بَذْلُ
المهجةِ في الحسين، شرطُ الهجرة معه عليه السلام
بقلم:
الشيخ حسين كَوْراني
لا ينفكُّ امتحانُ
الأمّة في الهجرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بدايةَ كلِّ سنة هجريّة، عن الهجرة
مع «سِبطه» الحسين عليه السلام.
لا هجرةَ إلى رسول
الله إلا مع الحسين.
حدّد الإمام الحسين شروط
الهجرة معه. قال عليه السلام: «لَن تَشذَّ عن رسولِ الله لُحمَتُه، وهي مجموعةٌ
له في حظيرة القُدس، تَقَرُّ بهم عينُه ويُنجَزُ بهم وَعدُه. مَن كان باذلاً فينا
مُهجتَه، وموَطِّناً على لقاء الله نفْسَه، فليَرحَل فإنّي راحلٌ مصبِحاً إن شاء
الله».
بَذْلُ المهجة في رسول
الله وأهل البيت عليهم السلام، علامةُ توطين النفس على «لقاء الله». هما
معاً شرط الهجرة مع رسول الله في درب الحسين ومعه.
بذلُ المهجة فرع حبَّيْن:
حبّ الله، وحبّ رسولِه وعِتْرَتِه. هما في الجوهر واحد، حبّ الله تعالى والتجلّي.
***
يقابلُ بَذْل المهجة،
نَزْع الروح. بذلُ المهجةِ شهادةٌ. نزعُ الروحِ موتٌ. ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ
فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ
خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
يمتازُ بذلُ المهجةِ عن الموت بحبّ «الحقّ»: ﴿ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ..﴾.
بذلُ المهجةِ وصالٌ. يتوّجُ
مسارَ اتّصال حُبَّيْن. ﴿.. يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..﴾.
لا اتّصال بالحقّ إلا عبر المنبئ عنه. النبيّ. ولا اتّصال بالنبيّ إلا بالاتّصال
بالحسين. «حسينٌ منّي وأنا من حسَين».
***
بذلُ المهجة جودٌ بالنفس.
تقديمُها قرباناً بلا شَوْبِ إدلال. الدليلُ التماسُ القبول. «أللّهمّ تقبَّل
منّا هذا القُربان»!
بذلُ المهجة كَرٌّ لا يعرفُ
الفَرّ. إقبالٌ لا إدبارَ معه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.
طال توثّبُ هذا
المجاهد في ميادين الجهاد الأكبر. عَرَكَتْهُ جولاتُه والصَّولات. ﴿..خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾.
أماتَ نفسه. قتلَ «أناه»، واشتدّ المراس.عشِقَ لقاء الله «.. بِحُبِّكَ مُتَيَّمَاً».
تضيقُ به سوحُ الجهاد الأصغر. يتوثّبُ فيها مترنّماً مرتجزاً، يتحيّنُ لحظةَ الوَثْبَةِ
إلى الفردوس الأعلى.
قبل آخر جولاته
الكربلائيّة الراعدة، خاطب الشهيد زهير بن القين الإمام الحسين عليه السلام:
فَدَتْكَ
نَفْسِي هَادِيَاً مَهْدِيَّا * اليَومَ أَلْقَى جَدَّكَ النَّبِيَّا
وَحَسَنَاً
وَالمُرْتَضَى عَلِيَّا * وَذَا الجَنَاحَينِ الشَّهِيدَ الحَيَّا
***
ليلة العاشر من محرّم،
لمّا احمرّ البأسُ في كربلاء، وحَمِيَ الوطيس، خطبَ الحسينُ في أصحابه فقال: «أمّا
بعد، فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبَرَّ ولا
أَوْصَلَ من أهل بيتي، فجَزاكُم اللهُ عنّي خيراً، ألا وإنّي قد أَذِنْتُ لكم،
فانطلِقوا. أنتم في حِلٍّ ليسَ عليكم منّي ذِمامٌ. هذا اللّيلُ قد غَشِيَكُم فَاتَّخِذُوهُ
جَمَلاً».
وتفجّرت شلّالاتُ بذلِ
المهجة. بعضُ هديره الثجّاج، جوابُ الشهيد الكربلائيّ سعيد بن عبد الله الحنفيّ: «واللهِ
لا نُخَلّيك حتّى يعلمَ اللهُ أنّا قد حفظنا نبيَّه محمّداً صلّى الله عليه وآله
فيك، واللهِ لو علمتُ أنّي أُقتَلُ ثمّ أُحْيا ثمّ أُحْرَقُ حَيَّاً ثمّ أُذَرّ؛ يُفْعَلُ
بي ذلكَ سبعين مَرّةً، ما فارقتُكَ حتّى ألقى حِمامي دونَك، فكيفَ لا أفعلُ ذلك ،
وإنّما هي قَتْلَةٌ واحدةٌ، ثمّ هي الكرامةُ التي لا انقضاءَ لها أبداً».
