تحقيق

تحقيق

منذ يومين

صلح الإمام الحسن عليه السلام

 

صلح الإمام الحسن عليه السلام

الأبعاد الإلهية والظروف التاريخية

ــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ عديّ طالب آل حمود* ــــــــــــــــــــــــــــ

التاريخ علم ووعي ومعرفة بالأحداث وما يقف وراءها من أسباب ودواعي سياسية واجتماعية، لأنّ التاريخ حركة الأفكار والأفعال البشرية وتطوّرها، وبهذا يتميّز المؤرّخ عن المحدِّث أو الأخباريّ. فلا يمكن لمفكّر فهم أيّ حدث تاريخي بمعزل عن ظرفَيه؛ الزماني والمكاني، فإنّ لهما المدخلية العظيمة في تحليل ذلك الحدث موضوعياً واستيعاب أسبابه ونتائجه وآثاره.

هذا التحقيق الذي كتبه الباحث والمحقّق الإسلامي الشيخ عدي طالب آل حمود يتناول الأبعاد الإلهية والتاريخية لصلح الإمام الحسن عليه السلام كحدثٍ تاريخيّ كان له الأثر العظيم في تشخيص هويّة الأمّة الإسلامية بشرائحها كافة، وقد تركّز على جلاء نقطتين أساسيّتين: جذور العناد الأموي لآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكذلك انتصارهم الدؤوب للثقافة الجاهلية في قبالة ثقافة الإسلام المحمّدي الأصيل.

«شعائر»

 

على الرغم من أن إبرام «الصلح» بين الإمام الحسن عليه السلام وبين معاوية بن صخر - لعنه الله - جرى في العراق، إلا أنّ جذوره تمتدّ لتستقي أصولها من مكّة المكرّمة، وما جرى فيها من أحداث جمّة وما تأصّل هناك من ثقافات مختلفة إثر تنوّع مصادرها.

 

 

المجتمع المكّيّ القبليّ قبل الإسلام تمثّل بقبيلة قريش ذات البطون التي تجاوزت العشرين، كبني هاشم، وبني أميّة، وبني عبد الدار، وبني زهرة، وبني مخزوم، وغيرهم من البطون، وقد تميّز هذا المجتمع بشدة المنافسة بين أقطابه على الرئاسة، والتفاخر بالآباء والأنساب والوجاهة والمال والكثرة العددية، حتى وصل الأمر إلى التفاخر بعديد الأموات. قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى‏ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾. (التكاثر:1-2)

أدى التنافس والتحاسد بين هذه البطون إلى عقد الأحلاف فيما بينها، فظهر «حلف الأحلاف»، وقد ضمّ بني عبد الدار وبني مخزوم وغيرهم، وظهر «حلف المطيَّبين» ضمّ نفراً من بني هاشم وبني زُهرة وغيرهم.

وذكرت المصادر التاريخية أنّ التنافس كان على أشدّه، لا سيما بين البطون الكبيرة المؤثرة كبني هاشم وأميّة ومخزوم. ويكشف لنا جانباً من ذلك الكلامُ الذي دار يومَ بدر بين الأخنس بن شريق سيّدِ بني زُهرة، وأبي جهل - وهو من بني مخزوم - حيث سأله الأخنس: أترى محمّداً يكذب؟

فقال أبو جهل: «كيف يكذب على الله وكنّا نسمّيه الأمينَ لأنه ما كذب قطّ، ولكن إذا اجتمعت في بني هاشمٍ السقايةُ والرفادةُ والمشورة، ثمّ تكون فيهم النبوّة فأيُّ شيءٍ يبقى لنا؟»!

وكذا قول أبي سفيان: «كنّا وبني هاشم كفرسَي رِهان، كلّما جاؤوا بشيءٍ جئنا بشيء مقابل، حتّى جاء منهم من ادّعى خبر السماء، فأنّى نأتيهم بذلك؟»!

 

 

وسوف يستمرّ هذا البغض والحسد – كما هو معروف تاريخياً - حتّى بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله ودخول الناس في دين الله أفواجاً. ويدلّ على ذلك ما ذكره المفسّرون في قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾. (النساء:54)

تحريف بني أمية للثقافة الإسلامية

عُرّفت الثقافة بأنها: «جميع السِّمات الروحية والمادية والعاطفية التي تميّز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الإنسانية للإنسان ونظم القيم والمعتقدات والتقاليد».

ووفق هذا التعريف؛ فإنْ أجمعت الأمّة على سِمات روحية ومادية وعاطفية واحدة فهي الأمة الواحدة، وإلا فهي الممزّقة ذات أشلاء متناحرة ومتصارعة.

