أهمية الصِّدق في سلامة المجتمع
ـــــــــــــــــــــ
السيّد مهدي الصدر* رحمه الله ـــــــــــــــــــــ
الصّدق هو مطابقة القول
للواقع، وهو أشرفُ الفضائل النفسية، والمزايا الخُلقية، لخصائصه الجليلة، وآثاره
الهامّة في حياة الفرد والمجتمع. فهو زينة الحديث ورواؤه، ورمز الاستقامة والصلاح،
وسبب النجاح والنجاة، لذلك مجّدته الشريعة الإسلامية، وحرّضت عليه، قرآناً وسنّة.
- قال تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ
بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ
جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ الزمر: 33-34.
- وقال تعالى: ﴿..هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ
صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا..﴾ المائدة:119.
- وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة:119.
وهكذا كرَّم رسول الله وأهلُ
البيت عليهم السلام هذا الخُلق الرفيع، ودعوا إليه بأساليبهم البليغة الحكيمة:
* قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «زِينةُ
الحَديثِ الصِّدقُ».
* وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «اِلزمُوا
الصِّدقَ فإنّه مَنجاةٌ».
* وقال الصادق عليه السلام: «لَا تَغْتَرُّوا
بِصَلَاتِهِمْ ولَا بِصِيَامِهِمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا لَهِجَ بِالصَّلَاةِ
والصَّوْمِ حَتَّى لَوْ تَرَكَه اسْتَوْحَشَ، ولَكِنِ اخْتَبِرُوهُمْ عِنْدَ صِدْقِ
الْحَدِيثِ، وأَدَاءِ الأَمَانَةِ».
* وقال عليه السلام: «مَنْ
صَدَقَ لِسَانُه زَكَا عَمَلُه». أي صار عملُه ببركة الصّدق زاكياً نامياً في
الثواب، لأنّ الله تعالى ﴿..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ المائدة:27،
والصّدق من أبرز خصائص التقوى.
مآثر
الصدق
من ضرورات الحياة
الاجتماعية، ومقوّماتها الأصلية شيوع التفاهم والتآزر بين عناصر المجتمع وأفراده،
ليستطيعوا بذلك النهوض بأعباء الدنيا، وتحقيق غاياتها وأهدافها، ومن ثمّ ليسعدوا
بحياة كريمة هانئة، وتَعايش سلميّ. وتلك غايات سامية، لا تتحقّق إلّا بالتفاهم
الصحيح، والتعاون الوثيق، وتبادل الثقة والائتمان بين أولئك الأفراد.
وبديهيّ أنّ اللسان هو
أداة التفاهم، ومنطلق المعاني والأفكار، والترجمان المفسِّر عمّا يدور في خلَد
الناس من مختلف المفاهيم والغايات، فهو يلعب دوراً خطيراً في حياة المجتمع، وتجاوب
مشاعره وأفكاره. وعلى صدقه أو كَذِبه ترتكز سعادة المجتمع أو شقاؤه، فإنْ كان
اللسان صادقَ اللهجة، أميناً في ترجمة خوالج النفس وأغراضها، أدىّ رسالة التفاهم
والتواثق، وكان رائدَ خير، ورسول محبّة وسلام.
وإن كان متّصفاً بالخداع
والتزوير، وخيانة الترجمة والإعراب، غدا رائد شرّ، ومدعاة تناكُر وتباغض بين أفراد
المجتمع، ومعوَل هَدمٍ في كيانه.
من أجل ذلك كان الصدق من
ضرورات المجتمع، وحاجاته الملحّة، وكانت له آثاره وانعكاساته في حياة الناس. فهو
نظام المجتمع السعيد، ورمز خلُقه الرفيع، ودليل استقامة أفراده ونُبلهم، والباعث القويّ
على طيب السمعة، وحسن الثناء والتقدير، وكسب الثقة والائتمان من الناس.
كما له آثاره ومعطياته
في توفير الوقت الثمين، وكسب الراحة الجسمية والنفسية. فإذا صدق المتبايعون في
مبايعاتهم، ارتاحوا جميعاً من عناء المماكسة، وضياع الوقت الثمين في نشدان الواقع،
وتحرّي الصدق. وإذا تواطأ أرباب الأعمال والوظائف على التزام الصدق، كان ذلك
ضماناً لصيانة حقوق الناس، واستتباب أمنِهم ورخائهم. وإذا تحلّى كافّة الناس بالصّدق،
ودرجوا عليه، أحرزوا منافعه الجمّة، ومغانمه الجليلة.
وإذا شاع الكذِب في
المجتمع، وهتْ قَيَمُه الأخلاقية، وساد التبرّم والسَّخَط بين أفراده، وعزَّ فيه
التفاهم والتعاون، وغدا عُرضةً للتبعثر والانهيار.
ــــــــــــــ
* من كتابه (أخلاق أهل
البيت عليهم السلام)