بسملة

بسملة

21/07/2017

مِن المجاهدين أنا وأنت، أم مع القاعدين؟


مِن المجاهدين أنا وأنت، أم مع القاعدين؟

بقلم: الشيخ حسين كَوْراني

«والدماءُ تَغلي»، و«هذه الجنّة فُتِحت أبوابُها»، وقد «تطايرت القلوبُ مطايرها» و﴿بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾، أين أنتَ يا قلب؟ أين تقف؟

رسالةُ الله تعالى إليك واضحة، وعهدُه الخاصّ جدّاً رغم عمومه والشمول، لم يترك لقاعدٍ حجّة.

هل قاربْتَ الرسالة بِلَوعة الحبّ، وتدبّرتَ العهدَ بنور البصيرة، ثمّ اخترتَ الموقف، أم أنّك حدّدتَ مسارك والمصير كما تهوى، بمعزلٍ عن كتاب الله تعالى.

قال الإمامُ عليٍّ عليه السلام:

«فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ، والْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ، قَوَّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ الرَّاحِلِ، وطَوَوْهَا طَيَّ الْمَنَازِلِ. واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، والْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، والْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ. ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ: زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى».

***

المجتمعُ المسلم في هَدي القرآن صنفان، لا ثالثَ لهما: المجاهدون والقاعدون. الآيات التي تحثّ على الجهاد، وتحذّر من القعود لا تكاد تُحصى.

ليس للمجاهدين في القرآن الكريم إلا اسمٌ واحدٌ هو «المجاهدون». تتعدّد تسمياتُ القاعدين. ربّما السبب اضطرابُ الجوّ النفسيّ.

في سورة التوبة ثمان آياتٍ لعلّها الأشدّ وطأةً في النّكير على القاعدين، وتظهير حالاتهم النفسيّة.

 من أسماء «القاعِدين» في هذه الآيات: ﴿الْمُخَلَّفُونَ﴾. ﴿الْخَالِفِينَ﴾. ﴿مَعَ الْخَوَالِفِ﴾.

﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ * وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

                                            ***

مَن ترك الجهاد، وآثَر القعود، خرج من دائرة الأمّة الوسط، الآمرة بالمعروف، والناهية عن المنكَر. سلامةُ الفكر والمعتقد، رهنُ حبِّ الجهاد. يعبد المجاهدُ اللهَ، ويعبدُ القاعدُ هواه.

في الرؤية القرآنيّة لا مجالَ – إذاً - للجمع بين حُسن الإسلام والقعود، فضلاً عن الجمع بين الإيمان والقعود. لا يستقيمُ معنى مصطلح «مجتمع المقاومة» إلا عندما يكون مرادفاً لمصطلح «المجتمع المقاوم».

قد تستدعي مصلحة الجهاد والمقاومة الاكتفاء من الجمهور العامّ - خصوصاً في وسطٍ متعدّد الانتماءات - بمجرّد التعاطف مع جهاد المقاومة، إلا أنّ هذا لا يلغي أنّ ذلك من فقه الضرورات. يبقى الأصلُ قائماً: على كلّ مسلمٍ أن يأخذ موقعه في منظومة الجهاد، التي هي ذات منظومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، وفق التدرّج – المقنّن - من اليد إلى اللسان، فالقلب، على قاعدة عدم إجزاء القلب واللسان حين تُفتَح أبواب الجهاد باليد، كما هو الحال في هذا العصر.

***

منذ قررت أميركا مواجهة الثورة الشعبيّة في إيران بالحديد والنار، وإلى ما بعد تحرير الموصل، وأبواب الجهاد مفتّحة على كلّ مصاريعها، وقوافل الجهاد تترى، ومواكبُ الشهداء تملأ المضمار.

في ظلّ التوسّل بوليّ الله تعالى إمام الزمان عليه السلام، كان الإمام الخمينيّ قبل رحيله إلى مقرّه الأبديّ بنفسٍ مطمئنّة، يقودُ المسيرةَ من نصرٍ إلى نصر.

إثرَ أوّل غارة جوّيّة على طهران، قال الإمام الخمينيّ: «الخيرُ في ما وقع».

لم يكن خطاب الإمام الخمينيّ يوماً إلا خطاباً عالميّاً، مُثقَلاً بالحسرة على الشرق والغرب لتلاعُب الأنظمة بمصائر الشعوب.

عندما دعا لتشكيل جيش العشرين مليوناً، كان ينظرُ بنور الإيمان إلى ما يرعفُ به المستقبل الواعد من مواجهات دامية مع الشيطان الأكبر ومَن يدور في فلَكه.

في هَدي آمال هذا المستقبل، قال الإمام: «القرنُ الخامس عشر الهجريّ قرنُ تحطيم الأصنام الكبيرة».

***

ومع الإمام الخامنئيّ تحقّقت أُولى آمال الإمام الراحل التي من أجلها أعلنَ يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان «يوم القدس العالميّ».

كما كان انتصار الثورة الإسلاميّة زلزالاً سياسياً طبّق أرجاء المعمورة بأعلى الدرجات بمقياس الحرّيّة والحقّ والعدل. كانت حرب تمّوز الزلزال الأقوى، الذي يختزن قوّة سابقه، وما تراكم من تجارب الثورة والجهاد الميدانيّ خلال حوالي ثلاثة عقود.