جاء الإسلام المحمديّ الأصيل بمفاهيم لسمات روحية ومادية وعاطفية حاول تجذيرها في نفوس المسلمين وترسيخها في شخصية الأمة بغية إظهارها بهوية واحدة، فهل تحقّق ذلك أم لا؟

نستطيع القول - بضرسٍ قاطع - وفق الوقائع التاريخية الكثيرة؛ ومنها الحروب التي استعرت في الفترات اللاحقة - كالجمل وصفّين والنهروان وغيرها - أنّ الإسلام لم يترسّخ بحقيقته عقيدةً في نفوس جميع المسلمين، بل كان الأكثر لم يزل يخوض مع الخائضين في الثقافة القبليّة الجاهليّة. بل نجد الأمر جلياً حتّى ضمن مجتمع الأنصار في المدينة المنوّرة حينما قالوا للمهاجرين يوم السقيفة: «منّا أمير ومنكم أمير»! والشواهد في هذا الباب كثيرة جدّاً، وما تقدّم مجرّد إشارة.

ثمّ إنّ الإسلام المحمّدي الأصيل قائمٌ على أركان خمسة: «التوحيد، العدل، النبوّة، الإمامة، المعاد»، فضلاً عمّا يتفرّع عليها من الصلاة والصوم والحجّ وغيرها، وقد عمل العداء للرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله ولأهل بيته إلى أن يقوم البعض ممّن دخل الإسلام - نفاقاً أو خوفاً أو طمعاً - إلى التغيير الكبير في هذه المفاهيم، وبذلك شرع ديناً جديداً أطلق عليه بعض الأعلام بـ«الإسلام الأموي»، والمقام لا يسع لذكر الكثير من الشواهد على محاربة هؤلاء للدّين المحمّديّ الحقّ، ومحاولة تجذير اعتقاداتهم وتغليب مصالحهم، وسنذكر شاهداً واحداً على ذلك:

«قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلتُ  مع أبي على معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدّث معه ثمّ ينصرف إليَّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب ممّا يرى منه. إذ جاء ذات ليلةٍ فأمسك عن العشاء، ورأيتُه مغتمّاً فانتظرته ساعة، وظننتُ أنّه لأمرٍ حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟

فقال: يا بنيّ، جئتُ من عند أكفر الناس وأخبثهم؟!

قلت: وما ذاك؟

قال: قلت له - أي لمعاوية - وقد خلوتُ به: إنّكَ قد كبُرتَ، ولو نظرتَ إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلتَ أرحامهم. فوَاللهِ ما عندهم اليوم شيءٌ تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكرُه وثوابه؟

فقال: هيهات هيهات، أيّ ذكرٍ أرجو بقاءه؟! ملك أخو تيم فعدل! وفعل ما فعل، فما عدا أنْ هلك حتّى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر.

ثم ملك أخو عَديّ، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أنْ هلك حتّى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر.

وإنّ (ابن عبد الله) يُصاح به كلّ يومٍ خمس مرّات: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فأيّ عملٍ يبقى، وأيّ ذكرٍ يدوم بعد هذا، لا أبا لك - ألا وَاللهِ إلا دفناً دفناً»!

استطاع رسول الله صلّى الله عليه واله ترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة وبناء شخصية الفرد المسلم، إلا أن ثقافة الجاهلية بقيت كامنة في نفوس الكثير ممن دخلوا الإسلام؛ لا سيما أولئك الذين دخلوا الدين رهبةً وخوفاً بعد فتح مكّة، وكذا المنافقون الذين دخلوا الإسلام ظاهراً من قبل الفتح وهم كُثر، بل نستطيع القول، قطعاً، بأنّ الثقافة النبويّة لم تتأصّل في تلك الفترة في نفوس غالبية المسلمين، ولم تهذّبها بتعاليم العقيدة الحقّة، وإلا لما حدث في الإسلام والمسلمين ما حدث بعد رحيل رسول الله صلّى الله عليه وآله، لا سيّما مؤامرة الانقلاب على الأعقاب، وما جرى على سيّدة نساء العالمين عليها السلام.

وما ورد في الزيارة الجامعة لأئمّة المسلمين خيرُ شاهد على ذلك. فقد ورد فيها بعد بيان منزلة الأئمة المعصومين عليهم السلام، ومقدار الظلم الواقع عليهم، وأنهم الوسيلة إلى الله تعالى: «إنّي بكم أتقرّبُ إلى الله جلّ وعلا بالخِلاف على الذين غدروا بكم، ونكثوا بيعتكم، وجحدوا ولايتكم، وأنكروا منزلتكم، وخلعوا ربقةَ طاعتكم، وهجروا أسباب مودّتكم، وتقرّبوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم والإعراض عنكم...».

