موجز في التعريف بسورة الجنّ
مَن استقامَ
على الولاية... أُشْرِبَ قلبُه الإيمان
ــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــ
* السورة الثانية والسبعون في ترتيب سوَر
المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «الأعراف».
* سُمّيت بـ «الجنّ» لابتدائها بقوله تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ
اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ..﴾، ولكون أكثرها جاء حكايةً على لسان الجنّ.
* آياتها ثمانٍ وعشرون، وهي مكّيّة، مَنْ
قرأها «أُعْطِيَ بِعَدَدِ كُلِّ جِنِّيٍّ وَشَيْطانٍ صَدَّقَ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَ بِهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ»، كما في
الحديث النبويّ الشريف.
* ما يلي موجز في تفسير السورة المباركة
اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين) للشيخ عبد علي الحويزي رحمه الله، و(الميزان) للعلّامة السيّد محمّد
حسين الطباطبائيّ رحمه الله، و(الأمثل) للمرجع الدينيّ الشيخ
ناصر مكارم الشيرازيّ.
|
إنّ كلمة «الجِنّ» في الأصل بمعنى الشيء الذي يُستر
عن حسّ الإنسان، فيقال: جَنَّه الليل، أو فلمّا جَنَّ عليه الليل، أي
عندما غطّته ستارةُ الليل السوداء. ويقال «مجنون» لمَن فقد عقله، أي سُتر، و«الجنين»
للطفل المستور في رحِم أمّه، و«الجَنّة» للبستان الذي تغطّي أشجارُه أرضَه،
و«الجَنان» للقلب الذي سُتر داخل صدر الإنسان، و«الجُنّة» للدّرع الذي
يحمي الإنسان من ضربات الأعداء.
والمستفاد من آيات القرآن أنّ «الجِنّ» نوع
من الموجودات العاقلة قد سُترت عن حسّ الإنسان، وخُلقت من النار، أو من مارجٍ من نار،
أي من صافي شعلتها، وإبليس من هذا الصنف.
وقد عبّر بعض العلماء عن «الجنّ» بأنّها نوع من
الأرواح العاقلة المجرّدة من المادّة، وواضح أنّ تجرّدها ليس كاملاً، فما يُخلق من
المادّة فهو مادّي، ولكن يمكن أن يكون نصف تجرّد لأنّه لا يُدرك بحواسّنا، وبتعبير
آخر: إنّه نوع من الجسم اللطيف.
ويستفاد من الآيات القرآنية أيضاً أنّ الجنّ فيهم
المؤمن المطيع، والكافر العاصي، وأنّهم مكلّفون شرعاً، ومسؤولون.
سببُ النزول
عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: «.. انطلق
رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء،
فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكُم؟
قالوا: حيلَ بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت علينا
الشهُب.
قالوا: ما ذاك إلّا من شيءٍ حدث! فاضرِبوا مشارقَ
الأرض ومغاربها. فمرّ النّفر الذين أَخذوا نحو تهامة بالنبيّ صلّى الله عليه وآله،
وهو بنخلٍ عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن
استمعوا له، وقالوا: هذا الذي حالَ بيننا وبين خبر السماء.
فرجعوا إلى قومهم وقالوا: ﴿..إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا
عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾
الجنّ:1-2، فأوحى إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله:
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا..﴾ الجنّ:1».
محتوى السورة
تشير السورة إلى قصّة نفرٍ من الجنّ استمعوا
للقرآن فآمنوا به وأقرّوا بأصول معارفه، وتتخلّص منها إلى تسجيل نبوّة النبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم، والإشارة إلى وحدانيته تعالى في ربوبيّته، وإلى المعاد.
1) وفي القسم الأوّل من الآيات (1-19) تصحيح لما
حُرّف من معتقدات حول الجنّ.
2) والقسم الثاني (20- 25) يشير إلى التوحيد والمعاد.
3) والقسم الأخير (26-28) يتحدّث عن عِلم الغَيب
الذي لا يعلمه إلّا مَن شاء الله.
فضيلة سورة الجنّ
* عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله، أنّه
قال: «مَنْ قَرَأَ سورَةَ الجِنِّ، أُعْطِيَ بِعَدَدِ كُلِّ جِنِّيٍّ وَشَيْطانٍ
صَدَّقَ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَ بِهِ عِتْقَ
رَقَبَةٍ».
* وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «مَنْ
أَكْثَرَ قِراءَةَ ﴿قلْ أُوْحِيَ﴾ لَمْ يُصِبْهُ في الحَياةِ الدُّنْيا شَيْءٌ مِنْ
أَعْيُنِ الجِنِّ وَلا نَفْثِهِمْ، وَلا سِحْرِهِمْ، وَلا كَيْدِهِمْ، وَكانَ مَعَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَيَقولُ: يا رَبّ، لا أُريدُ
مِنْهُ بَدَلاً، وَلا أَبْغي عَنْهُ حِوَلاً».
