتنا الغالية والعزيزة في لبنان، نشأت في مثل هذه الظروف، وكان يقع على عاتِقِها تحقيق مُهمَّتَين أساسيَّتَين:
1-  مواجهة المُحتَلّ، وإخراجه من أرضنا التي دُنِّست بِفِعْل احتلاله.
2- مواجهة الواقع البائس من أجل تجاوز كلّ العقبات والموانع المثقلة بِتَراكمات مأساويّة، جعلت هويَّتنا الثقافيّة الأصيلة غريبة في مجتمعها وأُمَّتها.
وقد كان جَليَّاً للمقاومة وأبنائها في البداية، أنَّ الإنتصار في المُواجهة الثانية هو الذي يؤسِّس للإنتصار في المُواجهة الأولى، ولذا كانت المهمَّة شاقَّة ومُكلِفة. المقاومة من هنا بدأت، وقامت بدَوْرٍ عظيم وتاريخي، لم تغادره على مدى أكثر من عشرين عاماً، واجهت فيها الوحدة والغُربة، حتّى لقد أُلحِقَت بها النُّعوت المُشِينة، وكان عليها أن تَصمد ولا تَسقط. إنَّ هذا الواقع فرض على المقاومة جهداً إستثنائيّاً، اصْطُلِح عليه بالعودة إلى الذات وإعادة ترميم الهويَّة الثقافيّة في الشخصيّة المُنكسرة، والتائهة، والمُتحيِّرة. وقَبِلتْ هذا التحدِّي، وكان عليها أن تَكسر كلَّ القُيود، وأن تعمل ليل نهار من أجل إرساء قواعد جديدة في الصراع، بعيداً عن كلِّ الأساليب المَمْجوجة، والتجارُب الفاشلة.

المهمَّة الصعبة

في الظاهر كانت المقاومة تُمارس عملاً عسكريَّاً وإعلاميَّاً، لكنَّها من ناحيةٍ أُخرى كانت تعيش في داخلها ومجتمعها جهاداً مُضنِياً، يَهدِف إلى إعادة الإعتبار للقدرة الفكريّة والثقافيّة في إثباتٍ عَمَليٍّ تجريبيٍّ، بات لا ينفع معه الكلام والنظريّة، والتَّغنِّي بالأمجاد، والرُّكون إلى الإستدلالات العقليّة والمنطقيّة والتاريخيّة فقط. كان المطلوب أن تُعادَ الثِّقة بالمعنى الفعلي إلى هذا الإنتماء الحضاري، الذي كادت أن تَتَقطَّع أوْصاله وشرايينه بفعل الهزائم المُتتالية.
ويُمكن هَهنا تخيُّل حجم المهمَّة الصعبة التي يغفل عنها أغلب الناس عادةً، ولا يُعيرونها الأهميّة اللّازمة، لكنّها هي الحقيقة والسَّنَد الخلفي، والمَدَد الروحي، الذي كان المنشأ الفِعلي لِكلِّ النتائج الباهرة التي حصلنا عليها بفعل المقاومة ومجاهديها.