هذا التلقين من قبل الأئمّة الطاهرين عليهم السلام لشيعتهم في محاولة تهذيبهم بالعقيدة الحقّة والدين المحمّديّ الصحيح بغية خلْق جيلٍ موالٍ شيعيّ بعيدٍ عن الانحرافات التي ابتدعها الأعداء.

«الصلح» بما هو كشفٌ للزيف الأموي

العراق وعاصمته الكوفة إبان خلافة الإمام الحسن عليه السلام، وفيها محورُ الأحداث، والمفترض تواجد أنصار الإمام عليه السلام فيها بشكلٍ كثيف، لكنْ إذا راجعنا الواقع السكانيّ نجد أن نسبة الشيعة الموالين في الكوفة لم تتجاوز العشرين بالمئة، أي خُمس الكوفيين، حيث إن نصف الكوفة كان من الموالي والنصارى بقسمَيها النساطرة واليعاقبة، وكذا اليهود، وأنصار البيت الأموي الذين شكّلوا نسبة تجاوزت الخمسة بالمئة من الكوفيّين، فضلاً عن الأعراب التابعين لكلّ ناعق. ولا يخفى أن نسبة الشيعة، وهي كما قلنا الخُمس تقريباً، لم تكن جميعها على وعي تام بالعقائد الشيعية التي في مقدّمتها التسليم المطلق للإمام المعصوم عليه السلام.

وخلاصة الأمر، أنّ الاعتقاد السائد عندهم كان أنّه عليه السلام حاكمٌ شرعيّ غير منصَّب – بالضرورة - من قبل الله تعالى، بل من قبل أهل الحلّ والعقد، أو من قِبل جمهور المسلمين، ومَن كان هذا اعتقاده لا يضحّي بنفسه فداءً للإمام، الأمر الكاشف عن وجود خللٍ كبير في الشخصية العَقَدية الإسلامية من حيث المصداق، فالمسلم الحقّ المقرّ بأصوله وفروعه يسلّم التسليم التامّ للإمام المفترض الطاعة من قبل الله تعالى، وكان الإمام الحسن عليه السلام يركّز على هذا الجانب حتّى قبل أن يُبايع بالخلافة، بل جعل ذلك شرطاً لمبايعته، وحذّر الكوفيّين من غدْر المنافقين ومَن في عقائدهم  خلل.

نقل العلامة المجلسي في (البحار) أنهم قالوا للإمام الحسن عليه السلام: «أنت خليفة أبيك ووصيّه، ونحن السامعون المطيعون لك، فمُرنا بأمرِك».

فقال عليه السلام: «كذبتم واللهِ، وما وفيتُم لمَن كان خيراً منّي فكيف تَفون لي؟ وكيف أطمئنّ إليكم وأثِقُ بكم؟ إنْ كنتم صادقين فموعدٌ بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوني هناك..».

بل إن الإمام عليه السلام كان يستنكر على البعض ادعاءه التشيّع. جاءه رجلٌ فقال: يا ابن رسول الله، إني من شيعتكم!

فقال عليه السلام: «يا عبدَ الله، إنْ كنتَ لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقتْ، وإنْ كنتَ بخلاف ذلك فلا تزِد في ذنوبك بدعواك مرتبةً شريفةً لستَ من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم، ولكنْ قُلْ: أنا من مواليكم ومحبّيكم ومُعادي أعدائكم، وأنت في خيرٍ وإلى خير».

بل إن الإمام يصف لنا حقيقة بعض مَن في معسكره ومستوى دينهم وعقيدتهم حيث قال عليه السلام: «واللهِ لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعُنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً، فوَاللهِ لأنْ أسالمه وأنا عزيز، خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسيرُه، أو يمنّ عليّ فتكونَ منّةً على بني هاشمٍ إلى آخر الدّهر، ومعاوية لا يزال يمنّ بها وعَقِبُه على الحيّ منّا والميّت».

فالإمام عليه السلام كان على إحاطة تامّة بالخلل القائم في الشخصية المسلمة ومدى استيعابها للتعاليم الشرعية، وهو كالنبيّ الأعظم عليهما السلام طبيبٌ دوّارٌ بطبّه، عالج الخلل من طريقين اثنين:

الأوّل: كشفُ زيف الأمويّين وفضْحهم على الملأ؛ لا سيما معاوية ومَن مهّدَ له سلطانه.

الثاني: ترسيخ المفاهيم الإسلامية وتهذيب النفوس بها بغية تأسيس قاعدة شيعية مؤمنة وواعية بالعقيدة والواقع السياسي والاجتماعي الموجود، عاملة على تغيير ذلك الواقع وإيجاد التغيير المطلوب للوصول إلى دولة العدل الإلهيّ.

