قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

منذ 6 أيام

رسالة مرجعيّة في الفقه السياسيّ الإماميّ

 

(تنبيهُ الأمّة وتنزيهُ المِلّة) للعلّامة النائيني

رسالة مرجعيّة في الفقه السياسيّ الإماميّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قراءة: محمود إبراهيم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكتاب: (تنبيهُ الأمّة وتنزيه الملّة)

المؤلّف: الشيخ محمّد حسين النائيني

تحقيق: عبد الكريم آل نجف

الناشر: «دار الكتاب اللبناني»، بيروت 2012م

لو كان ثمّة من عمل فكريّ نال شهادة إجماعٍ في اختصاصه، لقُلنا إنّه كتاب (تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة) للعلّامة الشيخ محمّد حسين النائيني (1272- 1354هـ/ 1856-1936م).

فهذا الكتاب وإن انحكم بأسباب صدوره، ولا سيّما بالظروف السياسيّة والمجتمعيّة والحضاريّة التي عاشتها إيران بين القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادِيَيْن، إلّا أنّه تبوَّأ مكانة معرفيّة عابرة للزمن في طول العالم الإسلاميّ وعرضه. فالانهمام به من جانب الباحثين وعلماء الاجتماع السياسيّ لا يَني يتقدّم على سواه من المُنجزات المعرفيّة في ميدان الفلسفة السياسيّة، والفقه السياسيّ الإماميّ بصفة خاصّة.

وممّا بات معروفاً لدى السواد الأعظم ممّن تناولوا الكتاب تحقيقاً ونقداً وتحليلاً، أنّ هؤلاء وجدوا في مؤلَّف الشيخ النائيني عملاً تأسيسياً في الفلسفة السياسيّة الإسلاميّة الحديثة، فضلاً عن كونه تنظيراً معمَّقاً للثورة الدستوريّة أو ما شاعت تسميتها بـ «ثورة المشروطة» التي قامت ضدّ سلطة الشاه في العام 1905م.

وللذكرى، تعدّ الفترة الدستوريّة في إيران من أخصب الفترات التي شهد فيها الفكر السياسيّ الإيرانيّ تطوّراً مهّماً من حيث دخول مفاهيم وأفكار نهضويّة، أهمّها فكرة «الدستوريّة»، والتي تؤيّد الملكيّة المقيّدة بالدستور المراقَب من قبل الفقهاء في عصر الغَيبة. وهو دفع بالحوزة إلى إنجاز أطروحة تاريخيّة تسعى للتوفيق بين الدين والسياسة في مواجهة زحف الحداثة الغربيّة. وصولاً إلى الفكرة الآيلة إلى أن يكون الفقيه مُراقباً للمَلك انطلاقاً من كونه وليِّاً على الشعب في عصر الغَيبة.

حكاية الكتاب

في تلك الفترة بالذات، ألّف النائيني كتابه عن نظريّة الملَكيّة الدستوريّة، وقد وضعه تحت عنوان (تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة). وكما مرَّ معنا، يعدّ هذا الكتاب - بحسب الكثيرين من أهل الاختصاص - قيمة مرجعيّة فريدة في عالم الفكر السياسيّ بعامة؛ في حين يُنظر إليه بوصفه أهمّ وأوّل تأليف خاصّ بالفقه السياسيّ الإماميّ الحديث. وثمّة من يذهب إلى القول إنّ السِّمَة الجوهريّة لفكرة الكتاب ومضامينه هي معالجته القضايا المتعلّقة بالنظام السياسيّ الإسلاميّ، بل ربّما للمرّة الأولى على هذا النحو من السعة والدّقّة والشمول في عصر الغَيبة.

لقد كان الاهتمام بيِّناً بهذا المؤلَّف الفريد على المستويات المختلفة: الترجميّة والتحقيقيّة والنشريّة. فقد ترجمه إلى العربيّة - على مراحل - الشيخ الشاعر صالح كاشف غيتا، المعروف بالجعفريّ (1321- 1399هـ/1904-1979م).

في البداية، نشرت بعض أجزاء الترجمة العربيّة في مجلّة تُسمّى «العرفان» اللبنانيّة في بداية العقد الثالث من القرن الماضي. ثمّ نشرت أجزاء أخرى منها في مجلّة أخرى تسمّى «الموسم»، في العدد الخامس منها عام (1410هـ/1990م).

بعد ذلك، نشر الباحث العراقيّ رشيد الخيون نفس الترجمة متضمّنة في كتابه (المشروطة والمستبدّة) مع نصّ كتاب (تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة)، (من منشورات معهد الدراسات الإستراتيجيّة، بغداد، 1426هـ/2006م)، وعرض أيضاً رأي الشيخ علي الشرقي في الكتاب، وعرض تقديم آية الله الطالقاني حول الكتاب.