«حتّى يعلمَ اللهُ أنّا
قد حفظنا نبيَّه محمّداً صلّى الله عليه وآله فيك»،
بالغةُ الدلالة على أنّ بذْلَ المهجة في الحسين سرِّ النبيّ وسبطِه، عينُ توحيد
الله تعالى.
تُنادي هذه العبارات
بأعلى أعلى الصّوت: ﴿..إِنَّا لِلَّهِ..﴾.
وتنادي عبارة: «ثمّ
هي الكرامةُ التي لا انقضاءَ لها أبداً» بجهير الصوت: ﴿..وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾.
***
معسكران، لا ثالثَ
لهما. في صفوفهما ينتظم كلُّ مَن «أظهر الإسلام».
معسكرُ الحبّ، ومعسكرُ
الحِقد.
معسكرُ رسول الله،
ومعسكرُ أبي سفيان وقريش ودار النّدوة.
معسكرُ الحسين، ومعسكرُ
«آل أبي سفيان».
من لم يَعمُر قلبَه حبُّ
رسول الله، لا يمكن أن يحبَّ الحسين. لن يكتفي بعدم بذلِ المهجة دونه. يُصِرُّ على
قتاله. بدلَ أن يقدّم رأس مهجتِه دونَه. يحرصُ على حملِ رأسه على الرّمح لعلّه
يحظى بجائزة.
يردّد:
إملأْ ركابي فضّةً أو
ذَهَبا * إنّي قتلتُ السيّدَ المُحَجَّبا
قتلتُ خيرَ النّاس أُمّاً
وأَبَا!
***
﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ
حُبًّا جَمًّا﴾.
نقيض: ﴿..وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ..﴾.
﴿..فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ..﴾.
نقيض: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ..﴾.
نَجْدان لا يلتقيان
إلا في سُوح الوغى من بدر مروراً بكربلاء إلى حرب تمّوز، وغزّة واليمن: ﴿أَلَمْ
يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ
مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ
عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
والفرز دائماً حسينيّ،
لأنّه محمّديّ.
***
هل أيقنتَ أنّ آل سعود
وعموم الوهّابيّين ليسوا سُنَّة؟ وأنّهم لا يحبّون رسولَ الله، ولذلك لا يُحبّون
أهل البيت؟
هل عرفتَ لماذا يحرّم
الوهّابيّون زيارةَ قبر الرسول؟
ولماذا هدموا قبابَ
الأئمّة من أهل بيته. وقبّة عمّه الحمزة؟ وقباب المقامات في مقابر قريش بالأبطح في
مكّة، وبينها قبّة أمّ المؤمنين خديجة أمّ الزهراء عليها السلام، ونسفوا قبر أمّ
النبيّ آمنة بنت وهب؟
لماذا أزالوا كلّ آثار
منزل الرسول وكلّ ما يذكّر به صلّى الله عليه وآله؟
آل سعود والوهّابيّون
أمويّون. يهودُ الميول والسَّبَب. وعلى الأرجح النَّسَب.
أمَا في بيان أكثر من
مائتي عالمٍ من أهل السنّة والجماعة في مؤتمر العاصمة الشيشانية «غروزني»
ما يقطعُ الشكَّ باليقين؟
***
مؤتمر العلماء
المسلمين في العاصمة الشيشانية المنعقد بتاريخ 25 إلى 27 آب عام 2016م أذانُ شيخ
الأزهر و200 عالِم من أهل السنّة والجماعة، في العالَمِين ببراءة الإسلام من آل
سعود والوهّابيّين.
بعض ردود فعل «غضب
الخيلِ على اللُّجُم»:
* الكاتب السعودي، محمّد
آل الشيخ (محمّد بن عبد الوهّاب): «مشاركة شيخ الأزهر بمؤتمر "غروزني"
الذي أقصى المملكة من مسمّى أهل السنّة يُحتّم علينا تغيير تعاملنا مع مصر، فوطنُنا
أهمّ، ولتذهب مصر السيسي إلى الخراب».
* الداعية السعودي،
عادل الكلباني: «لِيَكُنْ مؤتمر الشيشان منبّهاً لنا بأنّ العالم يجمع الحطب
لإحراقنا».
إنه
الحطبُ الذي جمَعْتُم، وصِرتُم! البداية: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾.
والمآل: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ
حَطَبًا﴾.