 من خلال هذه النظرة الفاحصة والثاقبة، يُمكننا أن نُدرِك المهمَّة التي قام بها ثُلّة من العلماء والأساتذة والمُثقَّفين الذين كانوا يقومون بدور بثِّ العقيدة وروح التضحية والثبات من الموقع الجهادي المباشر، وإنّ مجرد التدقيق في عطاءٍ جليلٍ للشهيد السيِّد عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب وغيرهما، مِمَّن استُشهِدوا أو لم يُستَشهدوا، مِمَّن عُرفوا أو لم يُعرَفوا، يُلفتنا إلى طبيعة المهمَّة الثقافيّة الشاقَّة في ظروفٍ غير مُؤاتية، وبيئة غير مُساعِدة. فيا تُرى أيَّة ثقافة ستُقدّم لهذا الجيل المُحاصَر، والمُتعَب، والمُثقَل بالنَّكبات، دون أن يكون فعلُه رَدَّة فعلٍ فقط، بل ليكون منسجماً في إطار مشروعٍ مُتكامِلٍ. كيف ستُقنِعُهُ والهزيمة والإحباط يَلُفَّان كلّ حياته، وهو منذ أن فتح عينه على هذه الدنيا تُطفأ في وجهه كلُّ ملامِح الأمل والطموح، وهو يرى عَدُوَّه يَتغطرَسُ في كلِّ شي‏ءٍ، ويُسيْطر على كلِّ شي‏ء.
 في مثل هذه الأوضاع، لا يكفي أن تُحدِّثه عن موسى عليه السلام والسَّحَرة، وعن إبراهيم عليه السلام والنّمرود، وعن عيسى عليه السلام واليهود، وعن محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وحصار الشِّعب أو المدينة، لأنّه كان يعلم أنّ هذه المعارف كانت موجودة، ولربَّما بشكلٍ أفضل عند مَن سَبَقه في التجربة ولم يُفلِح. في مثل هذه الأوضاع، كان المطلوب أن تُقدِّم له نماذج فعليّة تَقتدي بموسى وإبراهيم وعيسى ومُحمَّد صلوات الله عليهم أجمعين. كان المطلوب أن تدفع في هذه التجربة بكلِّ قوَّة الثقافة، والتاريخ، ودفع الروح، من أجل إخراج الفِكْر والإنتماء إلى حَيِّز الواقع، لِتُقدِّم تجربة حيَّة مصحوبة بعلامات الصحَّة وشواهد الصدق. نعم، إنَّ العمل الثقافي الذي اختارَته المقاومة قد لا يكون مألوفاً في أسلوبه عند أهل الثقافة وبِحَسَب الأعراف السائِدة. وأحياناً كثيرة -وإلى أيّامنا هذه- نسمع انتقاداتٍ تُوجَّه لهذه الثقافة، التي تُغاير المصطلحات والأنماط التقليديّة الموجودة. ونحن، وإن كنّا لا نلوم البعض لأنّنا نُقدِّر حجم المؤثِّرات البيئيّة والمتغيِّرات الفاعلة والمتراكمة، لكن كنّا ندرك أيضاً أنَّ الثقافة الأصيلة، بمعنى الإنتماء الحضاري الفعلي، هي دَوْر قبل أن تكون مُصطَلحاً، وهي رسالة قبل أن تكون تقليداً، وهي ذات غاية سلوكيّة وعمليّة قبل أن تكون نقاشاً ذاتيّاً أو ذهنيّاً.

