«لا إله إلّا الله»
إخلاصها يُدخِلُ الجنّة*
إعداد: «شعائر»
يَصف الإمام الخميني، الشيخ الصّدوق قُدِّس سرُّهما، بأنّه «يَتصاغَر أمامه أعاظم العلماء».
والمِحوَر في علوِّ مقام كلِّ مؤمن، هو نوع توحيده لله تعالى، وهو يَتوقّف على مرتبة إخلاصه.
حول الإخلاص في ذِكْر «لا إله إلَّا الله»، قال الشيخ الصَّدوق قدّس سرُّه: «الإخلاص قِوام العمل وروحه، فإذا فارقه يَصير العمل كالجثّة الهامدة لا حراك لها ولا فائدة تُرجى منها».
عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن قال لا إله إلَّا الله مُخلصاً دخل الجنّة، وإخلاصه بها أن يَحجزه لا إله إلَّا الله عن ما حرّم الله عزّ وجلّ».
وتسأل: نقول «لا إله إلَّا الله» ونَبقى معرَّضين للوقوع في الحرام.
فهل يَدُلُّ هذا على عدم إخلاصنا؟ وهل معنى ذلك أنّها لا تَنفعنا؟
رُوي عن الصحابي الجليل حُذَيْفة بن اليمان ما يَصلح أن يكون جواباً على السؤالين معاً، قال: «لا تزال لا إله إلَّا الله تَرُدُّ غَضَب الرَّب جلَّ جلالُه عن العباد، ما كانوا لا يبالون ما انْتَقص من دنياهم إذا سَلِم لهم دينُهم، فإذا كانوا لا يبالون ما انْتَقص من دينهم إذا سَلِمت دُنياهم، ثمَّ قالوها رُدَّت عليهم، وقيل كذبتُم ولستُم بها صادقين».
يُتصوَّر الحَجْز عمّا حرَّم الله تعالى على مستوَيَين: إتّخاذ القرار بِعدم المعصية، والتنفيذ العملي لذلك، وبينهما بَوْنٌ شاسع، إلَّا أنَّ الثاني يبدأ في الحقيقة بالأوَّل.
لَئِن كنَّا أَعجز من أن نترك المحرَّمات كلّها دفعة واحدة، فنحن قادرون على حبِّ ترك المعصية، واتّخاذ القرار بعدم المعصية، بحيث إذا زَلَّت القَدم، فإنّ ذلك دون سابق عَمْدٍ وإصرار.
إذا تَحقَّقت فينا هذه المرتبة، فطبيعي أنّنا قد بدأنا بالتدرُّج لِنَصل إلى حيث لا نُبالي بما انْتَقص من دُنيانا إذا سَلِم لنا دِيننا، مع أنَّنا نبقى والحال هذه معرَّضين للوقوع في المعصية، إلَّا أنّها تُتْبَع بتجديد التوبة والإستغفار، وهي بعدُ زَلَّة قَدَم.
إنَّ الله عزّ وجلّ يَعلم ضعفنا، والمطلوب أن نُكثِر من هذا الذِّكر ونحن نُريد الوصول إلى مرتبة الإخلاص التامّ بلا إله إلَّا الله، وسَنَصل، طالت المُدَّة أم قَصُرت، لأنَّ قَطْع أيِّ طريقٍ يتوقّف على مدى بَذْل الجهد فيه، والتدرُّجُ في كلِّ شيء أمر طبيعي، فلماذا نَميل إلى أن نُفسِّر قول الإمام الصادق عليه السلام: «مَن قال لا إله إلَّا الله مخلصاً..» بمعزل عن سُنَّة التدرُّج الطبيعيّة.
وإذا وصلنا، فقد اكتمَل الإخلاص الذي نسعى أن يكون في كلِّ مرتبة من مراتبه غاية ما يمكننا، وهو حاجز بيننا وبين المعاصي بَحَسبه، بلْ بِحَسبنا، وعندما يَكتمل هذا الإخلاص يكتمل الحاجز بيننا وبين ما حرّم الله عزّ وجلّ.
حول الإخلاص في ذِكْر «لا إله إلَّا الله»، ورد في هامش كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصَّدوق: «الإخلاص قِوام العمل وروحه، فإذا فارقه يَصير العمل كالجثّة الهامدة لا حراك لها، ولا فائدة تُرجى منها. وكلمة لا إله إلّا الله هي الفارقة بين الكُفر والإيمان في هذه النَّشأة، لكن لا ثمرة لها في الآخرة إذا زايلها الإخلاص، وعلامة الإخلاص الذي معناه الإنقطاع إلى الله عزّ وجلّ والتقرُّب إليه والتبريّ عمّن سواه، هي الإجتناب عن جميع المُحرَّمات والإتيان بالواجبات وذلك الذي يوجِب دُخول الجنّة، وأمّا إذا قالها القائل لِجَرِّ نفعٍ مذموم، أو كَسْب شَرَف مَوْهوم، دون أن يقصد التقرُّب منه عزّ وجلّ، فلا تحجزه عن المحرَّمات، ولا تَحجزه كلمة التوحيد في الآخرة عن العقوبات».
والنتيجة العمليّة من جميع ما تقدّم، أنّ على مَن يقول «لا إله إلَّا الله» أو أيّ ذِكر أو دعاء أو وِرْد، أن يقول ذلك بهدف التقرّب إلى الله عزّ وجلّ.
مَن أراد أن يحصل من العبادة على ربح شخصي بمعنى أن تَتبلوَر إنسانيّته، ويَصِل إلى المراتب الإيمانيّة العالية، فليتوجَّه إلى الله تعالى، أما إذا توجَّه إلى ذاتيّته وأنانيّته فإنّه يكون قد سَلَك طريق تعزيز الحيوانيّة في شخصيّته، لأنَّ الحيوان لا عقل له يَردعه عن الإنغلاق على ذاته، والطاعة العمياء لنزواته.
إنّنا أمام فرصة لغرس نبتة التوحيد في القلب في موسم مُخصَّص لذلك.
* من كتاب (مناهل الرجاء – أعمال شهر شعبان، الشيخ حسين كوراني)