إعداد: «شعائر»
للشهيد الثّاني الشيخ زَيْن الدِّين بن عليّ الجُبَعي العاملي، تأصيلات في غاية الأهمّية حول المُناظَرة والآداب والقواعد المُتعلِّقة بها، والتي ينبغي على النَّظير العامِل بأحكام الدِّين أنْ يَعمل بها. ويذكر الشهيد رضوان الله عليه في كتابه المعروف (مُنية المريد في آداب المُفيد والمُستفيد) ثماني علامات لِمَن يُناظر لله وفي الله تعالى، تَتَبَيَّن من خلالها شروط المُناظرة وآدابها، وهي على النحو التالي:
• الأولى: أنْ يَقصد بالمُناظرة إصابة الحقّ وطَلَب ظُهوره كيف اتَّفق، لا ظُهور صوابِه وغزارة عِلْمه وصحّة نظره، فإنّ ذلك مراء، قد عَرفتَ ما فيه من القبائح، والنَّهي الأكيد..".
• الثانية: أنْ لا يكون ثمّ ما هو أهمّ من المُناظرة، فإنّ المُناظرة إذا وَقَعت على وجهها الشرعي، وكانت في واجب، فهي من فُروض الكِفايات، فإذا كان ثمّ واجبٌ عينيٌّ أو كفائيّ هو أهمّ منها، لم يَكنِ الإشتغال بها سائِغاً..".
• الثالثة: أن يكون المُناظِر في الدِّين مجتهداً، يُفتي برأيه لا بِمَذهب أحد، حتّى إذا بانَ له الحقّ على لسان خصمه انتقل إليه. فأمّا من لا يَجتهد، فليس له مُخالفة مَذهب مَن يُقلّده، فأيّ فائدةٍ له في المُناظرة، وهو لا يَقدر على تركه إن ظَهَر ضعفُه؟ ..".
• الرابعة: أنْ يُناظِر في واقعة مُهمّة، أو في مسألة قريبة من الوقوع، وأن يهتمّ بمثل ذلك. والمُهمّ أن يُبيِّن الحقّ، ولا يُطوِّل الكلام زيادة على ما يَحتاج إليه في تحقيق الحقّ.
ولا يَغْتَرّ بأنَّ المُناظرة في المسائل النادِرة توجِب رياضة الفِكر وملَكَة الإستدلال والتَّحقيق، كما يتّفق ذلك كثيراً لقاصدي حظَّ النفوس من إظهار المعرفة، فيَتَناظرون في التعريفات، وما تَشْتَمل عليه من النُّقوض والتَّزييفات، وفي المُغالطات ونحوها..".
• الخامسة: أن تكون المُناظَرة في الخلْوة أحبَّ إليه منها في المَحْفل والصّدور، فإنَّ الخلْوة أَجمَع لِلهمِّ وأَحرى لصفاء الفِكْر ودَرْك الحقّ، وفي حضور الخَلْق ما يُحرِّك دواعي الرئاء والحرص على الإفحام ولو بالباطل. وقد يتّفق لأصحاب المقاصد الفاسدة الكَسَل عن الجواب عن المسألة في الخلوة، وتَنافُسهم في المسألة في المَحافل، واحتيالهم على الإستئثار بها في المجامع.
• السادسة: أنْ يكون في طَلَب الحقّ كَمُنشِد ضالّة، يكون شاكراً متى وَجَدها، ولا يُفرِّق بين أن يَظهر على يَدِه، أو يَدِ غيره، فيَرى رفيقه مُعيناً لا خَصْماً، ويَشكره إذا عَرّفه الخطأ وأَظهَر له الحقّ، ".." لا أنَّه يَخجل ويَسْوَدُّ وجهُه وَيربدُّ لونه، ويَجتهدُ في مجاهدته ومدافعته جهدَه.
• السابعة: أنْ لا يَمنع مُعينَه من الإنتقال من دليل إلى دليل ومن سؤال إلى سؤال. بل يُمكّنه من إيراد ما يَحضره، ويُخرِّج من كلامه ما يحتاج إليه في إصابة الحقَّ، فإنْ وَجَدَه في جملته أو استلزَمَه - وإن كان ( المناظَر) غافلاً عن اللّزوم– فَلْيَقْبله، ويَحمد الله تعالى، فإنّ الغرضَ إصابة الحقّ، وإنْ كان في كلامٍ متهافتٍ إذا حصل منه المطلوب.
فأمَّا قوله: «هذا لا يلزمني، فقد تركتَ كلامك الأوّل وليس لك ذلك»، ونحو ذلك من أراجيف المناظرين، فهو مَحْض العِناد والخروج عن نَهْج السَّداد.
• الثامنة: أنْ يُناظِر مع مَن هو مُستقِلٌّ بالعلم، لِيَستفيد منه إن كان يطلب الحقّ، والغالب أنّهم يحترزون من مناظرة الفُحول والأكابِر، خوفاً من ظُهور الحقِّ على لسانهم، ويرغبون فيمَن دونهم طمعاً في ترويج الباطل عليهم.
ووراء الشروط والآداب شروط أُخَر وآداب دقيقة، لكن فيما ذُكِر ما يَهديك إلى معرفة المُناظرة لله، ومَن يُناظِر لله أو لِعلّة.