ميزات ثقافة المقاومة

ولهذا كلّه امتازت ثقافة المقاومة بالعفويّة التي لا تتنافى مع عُمْق الخلفيّة، وتكوين الرُّؤية الشامِلة. إمتازت بحضور القِيَم ذاتها في التجربة، دون الإقتِصار على مفاهيمها ومصطلحاتها. فمثلاً كربلاء ومعانيها السامية والخالدة، حَضَرت في وُجدان المُجاهدين ومجتمعهم بين شهيدٍ، وجريحٍ، وأسير. كما تَجلَّت بطولاتها في الأبطال من الشهداء والمقاوِمين ذوي العزم، والصبر، والإقدام.
من النِّقاط الهامّة والمُثيرة في هذه المجال، هو هذا التوازُن الذي حفظَته المقاومة بثقافتها لتبقى في منأىً عن الشَّطَط الذي يَتعرَّض له عادةً مَن يقوم بهذا الدَّوْر الجهادي، والذي يُواجه ضغوطاتٍ هائلة، وهذا ما تَجلَّى بوضوح من خلال اندماج المقاومة مع أهلها. والأبرز هو ما حصل بعد التحرير مباشرةً، حيث تقدَّمت الرحمة والإستيعاب والمصلحة على ما عداها من مفاهيم تَحْضُر في مثل هذه الحالات، كالإنتقام والثأر، وكأنّه تلبِية للنداء «اليوم يوم المَرحمة». هذا المشهد الغريب على أبناء الوطن والمُجتمع، والذي جَسَّد القُدوة الصالحة في الإنقياد التامّ للفِكر والشريعة، هو أحد أهمّ التعابير عن صدقيّة المقاومة، وثقافة أبنائها المُلتزمين، لِيُثبِتوا للعالم كلّه الذي كان يراقب هذه اللّحظة، أنّ المقاوَمة ليست ردّ فعل فحسب، بل هي مشروع كامِل يَرتكِز على ثوابِت فكريّة، ودينيّة، ووطنيّة جامِعة. ولعلَّ هذا التوازن هو أحد الأسباب الرئيسيّة التي حافظت المقاومةُ من خلالها على حيويَّتها وتألُّقها، بل تمكَّنت من أن تُثبِت كذب بعض الأدعياء الذين كانوا يصرُّون على وَصفِها بِنُعوتٍ سيِّئة، ويريدون إظهارها بموقع المُهدِّد للآخرين ومصالحهم. فإذا بها أَحرَص على الوطن، والمجتمع، والناس من كلِّ هؤلاء. إذا كان القتال بذاته دفاعاً عن المُقدَّسات وفي وجه الإحتلال يقتضي إظهار جانب القوَّة التسليحيّة والتخطيطيّة والإعلاميّة، فإنَّ التجربة أَثبتت أنَّ المقاومة تَمتلِك مخزوناً ثقافيّاً إيجابيّاً هائلاً يفتح القلوب على الآخرين، ويَمدُّ الأيدي إليهم، ويحترم آراءهم، من دون أن تُلزِم أحداً بموقفها، ومن دون أن تَتَخلّى عن دورها.
مع المقاومة بدأنا نشعر أنّنا نقترب أكثر من ذَواتِنا وتاريخنا وحضارتنا، بل بدأنا نرى أنّ هويَّتنا الثقافيّة تزداد تأصُّلاً وإنتاجيّة، وبالتالي، فإنَّ الإتِّجاه المُعاكِس نحو الثقافة البديلة والغربيّة سوف يضمُر. إنَّ هذا الإنجاز الثقافي هو أكثر ما تَفخَر به المقاومة، وليس هناك أغلى من الثقة بالذات، لأنّها ركيزة الإنطلاق نحو الحريّة والإستقلال، بل هي المِعيارُ الطبيعي لِيَعيش كلٌّ مِنَّا إنسانيّته، ولِيكون مؤهَّلاً لِحَمْل القِيَم الرَّبانيّة، فضلاً عن أن يكون داعية لإرساء هذه القِيَم وتَرسخيها.

الصورة المُشرِقة للتاريخ‏

ومع بدايات الإنتصارات والنجاحات، أَحسسْنا جميعاً أنّ الصورة المُشرِقة لتاريخنا بدأت تُطلُّ من جديد، وأُعيدَت الحياة إلى القِيَم الأصيلة، والكرامة، والمعاني النبيلة، التي أضاءت الطريق للأجيال الوالِهة والعاشقة لِذاتها التي جُبِلَت عليها. وبهذا المعنى، اعتقدنا أنّ المقاومة هي فعلٌ ثقافي بامتياز، وتجربة يَمتلكها كلُّ الأحرار في أُمَّتنا، بل هي طريقٌ لِلخلاص، وخشبة للإنقاذ، لإعادة صياغة الهويّة، والتي بِفضلها فقط يُمكننا أن نتحدَّث عن أيّ مُستقبل نُنشِده لِأمَّتنا وأوطاننا الحائرة في خِضمِّ الجدليّات القائمة اليوم في العالم، ولِنكون على بيِّنة في مواجهة أيِّ استحقاق نعيشُه، ونطمح من خلاله إلى الإستقلال الحقيقيّ التامّ والناجز، بعيداً عن الأوهام الضالّة والمُضَلِّلة.

