الرُّشْد، الرَّشَد، الرَّشَاد
ـــــــــــــــــــــــــــ
المحقّق الشيخ حسن المصطفوي ـــــــــــــــــــــــــــ
«الرُّشد»
تعبير واسع وجامع، يُمكن أن يستوعب كلّ امتياز، فهو الطريق المستقيم من دون
اعوجاج، وهو الضياء والوضوح الذي يُوصل المتعلّقين به إلى محلّ السعادة والكمال.
في ما يلي جولة مع
حركة مادّة «رشد» في القرآن الكريم وبعض كتب اللغة كما أثبتها العلّامة
المصطفوي في كتابه (التحقيق في كلمات القرآن الكريم).
* في (مصباح اللغة) للفيومي:
«الرُّشد: الصلاح، وهو خلاف الغَيّ والضلال، وهو إصابة الصواب. ورشِد رَشَدَاً من
باب تعب، ورشَد يَرْشُد من باب قتل، فهو راشد، والاسم الرَّشاد، ويتعدّى بالهمزة
[أرشد]. ورشّده ترشيداً: جعله رشيداً، واسترشدتُه فأرشدني إلى الشيء، وعليه، وله. وهو
لِرِشْدة أي صحيح النسب، والفتح [لِرَشْدة] لغة».
* وفي (مقاييس اللغة) لابن فارس:
«رشَد: أصل واحد يدلّ على استقامة الطريق، فالمَراشد مقاصد الطُّرق. والرُّشْد
والرَّشَد: خلافُ الغيّ..».
* وفي (الفروق اللغوية) لابن هلال العسكري: «الفرق بين
الهداية والإرشاد: أنّ الإرشاد هو التطريق إليه والتبيين له، والهداية هي
التمكّن من الوصول إليه.. والراشد هو القابل للإرشاد، والرشيد مبالغة من ذلك،
ويجوز أن يكون الرشيد: الَّذي صلح بما في نفسه ممّا بعث عليه الخير. والراشد:
القابل لما دُلّ عليه من طريق الرُّشْد».
التحقيق
الأصل الواحد في مادّة
[رشد]: هو الاهتداء إلى الخير والصلاح. فالهداية ضدّ الضلالة، كما أنّ الرُّشد ضدّ
الغيّ، وهو الانهماك في الفساد.
ثمّ إنّ الرُّشْد والرَّشَد
والرَّشاد من صِيغ المصادر، ولكنّ الرُّشد يدلّ على الحدث، والرَّشَد على عروضه
وتحرّكه لدلالة التحريك عليه... والرّشاد يدلّ على استمرار الرّشد بوجود الألف.
فالرُّشد كما في:
﴿..قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..﴾ البقرة:256،
﴿..وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ..﴾ الأعراف:146،
﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ..﴾ الجن:2،
﴿..فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً..﴾ النساء:6،
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ..﴾ الأنبياء:51،
﴿..عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ الكهف:66.
يراد به مطلق مفهوم الرشد.
والرَّشَد كما في:
﴿..وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً﴾ الكهف:10،
﴿..لأِقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً﴾ الكهف:24،
﴿..لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً﴾ الجن:21،
﴿..فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً﴾ الجن:14.
يراد به الرُّشد الحادث المتحرّك العارض، لا المفهوم الثابت من حيث هو.
والرّشاد كما في: ﴿..وَما
أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ غافر:29،
﴿..اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ غافر:38.
يراد به الرُّشد العارض والمتوجّه لهم على الاستمرار.
فظهر لطف التعبير بهذه
الصيغ في مواردها، فنوضح لك من الآيات المذكورة ما يتّضح به المقصود فنقول: ﴿لا
إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..﴾ البقرة:256.
قد ذُكِر الرُّشد في مقابل
الغيّ، وقلنا إنّ الغيّ هو الانهماك في الفساد، فيكون الرشد هو الاهتداء في
الصلاح، فالدين هو مجموعة برامج حقيقتُها الاهتداء والورود في الخير والصلاح، كما
أنّ الكفر هو الانهماك في الشرّ والفساد.
فالدين وكذلك القرآن
يهديان إلى حقيقة الرُّشْد. وكذلك الرُّشْد اللازم في ذات الإنسان الموجب لتوجّه
التكليف من جانب الله المتعال، كما في ﴿..فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً..﴾ النساء:6،
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ..﴾ الأنبياء:51.
وفي مقابل حقيقة مفهوم
الرُّشد الثابت: الرَّشَد العارض الطّارىء الَّذي يتحصّل في الخارج في قبال الضرّ
والشرّ: ﴿..أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ
رَشَداً﴾ الجن:10،
﴿قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً﴾ الجن:21،
فيراد طلب الرُّشد وجريانه الطّارىء.
وإذا ذكر النتيجة في
هداية الرسل وتبليغهم؛ فيعبّر بالرشاد المستمرّ، كما في: ﴿..وَمَا أَهْدِيكُمْ
إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ غافر:29.