موجز في التّفسير
سورةُ النَّازعات
ــــــ إعداد:
سليمان بيضون ــــــ
* السورة التاسعة والسبعون في ترتيب سوَر
المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «النّبأ».
* سُمّيت بـ «النازعات» لابتدائها بعد
البسملة بقوله تعالى: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾.
* آياتها ستّ وأربعون، وهي مكيّة، مَنْ
قرأها لم يكن حبْسه وحسابه يومَ القيامة إلّا
كقدر صلاة مكتوبة [أي قصير المدّة] حتّى
يدخل الجنّة، كما في الحديث النبويّ الشريف.
* ما يلي موجز في التعريف بالسورة
المباركة اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين) للشيخ عبد علي الحويزي رحمه الله، و(الميزان)
للعلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله، و(الأمثل)
للمرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
«شعائر»
|
جاء في موسوعة
(التحقيق في كلمات القرآن الكريم): الأصل الواحد في المادّة (نزع) هو جذبُ شيءٍ وقلْعُه
من محلّه، كما أنّ القلْع عبارة عن نزع شيء من أصله بحيث لا يبقى منه باقٍ. ومن مصاديقه
نزْع السلطان عامله عن محلَّه ومقامه، ونزْع المريض عن الحياة وإشرافه على الموت. والنزوع
عن الأمر بتركه والإعراض عنه. والأنزع وهو الذي انحسر وسقط الشعر من مقدّم رأسه فوق
الجبهة، وبلحاظ هذا الأصل تستعمل الصيغ من المادّة في معاني قريبة منه.
محتوى
السورة
في السورة إخبار مؤكّد
بوقوع البعث والقيامة، واحتجاج عليه من طريق التدبير الربوبي المنتِج أنّ النّاس سينقسمون
يومئذٍ طائفتين: أصحاب الجنّة وأصحاب الجحيم.
وتختتم السورة بالإشارة
إلى سؤالهم النبيَّ صلّى الله عليه وآله، عن وقت قيام الساعة والجواب عنه. وتتلخّص
مواضيعها عموماً بستّة أقسام:
1) التأكيد مراراً على
مسألة المعاد وتحقّقه الحتمي.
2) الإشارة إلى أهوال يوم
القيامة.
3) عرض سريع لقصّة موسى
عليه السلام مع الطاغي فرعون، تسليةً للنّبيّ صلّى الله عليه وآله والمؤمنين، وإنذاراً
للمشركين الطغاة، وإشارةً إلى ما يترتّب على إنكار المعاد من سقوط في مستنقع الرذيلة.
4) طرح بعض النماذج لمظاهر
قدرة الباري سبحانه في السماء والأرض، للاستدلال على إمكان المعاد والحياة بعد الموت.
5) تعود الآيات مرة أخرى،
لتعرض بعض حوادث اليوم الرهيب، وما سيصيب الطغاة من عقاب وما سينال الصالحون من ثواب.
6) وفي النهاية، يأتي على
خفاء تاريخ وقوع يوم القيامة، والتأكيد على حتميّة وقوعه وقربه.
ثواب
تلاوتها
*
عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال: «مَن قَرأ سُورةَ (وَالنَّازِعَاتِ)
لَمْ يَكُن حَبْسُهُ وحِسابُهُ يومَ القيامةِ إلّا كَقَدرِ صلاةٍ مكتوبةٍ حتّى يَدخلَ
الجنّة».
*
وعن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «مَنْ قَرَأها لَمْ يَمُت إِلّا رَيَّان،
وَلَمْ يَبعثْهُ اللهُ إلّا ريّان، ولَمْ يُدخِلْهُ الجَنّةَ إلّا رَيّان».
تفسير
آيات منها
قوله تعالى: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾
الآية:24.
*
النبيّ صلّى الله عليه وآله: «قَالَ جَبْرَئِيْلُ: قُلْتُ: يَا رَبِّ، تَدَعُ فِرْعَوْنَ
وَقَدْ قَالَ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾؟ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّمَا يَقُولُ
هَذَا مِثْلُكَ؛ مَنْ يَخَافُ الفَوْتَ».
*
الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَابَاً يَوْمَ القِيَامَةِ
سَبْعَةُ نَفَرٍ، أَوَّلُهُمُ ابْنُ آدَمَ الّذِي قَتَلَ أَخَاهُ... وَفِرْعَونُ الَّذِي
قَالَ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾».
قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ
دَحَاهَا﴾ الآية:30.
الإمام
الباقر عليه السلام لأبي حمزة الثمالي، وقد سأله عن المسجد الحرام: لأَيِّ شَيْءٍ سَمَّاه
الله الْعَتِيقَ؟
قال
عليه السلام: «إِنَّه لَيْسَ مِنْ بَيْتٍ وَضَعَه الله عَلَى وَجْه الأَرْضِ إِلَّا
لَه رَبٌّ وسُكَّانٌ يَسْكُنُونَه، غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ فَإِنَّه لَا رَبَّ لَه
إِلَّا الله عَزَّ وجَلَّ، وهُوَ الْحُرُّ».