التفاعُل بين ثقافة المقاومة والأُمَّة

ولأنّ ثقافة المقاومة مُنطلِقةٌ من الأمَّة ذاتها وفِكْرها، كان تفاعُلها مع أبناء الأُمَّة إنسيابيّاً وتلقائيّاً بعيداً عن أي تكلّف أو بذلٍ لجهود إضافيّة مُستورَدة من خارج أُطُر الأمَّة وتَشَكُّلاتها. وفي  الوقت ذاته، ومن خلال هذا التفاعل، وَفَّرت فرصة تفاعل ثقافي هائل في مختلف الإتّجاهات. ولأنَّها كذلك، كانت اتِّجاهاتُ العقل والروح والمشاعر فيها واحدة، فأَنتَجت فكرها وأدبها وثقافتها. وإنّ الناظر إلى حجم الآثار العظيمة لهذا الفعل المُقاوِم، يرى من الطبيعي أن تَنبري الأقلام الصادقة لِتَكتب عن المقاومة، ولتحكيَها نثراً أو شعراً أو رواية، وبأيّة وسيلة مُمكنة. ولطالما كنَّا نعتقد أنّ الكلمة الصادِقة هي قَرينٌ دائم للمقاومة الصادقة، كما نعتقد أنّ المسؤوليّة مُشترَكة في حِفظ هذه القِيَم الثقافيّة التي أنتَجَتْها، من أجل أن نسير معاً وسويّاً لإكمال الطريق والنهج، الذي قطعنا لغاية الآن الشوط الأكبر فيه، وما بقي منه هو الأقلّ صعوبة.
 أقول هذا على الرغم من كلِّ الضباب الكثيف الذي يُحيط بواقعنا السياسي كأمَّة، بدءاً من الواقع العراقي ومآسيه، مروراً بفلسطين والمظلوميّة الكبيرة، وصولاً إلى لبنان الذي ادلَهَمَّت عليه الفِتَن والمصائب؛ فإنّ اشتداد الإبتلاءات لن تزيد المجاهدين إلّا صبراً ومُضيّاً في هذا الطريق. نعم هو المنطق الذي بَدأْنا به منذ البداية، نعود لنؤكِّده من جديد في مواجهة الضغوطات والتهويلات الأميركيّة والدوليّة المُتكرِّرة على لبنان ومقاومته، ولِنقول بوضوح وطُمأنينة إنّ الذي لم يَتمكَّنوا من أن يفعلوه بالسلاح والمجازر على مدى أكثر من عشرين عاماً، لن يتمكَّنوا من أن يُحقِّقوه اليوم بالضغط السياسي والتهويل، وذلك لأنَّنا نُدرك طبيعة المواجهة، كما نُدرك نقاط ضعفهم جيّداً. وكلّما مرَّت الأيّام، تأكَّد لهم بشكلٍ أوضح وأجلى أنّ المقاومة متجذِّرةٌ في مجتمعنا، لأنَّها ذاتُ امتداد ثقافي وحضاري، فهي ليست فكرة طارئة مُنقطِعة الجذور، بل هي شجرة طيِّبة تُؤتي أُكُلها كلَّ حِين بإذن ربِّها. وتأكَّد لهم أيضاً أنَّ المقاومة التي تُمثِّل هذا الوجدان الوطني، وهذه الثقافة الأصيلة، هي أَثبتُ وأَكبر من أن تُمحى بقرارٍ دوليٍّ أو ضغوطات ظرفيّة. وها هم اليوم يُقِرُّون ضِمناً بعدم إمكانيّة اقتلاع المقاومة، حينما يَتحدَّثون عن تمثيلها الشعبي الذي فَرَض نفسه، وعن مشاركتها الحكوميّة التي لا يمكن تَجاوُز حقّها فيه. ونحن نعلم جيّداً أنّهم لو كانوا قادرين على قَهْر المقاومة، وسلاحها، وأبنائها بالقوّة، لَمَا تردَّدوا لحظة واحدة، بينما المقاومة ما زالت حاضرة في الساحة ".." بينما أمريكا تموت بِغَيظها وتنفرد في موقفها. واهمٌ مَن يَظنّ أنّ المقاومة ستتخلّى عن دورِها الطليعي في حمل همّ الأمة والوطن، وأنّ التاريخ والتجارب علَّمتْنا جيداً أنّ ثقافة البقاء مرهونه بثقافة المقاومة، وأعتقد أنَّ هذا ما يُخيف مَن يجب أن يَخاف، و يجعلنا مطمئنِّين في آنٍ واحد.

 * رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله‏.


اخبار مرتبطة

  إصدارات : دوريات

إصدارات : دوريات

02/06/2011

  إصدارات : كتب أجنبية

إصدارات : كتب أجنبية

02/06/2011

  إصدارات : كتب عربية

إصدارات : كتب عربية

02/06/2011

نفحات