غاية الأطروحة

يؤكّد النائيني أنّ الهدف من كتابته لهذه الرسالة هو «حفظ بيضة الإسلام». وكانت مرجعيّته وهو يخطّ رسالته للقرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة، وتوجيهاتِ الإمام عليّ عليه السلام في (نهج البلاغة). ويقسم رسالته (تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة) إلى توطئة ومقدّمة وخمسة فصول وخاتمة.

ولكنّه في حقيقة الأمر قسّم موضوعات كتابه إلى ثلاث إشكاليّات أساسيّة، هي:

1) إشكاليّة الاستبداد وطرق حلّها.

2) إشكاليّة السلطة في عصر الغَيبة.

3) إشكاليّة تحقيق الدستور، ودور النوّاب في الحكم.

ويصنّف النائيني الدولة أو الحكم إلى نوعين:

الأوّل (حكم مستبدّ): وهو حكم الدولة الملَكيّة المطلقة التي تحكم من دون قيود أو رقابة. وهي دولة مبنيّة على القهر والغلبة، على غرار دولة بني أميّة.

الثاني (حكم دستوري): وهو حكم الدولة الولايتيّة، بمعنى أن يكون هناك وليّ يهتمّ بحفظ الحقوق وإقامة الحدود. ويكون هذا النوع من الحكم مبنيّاً على الأمانة والولاية أو الوكالة عن الشعب والأمّة؛ ولهذا يثبت للأمّة حقّ محاسبة الدولة ومؤاخذتها، ويتوقّف قيام هذا النوع من الحكم على إيجاد دستور ينظّم الحدود والوظائف، واختيار الهيئات المراقبة المسدّدة. ويميل النائيني إلى دعم هذا النوع من الحكم.

ومن العناصر المهمّة في فكر النائيني التي يحاول على أساسها حلّ إشكاليّات الحكم الثلاث السابق ذكرها: العدل والجور، الأمن والنظام العامّ، حقوق المواطنين، عنصر القانون الأساسي (الدستور)، مجلس الشورى، والمقارنة بين دولة الاستبداد ودولة الولاية، والتي تعني حريّة أفراد الأمّة في مقابل استبداد الحاكم.

ويقدّم النائيني رسالته بتوطئة ثوريّة داعية إلى الانقلاب على حكّام الجور، واصفاً حكّام ايران آنذاك بـ «فراعنة إيران»، مشيراً إلى أنّ الأمم الاوروبيّة لم تَرقَ إلّا بعد انكسارها في الحروب الصليبيّة، حيث استفادوا من هذا الانكسار، بل وعالجوا أمراضهم بفكر المسلمين وعلومهم.

النائيني ومنطقة الفراغ التشريعي

ثمّة تكامل وتواصل واضحين في المسار التاريخيّ للفقه السياسيّ الإماميّ. وإذا كانت نظريات النائيني السياسيّة قد أسّست لبناء مرجعي في هذا المسار، فقد أسهمت أعمال المتأخّرين من العلماء والفقهاء في بلورة أطروحات أساسيّة في الفلسفة السياسيّة الإماميّة في هذا المجال.

نشير إلى «نظريّة منطقة الفراغ التشريعي» التي تُعتبر بحقّ إحدى الإنجازات الرائعة التـي خلّفهـا لنا آيـة الشـهيد السـيّد محمّد بـاقر الصـدر. وهـي نظريـّة كمـا نعلـم تـرتبط بالمجـال الفقهيّ والحقوقيّ والاقتصاديّ، وقد اجتهد الشهيد الصدر، في نظريّته تلك، للوصول إلـى مكانـة التشـريع الإلهـيّ ومنزلتـه في الحياة الاجتماعيّة، وبيان مجال التقنين في الحكومـة الإسـلاميّة. هـذا، وتطرّق الشهيد الصدر إلى النظريّة المذكورة بالتفصيل في كتابه الشهير (اقتصادنا(.

وجدير بالـذكر أنّ العديـد مـن الفقهـاء والعلمـاء أيضاً قـاموا بطـرح هـذه الرؤيـة وبحثهـا؛ فقــد أشــار إليها آيــة الله محمّد حســين، ومـا يميّـز «نظريـّة منطقـة الفراغ التشريعي»... هـو بيانهـا وتحديـدها لمنطقـة معيّنـة تُمكّـن الحاكم الإسلاميّ والحكومة الإسلاميّة مـن سَـنّ القـوانين التـي تنسـجم مـع الأوضـاع والظـروف، ووفقـاً للمبـادئ والضـوابط والأهـداف المطلوبـة، وتماشـياً مـع التطوّر والتحـوّل المسـتمرَّيْن.

قصارى القول، إنّ كتاب (تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة) لا يزال حاضراً في أطاريحه وأفكاره رغم تقادم الزمن وتتالي التحوّلات الفكريّة في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، فضلاً عن عالم ما بعد الحداثة الغربيّة وفلسفتها السياسيّة.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات