وصيَّة الشيخ المامقاني لولده

وصيَّة الشيخ المامقاني لولده

01/06/2011

الفكرُ يُوصل إلى الله تعالى والعبادة إلى ثوابه

إعداد: علي حمّود

يقول الشيخ عبد الله المامقاني في مقدّمة وصيّته لولده: «إنّي لمّا وجدت قِصر الأعمار، وعدم اعتبار الآجال، ووجدت الأجل إذا جاء لا يُمهل، والموت إذا فاجأ لا يستقدِم ولا يستأخِر، وخِفتُ أن يُدركني الأجل قبل تربية ولدي وفلذة كبدي، سميّ والدي محمّد حسن، فرأيت أن أفرِد رسالة تتضمّن وصاياي إليه، وإلى سائر ذريّتي وأحبّائي، ممّا يدور مدار الإلتزام به كماله، وصلاح دارَيه».
ما يلي مقتطفات من كتاب (مرآة الرّشاد في الوصيّة إلى الأحبّة والذريّة والأولاد) للشيخ المامقاني رضوان الله عليه. 

إعلم بُنيّ، أنَّ الله سبحانه وتعالى يحبّ جميع مخلوقاته حبّاً شديداً، كما هو الشأن في كلّ صانع بالنسبة إلى صنعته، وأنّه عزّ وجلّ إنّما أوجب الواجبات، وسنّ المستحبّات والآداب، وحرّم المحرّمات، ونزّه عن المكروهات، جلْباً للمصالح إلى عباده، ودفعاً للمضارِّ عنهم، وإلّا فلا يضرّه عصيان العاصي، ولا تنفعه طاعة المُطيع، لأنّه تعالى غنيٌّ على الإطلاق، وإنّما مقصده من تشريع الأحكام إصلاح حال العباد، وإيصال النفع إليهم، ودفع الضرر عنهم في المبدأ والمعاد.  وإذا كان كذلك، فترك الإنقياد لأوامره ونواهيه –مع كونه مخالفاً للعقل المستقلّ بوجوب شكر المُنعم وإطاعة المولى– يكون سَفَهاً، لِكونه تركاً لما يرجع نفعُه إلى النفس، وإدخالاً للضرر على النفس، وتفويتاً للمنافع عليها وظلماً لها.
فإيّاك بنيّ والعصيان، فإنه يجلب إليك خذلان الدنيا وعذاب الآخرة .. ألا ترى إلى جدّنا آدم عليه السلام بخطيئة واحدة طُرِد من الجنّة.

التحذير من الكسل، وصرف العمر فيما لا ينبغي

وإيّاك بنيّ والكسل والبطالة ومقدّماتهما، فقد قيل: إنّ الشيطان والنفس الأمّارة إذا عَجِزا عن أن يُزيّنا القبيح ويقبّحا الحسن من الأعمال، توجّها إلى إعمال ما يؤدّي إلى الكسل والبطالة، ممّا هو زائد على مقدار الضرورة والحاجة من الأكل، والشرب، والنوم، والراحة، وجمع المال، وصرف الأوقات في التفرّجات، والتنفّسات، والمخالطات، والمكالمات وغيرها، فيُزيّنان كلَّ واحد منهما حتى يرتكبه العبد، ويحصل له منه الكسالة والبطالة، وتضييع الأوقات الشريفة.
وإيّاك بنيّ وصرف العمر فيما لا ينبغي، ولا ينفعك في الآخرة، لأنّ كلّ آنٍ من آنات عمرك جوهرة ثمينة، بل أعزّ منها، لإمكان تحصيل الجوهرة بالكسب والكدّ دون العمر [حيث إنه لا يحصل بالكسب]، فإنّ الأجل إذا جاء لا يستأخر ساعة، فإيّاك بنيّ من إذهاب هذه الجوهرة هدراً وضياعاً.
(...) وورد أنّ العاقل من يعمل في يومه لغده قبل أن يخرج الأمر من يده، وأنّ الكيّس مَنْ دان نفسه وعمل لِما بعد الموت، والأحمق مَن أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله المغفرة.

ثمرة التفكّر

فأوصيك بنيّ به، فإنّه من أعظم أسباب تنبّه النفس، وصفاء القلب، وله مدخلٌ عظيم في رفع الكُدورات، وكسر الشهوات، والتجافي عن دار الغرور، والتوجّه إلى دار الخلود والسرور، وإنّه رأس العبادات ورئيسها، ولبّ الطاعات بل وروحها.
وعُلِّل بأنّ الفكر يُوصل العبد إلى الله سبحانه، والعبادة توصله إلى ثواب الله عزّ وجلّ، والذي يوصل إليه تعالى خيرٌ ممّا يوصل إلى ثوابه، وبأنّ الفكر عمل القلب، والعبادة عمل الجوارح، والقلب أشرف من سائر الجوارح، فعملُه يقتضي أن يكون أشرف من عمل سائر الجوارح.
وإنّ من التفكّر ما يُنجي الإنسان من النار، كما نجا الحرّ بن يزيد الرياحي بتفكّر ساعة ".." ولو كان تعبّد سنة -بل سنين- لم تكن عبادتُه تنفعه مع ما كان عليه، ولكنْ تفكُّر ساعة نفعه ونجّاه، ولذا جُعل تفكّر ساعة خيراً من عبادة سبعين سنة.

القناعة والإعراض عن الدنيا

والتزِمْ بنيّ القناعة، وأعرض عن الدنيا وزينتها، ولا ترجو الخير من الدنيا التي أهانت حُسيناً السبط عليه السلام واختارت يزيد، بل شيمتُها تقديم المفضولين وتأخير الفاضلين.
واعلم بنيّ -صانك الله تعالى من المكاره– أنّ راحة الدنيا في الإعراض عنها، لأنّها دار عناءٍ وتعب، لا دار راحة، وأنت إذا حَنّت نفسك إليها جذبتْك، وعن الآخرة صرفتك، وعن التقوى منعتك، وبأباطيلها غرَّتك، وبِخُدَعها جذبتك، على أنّك إن رغِبْتَ في الدنيا كنتَ دائماً في كدٍّ وأذيّة، لأنَّ النفس مثلُها مثل جهنّم تقول: هل من مزيد، فإنّها في كلِّ مرتبةٍ غيرُ راضيةٍ ولا قانعة، وللمرتبة الأعلى منها طالبة، وبِهَمِّ فقدها [المرتبة الأعلى] مُبتلية، ولو تركْتَها استرحتَ من همِّ فقدها، وأنِستَ بفرح رفضها، وقرَّتْ عينُك عند لقاء ضرَّتها، وهي الآخرة.


اخبار مرتبطة

  إصدارات : دوريات

إصدارات : دوريات

02/06/2011

  إصدارات : كتب أجنبية

إصدارات : كتب أجنبية

02/06/2011

  إصدارات : كتب عربية

إصدارات : كتب عربية

02/06/2011

نفحات