كلمة سواء

كلمة سواء

منذ يومين

حُسن الخُلق من كمال العقل

 

حُسن الخُلق من كمال العقل

ـــــــــــــــــ الفقيه الشيخ محمّد صالح المازندراني رحمه الله ـــــــــــــــــ

العقلُ نورٌ ربّاني يفَرَّق به بين الحقِّ والباطل، وتُستبان به المعارف والعواقب، وتُترك به الذّمائم والقبائح، ويتبعه قوّة الالتفات إلى جميع المحاسن والفضائل، التي منها حُسن الخُلق.

واختلف العلماء في تعريف حُسن الخلق؛ فقيل: هو بسطُ الوجه وكفّ الأذى وبذلُ الندى.

وقيل: هو أن لا يظلم صاحبه ولا يمنع ولا يجفو أحداً، وإن ظُلم غفر، وإن مُنع شكر، وإن ابتُلي صبر.

وقيل: هو صدقُ التحمّل وترك التجمّل، وحبُّ الآخرة وبُغض الدُّنيا.

والحقّ أنَّ كلَّ هذه تعاريف له بالآثار والأفعال التابعة له الدّالة عليه، وأنّه ملَكة يسهل على صاحبها فعل الجميل وتجنّب القبيح، ويعرف ذلك بمخالطة الناس بالمعروف، والصدق، والصِّلة، والتودّد، واللّطف، والمبرّة، وحُسن الصّحبة والعِشرة، والمراعاة، والمواساة، والرّفق، والحِلم، والصبر، والاحتمال منهم، والإشفاق عليهم. وهو حُسن الصورة الباطنة التي هي صورة النفس الناطقة، كما أنّ حُسن الخَلْق - بالفتح - هو حُسن الصورة الظاهرة، إلاّ أن حسن هذه الصورة الظاهرة ليس بقدرتنا واختيارنا، بخلاف حُسن الصورة الباطنة فإنّه من فيض الحقّ، وقد يكون مكتسباً، ولهذا تكرّر في الدعاء سؤاله من الله تعالى، وتظافرت الأخبار بالحثّ عليه وبتحصيله والترغيب فيه بمدحه.

ولا شبهة في أنّ العقول متفاوتة في النور والضياء تفاوتاً فاحشاً، لا تكاد تنحصر في عدد، وبالتّبع تتفاوت الأخلاق التابعة لها تفاوتاً عظيماً. فقد ظهر أنَّ العقل كلّما كان أكمل وأتقن كان الخُلق أكملَ وأحسن. وقد رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «أكمَلُ النّاسِ عَقْلًا أحسَنُهُم خُلُقاً».

وأيضاً، العقل محلٌّ للحكمة الإلهية والمعارف الرّبانيّة، وهي توجب محبّته تعالى ومحبّته توجب محبّة عباده من حيث أنّهم عباده وصنايعه، لأنَّ من أحبَّ أحداً أحبَّ جميع أفعاله من حيث إنّها أفعاله، وكما تقتضي محبّة الله تعالى تعظيمه ظاهراً وباطناً، كذلك تقتضي محبّة عباده تعظيم وتكريمهم والتلطّف بهم ظاهراً وباطناً، وهو حُسن الخُلق.

ولكن لمّا كانت درجات معرفته متفاوتة، ومراتب محبّته تعالى مختلفة، كانت مراتب محبّتهم أيضاً كذلك. ومن ههنا أيضاً يتبيّن أنَّ العقل كلّما كان أكمل كان الخُلق أحسن، ولذلك قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وآله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم:4، لأنّ عقله فوق جميع العقول وأسناها، ومعرفته فوق جميع المراتب وأعلاها، ومحبّته فوق جميع الدّرجات وأقصاها، فخُلقه فوق جميع الأخلاق وأقواها، ولذلك اتّصف بالعظمة البالغة الّتي لا تبلغ العقول منتهاها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* (شرح أصول الكافي)

اخبار مرتبطة

  حدود الله

حدود الله

منذ يومين

أحكام المسجد

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

نفحات