ومع تردّدات الزلزال الثاني المترادفة حتّى الآن في خطٍّ بيانيّ تصاعديّ:

1) أمكن فهمُ بعض مرامي الإمام الخمينيّ المسدّدة، إنْ عندما قال: «الخيرُ في ما وقع»، أو عند إعلانه - من قبل - «يوم القدس العالميّ»، أو لدى حديثه عن تحطّم الأصنام الكبيرة.

2) وما تزال ساحات الجهاد تتعاظم كمّاً وكيفاً، تدعو كلّ مسلمٍ وبالخصوص أهل «يَا لَيتَنَا كُنّا مَعَك»، ولسان الحال:

وما زال شَوْطُك بدءَ الطريقِ     وتَدعوكَ ملحاحةً كربلاء

***

من الواضح أنّ خوضَ غمرات الجهاد لا ينحصر بمَن يلتزم بالمرجعيّة الفقهيّة للإمامين الخمينيّ والخامنئيّ. ما أكثر الشهداء والمنتظِرين ممّن يلتزمون بمرجعيّة مراجع آخرين.

ولم يعد خافياً أن بعضَ المقلّدين لمراجع آخرين، تتجاذبهم التصنيفات التالية:

1) يتحمّسون لخطّ الجهاد، ولا يُجاهدون. (ويدخل في هذا التصنيف بعضُ مقلّدي المرجعَين الخمينيّ والخامنئيّ).

2) يسكتون عن خطّ الجهاد، وقد يؤيّدونه.

3) يُعادون خطّ الجهاد جزئيّاً، أو كلّيّاً بحيث تبلغ الأولويّة عندهم معاداة خطّ الجهاد وولاية الفقيه.

وهنا نتيجتان بديهيّتان:

1) لا يتحمّل المراجع الأجلّاء نتائج تطبيقات مقلّديهم الخطأ لفتاواهم الكلّيّة والعامّة.

2) اغتنام الشيطان الأكبر وأدواته فرصة هذه الثغرة، للنفاذ منها لاختراق الجبهة التي يُفترض أنّها «معسكر الإمام صاحب الزّمان» عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

***

المفارقة العجيبة التي تترك الحليمَ حيران، هي موقف بعض «الموالين» – من كلّ التصنيفات المتقدّمة، ومن مقلّدي جميع المراجع الأجلّاء - الذين أيقنوا أنّه لا وصولَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلا بولاية عليٍّ والصدّيقة الكبرى الشهيدة الزهراء عليهما السلام والأئمّة من بَنيهم عليهم السلام، ولكنّهم رغم هذا الاعتقاد العظيم، لم يحدّثوا أنفسَهم بجهاد، بل ربّما كان «جهاد» بعضهم محاربة خطّ الجهاد وولاية الفقيه!

في المراحل الأولى لجهاد المقاومة ضدّ العدوّ الصهيونيّ، كان لسانُ حال بعضهم - أو المقال -: هل نحرّر فلسطين للنّواصب؟

وفي مراحل «الدفاع المقدّس» في الشام ضدَّ النواصب، صارت حجّتُهم الداحضة: الحرص على دماء المسلمين!!

وفي مواجهة «دواعش آل سعود» في العراق، لم يَحموا ظهرَ الحشد الشعبيّ من مؤامرات «آل سعود»، فإذا بسفيرهم ووزير خارجيّتهم يتصرّفان وكأنّ «آل سعود» لا علاقةَ لهم بتجييش الدواعش، ولا بتهديدهم لكربلاء والنجف اللّتين كان «آل سعود» قد شنّوا عليهما الغارات وارتكبوا المجازر الفظيعة.

وثالثةُ الأثافيّ، صمتُهم المريب على جرائم «آل سعود» في اليمن!!!

***

إلى كلّ قاعدٍ عن الجهاد، ظنّاً منه بأنّ «الانتظار» وقوفٌ على التلّ:

1) هل يُمكن لمن لا يفكّر بالتدريب والإعداد و«لَم يَغْزُ، ولَم يُحَدِّث نفسَه بغَزو»، أن يقرأ هذه الفقرات من دعاء «العهد» بصدق: «اللّهُمّ فَإِنْ حَالَ بَينِي وَبَينَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْمَاً مَقْضِيَّاً، فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِرَاً كَفَنِي شَاهِرَاً سَيفِي مُجَرِّدَاً قَنَاتِي مُلَبِّيَاً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الحَاضِرِ وَالبَادِي..»؟ هل يطمعُ أن يخرجَ من قبره ليشاركَ في الجهاد الذي لم يفكّر به ولو لحظة، عندما كان في قيد الحياة؟!

2) أليس اكتمالُ التبرّي شرط اكتمال التولّي وتمامه. ما الفرقُ بين عدم اكتمال التبرّي من بني أميّة وبين امتدادهم الطبيعيّ «آل سعود» وسائر الوهّابيّين ودواعشهم؟

***

آنَ الأوان أيّها العزيز، ليُردِّد القلبُ مع وراث الحسين والنّبيّين عليهم السلام:

«وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ، وَتَقْتُلُ بِهِ عَدُوَّكَ فِي الصَّفِّ الَّذِي وَصَفْتَ بِهِ أَهْلَهُ فِي كِتَابِكَ ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ فِي أَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيكَ، فِي أَحَبِّ المَواطِنِ إِلَيكَ».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

22/07/2017

دوريات

  أجنبية

أجنبية

22/07/2017

أجنبية

نفحات