لَا وَرَعَ
كَالكَفِّ عَنِ المَحَارم
وصيّة
النبيّ صلّى الله عليه وآله لأبي ذرّ الغفاريّ
في (أمالي) الشيخ
الطوسي، عن الصحابي الجليل أبي ذرٍّ الغفاريّ، من ضمن وصيّة أوصاه بها النبيّ
الأكرم صلّى الله عليه وآله. قال أبو ذرّ رضوان الله عليه:
«.. قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ
رَأْسُ أَمْرِكَ كُلِّهِ.
فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ، وَنُورٌ لَكَ فِي
الْأَرْضِ.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ
رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ،
فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ للشَّيْطَانِ عَنْكَ، وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أُمُورِ دِينِكَ.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ، فَإِنَّهُ
يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ تَحْتَكَ، وَلَا تَنْظُرْ
إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللهِ
عَلَيْكَ.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قَطَعُوكَ، وَأَحِبَّ
الْمَسَاكِينَ، وَأَكْثِرْ مُجَالَسَتَهُمْ.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: لَا تَخَفْ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي. قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، لِيَحْجُزْكَ عَنِ النَّاسِ
مَا تَعْرِفُ مِنْ نَفْسِكَ، وَلَا تَجِدُ [أي لا تغضب] عَلَيْهِمْ فِيمَا
تَأْتِي، فَكَفَى بِالرَّجُلِ عَيْباً أَنْ يَعْرِفَ مِنَ النَّاسِ مَا يَجْهَلُ
مِنْ نَفْسِهِ، وَيَجِدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَأْتِي.
قَالَ: ثُمَّ
ضَرَبَ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ،
وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ عَنِ المَحَارِم، وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ».
ع ز ز
العِزُّ في الأَصْلِ: القُوَّةُ والشِّدَّةُ وَالغَلَبَةُ وَالرِّفْعةُ
وَالامْتِناعُ؛ وَفي التَّنْزيلِ العَزيزِ: ﴿..وللهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَللمُؤْمِنينَ..﴾
المنافقون:8.
العَزيزُ:
مِن صِفاتِ اللهِ، تَعالى، وَأَسْمائِهِ الحُسنى، وَهُوَ المُمْتَنِعُ فَلا
يَغْلِبُهُ شَيْءٌ. وَالقَوِيُّ الغالِبُ كلِّ شَيْءٍ. وَهو المُعِزُّ: أَيِ الّذي
يَهَبُ العِزَّ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.
والعِزَّةُ: حالَةٌ مانِعَةٌ لِلإِنْسانِ مِنْ أَنْ يُغْلَبَ، وَهِيَ
يُمْدَحُ بِها تارَةً، وَيُذَمُّ بِها تارَةً، كَعِزَّةِ الكُفّارِ: ﴿بَلِ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ ص:2. وَوَجْهُ ذَلِكَ
أَنَّ العِزَّةَ للهِ وَلِرَسولِهِ، وَهِيَ الدّائِمَةُ الباقِيَةُ، وَهِيَ
العِزَّةُ الحَقيقِيَّةُ؛ وَالعِزَّةُ الَتي هِيَ للكُفّارِ هِيَ التَّعَزُّزُ، وَفي
الحَقيقَةِ ذُلٌّ لِأَنَّهُ تَشَبُّعٌ بِما لَمْ يُعْطَهُ.
عَزَّ الرَّجُلُ يَعِزُّ عِزَّاً وعِزَّةً: إذا قَوِيَ بعد ذِلَّةٍ وَصارَ
عَزيزاً.
عَزَزْتُ القَوْمَ
وَأَعْزَزْتُهُمْ وَعَزَّزْتُهُمْ: قَوَّيْتُهُمْ وَشَدَّدْتُهُمْ؛ وَفي التَّنْزيلِ: ﴿..فعَزَّزْنا بثالثٍ..﴾
يس:14 أَيْ قَوَّيْنا وَشَدَّدْنا.
عَزَّ عَلَيَّ أَنْ تَفْعَلَ كَذا،
وَعَزَّ عَلَيَّ ذَلِكَ، أَيِ اشْتَدَّ وَشَقَّ.
أَعْزِزْ عليَّ بذلك،
أي أَعْظِمْ، [بِصيغَةِ الأَمْرِ للتَّعَجُّبِ] وَمَعْناهُ: عَظُمَ عَلَيَّ، وَمِنْهُ
مَا فِي زِيَارَةِ الإمَامِ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلامُ: أَعْزِزْ عَلَيْنا يا أبا
عَبْدَ اللهِ بِمَصْرَعِكَ هَذا فَريداً وحيداً قَتيلاً غَريباً عَنِ الأَوْطانِ...
عَزَّهُ في الخِطابِ:
أي غَلَبَه في الاحْتِجاج، وقيل: غالَبَه؛ وقَوْلهُ تَعالى: ﴿.. وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾
ص:23 أي غَلَبَني.
(بحار الأنوار؛ وتاج العروس للزّبيدي، بتصرّف)