ثُمَّ
قَالَ: «إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ خَلَقَه قَبْلَ الأَرْضِ، ثُمَّ خَلَقَ الأَرْضَ
مِنْ بَعْدِه فَدَحَاهَا مِنْ تَحْتِه».
قوله تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا
وَمَرْعَاهَا﴾ الآية:31.
الإمام
الباقر عليه السلام: «إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ إِلَى
الأَرْضِ وكَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقاً لَا تَمْطُرُ شَيْئاً، وكَانَتِ الأَرْضُ
رَتْقاً لَا تُنْبِتُ شَيْئاً، فَلَمَّا أَنْ تَابَ الله عَزَّ وجَلَّ عَلَى آدَمَ
أَمَرَ السَّمَاءَ فَتَقَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَأَرْخَتْ عَزَالِيَهَا،
ثُمَّ أَمَرَ الأَرْضَ فَأَنْبَتَتِ الأَشْجَارَ وأَثْمَرَتِ الثِّمَارَ وتَفَهَّقَتْ
بِالأَنْهَارِ، فَكَانَ ذَلِكَ رَتْقَهَا وهَذَا فَتْقَهَا..».
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ
الْكُبْرَى﴾ الآية:34.
*
عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «كَفَى بِالْمَوتِ طَامَّةً...».
*
عن أمير المؤمنين عليه السلام: «يَا عِبَادَ اللهِ! مَا بَعْدَ المَوْتِ لِمَنْ
لَمْ يُغفَرْ لَهُ أَشَدُّ مِنَ المَوتِ. القَبْرَ! فَاحْذَرُوا ضِيْقَهُ
وَضَنْكَهُ وَظُلْمَتَهُ وَغُرْبَتَهُ».
قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى﴾ الآية:37.
أمير
المؤمنين عليه السلام: «ومَنْ طَغَى ضَلَّ على عَملٍ بِلا حُجّة».
قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا
مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ
هِيَ الْمَأْوَى﴾ الآيتان:40-41.
*
أمير المؤمنين عليه السلام: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَيْنِ:
اتِّبَاعَ الْهَوَى وطُولَ الأَمَلِ؛ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَإِنَّه يَصُدُّ عَنِ
الْحَقِّ، وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ».
*
الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ عَلِمَ أَنَّ الله يَرَاه ويَسْمَعُ مَا يَقُولُ،
ويَعْلَمُ مَا يَعْمَلُه مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَيَحْجُزُه ذَلِكَ عَنِ الْقَبِيحِ
مِنَ الأَعْمَالِ، فَذَلِكَ الَّذِي خَافَ مَقَامَ رَبِّه ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى».
*
وعنه عليه السلام: «لَا تَدَعِ النَّفْسَ وهَوَاهَا، فَإِنَّ هَوَاهَا فِي رَدَاهَا،
وتَرْكُ النَّفْسِ ومَا تَهْوَى أَذَاهَا، وكَفُّ النَّفْسِ عَمَّا تَهْوَى دَوَاهَا».
الأقسام
في بداية السورة
جاء القسم القرآني بخمسة
أشياء مهمّة لتبيان حقيقة وحتمية تحقّق يوم القيامة، وهي التالية مع شرحها اللغوي:
1) ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾:
أي: أُقسم بالتي تجذب الشيء عن مقرّه بقوّة.
2) ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾:
أقسم بالتي تتحرّك بيُسرٍ وسهولة.
3) ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾: أقسم بالتي تتحرّك
بسرعة.
4) ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾:
أقسم بالمتقدّمات بالسير.
5) ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ
أَمْرًا﴾: أقسم بالتي تقوم بالأعمال على أحسن وجه.
أمّا المقصود بالتي
تحمل هذه المواصفات فلم تصرّح الآيات بذلك، وللمفسّرين آراء فيها أقربها لأهداف
السورة أنّ المقصود هم الملائكة، فيكون المعنى كالتالي:
أقسم بالملائكة الموكلة
بقبض أرواح الكفّار والمجرمين حيث تنزعها من أجسادهم بشدّة، وبالملائكة الموكّلة بقبض
أرواح المؤمنين برفقٍ ويُسر وسرعة في إتمام الأمر، وبالملائكة التي تسرع في تنفيذ الأوامر
الإلهية، ثمّ الملائكة التي تتسابق في تنفيذ الأوامر الإلهية. وأخيراً أقسم
بالملائكة التي تدبّر شؤون العالم بأمره سبحانه وتعالى.
(تفسير
الأمثل)