 

دحض البهتان الأموي

عمد الإمام الحسن عليه السلام إلى إبرام عقد «الصلح» مع معاوية المتستّر بلباس الدين والتقوى لفضح نفاقه وكُفره، وقد تمّ ذلك بعد «الصلح» مباشرة، فحينما استتبّ الأمر لمعاوية غدَرَ من غير حياءٍ من المسلمين، وأعلن بكلّ وقاحة أنه تراجع عن كلّ ما عاهد عليه الإمام عليه السلام.

وكذا يمكن لنا الوقوف بجلاء على جهد الإمام عليه السلام في فضح هؤلاء عبر مواقف عدّة، ولعلّ أبرزها ما نُقل في عددٍ من المصادر التاريخية، قالوا: «لم يكن في الإسلام يومٌ في مشاجرةٍ قومٍ اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً، ولا أشدّ مبالغةً في قول، من يومٍ اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بنُ عثمان بن عفّان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عتبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطأوا على أمرٍ واحد.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية: ألا تبعث إلى الحسن بن عليّ فتُحضره، فقد أحيا سيرة أبيه، وخفقتِ النعال خلفَه. إنْ أمرَ فأُطيع، وإنْ قال فصُدِّق. وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظمُ منهما، فلو بعثتَ إليه فقصّرنا به وبأبيه... وقعدنا لذلك حتّى نصدُقَ لك فيه.

فقال لهم معاوية: إنّي أخاف أنْ يقلّدكم قلائد يبقى عليكم عارُها حتّى تُدخِلَكم قبوركم، واللهِ ما رأيتُه قطّ إلا.. هِبْتُ عتابَه..».

والواقعة مطوّلة جداً فضح عبرها الإمام الحسن عليه السلام هذه الفئة الباطلة الباغية. ونلحظ في ما تقدّم من كلام عمرو بن العاص بأنّ الإمام أحيا سيرة أمير المؤمنين عليه السلام وكثُر أتباعه؛ بمعنى أن الإمام عليه السلام بذل الجهد الكبير في تربية أتباع موالين، بحيث إنّ الأعداء أرهبهم ذلك وأنه على خُطى أمير المؤمنين عليه السلام، مع ملاحظة أنّ هذه الواقعة حصلت بعد عقد «الصلح».

أما فيما يخصّ ترسيخ الإمام الحسن عليه السلام لمفاهيم الدين المحمّديّ الحقّ؛ فهو صلوات الله عليه بحرٌ متلاطمٌ لا ساحلَ له ولا حدود، يُمكن للصيّاد الماهر استخراج لآلئه وكنوزه عبر البحث في جانبين:

الأول: السيرة العطرة له سلام الله عليه وما تضمّنت من مواقف أقامت الحجّة على أنه الإمام المفترض الطاعة من قبل الله تعالى، وفي مقدّمة أعماله الإصلاحية موافقته على «الصلح» حقناً لدماء المؤمنين، وكذا إعداد أتباع عقائديّين واعيين جيداً للأحداث مسلِّمين للإمام تمام التسليم، ولعلّ هذه الميزة كانت مفقودة لدى الكثيرين من أهل الكوفة يومها، وقد برهن سيد الشهداء عليه السلام ذلك عملياً حينما دعاهم لنصرته والنهضة معه فلم ينهض معه إلا أقلّ القليل.

ومن بعد الواقعة الفاجعة في كربلاء نجد أن أئمة الهدى سلام الله عليهم اتّخذوا منهجاً إصلاحياً سِمَته اعتزال السياسة ظاهراً وإعداد نُخب علمية وعملية تأخذ على عاتقها إصلاح الأمة، وتوسّعَ المنهج إلى أن بلغ الذروة في عهد الصادقَين عليهما السلام وتأسيس الجامعة الإسلامية الكبرى في المدينة المنوّرة.

الثاني: الأحاديث التوحيديّة النبويّة المروية عنه، فقد تحدّث الإمام عليه السلام بعمق في جملة من قضايا العقائد مثل القضاء والقدَر والجبر والتفويض، لا سيّما وأنّ الأمويّين شرعوا في تلك الفترة بتأسيس مدرستهم الجبرية بالتوازي مع سياسة اختلاق الأحاديث ووضعها، وكذا تحدّث صلوات الله عليه في النبوّة وصفات النبيّ، وفي الإمامة وصفات الإمام وعلمه، وفي العبادات والأخلاقيات الشيء الكثير، وفي السياسة ما يصلُح لبحثٍ واسع، ويُمكن المتتبّع أن يراجع الموسوعة القيّمة لكلماته صلوات الله عليه، من إعداد «معهد باقر العلوم عليه السلام» في قمّ المقدّسة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عالم دين وباحث - العراق

اخبار مرتبطة

  حدود الله

حدود الله

منذ يومين

أحكام المسجد

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

نفحات