تفسيرُ آياتٍ من سورة الجِنّ
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ..﴾ الآية:6.
* الإمام الباقر عليه السلام: «كانَ الرَّجُلُ
يَنْطَلِقُ إِلى الكاهِنِ الّذي يُوحِي إِلَيْهِ الشَّيْطانُ، فَيَقولُ: قُلْ للشَّيْطانِ:
فُلانٌ قَدْ عاذَ بِكَ».
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى
آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ الآية:13.
* الإمام الكاظم عليه السلام: «الهُدَى الوِلايَةُ
".." فَمَنْ آمَنَ بِولايَةِ مَوْلاهُ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً».
قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ الآية:16.
* الإمام الباقر عليه السلام: «لَوِ اسْتَقَامُوا
عَلَى وَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَوْصِيَاءِ
مِنْ وُلْدِهِ، وقَبِلُوا طَاعَتَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ ونَهْيِهِمْ لأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ
الإِيمَانَ..».
* الإمام الصادق عليه السلام: «لأفَدْناهُمْ
عِلْماً كَثيراً يَتَعَلَّمُونَهُ مِنَ الأَئِمَّةِ».
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا
مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ الآية:18.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «المَساجِدَ: الوَجْهَ،
وَاليَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالإِبْهامَيْنِ».
* سأل المعتصم العبّاسيّ الإمام الجواد عليه
السلام عن السارق، من أيّ موضعٍ يجب أن يُقطع؟ فقال عليه السلام: «إنَّ القَطْعَ
يَجِبُ أَنْ يَكونَ مِنْ مَفْصَلِ أُصولِ الأَصابِعِ، فَيُتْرَكَ الكَفُّ.
قال: وما الحجّة في ذلك؟
قال عليه السلام: قَوْلُ رَسولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: السُّجودُ عَلى سَبْعَةِ أَعْضاءٍ: الوَجْهِ، وَاليَدَيْنِ،
وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، فَإِذا قُطِعَتْ يَدُهُ مِنَ الكُرْسوعِ، [الكُرْسوعُ: طَرَفُ الزَّنْدِ الّذِي يَلِي الخِنْصَرَ
وهو النّاتِئُ عِنْدَ الرُّسْغِ] أَوِ المِرْفَقِ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ يَسْجُدُ
عَلَيْها، وَقالَ اللهُ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ..﴾، يَعْني بِهِ هَذِهِ الأَعْضاءَ
السَّبْعَةَ الّتي يَسْجُدُ عَلَيْها، وَما كانَ للهِ لَمْ يُقْطَعْ..».
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ
يَدْعُوهُ..﴾ الآية:19.
* الإمام الباقر عليه السلام: «إِنَّ لِرَسولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَشَرَةَ أَسْماءٍ، خَمْسَةً في القُرْآنِ، وَخَمْسَةً
لَيْسَتْ في القُرْآنِ، فَأَمّا الّتي في القُرْآنِ: فَمُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ
اللهِ، وَيَس، وَنُون».
قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ
عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ الآية:26.
* الإمام الباقر عليه السلام: «..إِنَّ اللهَ،
عَزَّ وَجَلَّ، عالِمٌ بِما غابَ عَنْ خَلْقِهِ فِي مَا يُقَدِّرُ مِنْ شَيْءٍ وَيَقْضيهِ
في عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُفْضِيَه إِلَى المَلائِكَةِ، فَذَلِكَ
".." عِلْمٌ مَوْقوفٌ عِنْدَهُ، إِلَيْهِ فيهِ المَشِيَّةُ، فَيَقْضيهِ إِذا
أَرادَ، وَيَبْدو لَهُ فيهِ فَلا يُمْضيهِ. فَأَمَّا العِلْمُ الّذي يُقَدِّرُهُ اللهُ،
عَزَّ وَجَلَّ، وَيَقْضيهِ وَيُمْضيهِ فَهُوَ العِلْمُ الّذي انْتَهى إِلَى رَسولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِلَيْنا..».
قوله تعالى: ﴿.. فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ
أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ..﴾ الآية:26-27.
* الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ للهِ، عَزَّ
وَجَلَّ، عِلْمَيْنِ: عِلْماً عِنْدَهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ،
وَعِلْماً نَبَذَهُ إِلَى مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ، فَما نَبَذَهُ إِلى مَلائِكَتِهِ
وَرُسُلِهِ فَقَدِ انْتَهى إِلَيْنا».
* وعنه عليه السلام: «أَيُّ إِمامٍ لا يَعْلَمُ
ما يُصيبُهُ وَإِلَى ما يَصيرُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ للهِ عَلى خَلْقِهِ».